فالفلسطينيون الذين يعيشون الذكرى الـ73 لنكبة الاحتلال يستعيدون عبر أحداث حيّ الشيخ جراح والقدس واللدّ وقطاع غزة، واقعهم المرير لأكثر من سبعة عقود.
ففي ليلة يوم الثلاثاء 11 آيار/ مايو انتشر فيديو على مواقع التواصل الإجتماعي لمسيرة من المستوطنين الإٍسرائيليين تغادر المدّينة خوفاًَ في مشهد أعاد للذاكرة مسيرة العطش بعد المذبحة التي ارتكبت بالمدينة عام 1948.
لم تكن اللدّ قد برزت على خريطة الاحتجاجات الاخيرة، لكن فلسطيني المدينة لبوا نداءات للتظاهر ضد ممارسات قوات الاحتلال الاسرائيلي في القدس ومحاولاته إخلاء بيوت سكان حي الشيخ جراح قسراً لتسليم البيوت إلى مستوطنين تم استقدامهم من دول أخرى. هتفوا ضد الاحتلال فسقط الشاب موسى بنيران مستوطن خلال مظاهرة وفي اليوم التالي تم منع الجنازة من قبل القوات الإسرائيلية فحدثت مواجهات لتعلن بعدها حال الطوارئ.
هذه الأحداث بدت صدى لما عاشته المدينة قبل 73 عاماً.

اللد في حرب 1948
بعد الإعلان عن دولة إسرائيل في 14 مايو 1948 قرر القادة الإسرائيليون شن عملية عسكرية واسعة في منطقة اللد والرملة للاستيلاء على مطار اللد (مطار بن غوريون حاليًا) ولإبعاد القوات الأردنية التي دخلت إلى فلسطين في 15 أيار/ مايو 1948. يقول اللديون ان اللد هي المدينة الوحيدة التي دخلها الصهاينة بخديعة حيث دخلوها بلباس الجيش العربي الأردني بعد أن روجوا شائعات مفادها أن مجموعة من هذا الجيش ستدخل المدينة للحيلولة دون سقوطها.
هاجم الجيش الإسرائيلي في “عملية داني” مدينة اللد في 10 يوليو/تموز 1948. نتيجة هذا الهجوم المكثف الذي أسفر عن وقوع الكثير من الضحايا ترك معظم السكان واللاجئين المدينة. وفي اليوم التالي شنت العصابات الصهيونية هجوماً مركزاً على اللد بالطائرات والمدافع وراجمات الألغام.
قتل الاسرائيليون عند دخولهم لمدينة اللد 426 عربياً منهم 176 قتلوا في مسجد دهمش “مسجد المذبحة” في يوم 13 يوليو/تموز جمعوا عددا كبيرا من السكان داخل الجامع الكبير وكنيسة الخضر. هرب الكثير من السكان إلى داخل مسجد دهمش لظنهم أن ذلك سيحميهم ولكن وجودهم داخل الجامع لم يشفع لهم، إذ دخل الاسرائيليون إلى الجامع، وقتلوا، وجرحوا عددا كبيرا من الفلسطينيين. بقي المسجد مغلقًا لسنوات طويلة حتى تم ترميمه وافتتاحه أمام الجمهور في 2002.
سقوط المئات من أهالي اللد خلال ساعات نشر الرعب بين السكان، وجعلهم يفكرون في مصيرهم إذا بقوا في ظل هذا الاحتلال الشرس، فبدأوا بالهجرة ولم يبق من عددهم البالغ حينها نحو 19000 عربي سوى 1052 نسمة. وبعد توقيع “اتفاقيات رودس” في 1949 أصبحت اللد مدينة إسرائيلية، ومُنحت الجنسية الإسرائيلية لجميع السكان الذين بقوا في المدينة بينما بدأ اليهود بالسكن في المدينة، الذين يشكلون اليوم ثلاثة أرباع المدينة.
إقرأوا أيضاً:
شـهـادات على مذبحة اللد
في محاكاة للمقولة الشهيرة المنسوبة إلى سقراط يمكن القول إنّ الشيء الوحيد الذي نعرفه بيقينيّة هو أنّنا لا نعرف (تقريبًا) شيئًا عن النكبة الفلسطينية، فتوثيق شهادات السكان والأجداد واللاجئين الفلسطينيين في غاية الأهمية، لمعرفة الأحداث ممن عاصروها.
في عام 2002 تأسست جمعية ذاكرات “زوخروت” التي تهدف إلى الاعتراف بالمسؤولية الأخلاقية عن الغبن الذي ألحقته إسرائيل بالفلسطينيين وتعمل من أجل تحقيق عودة اللاجئين إلى أراضيهم ومساكنهم، فمن بين أحد أهم مشاريعها هو كتيبات عن ذاكرات البلاد المحتلة، فكتيب “ذاكرات اللد” يسرد قصة اللد شاملة من مصادر متعددة، كشهادات وكتب تاريخية وخرائط وصور، حتى يعرف الجمهور بنكبة اللد المستمرة. المواد المكتوبة أيضاً باللغة العبرية تهدف إلى تعريف الجمهور الإسرائيلي بما تحاول أجهزة الدولة إخفاءه عنه. فيشمل هذا الكتيب شهادات من اللاجئين/ات الفلسطينيين، وشهادات واعترافات من مقاتلين إسرائيليين شاركوا في احتلال المدينة وحكوا عن جزء مما شاهدوه وفعلوه في تلك الأيام. تحدثوا عن القتل العمد والمجزرة في المسجد والتهجير القسري ونهب البيوت وغير ذلك.
هنا مقتطفات من شهادات كتيب “ذاكرات اللد” حول مجزرة مسجد دهمش:
“الجيش أجا على جامع دهمش وصار يطخ على كل اللي بالجامع. لما ّطخوا على الناس بالجامع مش كل الناس ماتت، فصار الجيش يقول: مين بعده عايش، اللي عايش يقوم، خلينا نسعفه. الناس المساكين فكروا انه أجوا ّ ينجوهم فقاموا من بين الجثث، ولما قاموا ّطخوهم وقتلوهم….” رئيفة أبو منه- كركر مواليد 1934- اللد، وُثقت شهادتها في سبتمبر/ أيلول 2012.
“- أنا أرسلت قذيفة واحدة، وهذا كفى.
– كم عدد الناس الذين كانوا في الداخل؟ تعرف؟
– الكثير.
– ماذا تعني؟
– الكثير. أنا فتحت الباب، رأيت ذلك وأغلقت
الباب.
– ماذا رأيت؟
– القاعة فارغة وكلهم على الحيطان.” يرحميئل كهنوفيتش مواليد 1929، جندي خدم في عصابات “البلماخ”، وُثقت شهادته في تموز/يوليو 2012

لماذا اللد وما هي عليه اليوم؟
هذا العام، انتفض أهالي المدينة ضد سياسات تغيير هويتهم وضد تهميشهم وافقارهم والأهم ضد محاولات طردهم بالقوة..
تشتمل مدينة اللد اليوم على المباني السكنية القديمة المحيطة بمنطقة النواة المركزية التي تضم الأسواق القديمة والمحلات التجارية واللد الجديدة التي ظهرت بالشكل الحديث بعد تدفق اليهود المهاجرين إليها. وأصبحت مركزاً صناعياً ضخماً يوجد بها مصانع للطائرات الحربية ومصانع للمواد الغذائية والسجاد والورق والآلات والإلكترونيات. على الرغم من إنشاء مدينة اللد الجديدة إلا أن المدينة القديمة ما زالت محتفظة بطابعها العربي.
مساحتها 12.226كم، يعيش فيها 75 ألف نسمة من بينهم 27% من العرب في أحياء فقيرة، وفي ظروف إنسانية صعبة للغاية، وتنفذ بحقهم أوامر هدم شبه يومية، عدا عن الارتفاع الكبير في مستوى العنف والجريمة وخاصة المخدرات. اليوم الـ 30 ألفاً في اللد يواجهون 70 ألف مستوطن وعسكرهم، يُخرجونهم من “بيوتهم”، يُحرقون سياراتهم، و”سيادة” إسرائيلية فُقدت تبحث عمن يستعيدها من وحدات عسكريّة و يثأرون لدم عتيق بلغ من العمر 73 عامًا.
إقرأوا أيضاً: