اللوم نوع من النقد، ننتقد معتقداً أو مقترحاً ما، لكنّ الملامة تُلقى على الأشخاص أو الكيانات بسبب تصرّفٍ قاموا به أو موقفٍ اتّخذوه. نلوم أحدهم عندما يفشل في تلبية توقّعاتنا منه. يساهم اللوم في السعي إلى تصحيح العلاقة مع المُلام، إما من خلال التأكّد من ملاقاته المتوقّع منه في المستقبل، أو من خلال تعديل توقّعاتنا.
وفي الحالات القصوى، يمكننا قطع العلاقة مع الشخص الملام ورفض التفاعل معه. يفشل اللوم في أن يكون بناءً عندما يكون الهدف منه غير واضح. يفشل اللوم، أيضاً، في تحقيق أهدافه عندما يلوم الجمهور شخصاً ما، بِغَضّ النظر عن سلوكه.
مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي وعصر المعلومات، أصبح اللوم وانتهاك الحرمات واسع الانتشار. بتنا نجد انعكاسات غريبة في استخدام اللوم، حيث يختلط الهدف منه مع تقديم الذات.
لم يعد مُلقي اللوم يهدف، حصراً، إلى تصويب سلوك الشخص الملام، بل أيضاً الى إظهار استيائه منه لجمهوره بشأن سلوكٍ أو معيارٍ ما. في الواقع، قد يُبدي مستخدم اللوم، لا سيّما في المنتديات العامة، اهتماماً أكبر بأدائه أمام الجمهور، من تفاصيل تصويب سلوكٍ معيّن لمُتلقّي الملامة.
نرى الكثير من المؤثّرين، على وسائل التواصل الاجتماعيّ، يتهافتون إلى إلقاء اللوم الشديد، بهدف زيادة التفاعل مع منشوراتهم، بخاصة إذا كانت لديهم طموحات سياسية شخصيّة. فيُصبح الهدف من الملامة مشتّتاً، ويفقد الطرف المُلام اهتمامه بمعالجة ما يُلام عليه.
وبالتالي، بتنا نرى استخدامات ملتوية كثيرة للملامة، إذ يُلام شخصٌ، على مقولةٍ ما، بحدّةٍ أقسى من آخرٍ ارتكب انتهاكات فادحة، مثل القتل أو الاغتصاب أو السرقة. نرى شخصاً يعمل بنزاهة وسلوكيّات صادقة، يتلقّى، بسبب هفوةٍ ارتكبها، لوماً مفرط القسوة، مقارنةً بآخرٍ دائم الارتكابات.
إقرأوا أيضاً:
في الحياة السياسيّة، تزيد حدّة اللوم غير الهادف في المناطق المتوتّرة، مثل لبنان، حيث شهد، في العقد الماضي، اضطّرابات وصراعات وأزمات أكثر من العقود السابقة. يواجه السياسيّون التقليديّون، أو أولئك الذين يصلون إلى مناصبهم بسبب ارتباطهم بالأحزاب السياسية التقليدية، انتقاداً أقلّ من المستقلّين. فهُم، إلى جانب تحصّنهم بشبكات اجتماعية واسعة للدفاع عنهم أو وسائل قادرة على كبت أيّ دعاية سلبيّة حولهم قبل أن تنتشر، لا يبدو أنّ الجماهير تتوقّع منهم الكثير. ومع ثقافة الإفلات من العقاب، أحدٌ لا يتوقّع نتائج من لوم هؤلاء السياسيّين التقليديّين.
وعليه، لم تعد أخطاء وارتكابات هؤلاء الساسة، أو المدعومين منهم، تلقى اهتماماً من المجتمع. أمّا من هم خارج دائرة الحماية السياسة التقليديّة، فيواجهون نقداً وغضباً شديدين عند أبسط هفوة. ويتفاقم هذا الغضب، بشكل كبير، تجاه النساء وأعضاء الأقلّيات. وغالباً ما يتّخذ اللوم أشدّ أشكاله من أولئك الذين يُفترض أنّهم متوافقون مع أهداف السياسيين المستقلّين.
النمط بات مألوفاً: يرتفع سقف التوقّعات ممّن يُنتخب أو يعيّن لمنصب عام، لا سيّما ذوي السمعة الحسنة. توقّعات تصعب، عليه ملاقاتها، فيأتيه اللوم والنقد القاسي. شهدنا حالات مماثلة عدة مع السياسيّين المستقلين، مثل نواب التغيير، ونشهدها اليوم مع نواف سلام وبعض وزراء حكومته. يُفتَرض ألّا أحد معصوم عن الخطأ، ولكن، بدل من أن يتم التعامل مع الأخطاء على أنها مشاكل تستوجب المعالجة، يتفاعل الناس، غالباً، بطريقةٍ من اثنتين: إما يتجاهلون الخطأ فيما لو صدر عمن يؤيّدون، وإمّا يهاجمونه بشدّة أو يتنصّلون منه أمام الرأي العام. ومنهم من ينكفئ عن النقد واللوم عند حدّة الهجوم، تعاطفاً مع المخطئ.
الخياران ليسا بنّاءين، إذ لا يسمحان للسياسيّ بالتعلّم من الخطأ وتحسين أدائه. يتحوّل الأمر إلى مجرّد استقطاب، والنقد السياسيّ إلى ما يشبه الأحداث الترفيهيّة. بالإضافة إلى ضمان فشل السياسيّين الأفراد، يثبط النمط هذا كل مراقب مستقل من دخول المعترك السياسيّ نظراً الى أنه سيجد نفسه في موقف “خاسر- خاسر” لا محالة.
هل هذه الخيارات السيئة هي الوحيدة أمامنا؟ أود أن أطرح فكرة النقد البناء كخيار ثالث، وهو الموجِّه لتحسين أداء الفرد، والمخصص لأولئك الذين يثق بهم المعلق (مع الأخذ بالاعتبار أن كل معلق قد يختلف مع آخر على من يثق). عدم الإشارة إلى المشاكل في أداء السياسي ليس مفيداً لأنه لا يسمح للفرد بتجنب تكرار المشكلة في المستقبل أو تحسين فهمه وتقييمه القضايا.
من ناحية أخرى، فإن لومه بشدّة على كلّ ما يفعله لا يساعد أيضاً، لأنه سيكون غير قادر على تحسين أدائه (خصوصاً عندما يتكرر اللوم على مسائل صغيرة وكبيرة مع مستوى عالٍ من الغضب). يمكن أن يأتي النقد البناء كحلّ وسط يشمل الأفضل في العالمين: الإشارة إلى الخطأ مع السعي إلى تحسين أدائه. لقد ناقش الفلاسفة استراتيجيات مماثلة لتقديم النظريات، وهذه بعض الامثلة لطرق بناءة في النقد.
يستطيع المرء تحديد موقفه من الشخص أو توضيح الهدف الذي يسعى إليه من خلال هذا النقد. يستطيع المرء أيضاً، بعد تحديد إن كان الهدف من النقد تحسين آداء سياسي معين أو الهجوم عليه، أن يقدم بدائل لمن يسعى الى تحسين أدائهم.
طبعاً هؤلاء فقط أمثلة لكن قد تكون نقطة انطلاق جيدة لبداية حديث بناء عن النقد.
إقرأوا أيضاً: