سخّرَ عدد من دول المنطقة العربية التكنولوجيا الحديثة في مكافحة جائحة كورونا، حيث يبدو أن الانتاج المحلي في مواجهة الجائحة لم يقتصر على خياطة كمامات من القماش والمواد المعقمة الطبية، بل توسع إلى تطوير تقنيات وتطبيقات تُحمَّل على الهواتف الذكية، أو إدخال تعديلات على المسيّرات (طائرات الدرون) وتطويرها لفرض الرقابة الصحية.
وعلى سبيل المثال طورت “شركة الفراشة في المغرب طائرات درون “صحية” كما بات يطلق عليها، للمراقبة الحرارية ورش المواد المعقمة.
كذلك الأمر مع “شركة فوكسيل” السعودية، و”تالنت” التونسية.
وحتى في بلد يعاني أزمات اقتصادية وسياسية كالسودان، تم إدخال تعديلات على طائرات درون واستخدامها في مكافحة كورونا، وأوكلت هذه المهمة لمنظومة الصناعات الدفاعية، على ما نقلت وسائل إعلام عربية منها “سكاي نيوز عربية”.
تعددت أوجه استخدام الدول العربية الدرون من أجل مراقبة الناس خلال حظر التجول، وقياس حرارة السائقين في سياراتهم في مساعي مكافحة فيروس كورونا. وكانت الصين أول من استخدم هذه التقنية، فهي بؤرة إصابات كورونا الأولى، وسرعان ما اعتمدتها دول عربية حين وصلت إليها العدوى. وفي وقت كانت مخاوف واشنطن من استخدام الدرون الصينية الصنع على نطاق واسع في عدد من الولايات الأميركية وفي عدد من المدن الاوروبية تدور على احتمال وضع الصين اليد على بيانات تهدد الأمن القومي الأميركي والغربي، لم يلق مصير البيانات التي تجمعها الدرون في الدول العربية، اهتماماً يذكر بين المواطنين أو في البرلمانات.
وعلى رغم أن مدناً أوروبية مثل نيس الفرنسية وبروكسيل البلجيكية لجأت إلى طائرات درون صينية الصنع في أزمة كورونا، إلا أن استخدامها فيهما اقتصر على المساهمة بفض تجمعات حين رصدها من طريق بث رسالة صوتية أو رش مبيدات. وحتى هذا الاستخدام لم يكن موضع إجماع.
في باريس، علق مجلس الشورى الفرنسي التوسل بالدرون في مراقبة التجمعات والمساهمة في إرساء الحجر، ورأى أنها تجمع بيانات الأشخاص من دون الاحتكام إلى إطار ناظم، على ما نقل موقع فرانس تي في إنفو.كوم.
أما في عدد من الدول العربية كما في المملكة العربية السعودية وتونس وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة، فاحتُذي النموذج الصيني على نطاق أوسع، وتُوسل بطائرات الدرون في قياس حرارة عامة الناس لتقصي الإصابات المحتملة.
ومثل هذا النموذج حمل إدوارد سنودن (عميل الاستخبارات الامريكية السابق الذي كشف عمليات تنصت واسعة النطاق) على إبداء مخاوف من أن تُكتب حياة مديدة لـ”دولة المراقبة”، على ما سماها، إلى ما بعد طي أزمة فيروس كورونا. وقال :” يعرفون ما تبحث عنه على الانترنت والروحات والجيئات بواسطة الهاتف (الخليوي). واليوم يعرف (المراقبون) معدل ضربات قلبك وإيقاع نبضك”. وسأل، وكأنه يدق ناقوس خطر: “ماذا هم فاعلون حين يستخدمون [هذه البيانات] إلى جانب الذكاء الصناعي”، على ما نقل موقع “ذي نيكست وب.كوم”. وتعذر تقصي مصادر الدرون المستخدمة في العالم العربي فيما خلا عدد محدود من الدول.
في المـغــرب، على سبيل المثال تولت شركة “الفراشة” الناشئة تعديل عمل درون صينية مستخدمة في أعمال بيئية من أجل مكافحة كورونا. وفي المملكة العربية السعودية أعلنت شركة “فوكسيل ” تطوير درون لمكافحة كورونا. أما في الأردن فالمسيّرات (الدرون) تستخدم لمراقبة الالتزام بالحجر الشامل “لضبط كل من يخالف قرار الحظر وتحويله للادعاء العام لاتخاذ الإجراءات القانونية وحجز المركبة” المستخدمة في التجول على ما أعلنت مديرة الأمن العام الأردنية .
هناك نقص في المنظومة التشريعية لحماية البيانات الشخصية وحماية الخصوصية في معظم الدول العربية، وفي حال وُجِدت هذه المنظومة لا توجد معايير او هيئات رقابية تحفظ حقوق الأفراد في الخصوصية وبحماية بياناتهم الشخصية.
أما في تـونــس، فالاستعانة بطائرات مسيرة مجهزة بكاميرا حرارية ومكبرات صوت فهو ثمرة تعاون بين مجمع تالنت ووزارة الصحة التونسية، على ما أعلنت الوزارة. وفي السودان أدخلت منظومة الصناعات الدفاعية السودانية تعديلات على طائرات “درون”، لمكافحة كورونا. ورمت التعديلات إلى إدخال هذه الطائرات خدمة المراقبة، والتوعية الصوتية، وقياس درجات حرارة الأجساد. والسلطات الصحية في الدول هذه أعلنت عن نشر الدرون. ويُرجح أن الصين هي المصدر الأبرز للمسيرات التجارية في الشرق الأوسط، لكونها أكبر منتج لطائرات الدرونز في العالم أما زيادة مبيعات درون “دي جي آي” الصينية غير العسكرية من نوع دي جي آي في الشرق الأوسط ارتفعت العام الجاري مقارنة بالعام الماضي بحسب موقع نيكاي نفسه. وتعود الى هذه الشركة أكثر من ثلثي مجمل المبيعات العالمية للمسيرات غير عسكرية بحسب موقع نيكاي.كوم.
وبحسب تقرير عنوانه “سوق الدرون الصينية 2019-2025 الصادر عن موقع “درون إندستري إنسايتس”، تبلغ حصة الصين 70 في المئة من هذه مبيعات الدرون غير التجارية.
يتوقع أن يبلغ حجم سوق الدرون الصينية 43 بليون دولار أميركي في 2024. أما عائدات الدرون التجارية (غير العسكرية) فيتوقع أن تبلغ 2367 مليون دولار في العام الجاري.
أما “شركة دراغن فلاي” والتي تملك مكاتب رئيسية في كندا والولايات المتحدة، فلم تفصح عن حجم مبيعاتها من الدرون في الشرق الأوسط، على الرغم من بيانات صحافية وتقارير نشرتها مكتبة مجلس العموم البريطاني تشير إلى دورها في منطقة الخليج.
وثمة تعاون وثيق بين الصين وعدد من الدول العربية . فعلى سبيل المثل، أعلن عن إنشاء مصنع طائرات درون صينية مسلحة في السعودية العام 2017 إثر زيارة الملك السعودي محمد بن سلمان إلى الصين.
لكن الدول العربية قطعت شوطاً كبيراً في توسل التكنولوجيا الرقمية والخليوية للرقابة قبل أزمة كورونا.
وتظهر دراسة بعنوان “كولونيال كايبلز: سياسات المراقبة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” صادرة في فيينا مطلع العام الجاري عن “معهد AIES النمساوي، أن الحكومات العربية منذ الربيع العربي في 2010، كثفت الرقابة والتجسس على البيانات واستعانت بشركات أوروبية وإسرائيلية للتنصت على المعارضين والتجسس عليهم والاطلاع على بياناتهم حتى لو غادروا أراضيها إلى كندا أو بريطانيا.
وأبرز هذه الشركات هي شركة غاما البريطانية و”هاكينغ تيم” الإيطالية و”أن أس أو” الاسرائيلية.
وبذلك، فإن التكنولوجيا المستخدمة في مكافحة كورونا لم تشكل منعطفاً غير مسبوق في مراقبة الأفراد في عدد من البلدان العربية، وإنما رسخت ما كان موجوداً عبر تقنية أكثر تطوراً وبعلم المواطنين وترحيبهم أحياناً.
على أن التخبط في تنفيذ التعليمات والصرامة في حجز حرية السائقين وضعهم في دائرة الخطر، بسبب الاحتكاك العشوائي فيما بينهم، حسبما تتبعت معدّة التحقيق من خلال ربط بصري رقمي مباشر مع سائقين على الحدود الاردنية. ولم تتمكن من زيارة مركز الحدود المغلق (154 كيلومترا جنوب عمّان) وكذلك المدرسة العسكرية بسبب طبيعة الموقعين الأمنية/ العسكرية ومخاطر التقاط العدوى.
ويوثق التحقيق سوء تطبيق الجهات الأمنية والصحية لائحة وشروط فحص، إيواء وحجر السائقين، التي وضعت في 10 مايو/ أيار 2020، بعد زيارة طاقم وزاري للمعبر. وتثبت اللقطات من الموقعين غياب التباعد البدني وتجاهل الشروط الوقائية أثناء إجراء فحص PCR ثم انتظار النتيجة يومين على الأقل، بحسبما وثقت معدة التحقيق من خلال ربط بصري رقمي مباشر مع سائقين على الحدود.
تنص لائحة الشروط على انتظار السائقين في شاحناتهم، لكن العديد منهم يعملون وفق نظام المناولة، فيظلّون بلا مأوى على الحدود لحين عودة شاحناتهم من الأردن بعد إفراغ حمولتها. وتسمح هيئة تنظيم النقل البري للسائقين بالانتظار في الساحات لكن من دون تنظيم أو رقابة.
ويتقاطر عشرات المنتظرين على بابي مرفقيْن عاميّْن وحيديْن وغير معقّميْن. يتكرّر هذا المشهد يومياً في العمري منذ أخضعت الحكومة السائقين القادمين إليها لفحص (كوفيد-19) في 15 إبريل/نيسان الماضي، مقابل 45 ديناراً (64 $) يدفعها السائق، لمختبر (MegaLab) الخاص.
وكان هذا المختبر افتتح فرعا له هناك في 17 إبريل/ نيسان 2020 بموجب عقد مع وزارة الصحة، وفقاً لرد وزارة الصحة على طلب الحصول على المعلومات.
تأخر وسوء تنفيذ
جاء قرار الفحص الإجباري ردّة فعل متأخرة 67 يوماً بعد تسجيل أول إصابة قادمة جواً في 2 مارس/آذار 2020، ومرور 51 يوماً على إغلاق المعابر الجوية والبحرية عقب اكتشاف بؤرة وباء في قرية جحفية/ إربد شمالي البلاد في 13 مارس/ آذار الماضي؛ نتيجة حفلة زفاف مخالفة لتوصيات وزارة الصحة بمنع التجمهر. كما تأخرت الإجراءات الحكومية بشأن العمري 25 يوماً بعد الإعلان عن إصابتين لسائقي شاحنات في 14 إبريل/ نيسان ويومين على تفشّي بؤرة إصابات بعدما خرق أحد السائقين في قرية الخناصري بالمفرق (عدد سكانها 549,9 نسمة) شمال شرقي المملكة تعهده بالحجر الذاتي في منزله.
صعود مؤشر الإصابات نتيجة التأخر في ضبط المعبر البرّي حجز الأردن ضمن تصنيف عالي الخطورة، وفق المنهجية التي أعلنها المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات في التعامل مع الوباء، بعدما كان عدد الإصابات المسجلة داخل المملكة صفراً لأحد عشر يوماً متتالية؛ من 25 إبريل/ نيسان إلى 5 مايو/ أيار 2020. وبالتالي أطال تفجّر الوباء فترة الحجر الشامل، التي امتدت من 18 مارس/آذار إلى 4 يونيو/حزيران 2020، ما خسّر المملكة 140 مليون دولار يومياً، وفق تصريحات صحفية لوزير المالية محمد العسعس في 8 مايو/أيار الماضي. كما فقد عشرات الآلاف قوت يومهم، إلى جانب إعسار وإفلاس آلاف المؤسسات المتوسطة والصغيرة.
وهكذا أفضى التأخر شهرين قبل صدور قرار حجر السائقين، عشوائية تطبيقه والإهمال في فرض إجراءات الوقاية والتباعد البدني إلى نتائج معاكسة للهدف، نتيجة حشر السائقين في المركز الحدودي وسط ظروف خطرة وغير صحيّة، كما يوثّق هذا التحقيق.
هذا المآل أدى إلى انتكاسة تمثّلت بتفاقم انتشار العدوى بعد ثبوت إصابة سائق شاحنة قرية الخناصري. من هناك، تفاقمت العدوى في عدّة أيام إلى 104 أشخاص في عدّة مدن، هي إربد، جرش، الرمثا، الزرقاء، والمفرق. بحسب الناطق باسم اللجنة الوطنية للأوبئة د. نذير عبيدات.
الـتطبيقات الذكية
ترى بعض منظمات حقوق الإنسان على غرار منظمة العفو الدولية أن أكثر التطبيقات خطورة على الحريات المدنية هي تلك المستخدمة في الكويت والبحرين. فهذه التطبيقات وبالاضافة الى كونها الزامية، فهي تجمع معلومات وبيانات عن تحركات المواطنين وتتبع تفاصيل الحياة اليومية متجاوزة ما تدعو إليه “الضرورة الصحية” المترتبة على جائحة كوفيد -19.
وتتبعت منظمة العفو الدولية 11 تطبيقا في العالم (الجزائر والبحرين وفرنسا وإيسلندا وإسرائيل والكويت ولبنان والنروج وقطر وتونس والإمارات العربية المتحدة)، ورأت أن تطبيقي الكويت والبحرين يعتمدان نهجاً ” مفرطاً” لا بل “عدائياً” في جمع البيانات وتعقب أصحابها.
وعلى خلاف التطبيقات المعتمدة على “بلو توث” مثل تطبيق “احمي” في تونس لتعقب الأشخاص المجاورين لحامل التطبيقات التي تخفي هوية مستخدميها، يكشف موقع تحديد الإحداثيات العالمي، “جي بي أس” المستخدم في تطبيق “شلونك” الكويتي وتطبيق “مجتمع واعي” البحريني، عن موقع الشخص ومن هم بصحبته وهويتهم من خلال رقم الهاتف أو بطاقة الهوية.
البيانات تساعد على تعقب انتشار المرض
وفي حين التزمت معظم دول المنطقة نهجاً غير مركزي، يُبقي البيانات على الهاتف ويتوسل تقنية “البلوتوث” في رصد المخالطين، نقلت التطبيقات في البحرين والكويت وقطر بيانات المستخدمين إلى خوادم مركزية. وهذا مصدر خطر أمني على الحرية الفردية، وباعث على الخوف من مشاركة البيانات مع أطراف أخرى قد تكون أطراف امنية أو تجارية أو ترفيهية مثلما حصل في البحرين.
في الكـويـت على سبيل المثل، ومن باب التعاون بين الجهات الحكومية قامت الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات “من خلال أعمالها التشغيلية باستضافة وتخزين بيانات تطبيق شلونك”، على ما ورد في موقع “الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات”.
ولكن السؤال الأبرز هو عن مصير التطبيقات والبيانات ما بعد الجائحة، ومصير البيانات وحتى لو لم تنقل إلى خوادم مركزية حكومية. فهل تستطيع أبرز شركتين من عمالقة الانترنت، مثل غوغل وآبل، الاحتفاظ بهذه البيانات؟ وهل سيقتصر استغلالها على الجانب التجاري لتسويق سلع ما بناء على ميزات شريحة من الناس؟ أم سوف تستغل أمنياً؟ لم يطل الأمر قبل إعلان شركتي “آبل” و”غوغل” تحديث خاصية البلوتوث في أنظمة تشغيلهما بدءاً من منتصف أيار (مايو) المنصرم، في خلفية النظام من دون الحاجة لإزالة قفل الجهاز وتعريضه لتلصص الآخرين أو إنهاك بطاريته. على ما نقل موقع مهارات.
كورونا واجهة للأمن
يلاحظ أن جبه كورونا جلا على صورة أخطبوط متعدد الأذرع في عدد من الدول العربية
حيث نشأ تعاون بين عدد من الجهات الحكومية والمدنية: مثلاً تعاون بين وزارة الصحة أو الهيئات الصحية والأمن العام
التطبيقات إلزامية أم اختيارية
فيما خلا تطبيق “احتراز” القطري” و”شلونك” الكويتي و”مجتمع واعي” البحريني، تطبيقات مكافحة الكورونا، كوفيد-19 غير إلزامية و”طوعية محض”، على قول وزارة الصحة التونسية، على رغم أنها صادرة عن وزارات الصحة في الدول المعنية.
ففي الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثل، تطبيق “الحصن” اختياري ومجاني. وهو يتيح الحصول على نتائج الفحص الطبي مباشرة على الهاتف وتتبع مخالطي المرضى. و يعتمد التطبيق على استخدام الإشارات قصيرة المدى الخاصة بتقنية البلوتوث وذلك في حال توفر التطبيق ذاته على الهواتف المحمولة للأشخاص الآخرين، حيث تتبادل الهواتف البيانات الوصفية التي تُخزن بعد ذلك على تطبيق الحصن بصيغة مشفرة موجودة فقط على هواتف المستخدم. ويمكن للجهات الصحية المختصة من خلال هذه البيانات التعرف بسرعة على الأشخاص المعرضين لخطر انتقال العدوى إليهم ليتم التواصل معهم واختبارهم.
ومثله الأمر في السعودية مع تطبيق “تطمن”. وكذلك تطبيق “أمان” الأردني يساعد في الوصول إلى مخالطي مصابين بفيروس كورونا بسرعة عالية، وهو على قول وزير الدولة لشؤون الإعلام الأردني، أمجد العضايلة في تغريدة على تويتر، “توظيف التكنولوجيا لخدمة صحة المجتمع”.
وعلى الموقع الحكومي الرسمي، تبدو البحرين وكأنها تغرد خارج سرب الحكومات العربية في اعلان مصير البيانات التي تجمعها في معرض مكافحة كورونا. فالحكومة أعلنت أنها تلتزم بحماية خصوصية البيانات بموجب قانون حماية البيانات الشخصية، كما تؤكد أن البيانات المجموعة بواسطة هذا التطبيق يقتصر استخدامها على تتبع السلطات الصحية أثر المخالطين من أجل الحد من انتشار فيروس كورونا فحسب، ولن يفصح عن هوية المستخدمين لطرف ثالث، وأشارت إلى أنها تستخدم “خاصية تشفير المعلومات لحماية البيانات الحساسة”.
ولكن سرعان ما تبين أن البيانات هذه صارت في يد برنامج تلفزيوني يوزع الجوائز على ملتزمي الحجر. والسؤال الأبرز اليوم هو ما السبيل إلى حماية البيانات الشخصية، في وقت تبرز الحاجة إلى التأكيد على مبدأ “حرمة البيانات”، مثلما يقال عن حرمة الجسد.
أما في سلطنة عمان فتطبيق “ترصد بلاص” فهو صادر عن وزراة الصحة العمانية. وينذر من يُحمّله بوجود شخص في جواره يرتدي سواراً ذكياً، أي مصاب، ويفترض أن يكون في الحجر المنزلي. وهذا يقتضي تفعيل خدمة تحديد المواقع والبلوتوث.
ولجأت كل من الإمارات والكويت وسلطنة عمان والأردن والبحرين إلى تزويد المصابين بأساور الكترونية ذكية في حالات العزل المنزلي سواء ظهرت العوارض عليهم أم لا، إذا لم يكونوا مصابين بأمراض مزمنة ولا كانوا في سن فوق الستين. ومن شروط العزل المنزلي، توفر غرفة جيدة التهوئة ودورة مياه منفصلة وهاتف ذكي. واستُوردت هذه الأساور من كوريا الجنوبية والصين. واستخدمت الأساور كذلك لتتبع حالات انتهاك العزل.
وفي قـطـر تطبيق “احتراز” الذي تقدم ذكره، إلزامي.
أما مـصـر فأدخلت تعديلات جديدة على تطبيق “صحة مصر” الخاص بالهواتف المحمولة لتوفير معلومات عن كورونا وأبرز خاصيات التطبيق هي التبليغ عن الحالات المشتبه في إصابتها بفيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، والذي يستطيع المرء الإبلاغ عن حالته أو عن حالة شخص آخر من طريق الضغط على شاشة “إبلاغ” بالتطبيق، وتسجيل اسم الحالة والرقم القومي والإجابة عن بعض الأسئلة لتحديد مدى احتمال الإصابة بالفيروس. ويستوقف الطابع الأمني في خانة الـ”إبلاغ”، فالوشاية تقتضي تسجيل اسم المصاب (ة) والرقم القومي الصادر عن وزارة الداخلية. وهذا انتهاك من نوع آخر، لأنه لا يجمع بيانات كل من يحمّل التطبيق بل يدعو الناس إلى التبليغ عن مصاب أو “مشتبه بإصابته” وتوفير رقمه القومي. وهذه حال التطبيق اللبناني أيضاً الذي يدعو كذلك إلى “التبليغ عن أي إصابة كوفيد 19” وكأن المصاب ارتكب جنحة أو جرماً.
وهذه التطبيقات نوعان، الأول ينقل بيانات المستخدمين إلى خوادم مركزية والثاني يعتمد على «البلوتوث» بدلاً من الاعتماد على تتبع جهات الاتصال. ولكنه في بعض الحالات كلبنان، ومصر، والإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية وسلطنة عمان والأردن، يطلب عدداً من الأذونات كالاطلاع على تسجيلات الكاميرا والميكروفون والموقع الجغرافي، ما يسمح بجمع معلومات شخصية كثيرة عن المستخدمين مخزنة في الهواتف الذكية فيصبح من السهل اختراقها. واسم التطبيق MOPH APP . وعلى خلاف دول الخليج العربي حيث يظهر جلياً الدور المركزي للهيئات الحكومية الصحية في إعداد تطبيقات مكافحة كورونا، في الجزائر وتونس والمغرب برز دور هيئات مجتمعية بادرت إلى توفير مثل هذه التطبيقات، وبعضها تعاون مع الهيئات والوزارات الرسمية. فعلى سبيل المثل في الجزائر تطبيق “كوف-19” مجاني وطورته مؤسسة متخصصة في تحديد المواقع الجغرافية من وهران. وثمة تطبيق آخر لاستشارة طبيب عبر الفيديو أطلقته وكالة حكومية، “طبيب. زاد” ، بالتعاون مع شركة هاواوي الصينية ومع وكالة ترقية، ومع “الجزائرية” للاتصالات، ومؤسسة “فورتينات” الجزائرية التي تتولى التأمين التقني وتدفق المعطيات الطبية.
وإلى هذين التطبيقين غير الحكوميين، ثمة تطبيق رسمي اسمه “كورونا فيروس ألجيري” هو ثمرة تعاون بين وزارة الصحة والمؤسسة الحاضنة “انكيوب مي”. وطلبت الجزائر من غوغل تمكينها من الوصول إلى جميع المعلومات المتعلقة بالوباء. وفي تونس تطبيق “احمي” طورته شركة “ويز لابس” مجاناً، ودعت وزارة الصحة التونسية مواطنيها إلى تحميله. وفي المغرب، دعت وزارة الصحة المغربيين إلى تحميل تطبيق “وقايتنا” الطوعي على هواتفهم المحمولة.
ظهر في الدول العربية تصدي بعض منظمات حقوق انسان، دولية ومحلية، لما اسمته “انتهاكات حكومية مقّنعة” بدواع صحية بحسب وصف “منظمة العفو الدولية”.
مـبـادرات فـردية
أما في مناطق ضعف فيها دور السلطة المركزية جراء الحروب، يسجل صعود دور المبادرات المجتمعية. ففي الموصل ما بعد “الخلافة” الداعشية، تسعى “موصل سبايس” Mosul space ، وهي مؤسسة تمولها المؤسسة الالمانية للتعاون الدولي ومنظمة فيلد ريدي الاميركية، إلى تطوير طائرات درون لإستخدامها في عملية التعقيم وإلى تقديم الطعام والأدوية للمرضى أو للذين هم في الحجر الصحي. وفي سوريا المقطعة الأوصال جراء الحرب، برز تطبيق غير رسمي، “covid 19 in Syria”، بادر الشاب محمد ديوب، مطور تطبيقات ويب وموبايل ومترجم، إلى تطويره ولم تتبنَه جهة رسمية ولا يزال في المرحلة التجريبية . وفي الاراضي الفلسطينية فُرض تطبيق المنسق الاسرائيلي على العمال الفلسطينيين العاملين في اسرائيل، والغاية منه أمنية… أكثر منها صحية.
دور رقـابـي
ظهر في الدول العربية تصدي بعض منظمات حقوق انسان، دولية ومحلية، لما اسمته “انتهاكات حكومية مقّنعة” بدواع صحية بحسب وصف “منظمة العفو الدولية”. وسعت هذه المنظمات مثل “منظمة العفو الدولية” و”سمكس” وهي منظمة لبنانية تسعى إلى”دعم المجتمعات المعلوماتية ذاتية التنظيم في الشرق الأوسط وشمال أفريقي كما تعمل أيضاً على تعزيز الحقوق الرقمية, إلى الدفاع عن الحق في الخصوصية وحماية البيانات في وقت تذرعت الحكومات بالجائحة لجمع كميات ضخمة من البيانات سواء من طريق تطبيقات كورونا أو طائرات الدرون.
سلطة رقابة خارج القضاء وخارج السياسة
وأدت هذه المنظمات أو بعضها دوراً رقابياً على تطبيقات حكومية لم توفر حماية كافية لبيانات مستخدميها. فعلى سبيل المثل، سلط اكتشاف منظمة العفو الدولية ثغرة في تطبيق احتراز القطري لمكافحة كورونا، الضوء على ما يتهدد دائرة الحياة الخاصة.
فالمختبر الأمني التابع لها رصد ثغرة في الخادم المركزي لحماية هذه البيانات الشخصية. فاستطاع الوصول إلى معلومات حساسة تشمل أسماء الأشخاص، وحالتهم الصحية، وإلى إحداثيات مواقعهم بواسطة النظام العالمي “جي بي أس”.
وكذلك رصدت “سمكس”، ثغرةً في حماية الحكومة اللبنانية بيانات المستخدمين أثناء محاربة فيروس كورونا. فقالت إن تطبيق وزارة الصحة المعدل لتوفير معلومات عن كورونا ومدى انتشارها في المناطق المختلفة “يتطلب كثيراً من الأذونات غير الضرورية، مثل أذونات الاطلاع على بيانات الكاميرا والميكروفون والموقع الجغرافي، وبعض الأذونات الضرورية لتشغيل خدمات التطبيقات. ويسمح تفعيل كل تلك الأذونات للتطبيقات بجمع معلومات شخصية عن المستخدمين/ات ويفتح الباب أمام المهاجمين للحصول على تلك البيانات بسهولة أو الاستفادة من الأذونات للوصول إلى أجهزة المستخدمين”.
وفي العالم العربي، لم تطالب جهات طبية الجهات القائمة على تطبيقات كورونا بحذف البيانات الشخصية بعد انتهاء الجائحة، ولم نشهد تداول الدوائر السياسية التمثيلية على غرار مجلس العموم أو مجلس النواب، هذه المسألة. ولكن هذه المنطقة شهدت منذ سريان العمل بالقانون الأوروبي لحماية البيانات الشخصية في 2018، مساع حكومية إلى صياغة قوانين تهدف إلى حماية البيانات الشخصية، على ما رصدت منظمة سمكس.أورغ. ولكن الحماية هذه اقتصرت على تلك الخاصة بالأسواق الرقمية والتسوق الالكتروني، على ما هي الحال مع إقرار مصر في 24 شباط/فبراير 2020 قانون حماية البيانات الشخصية.
وفي المملكة العربية السعودية، أقرّ في عام 2019 قانون التجارة الإلكترونية الذي يهدف إلى تعزيز بيئة معاملات جديرة بالثقة عبر الإنترنت. ولبنان بدوره بدأ بتنفيذ قانون “المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي” في كانون الثاني/يناير 2019. وفي العام نفسه بدأ تطبيق قانون حماية البيانات الصحية في دولة الإمارات العربية التي تعد كذلك قانوناً لحماية البيانات يحاكي القانون الأوروبي. وأشارت الصحافية المتخصصة في تقاطعات التكنولوجيا والسياسة في مجلة “حبر” الاردنية ريم المصري لـ”مجلة مهارات” إلى أن هناك نقصاً في المنظومة التشريعية لحماية البيانات الشخصية وحماية الخصوصية في معظم الدول العربية، وفي حال وُجِدت هذه المنظومة لا توجد معايير او هيئات رقابية تحفظ حقوق الأفراد في الخصوصية وبحماية بياناتهم الشخصية. يبدو أن النهج المركزي في مكافحة كورونا كان أكثر فاعلية في دول الخليج العربي. ومن يلقي نظرة متأنية إلى هذه المكافحة يلاحظ أن جبه كورونا جلا على صورة أخطبوط متعدد الأذرع في عدد من الدول العربية حيث نشأ تعاون بين عدد من الجهات الحكومية والمدنية: مثلاً تعاون بين وزارة الصحة أو الهيئات الصحية والأمن العام كما هي الحال مع تطبيق “توكلنا” السعودي الذي يمنح أذون الخروج أثناء الحجر، والتطبيق المصري “صحة مصر” الذي يدعو إلى الإبلاغ عن مصاب محتمل وتزويد “رقمه القومي” أو مع الجامعات كجامعة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية السعودية، وجامعة الإمارات العربية المتحدة، وجامعة السلطان قابوس، ومع هيئات الذكاء الاصطناعي كما في سلطنة عمان، والسعودية، وقطاع الشركات الناشئة مثل شركة “بادر” الناشئة السعودية ، وعمالقة الانترنت (غوغل وآبل) وشركات الهواتف المحمولة طبعاً، ووزارة الإسكان كما في السعودية أيضاً… وصولاً إلى منظومة الصناعات الدفاعية كما في السودان.
إقرأوا أيضاً: