fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

المال القذر ينعش المخدرات الصينية ويبدد أحلام رياضيين ويقتل 30 ألفاً في سنة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من أوكرانيا إلى الولايات المتحدة، ومن تونس إلى تركمانستان، يفصّل تحقيق عالمي أجراه الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين التكلفة البشرية القاسية لتريليونات يجري غسلها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

سمعت إميلي سبيل الصرخات خارج منزل والديها المبني من الطوب الأحمر.

ووجدت أخيها جوزف ويليامز، 31 سنة، ممدداً على فراش في القبو. وكانت عيناه نصف المفتوحتين صفراوين. وكانت شفتاه زرقاوين. وكانت زوجته كريستينا تضغط على صدره.

وصاحت كريستينا: “جو، استيقظ! جو استيقظ!”

وبدأت سبيل، وهي طالبة تمريض، الإنعاش القلبي الرئوي. وكلما ضغطت على صدره، خرجت رغوة بيضاء من فم جو إلى بيجامته المفضلة التي تحمل صورة الرجل الوطواط.

اقتحمت الغرفة والدة جو التي عادت مسرعة إلى المنزل من عملها في “بيغلي ويغلي”، وهو متجر إقليمي للبقالة في غارلاند بولاية نورث كارولينا. واستلقت بالقرب من ابنها الوحيد.

وقالت سوزان ويليامز: “لا بأس، حبيبي، يمكنك مواصلة النوم. هل ترغب في سيجارة؟ هل تشعر بالبرد؟”

وتتذكر إميلي قائلة: “ظننتُ أن أمي فقدت عقلها. بالطبع كان بارداً. فهو كان ميتاً”.

ولم تعرف عائلة جو ما الذي قتله. ولم يكن لديها أي فكرة عن أنه كان واحداً من أوائل عشرات الآلاف من الأميركيين الذين سيقتلهم الفنتانيل، المخدر الأكثر فتكاً في العالم. وحتى بعدما رأت العائلة تقرير التشريح، لم تعرف إلا بعد فترة طويلة جداً القوى العالمية المسؤولة عن موت جو.

اميلي سبيل وأمها سوزان – الصورة لترافيس دوف ICIJ

استغرق الأمر شبكة من المتاجرين تمتد إلى الصين، والاعتماد على سهولة حركة الأموال القذرة من خلال المؤسسات المالية ذات الأسماء التجارية، لتسليم المواد الأفيونية المصممة مخبرياً إلى ريف نورث كارولينا وأنحاء الولايات المتحدة كلها.

وثمة تفاصيل جديدة حول كيفية انتشار الأموال التي موّلت عصابة مخدر الفنتانيل، وما يقرب من تريليوني دولار في أموال مشتبه بها أخرى في أنحاء العالم ترد في مجموعة من السجلات المالية السرية التي حصلت عليها “بازفيد نيوز” وجرت مشاركتها مع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.

وتوفر الملفات، المعروفة باسم “تقارير الأنشطة المشبوهة”، جولة في أنحاء العالم كله حول الجريمة والفساد والتفاوت، مع أدوار رئيسية يؤديها سياسيون وأوليغارشيون ونصابون يتقنون الكلام المعسول، وأدوار حاسمة يقوم بها مصرفيون يخدمونهم جميعاً. وتبين تقارير الأنشطة المشبوهة كيف أن فشل المصارف والمؤسسات المالية الأخرى في إحباط تدفقات الأموال غير المشروعة يعزز الإجرام والمعاناة على نطاق واسع.

وفي عالم تكتنفه أزمات تستحوذ على العناوين الإخبارية الرئيسية، بما في ذلك جائحة فيروس كورونا التي تدمر الأرواح والاقتصادات، قد لا تبدو حركة الأموال القذرة من دون رادع تهديداً فورياً. لكن النتيجة عميقة: فمصانع المخدرات وأصحاب برامج “بونزي” يحولون الأرباح بعيداً عن متناول السلطات. ويضخم الطغاة والقادة الفاسدون للقطاع الثروات المحصلة بطرق غير مشروعة ويعززون السلطة. ولا تستطيع الحكومات، المفتقرة إلى الإيرادات، تحمل تكاليف الأدوية لعلاج المرضى.

في قلب هذه القصص أناس حقيقيون يتألمون بطرق حقيقية: العائلات التي فقدت مدخراتها لصالح البرامج المالية المفترسة، والرياضيون الأولمبيون الذين منعهم مسؤولون محتالون بالخداع من تحقيق انتصارات، والآباء الذين يندبون الأبناء والبنات الذين سقطوا في المعركة، وأم مسحوقة في العمل وشقيق يتعاطى المخدرات.

ولا تعرف عائلة جو ويليامز وضحايا آخرين في كثير من الأحيان أن آلامهم هي، جزئياً، نتاج الجريمة المالية، أو انتهاك للقسم 1956 من الباب 18 من القانون الأميركي المتعلق بـ”غسل الأدوات النقدية”.

توفر الملفات، المعروفة باسم “تقارير الأنشطة المشبوهة”، جولة في أنحاء العالم كله حول الجريمة والفساد والتفاوت، مع أدوار رئيسية يؤديها سياسيون وأوليغارشيون ونصابون يتقنون الكلام المعسول، وأدوار حاسمة يقوم بها مصرفيون يخدمونهم جميعاً.

وقالت جودي فيتوري، خبيرة الفساد في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “قد لا يكون الناس على علم بمسائل مثل غسل الأموال والشركات الخارجية، لكنهم يشعرون بالآثار كل يوم لأن هذه الآثار هي ما يجعل الجريمة الواسعة النطاق تكسب – من المواد الأفيونية إلى الاتجار بالأسلحة إلى سرقة إعانات البطالة المرتبطة بكوفيد-19”.

لكن الشبكات الإجرامية والمسؤولين عن إنفاذ القانون الذين يحاولون منعها يفهمون أن المد غير المضبوط من النقد القذر هو المطلب الوحيد الأكثر أهمية لأي مشروع إجرامي ناجح.

ويتذكر براندون هوبارد، المسجون مدى الحياة لاستيراد الفنتانيل في البرنامج الذي قتل جو، أن الشرطة التي اعتقلته بدت أكثر اهتماماً بوجهة المال من المسحوق المعروف باسم الأبيض الصيني. وقال هوبارد في مقابلة من السجن: ” هذا أول ما سألوني عنه عندما دخلوا من الباب. ‘أين المال؟'” ونفى هوبارد أنه عرف جو ويليامز أو باعه مخدرات.

وتشمل الوثائق المسربة، المعروفة باسم “ملفات جهاز مكافحة الجرائم المالية” أو FinCen Files، أكثر من ألفين و100 تقرير عن أنشطة مشبوهة كتبتها مصارف وغيرها من الأطراف المالية الفاعلة وقدمتها إلى شبكة إنفاذ الجرائم المالية التابعة لوزارة الخزانة الأميركية. ووفق “بازفيد نيوز”، جرى جمع بعض السجلات كجزء من تحقيقات لجنة في الكونغرس الأميركي في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، في حين جرى جمع سجلات أخرى بعد طلبات تلقاها جهاز مكافحة الجرائم المالية من وكالات إنفاذ القانون.

وتُعَد التقارير – وهي نشرات معلومات كثيفة وتقنية – أكثر سجلات وزارة الخزانة الأميركية تفصيلاً على الإطلاق. وهي تكشف عن المدفوعات التي تعالجها كبرى المصارف، بما في ذلك “إتش إس بي سي”، و”دويتشه بنك”، و”جاي بي مورغان تشيس” و”باركليز”. وتصف رحلات المال القذر الذي يتعرج في شكل غير مفهوم حول العالم؛ من غنائم كلبتوقراطي أو شركة واجهة على ساحل المحيط الأطلسي، مثلاً، عبر مصرف في وول ستريت إلى ملاذ ضريبي مشمس في منطقة البحر الكاريبي أو برج في سنغافورة أو ممول في دمشق.

وليست تقارير الأنشطة المشبوهة بالضرورة دليلاً على ارتكاب مخالفات. فهي تعكس وجهات نظر المراقبين داخل المصارف، المعروفين باسم مسؤولي الامتثال، وتبلغ عن معاملات سابقة تحمل بصمات الجريمة المالية، أو تنطوي على عملاء لديهم سجلات عالية المخاطر أو مواجهات سابقة مع القانون.

وانكب 400 صحافي من حوالي 90 بلداً على السجلات المسربة، وخرجوا في الأغلب بخيط رفيع يتألف من اسم واحد أو عنوان واحد فقط. وأمضوا 16 شهراً في التدقيق في وثائق إضافية حصلوا عليها من مصادر، وقراءة سجلات ضخمة تخص محاكم ومحفوظات، وقابلوا عاملين في مكافحة الجريمة وضحايا للجريمة، وراجعوا بيانات متعلقة بملايين المعاملات التي جرت بين عامي 1999 و2017.

وإذ حركتهم الملفات السرية، تابع المراسلون دولارات تخص تاجر مخدرات في رود آيلاند إلى مختبر يملكه كيميائي في ووهان بالصين؛ واستكشفوا الفضائح التي شلت الاقتصادات في أفريقيا وأوروبا الشرقية؛ وتابعوا مغيرين على المقابر نهبوا تحفاً بوذية قديمة بيعت إلى صالات عرض في نيويورك؛ واستطلعوا أقطاباً فنزويليين سرقوا الأموال من مساكن ومستشفيات عامة؛ ودققوا في أكبر مصفاة للذهب في الشرق الأوسط، وهي موضوع تحقيق أميركي مترامي الأطراف في غسل الأموال لم يُكشَف عنه قط.

الوثائق تكشف نقل أموال مشبوهة لمدير حملة دونالد ترامب الانتخابية السابق

ومن بين عشرات الشخصيات السياسية التي تظهر في الوثائق بول مانافورت، المدير السابق لحملة دونالد ترامب الانتخابية الذي أدين بالاحتيال والتهرب الضريبي. فقد أفاد “جاي بي مورغان” بأنه نقل أموالاً بين مانافورت والشركات الوهمية لشركائه في أيلول (سبتمبر) 2017، بعد فترة طويلة من الإبلاغ على نطاق واسع عن علاقاته مع المسؤولين الأوكرانيين المرتبطين بروسيا والمشتبه بهم في غسل الأموال.

وفي كثير من الأحيان، كان الشخص المرتبط بمعاملة مشبوهة يخفي اسمه الصريح خلف اسم ابن، أو شريك، أو كما في حالة أتيكو أبو بكر – وهو نائب رئيس نيجيري سابق متهم بتحويل 125 مليون دولار من صندوق لتطوير النفط – خلف اسم زوجة. فبعد سنوات من ظهور مزاعم الفساد ضد زوجها، نقلت روكاياتو أبو بكر أكثر من مليون دولار من أمواله عبر “بنك حبيب” إلى شركة في الإمارات العربية المتحدة لشراء شقة في دبي. (ولم يُحاكَم أتيكو أبو بكر في محكمة وينكر ارتكاب مخالفات).

وتتابع عشرات القصص عبر التحقيق في ملفات جهاز مكافحة الجرائم المالية تحويلات مالية مثل هذه، من العواصم الأجنبية إلى الشركات غير الموجودة إلا على الورق، والتعامل معها من قبل مصارف عالمية تلبي منذ فترة طويلة الأوليغارشيين والطغاة ولم تواجه ضغطاً حقيقياً مهماً لتتوقف عن ذلك. وكانت لهذا النظام عواقب دائمة تعصف بحيوات أشخاص مثل أولئك الذين قد تعرفونهم.

فقد أرسل طبيب أسترالي متخصص بالعلاج بالروائح 50 ألف دولار إلى عملية احتيال بالعملات المشفرة نُفِّدت من الولايات المتحدة وبلغاريا وتايلاند. واعتقد متقاعد من تكساس أنه وجد حباً حقيقياً مع طالبة جامعية في أوستن قابلها عبر الإنترنت ودفع مالاً إلى حساب لـ”بنك أوف أميركا” يملكه سياسي نيجيري فاشل. وحوّل والدان روسيان كانا بحاجة إلى نقل طفلهما المريض إلى مستشفى في سانت بطرسبرغ 15 ألف دولار إلى بائع للسيارات المستعملة في ولاية نيو جيرسي الذي وعد، لكن لم يفِ، بإرسال سيارة “هوندا” مستعملة.

ودفع رجل من ولاية نورث كارولينا يعاني إدماناً سرياً بضعة دولارات في مقابل مسحوق أبيض اجتاز ثلاثة بلدان وأنهى حياته.

جو ويليامز مع والده – الصورة من ICIJ

جرعة زائدة في غارلاند

“إميلي، ما هو الفنتانيل بحق الجحيم؟”

كانت والدة جو ويليامز تقف في مطبخ ابنتها وهي تحمل تقرير السموم الذي وصل في البريد في ذلك اليوم من عام 2014.

وكانت إميلي سبيل سمعت بالمادة الأفيونية في مدرسة التمريض. وأجابت: “هو مثل دواء الألم الذي يعطونه لمرضى السرطان”.

وكان ويليامز، وهو أب لأربعة أطفال، يعيش على الحدود الشرقية لغارلاند، التي يقطنها ما يزيد قليلاً عن 600 شخص وتملؤها حقول التوت ومزارع الخنازير”. وشعار المدينة هو “العظمة تنمو في غارلاند”، لكن العثور على أدلة على العظمة كان صعباً على بعض الناس من جيل جو. ولم يجرِ بناء منازل جديدة منذ سنوات، وحل القادة المحليون أخيراً قوة الشرطة بسبب قيود في الميزانية. وتضررت المدينة بشدة من جائحة كوفيد-19.

وفي يوم صيفي أخيراً، قام سكان محليون، وبعضهم يرتدي كمامات، بإعادة ملء عبوات البروبان خارج متجر “بيغلي ويغلي” المزدحم للبقالة وطلبوا سندويشات بالجبن من “سابواي”. وكان متجر “كيوريوسيتي” وغيره من الشركات في وسط المدينة قد أغلق أبوابه. وشق العشب البري طريقه عبر الشقوق في الأسفلت داخل موقف السيارات خارج مصنع “بروكس براذرز” المقفل للقمصان.

وعرفت إميلي أن شقيقها كان يتعاطى المخدرات؛ فقد قُبِض عليه وهو لا يزال في الصف العاشر بسبب جلبه الماريوانا إلى المدرسة، وأخيراً، كان قد رهن أدوات عمل والده لشراء الكوكايين. لكن العائلة لم تدرك كمية التعاطي ووتيرته من قبل جو ويليامز صاحب المظهر الصحي، البالغ طوله ستة أقدام، ووزنه أكثر من 200 باوند. وكان جو كما عرفته إميلي رجلاً يقوم بحركات مضحكة في وجهه في الصور العائلية؛ وعندما كانا طفلين يشاهدان المصارعة المحترفة كان يطبق عليها بعض حركات هذه الرياضة بلطف، وكان يتسلل إلى غرفتها في الليل لينام لأنه كان يخشى من الظلام.

وكشخص بالغ، تقلب ويليامز بين الوظائف، ولعب كثيراً لعبة “نداء الواجب” وأبقى إدمانه للمخدرات سراً. وقبل أيام من وفاته، تلقى ويليامز طرداً مرسل بالبريد من كندا مع خمسة مسكنات للألم ومسحوق الفنتانيل.

وعام 2017، ذكر المدعون العامون الأميركيون اسم ويليامز – الذي لم يشر إليه إلا بالأحرف الأولى من اسمه، “جاي دبليو” – كأول ضحية أميركية لمؤامرة عالمية لتوزيع المخدرات القاتلة. والعام التالي، سيحكم قاض فدرالي في فارغو بولاية نورث داكوتا على أنتوني غوميز الذي اعترف بذنبه في التآمر لغسل الأموال وتوزيع المخدرات التي قتلت جو ويليامز وأميركيين آخرين.

واعتقلت السلطات غوميز بالقرب من فورت لودرديل بولاية فلوريدا عام 2017 في مكان غير بعيد عن كوخه المبني على طراز تودور والمكون من ست غرف نوم والذي جرى شراؤه، وفق زعم المدعين العامين، بأموال المخدرات. وضبط المحققون 150 ألف دولار، وسيارة “مازيراتي” رياضية من غوميز، وسيارة تصلح للقيادة في مختلف التضاريس.

ولسنوات، أرسل غوميز وصديقته إليزابيث تون تحويلات مصرفية وحوالات مالية إلى الصين وكندا، حيث كان زعيم العصابة يعمل من زنزانته.

وقال الادعاء إن غوميز وتون وأعضاء آخرين في “مؤامرة” المخدرات وغسل الأموال استخدموا حسابات خارجية وتحويلات مالية وحساباً في “بنك أوف أميركا” واتصالات مشفرة لإخفاء عملياتهم.

تصف رحلات المال القذر الذي يتعرج في شكل غير مفهوم حول العالم؛ من غنائم كلبتوقراطي أو شركة واجهة على ساحل المحيط الأطلسي، مثلاً، عبر مصرف في وول ستريت إلى ملاذ ضريبي مشمس في منطقة البحر الكاريبي أو برج في سنغافورة أو ممول في دمشق.

وفي جدول بيانات غير مؤرخ من ملفات جهاز مكافحة الجرائم المالية، يرتبط غوميز وثمانية آخرين بمدفوعات بلغ مجموعها أكثر من 403 آلاف دولار أجرِيت بين عامي 2012 و2017 عبر “ماني غرام إنترناشيونال”، وهي شركة لتحويل الأموال مقرها دالاس دفعت في عام 2018 مبلغ 125 مليون دولار كعقوبات للسلطات الأميركية لانتهاكها تسوية مع هذه السلطات هدفت إلى وقف غسل الأموال والاحتيال.

وكان جدول البيانات الخاص بملفات جهاز مكافحة الجرائم المالية، وهو قائمة أساسية تضم أكثر من ألف و500 تقرير عن أنشطة مشبوهة، بعنوان “تصدير بنك في تي بي”، في إشارة إلى مؤسسة روسية مملوكة للدولة تعرف باسم “قجة” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على “بنك في تي بي” عام 2014 رداً على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية. ومن غير الواضح ما هو الرابط الذي كان قائماً بين “بنك في تي بي” وتحويلات “ماني غرام” أو سبب وضع الوثيقة.

وقال “بنك في تي بي” إنه “يعمل في شكل صارم وفق القوانين المحلية والدولية ويمتثل بالكامل للمعايير التنظيمية المحلية والعالمية كلها. ولم يتلق (المصرف) أي شكاوى حول أنشطتنا من سلطات الولايات المتحدة الأميركية” و”هو غير قادر على التعليق على هذه المسألة لأننا لم نُمنح إمكانية الوصول إلى الوثائق ذات الصلة التي يشير إليها الاستعلام”.

واتُّهِم ثلاثة من الأشخاص الثمانية الذين ذُكِرت أسماؤهم مع غوميز في جدول البيانات أو أُدِينوا بتهريب المخدرات. وكان أحدهم، شياوبينغ يان، أول مصنّع للفنتانيل يجري اتهامه في تاريخ الولايات المتحدة. وعمل يان البالغ من 43 سنة من ووهان بالصين، ولا يزال مطلوباً من قبل السلطات الأميركية. وهو ينكر خرق القوانين الصينية أو بيع المواد المحظورة في الولايات المتحدة عن علم.

أما الاثنان الآخران فكانا تون، صديقة غوميز، وداريوس غهاري. واتُّهِم الاثنان بجرائم تتعلق بالفنتانيل عام 2017. وذكرت “ماني غرام” تحويلات مشبوهة مرتبطة بغهاري بعد أكثر من عقد من الزمن من تغريم سلطات ولاية نيو جيرسي إياه في قضية احتيال عبر الإنترنت عالي المستوى.

ومن غير الواضح بالضبط من الذي دفع إلى من والطريق الدقيق الذي سلكه الفنتانيل للوصول إلى غارلاند. ورفض المدعون العامون الأميركيون الذين ينظرون في قضية غوميز الإجابة على أسئلة الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، مشيرين إلى أن التقاضي مستمر.

عامل مياوم في تركمانستان

عندما وصل الطحين إلى المتجر كانت رائحته كريهة. وكان الزيت أسودا ومرّاً.

حصل ذلك عام 2016، وكان اقتصاد تركمانستان يتدهور. وبحث الفقراء عن طعام في القمامة. وفي غضون سنتين، سيحل التضخم في المرتبة الثانية بعد نظيره في فنزويلا.

وفي النهار، كان العمال يسرقون أكياس الإسمنت بالدراجات الهوائية في مقابل عدد قليل من المانات، عملة الدولة الواقعة في آسيا الوسطى، والتي بدا أن قيمتها تقلصت بين عشية وضحاها. وفي المساء، كان الأزواج والآباء يتجمهرون خارج الأبواب البلاستيكية السوداء في محال السوبرماركت المملوكة للحكومة، حيث كانت الرفوف فارغة باستثناء الواردات المبالغ في أسعارها.

وقال أحد التركمان، وهو عامل مياوم من بلدة ماري في الواحة الجنوبية، للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين: “لم يكن هناك ما يكفي من الطعام”. وطلب عدم ذكر اسمه خوفاً من تعريض أسرته للخطر. “وانتظر الناس الطحين حتى منتصف الليل، ولم يتمكن أصحاب المحال التجارية من تحديد موعد وصوله”.

وهذا العام، صنفت منظمة “بيت الحرية” غير الربحية تركمانستان أكثر قمعاً من كوريا الشمالية وواحدة من أربع دول “هي أسوأ الأسوأ” في العالم على صعيد الحقوق السياسية والمدنية. ويقول الخبراء إن لا شيء يحدث من دون موافقة الرئيس قربانغولي برديمحمدوف.

وفي عشق أباد، العاصمة، لا يمكن للمواطنين سحب أكثر من 23 دولاراً يومياً من المصرف. ولا يمكنهم فتح نافذة على طول الطريق الذي قد يمر به برديمحمدوف. وفي هذا العام، أفادت التقارير أن الرئيس حظر كلمة “فيروس كورونا”.

واسم العاصمة، عشق أباد، يعني “مدينة الحب”. وبسبب الجوع، وقمع الشرطة والدولة والفساد، يعرفها كثر باسم آخر: مدينة الموتى.

والفساد في عشق أباد، كما هي الحال في العديد من عواصم العالم، يُستدَام من خلال حركة الأموال الخفية من خلال مواقع خارجية – وفي كثير من الأحيان من خلال بعض أغنى المصارف في العالم.

ويصف ما يقرب من 34 تقريراً عن الأنشطة المشبوهة استعرضها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين مدفوعات مرتبطة بتركمانستان ويبلغ مجموعها 1.4 مليار دولار بين عامي 2001 و 2016. ولا تعني “مشبوهة” بالضرورة غير مشروعة، لكن موظفي الامتثال المصرفي الذين يراقبون التحويلات قرروا أنها تستحق مزيداً من التدقيق.

وكتب موظف في الإدارة القانونية لـ”بنك نيويورك ميلون” عن ما يقرب من 100 مليون دولار من التحويلات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2016: “تبدو الحوالات مشبوهة لأنها كانت في الأغلب تُرسَل في شكل متكرر وعادة ما تنطوي على كيانات يُشتبَه بأنها وهمية”.

وتلقت بعض الشركات التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها أموالاً من تركمانستان على رغم أنها أبلغت الجهات التنظيمية بأنها لم تكن منخرطة بنشاط في أي عمل تجاري، وفق تحليل الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.

وفي إحدى الحالات، أرسلت وزارة التجارة في تركمانستان 1.6 مليون دولار إلى شركة في إسكتلندا تدعى “إنترغولد إل بي”، وفق السجلات المسربة. وتشير سجلات المصرف إلى أن الدفع كان في مقابل “حلويات”. وغادرت الدفعة الحساب المصرفي للوزارة في عشق أباد ومرت عبر “دويتشه بنك” في نيويورك ووصلت الى حساب مصرفي لاتفي لدى “إنترغولد”.

وجرى إنشاء “إنترغولد إل بي” قبل 10 أشهر من معاملاته مع حكومة تركمانستان، وفق ما تظهر السجلات. وعنوانها المدرج هو متجر يُسمَّى “مايل بوكسس إتسترا” في غلاسكو بإسكتلندا. وتقترح واجهة المتجر ما يلي: “اجعلوا هذا العنوان عنوان عملكم”.

وأُعيدَت منذ ذلك الحين تسمية “إنترغولد” “إس إل 024852 إل بي”. وليس من الواضح من يملك الشركة أو ما إذا كان لها أي غرض مشروع.

والفساد في عشق أباد، كما هي الحال في العديد من عواصم العالم، يُستدَام من خلال حركة الأموال الخفية من خلال مواقع خارجية – وفي كثير من الأحيان من خلال بعض أغنى المصارف في العالم.

وجيمس ديكنز، الذي وقع وثائق التسجيل الرسمية في وقت إنشاء “إنترغولد”، وقع أيضاً حسابات ما لا يقل عن 200 شركة أخرى في إنكلترا، وفق تحليل الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين للشركات في ملفات جهاز مكافحة الجرائم المالية. وبرزت الشركات البريطانية في السنوات الأخيرة كأدوات رائجة لإخفاء مكاسب المحتالين والمسؤولين الفاسدين.

ولم يتمكن الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين من الوصول إلى ديكنز. وقال دانيال أودونوهيو، الذي وقّع أيضاً طلب تسجيل “إنترغولد”، للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أن عمله المؤسسي تشرف عليه الجهات التنظيمية في مجال مكافحة غسل الأموال في المملكة المتحدة ويلبي المعايير العالية المطلوبة من العناية الواجبة. “بخصوص: إنترغولد إل بي، إذا كانت لديكم أدلة على جريمة يجب أن تمرروها إلى جهات إنفاذ القانون “، وفق أودونوهيو.

وقالت أنيت بور، محللة البحوث في مركز “تشاتام هاوس” للبحوث في لندن المتخصصة في بحوث الكلبتوقراطيات في آسيا الوسطى: “يبدو هذا بالتأكيد وكأنه حالة استُخدِمت فيها شركة وهمية لإخفاء أموال عن خزائن الدولة. وكانوا يعتقدون على الأرجح أن وضع ‘حلويات’ في الأسفل لن يثير أي شبهة”.

ولم ترد وزارة التجارة التركمانية على أسئلة أُرسِلت عبر سفارتها في الولايات المتحدة. ولم تعمل استمارة الاتصال عبر الإنترنت الخاصة بالوزارة.

وفي الوثائق التي اطلع عليها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، لم يوضح “دويتشه بنك” سبب اعتباره المعاملات مشبوهة. ورفض المصرف مناقشة علاقته مع تركمانستان. وقال للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين إن “مناقشة تقارير الأنشطة المشبوهة المحتملة قد تكون بوجه عام… انتهاكاً جنائياً للقانون الأميركي (وغيره)”. وقال المصرف إن المصارف تقدم تقارير عن عمليات العقوبات في شكل منتظم و”تساعد السلطات على القبض على المتورطين في النشاط الإجرامي ومقاضاتهم. ويراقب دويتشه بنك بنشاط السلوك المشبوه ويشارك السلطات النتائج ذات الصلة”.

وكان دور “دويتشه بنك” في المعاملات المصرفية مراسلاً – وهذا يعني أنه مكن المصارف التركمانية التي تستخدمها الوزارات وأصحاب المشاريع ذوي العلاقات الجيدة من تحويل المانات إلى دولارات والدفع إلى حسابات أخرى في أنحاء العالم كله.

إنه دور مألوف: فالمؤسسة الألمانية كانت الحصن الدولي المفضل لتركمانستان خلال النظام القاتل للرئيس السابق صفر مراد نيازوف.

وكان “دويتشه بنك” استحوذ على ما يصل إلى ثلث إيرادات البلاد في حسابات لا يمكن الوصول إليها إلا من قبل نيازوف، وفق “غلوبال ويتنس”، وهي مجموعة لمكافحة الفساد. وقال رئيس سابق للمصرف المركزي في البلاد للمجموعة إن مليارات الدولارات في “دويتشه بنك” هي فعلياً “مصروف الجيب الشخصي” لنيازوف.

لامين دياك خلال محاكمته في باريس

سنغالي في باريس، تونسي مكافح

وفي يوم معتدل من حزيران (يونيو) من هذا العام، ظهر لامين دياك، وهو ثمانيني من السنغال كان في وقت من الأيام أقوى رجل في ألعاب القوى الدولية، في قاعة محكمة في شمال غرب باريس لمواجهة اتهامات بالفساد.

وقال دياك أمام قاعة المحكمة وهو يكافح لتذكر تفاصيل الكسب غير المشروع خلال فترة مراقبته كرئيس للاتحاد الدولي لاتحادات ألعاب القوى: “لقد أكل علي الدهر وشرب”.

وواجه دياك، الذي كان يرتدي نظارات وربطة عنق زرقاء وبيضاء منقطة، المدعين العامين على بعد أميال من فندق كاليفورنيا في الشانزليزيه.

ففي أعجوبة الفن الزخرفي هذه المصنفة عند أربع نجوم أنفق ابن دياك وشريكه المزعوم في الجريمة، بابا ماساتا دياك، بتفاخر للمرة الأخيرة قبل اعتقالهما عام 2015، وفق السجلات المصرفية المرسلة إلى جهاز مكافحة الجرائم المالية.

وبلغت قيمة حجز دياك الابن في الفندق 46 ألف دولار من بين 112 عملية دفع جرى أبلغ “سيتي بنك” عنها أنها مشبوهة عام 2016، وفق السجلات. وعلى مدى سنوات، شهد المصرف مدفوعات – إلى لندن وسنغافورة والدوحة وموسكو وبكين وأماكن أخرى – يقول الخبراء إنها كان ينبغي أن تنبّه المصرفيين المجتهدين قبل ذلك بكثير.

وقال خبير الحوكمة الرياضية روجر بيلكي للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”: إذا كانت الأموال ستذهب إلى شركات استشارية لا يوجد بها موظفون، ومتاجر فاخرة، فإن ذلك يولّد تحذيرات. وليس بالضرورة أن تكون المشكلة في المال الذي يدور حول العالم، بل هي مزيج من المال والوجهة”.

وكرئيس للاتحاد الدولي لألعاب القوى، انضم دياك الأب إلى جهاز رشوة واسع النطاق مكّن ما يزعم المدعون العامون واحداً من أكثر برامج المنشطات جرأة في تاريخ الرياضة.

وطلب لامين دياك وابنه رشاوى بقيمة 3.8 مليون دولار، ولاسيما من وزارة الرياضة الروسية، لإخفاء نتائج اختبارات المخدرات التي أظهرت أن الرياضيين الروس تناولوا مواد معززة للأداء، حسبما يزعم المدعون الفرنسيون.

وبعد اندلاع الفضيحة، وجدت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات أن دياك الأب “أجاز الاحتيال على الرياضيين وابتزازهم ويبدو أنه كان على علم شخصي بذلك”. وجرى تجريد العديد من الروس من الميداليات التي فازوا بها في دورة الألعاب الأولمبية عام 2012.

كذلك اختلس دياك 1.5 مليون دولارا من الرعاية الروسية والصفقات التلفزيونية لتمويل حملة انتخابية في السنغال، وفق المدعين العامين. وتحقق السلطات الفرنسية في ما إذا كانت رشاوى قد دُفعَت للتأثير في اختيار المدن المضيفة لدورة الألعاب الأولمبية وبطولات عالمية. وفي حال إدانته، يواجه لامين دياك عقوبة السجن أربع سنوات بتهمة الفساد وغسل الأموال. وينكر كل من الرجلين المخالفات.

وتتواصل محاكمة دياك في باريس؛ والغش المالي المزعوم الذي وضعه في قفص الاتهام كان عالمياً.

مثلاً، قامت شركة سنغالية، هي “بامودزي للاستشارات”، على مدى 72 ساعة في شباط (فبراير) 2013، بتوزيع 1.25 مليون دولار على شبكة من العملاء غير المعتادين: صائغ مقيم في باريس، ولامين دياك، واتحاد رياضي روسي، ومتاجر تبيع بالتجزئة الساعات الفاخرة والعطور ومنتجات التجميل.

“ويبدو أن مشاركة هذه الشركة الفرنسية في عقد استشارات للتسويق الرياضي لا تتفق مع قطاع نشاطها المعلن، أي “تجارة العطور ومنتجات التجميل بالتجزئة”، وفق رسالة وجهتها وكالة الاستخبارات المالية الفرنسية، تراكفين، إلى المدعين العامين حول البوتيك الباريسي، وفق وثائق اطلع عليها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.

وكان المال كثيراً بالنسبة إلى رجال أعمال يعملون في وسط مدينة داكار من دون سجل لأعمالهم. ولم يكن لدى “بامودزي للاستشارات” حتى موقع إلكتروني.

استغرق الأمر سنتين لكي يدرك “سيتي بنك” أنه وافق على المعاملات التي كانت جزءاً من فضيحة تتعلق برشاوى رياضية كبرى.

كذلك أرسلت حسابات في “ستاندرد تشارترد” و”دويتشه بنك” و”باركليز” و”جاي بي مورغان تشيس” “يو بي إس” أو تلقت مدفوعات مشبوهة جرى إبلاغ المحققين الفرنسيين بها، وفق وثائق سرية استعرضها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.

وبعد مرور سنة تقريباً على اعتقال دياك عام 2015، أبلغ “سيتي بنك” عن 112 تحويلاً مصرفياً بقيمة 55.7 مليون دولار تعود إلى عام 2007. وواحد من أحدث المدفوعات المشبوهة – مبلغ 30 ألف دولار لحجز فندق كاليفورنيا في باريس – جرى إرساله قبل بضعة أشهر من اعتقال دياك. وذهب تحويل مصرفي بقيمة 45 ألف دولار إلى تاجر سيارات في قطر وآخر بمبلغ 435 ألف دولار إلى شركة سنغافورية، اسمها “بلاك تيدينغ” ومقرها في مجمع سكني عام.

ولم تكن الأموال التي جرى الإبلاغ عنها إلى جهاز مكافحة الجرائم المالية سوى جزء من سيل من الدولارات والفرنكات والروبلات والرنمينبيات واليوروات التي قيل إنها ذهبت إلى جيوب المدربين والأطباء والإداريين والوزراء الحكوميين في واحدة من أكثر الفضائح الرياضية قذارة.

وعلى طول الطريق، جرى خداع الرياضيين ما دمر أحلام حيواتهم. 

فقد قبلت الروسية يوليا زاريبوفا ميدالية ذهبية لألعاب الانحدار فئة ثلاثة آلاف متر في أولمبياد لندن 2012 أمام جمهور مبتهج وجمهور تلفزيوني عالمي بالملايين.

وحلت العداءة التونسية حبيبة غريبي في المركز الثاني.

وجرى تجريد زاريبوفا من فوزها عام 2016 بعدما أظهرت إعادة اختبار عينة البول أن النتيجة الإيجابية لاختبار المخدرات جرى إخفاؤها كجزء من برنامج المنشطات الروسي. وحصلت غريبي في وقت لاحق على الذهبية خلال حفل صغير مخصص ليلة أحد بالقرب من تونس على هامش بطولة ألعاب القوى للشباب.

وبسبب الغش على صعيد المخدرات خسرت غريبي عشرات الآلاف من الدولارات من المكاسب وصفقات الرعاية، كما قالت لشريكة الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين في التقارير “إنكيفادا”.

وقالت، “البطل والوصيف – ليسا الشيء نفسه”.

خضوع في أوكرانيا، تفكير في وول ستريت

قالت أولها بريخودكو، وهي تتذكر اليوم الذي كانت تصلي فيه في الكنيسة قبل تسع سنوات لرؤية والدتها للمرة الأخيرة: “جلسنا نتوقع معجزة. وفي كل مرة كانوا يخرجون إنساناً جديداً في كيس بلاستيكي أسود، كان ذلك الأمل سيتلاشى”.

ووصفت بريخودكو كيف بدت والدتها، ناديجدا كولينيتش، خلال الجنازة. كان فك كولينيتش المخلوع ملفوفاً بضمادات بيضاء. وكانت أصابعها محطمة وذراعاها زرقاوين – وهي علامات على محاولة عقيمة لحماية وجهها بينما أمطرت عليها أطنان من الصخور والمعدن والخرسانة.

ففي 29 تموز (يوليو) 2011، كانت كولينيتش واحدة من 11 قتيلاً في منجم فحم مملوك للدولة في شرق أوكرانيا عندما انهار برج على المبنى حيث قام الموظفون بفرز الفحم من الصخور.

“ظلت أمي تشكو من أن كل شيء ينهار”، وفق قول بريخودكو لشريكة الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين “كييف بوست”. ونقلت بريخودكو عن كولينيتش قولها إلى لجنة السلامة الزائرة قبل الحادث إن “الطوب ظل يسقط على رؤوسهم”.

وتذمر الموظفون من أن البرج المنهار لم يجرِ استبداله منذ 50 سنة.

وتلقي بريخودكو، التي أصبحت الآن أماً لابنة، باللائمة على “سلسلة كاملة من الذنوب تصل إلى الحكومة في كييف”. ومن نافذة منزلها، يمكنها رؤية المكان الذي قُتِلت فيه والدتها.

ويقول عمال المناجم الأوكرانيون إن الفساد المستشري يعرضهم إلى الخطر.

ويُذكَر أن العديد من مناجم الفحم في البلاد، بما فيها بجانوف حيث قُتِلت كولينيتش، مملوكة للدولة. وكانت لفترة طويلة المصدر المفضل للنهب من قبل الكلبتوقراطيين، وفق دعاة لمكافحة الفساد وموظفين ومسؤولين.

وفي هذا القطاع، تكون أعطال المعدات مصدر قلق دائم. وأفادت المناجم يأن لديها بالكاد أكثر من نصف الأقنعة اللازمة للحفاظ على تنفس عمال المناجم في حالة حصول انهيار. واشتكى اتحاد عمال المناجم في مقابلة مع مجلة أوكرانية من أن المعدات القديمة تؤخذ من المناجم الخاملة في أنحاء البلاد كلها وببساطة يعاد طلاؤها قبل إعادة تخصيصها.

كان انهيار برج بجانوف، في مدينة ماكييفكا، واحداً من ثلاثة حوادث منجمية في أوكرانيا في ذلك الأسبوع أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 39 رجلاً وامرأة. وحدث ذلك كله في شرق البلاد الغني بالفحم، بالقرب من الحدود الروسية، حيث توجد اليوم “جمهوريتان شعبيتان” مارقتان بدعم من الكرملين.

وحددت لجنة رسمية المعدات المتهالكة كعامل محتمل في انهيار برج بجانوف وأوصت بتغيير كيفية تفتيش الأبراج ومواعيد تفتيشها.

وكانت تزود منجم بجانوف شركة قبرصية غامضة تسمى “تورناتور القابضة المحدودة”. وبعد أشهر من جنازة كولينيتش وعلى بعد خمسة آلاف كيلومتر، حاولت بيغي ماكغارفي، أعلى مسؤولي الامتثال في “دويتشه بنك” بوول ستريت، معرفة من يملك “تورناتور”.

ما لفت انتباه ماكغارفي لم يكن الحادث القاتل بل علامات التحذير التي لاحظها المصرف بعد معالجة اثنين من المدفوعات الكبيرة نيابة عن “تورناتور”.

ففي كانون الأول (ديسمبر) 2011، تلقت “تورناتور” 5.5 مليون دولار من شركة فرعية أوكرانية لمعدات التعدين تدعى “إل إل سي غازينيغوليزينغ”. وفي اليوم التالي، أرسلت “تورناتور” 999 ألفاً و994 دولاراً إلى شركة تأجير روسية كبيرة، يملكها الكرملين جزئياً.

وتوجت المدفوعات ذات القيمة العالية، التي جرى تقريب بعضها تقريباً إلى أقرب ألف أو مليون في ما يعتبره الخبراء “بصمة” احتيالية، سنة من مخاوف “دويتشه بنك” في شأن “تورناتور”. وكتب مصرفيون في تقارير بدءاً من آذار (مارس) 2011، أي قبل بضعة أشهر من وقوع الحادث في منجم بجانوف في ذلك الصيف، أن الشركة كانت قد سددت مبالغ مشبوهة ولم يكن لديها مقر أو “خط عمل” واضحان.

ورأت ماكغارفي أن شركة التأجير وصفت الحوالات الأخيرة بأنها هدايا وتسديد لقرض، لكنها أرادت مزيداً من المعلومات، وفق تقرير المصرف في شباط (فبراير) 2012. وكان المصرف الروسي التابع لشركة التأجير، واسمه “غلوبكس”، أكد لـ”دويتشه بنك”، رداً على مخاوف سابقة، أن “العميل لم يقم بعمليات مشبوهة”. لكن زملاء ماكغارفي أصروا، وسألوا “غلوبكس”: “الرجاء تقديم المعلومات التجارية لتورناتور”.

ورد المصرف الروسي قائلاً، “لا توجد معلومات”. وبعد أشهر، لم تعد ماكغارفي أيضاً تتسم بالحكمة نفسها.

ولم ترد ماكغارفي، التي لا تزال رئيسة “دويتشه بنك” للإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة في الولايات المتحدة، على أسئلة تخص هذه القصة.

وتطلب الأمر أن يربط الصحافيون الأوكرانيون “تورناتور” بحادث “ماكييفكا”.

وعام 2011، ذكرت تيتيانا تشيرنوفال ويوري نيكولوف أن “تورناتور” كانت مملوكة ليوري إيفانيوشينكو، وهو سياسي مقرب من الرئيس آنذاك فيكتور يانوكوفيتش. وكانت هذه هي طريقته للسيطرة على “غازينيغوليزينغ”، التي كانت تحتكر تزويد مناجم البلد بالمعدات.

وكتب نيكولوف وشيرنوفول، الذي كان عضواً في البرلمان الأوكراني من عام 2014 إلى عام 2019، أن المنجم المملوك للدولة اشترى معدات بديلة من “غازينيغوليزينغ” قبل الانهيار، لكنهما لم يتمكنا من تحديد ما إذا كان العتاد جرى تسليمه أو حتى إذا كان الطلب مشروعاً.

لكن وكالة مراجعة الحسابات الحكومية في أوكرانيا نشرت تقريراً عام 2011 رسم صورة قاتمة لعمليات المنجم. فقد عثرت على معدات متضررة بقيمة 21 مليون دولار في مقر منجم بجانوف، على بعد أميال من الحادث، وحددت 205 ملايين دولار في “أوجه قصور في المحاسبة، وانتهاكات جسيمة للانضباط المالي والميزاني”.

وفر إيفانيوشينكو بعد ثورة أوكرانيا عام 2014، وهو قيد التحقيق من قبل السلطات في أوكرانيا وسويسرا بتهمة اختلاس ملايين الدولارات المخصصة لمشاريع الطاقة. واتصلت اللجنة بثلاثة محامين حاليين وسابقين يعملون وعملوا لصالح إيفانيوشينكو. ولم يرد أي منهم.

“يمكن لأي شخص أن يكون مهرباً”

براندون هوبارد، مهرب المخدرات الموجود الآن في سجن بولاية نورث داكوتا، لم يعتبر نفسه محتالاً مالياً.

“أعتبر غاسلي الأموال أشخاصاً يستثمرون في غسل السيارات أو المطاعم” لجعل الأموال القذرة مشروعة، على حد قول هوبارد للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، أو يفعلون “ما يفعله الأوليغارشيون الروس لنقل أموالهم من روسيا إلى العقارات الأميركية”.

ثم أصبح واحداً منهم هو نفسه. وقال هوبارد، وهو مصارع سابق في المدرسة الثانوية نشأ في بورتلاند بولاية أوريغون، إنه صدم عندما أبلغته الشرطة بانه متهم ليس فقط بتوزيع المخدرات القاتلة لكن أيضاً بارتكاب جرائم مالية.

وقال هوبارد: ” لم أعتبر قط أي شيء فعلته غسل أموال. لكن، كما تعلمون، حُكم عليّ بالسجن ثماني سنوات بسبب ذلك”.

أكثر من 31 ألف أميركي ماتوا بسبب المواد الأفيونية الاصطناعية، بما في ذلك الفنتانيل، عام 2018. والفنتانيل وغيره من الأدوية المختبرية الصنع، أقوى بحوالي 10 آلاف مرة من المورفين، والآن يقتل أميركيين أكثر من أي أفيونيات أخرى. 

وتقول وزارة الخزانة الأميركية إن الجريمة المالية تجعل كل شيء ممكناً.

وأصدرت الإدارة العام الماضي تحذيراً للمؤسسات المالية لزيادة وعيها بالبرامج التي تمكن من تدفق المواد الأفيونية. وتظهر البيانات المالية وبيانات المحاكم أن تجار الفنتانيل يتراوحون بين مجرمين مخضرمين مع شبكات من الوسطاء إلى مقيم في بيتسبرغ دفع عبر “ماني غرام” لتسليم 100 غرام من الفنتانيل إلى عنوان تحت اسم آفون باركسدايل، وهو شخصية خيالية من سلسلة “السلك” التي يعرضها تلفزيون “إتش بي أو”.

وقال دونالد إيم، وهو عميل خاص مساعد مسؤول عن إدارة مكافحة المخدرات الأميركية: “يمكن لأي شخص أن يكون مهرباً الآن بسبب الهواتف الذكية. فإذا كان أي شخص يستطيع أن يصبح سائق أوبر، يمكن لأي شخص أن يكون مهرب مخدرات”.

وقال إيم الذى عمل في “عملية النفي”، وهى تحقيق جار في تهريب الفنتانيل والمخدرات الأخرى، إن المهربين يستخدمون “أساليب الاقتصاد والنظام المالي كلها”. وكانت إدانة كل من هوبارد وأنتوني غوميز نتيجة للعملية.

وقبل بضعة أشهر، اتصلت الشرطة بمنزل إيميلي ميل لتبلغها تحديثاً. فرجال الشرطة يواجهون مشكلة في القبض على “سيد المخدرات الرئيسية” من الصين، وتتذكر إميلي من المكالمة بعض الجوانب.

وقالت: “على صغر حجم هذه المدينة وريفية هذه المدينة، “بالنسبة إلى أخي الذي حصل على المخدرات التي انتهت إليه بعدما طافت العالم، فهذا أمر مثير للعجب”.

  • المساهمون: أغوستين أرمنداريز، سيمون باورز، واهيو دياتميكا، إميليا دياز شتروك، مومار ديينغ، عبد الحق الإدريسي، أزين غوراشي، أديبايو حسن، كاريي كيهو، محمد كوماني، تانيا كوزيريفا، مالك خضراوي، فلاد لافروف، آنا ميرونوك، توشي أوكوياما، دلفين رويتر، ماغو توريس، توم وارن، إيمي ويلسون تشابمان، فاروه يوسوبوف
رنين عواد | 10.05.2025

حكومة سلام تُلغي شرعنة المقالع والكسّارات… فهل تبدأ المساءلة البيئية؟

في ظلّ الظروف الأمنية السائدة في المنطقة، ولبنان خصوصاً، واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية واحتلال النقاط الخمسة الحدودية، يُسهم التمدّد العشوائي للمقالع والكسّارات في تدمير الطبيعة اللبنانية، ويستنزف مواردها بوتيرة موازية للحرب، وتُشير التقديرات إلى أن هذه المواقع تغطّي نحو 25% من مساحة لبنان، أي ما يعادل 70% من مساحة بيروت.
20.09.2020
زمن القراءة: 23 minutes

من أوكرانيا إلى الولايات المتحدة، ومن تونس إلى تركمانستان، يفصّل تحقيق عالمي أجراه الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين التكلفة البشرية القاسية لتريليونات يجري غسلها.

سمعت إميلي سبيل الصرخات خارج منزل والديها المبني من الطوب الأحمر.

ووجدت أخيها جوزف ويليامز، 31 سنة، ممدداً على فراش في القبو. وكانت عيناه نصف المفتوحتين صفراوين. وكانت شفتاه زرقاوين. وكانت زوجته كريستينا تضغط على صدره.

وصاحت كريستينا: “جو، استيقظ! جو استيقظ!”

وبدأت سبيل، وهي طالبة تمريض، الإنعاش القلبي الرئوي. وكلما ضغطت على صدره، خرجت رغوة بيضاء من فم جو إلى بيجامته المفضلة التي تحمل صورة الرجل الوطواط.

اقتحمت الغرفة والدة جو التي عادت مسرعة إلى المنزل من عملها في “بيغلي ويغلي”، وهو متجر إقليمي للبقالة في غارلاند بولاية نورث كارولينا. واستلقت بالقرب من ابنها الوحيد.

وقالت سوزان ويليامز: “لا بأس، حبيبي، يمكنك مواصلة النوم. هل ترغب في سيجارة؟ هل تشعر بالبرد؟”

وتتذكر إميلي قائلة: “ظننتُ أن أمي فقدت عقلها. بالطبع كان بارداً. فهو كان ميتاً”.

ولم تعرف عائلة جو ما الذي قتله. ولم يكن لديها أي فكرة عن أنه كان واحداً من أوائل عشرات الآلاف من الأميركيين الذين سيقتلهم الفنتانيل، المخدر الأكثر فتكاً في العالم. وحتى بعدما رأت العائلة تقرير التشريح، لم تعرف إلا بعد فترة طويلة جداً القوى العالمية المسؤولة عن موت جو.

اميلي سبيل وأمها سوزان – الصورة لترافيس دوف ICIJ

استغرق الأمر شبكة من المتاجرين تمتد إلى الصين، والاعتماد على سهولة حركة الأموال القذرة من خلال المؤسسات المالية ذات الأسماء التجارية، لتسليم المواد الأفيونية المصممة مخبرياً إلى ريف نورث كارولينا وأنحاء الولايات المتحدة كلها.

وثمة تفاصيل جديدة حول كيفية انتشار الأموال التي موّلت عصابة مخدر الفنتانيل، وما يقرب من تريليوني دولار في أموال مشتبه بها أخرى في أنحاء العالم ترد في مجموعة من السجلات المالية السرية التي حصلت عليها “بازفيد نيوز” وجرت مشاركتها مع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.

وتوفر الملفات، المعروفة باسم “تقارير الأنشطة المشبوهة”، جولة في أنحاء العالم كله حول الجريمة والفساد والتفاوت، مع أدوار رئيسية يؤديها سياسيون وأوليغارشيون ونصابون يتقنون الكلام المعسول، وأدوار حاسمة يقوم بها مصرفيون يخدمونهم جميعاً. وتبين تقارير الأنشطة المشبوهة كيف أن فشل المصارف والمؤسسات المالية الأخرى في إحباط تدفقات الأموال غير المشروعة يعزز الإجرام والمعاناة على نطاق واسع.

وفي عالم تكتنفه أزمات تستحوذ على العناوين الإخبارية الرئيسية، بما في ذلك جائحة فيروس كورونا التي تدمر الأرواح والاقتصادات، قد لا تبدو حركة الأموال القذرة من دون رادع تهديداً فورياً. لكن النتيجة عميقة: فمصانع المخدرات وأصحاب برامج “بونزي” يحولون الأرباح بعيداً عن متناول السلطات. ويضخم الطغاة والقادة الفاسدون للقطاع الثروات المحصلة بطرق غير مشروعة ويعززون السلطة. ولا تستطيع الحكومات، المفتقرة إلى الإيرادات، تحمل تكاليف الأدوية لعلاج المرضى.

في قلب هذه القصص أناس حقيقيون يتألمون بطرق حقيقية: العائلات التي فقدت مدخراتها لصالح البرامج المالية المفترسة، والرياضيون الأولمبيون الذين منعهم مسؤولون محتالون بالخداع من تحقيق انتصارات، والآباء الذين يندبون الأبناء والبنات الذين سقطوا في المعركة، وأم مسحوقة في العمل وشقيق يتعاطى المخدرات.

ولا تعرف عائلة جو ويليامز وضحايا آخرين في كثير من الأحيان أن آلامهم هي، جزئياً، نتاج الجريمة المالية، أو انتهاك للقسم 1956 من الباب 18 من القانون الأميركي المتعلق بـ”غسل الأدوات النقدية”.

توفر الملفات، المعروفة باسم “تقارير الأنشطة المشبوهة”، جولة في أنحاء العالم كله حول الجريمة والفساد والتفاوت، مع أدوار رئيسية يؤديها سياسيون وأوليغارشيون ونصابون يتقنون الكلام المعسول، وأدوار حاسمة يقوم بها مصرفيون يخدمونهم جميعاً.

وقالت جودي فيتوري، خبيرة الفساد في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “قد لا يكون الناس على علم بمسائل مثل غسل الأموال والشركات الخارجية، لكنهم يشعرون بالآثار كل يوم لأن هذه الآثار هي ما يجعل الجريمة الواسعة النطاق تكسب – من المواد الأفيونية إلى الاتجار بالأسلحة إلى سرقة إعانات البطالة المرتبطة بكوفيد-19”.

لكن الشبكات الإجرامية والمسؤولين عن إنفاذ القانون الذين يحاولون منعها يفهمون أن المد غير المضبوط من النقد القذر هو المطلب الوحيد الأكثر أهمية لأي مشروع إجرامي ناجح.

ويتذكر براندون هوبارد، المسجون مدى الحياة لاستيراد الفنتانيل في البرنامج الذي قتل جو، أن الشرطة التي اعتقلته بدت أكثر اهتماماً بوجهة المال من المسحوق المعروف باسم الأبيض الصيني. وقال هوبارد في مقابلة من السجن: ” هذا أول ما سألوني عنه عندما دخلوا من الباب. ‘أين المال؟'” ونفى هوبارد أنه عرف جو ويليامز أو باعه مخدرات.

وتشمل الوثائق المسربة، المعروفة باسم “ملفات جهاز مكافحة الجرائم المالية” أو FinCen Files، أكثر من ألفين و100 تقرير عن أنشطة مشبوهة كتبتها مصارف وغيرها من الأطراف المالية الفاعلة وقدمتها إلى شبكة إنفاذ الجرائم المالية التابعة لوزارة الخزانة الأميركية. ووفق “بازفيد نيوز”، جرى جمع بعض السجلات كجزء من تحقيقات لجنة في الكونغرس الأميركي في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، في حين جرى جمع سجلات أخرى بعد طلبات تلقاها جهاز مكافحة الجرائم المالية من وكالات إنفاذ القانون.

وتُعَد التقارير – وهي نشرات معلومات كثيفة وتقنية – أكثر سجلات وزارة الخزانة الأميركية تفصيلاً على الإطلاق. وهي تكشف عن المدفوعات التي تعالجها كبرى المصارف، بما في ذلك “إتش إس بي سي”، و”دويتشه بنك”، و”جاي بي مورغان تشيس” و”باركليز”. وتصف رحلات المال القذر الذي يتعرج في شكل غير مفهوم حول العالم؛ من غنائم كلبتوقراطي أو شركة واجهة على ساحل المحيط الأطلسي، مثلاً، عبر مصرف في وول ستريت إلى ملاذ ضريبي مشمس في منطقة البحر الكاريبي أو برج في سنغافورة أو ممول في دمشق.

وليست تقارير الأنشطة المشبوهة بالضرورة دليلاً على ارتكاب مخالفات. فهي تعكس وجهات نظر المراقبين داخل المصارف، المعروفين باسم مسؤولي الامتثال، وتبلغ عن معاملات سابقة تحمل بصمات الجريمة المالية، أو تنطوي على عملاء لديهم سجلات عالية المخاطر أو مواجهات سابقة مع القانون.

وانكب 400 صحافي من حوالي 90 بلداً على السجلات المسربة، وخرجوا في الأغلب بخيط رفيع يتألف من اسم واحد أو عنوان واحد فقط. وأمضوا 16 شهراً في التدقيق في وثائق إضافية حصلوا عليها من مصادر، وقراءة سجلات ضخمة تخص محاكم ومحفوظات، وقابلوا عاملين في مكافحة الجريمة وضحايا للجريمة، وراجعوا بيانات متعلقة بملايين المعاملات التي جرت بين عامي 1999 و2017.

وإذ حركتهم الملفات السرية، تابع المراسلون دولارات تخص تاجر مخدرات في رود آيلاند إلى مختبر يملكه كيميائي في ووهان بالصين؛ واستكشفوا الفضائح التي شلت الاقتصادات في أفريقيا وأوروبا الشرقية؛ وتابعوا مغيرين على المقابر نهبوا تحفاً بوذية قديمة بيعت إلى صالات عرض في نيويورك؛ واستطلعوا أقطاباً فنزويليين سرقوا الأموال من مساكن ومستشفيات عامة؛ ودققوا في أكبر مصفاة للذهب في الشرق الأوسط، وهي موضوع تحقيق أميركي مترامي الأطراف في غسل الأموال لم يُكشَف عنه قط.

الوثائق تكشف نقل أموال مشبوهة لمدير حملة دونالد ترامب الانتخابية السابق

ومن بين عشرات الشخصيات السياسية التي تظهر في الوثائق بول مانافورت، المدير السابق لحملة دونالد ترامب الانتخابية الذي أدين بالاحتيال والتهرب الضريبي. فقد أفاد “جاي بي مورغان” بأنه نقل أموالاً بين مانافورت والشركات الوهمية لشركائه في أيلول (سبتمبر) 2017، بعد فترة طويلة من الإبلاغ على نطاق واسع عن علاقاته مع المسؤولين الأوكرانيين المرتبطين بروسيا والمشتبه بهم في غسل الأموال.

وفي كثير من الأحيان، كان الشخص المرتبط بمعاملة مشبوهة يخفي اسمه الصريح خلف اسم ابن، أو شريك، أو كما في حالة أتيكو أبو بكر – وهو نائب رئيس نيجيري سابق متهم بتحويل 125 مليون دولار من صندوق لتطوير النفط – خلف اسم زوجة. فبعد سنوات من ظهور مزاعم الفساد ضد زوجها، نقلت روكاياتو أبو بكر أكثر من مليون دولار من أمواله عبر “بنك حبيب” إلى شركة في الإمارات العربية المتحدة لشراء شقة في دبي. (ولم يُحاكَم أتيكو أبو بكر في محكمة وينكر ارتكاب مخالفات).

وتتابع عشرات القصص عبر التحقيق في ملفات جهاز مكافحة الجرائم المالية تحويلات مالية مثل هذه، من العواصم الأجنبية إلى الشركات غير الموجودة إلا على الورق، والتعامل معها من قبل مصارف عالمية تلبي منذ فترة طويلة الأوليغارشيين والطغاة ولم تواجه ضغطاً حقيقياً مهماً لتتوقف عن ذلك. وكانت لهذا النظام عواقب دائمة تعصف بحيوات أشخاص مثل أولئك الذين قد تعرفونهم.

فقد أرسل طبيب أسترالي متخصص بالعلاج بالروائح 50 ألف دولار إلى عملية احتيال بالعملات المشفرة نُفِّدت من الولايات المتحدة وبلغاريا وتايلاند. واعتقد متقاعد من تكساس أنه وجد حباً حقيقياً مع طالبة جامعية في أوستن قابلها عبر الإنترنت ودفع مالاً إلى حساب لـ”بنك أوف أميركا” يملكه سياسي نيجيري فاشل. وحوّل والدان روسيان كانا بحاجة إلى نقل طفلهما المريض إلى مستشفى في سانت بطرسبرغ 15 ألف دولار إلى بائع للسيارات المستعملة في ولاية نيو جيرسي الذي وعد، لكن لم يفِ، بإرسال سيارة “هوندا” مستعملة.

ودفع رجل من ولاية نورث كارولينا يعاني إدماناً سرياً بضعة دولارات في مقابل مسحوق أبيض اجتاز ثلاثة بلدان وأنهى حياته.

جو ويليامز مع والده – الصورة من ICIJ

جرعة زائدة في غارلاند

“إميلي، ما هو الفنتانيل بحق الجحيم؟”

كانت والدة جو ويليامز تقف في مطبخ ابنتها وهي تحمل تقرير السموم الذي وصل في البريد في ذلك اليوم من عام 2014.

وكانت إميلي سبيل سمعت بالمادة الأفيونية في مدرسة التمريض. وأجابت: “هو مثل دواء الألم الذي يعطونه لمرضى السرطان”.

وكان ويليامز، وهو أب لأربعة أطفال، يعيش على الحدود الشرقية لغارلاند، التي يقطنها ما يزيد قليلاً عن 600 شخص وتملؤها حقول التوت ومزارع الخنازير”. وشعار المدينة هو “العظمة تنمو في غارلاند”، لكن العثور على أدلة على العظمة كان صعباً على بعض الناس من جيل جو. ولم يجرِ بناء منازل جديدة منذ سنوات، وحل القادة المحليون أخيراً قوة الشرطة بسبب قيود في الميزانية. وتضررت المدينة بشدة من جائحة كوفيد-19.

وفي يوم صيفي أخيراً، قام سكان محليون، وبعضهم يرتدي كمامات، بإعادة ملء عبوات البروبان خارج متجر “بيغلي ويغلي” المزدحم للبقالة وطلبوا سندويشات بالجبن من “سابواي”. وكان متجر “كيوريوسيتي” وغيره من الشركات في وسط المدينة قد أغلق أبوابه. وشق العشب البري طريقه عبر الشقوق في الأسفلت داخل موقف السيارات خارج مصنع “بروكس براذرز” المقفل للقمصان.

وعرفت إميلي أن شقيقها كان يتعاطى المخدرات؛ فقد قُبِض عليه وهو لا يزال في الصف العاشر بسبب جلبه الماريوانا إلى المدرسة، وأخيراً، كان قد رهن أدوات عمل والده لشراء الكوكايين. لكن العائلة لم تدرك كمية التعاطي ووتيرته من قبل جو ويليامز صاحب المظهر الصحي، البالغ طوله ستة أقدام، ووزنه أكثر من 200 باوند. وكان جو كما عرفته إميلي رجلاً يقوم بحركات مضحكة في وجهه في الصور العائلية؛ وعندما كانا طفلين يشاهدان المصارعة المحترفة كان يطبق عليها بعض حركات هذه الرياضة بلطف، وكان يتسلل إلى غرفتها في الليل لينام لأنه كان يخشى من الظلام.

وكشخص بالغ، تقلب ويليامز بين الوظائف، ولعب كثيراً لعبة “نداء الواجب” وأبقى إدمانه للمخدرات سراً. وقبل أيام من وفاته، تلقى ويليامز طرداً مرسل بالبريد من كندا مع خمسة مسكنات للألم ومسحوق الفنتانيل.

وعام 2017، ذكر المدعون العامون الأميركيون اسم ويليامز – الذي لم يشر إليه إلا بالأحرف الأولى من اسمه، “جاي دبليو” – كأول ضحية أميركية لمؤامرة عالمية لتوزيع المخدرات القاتلة. والعام التالي، سيحكم قاض فدرالي في فارغو بولاية نورث داكوتا على أنتوني غوميز الذي اعترف بذنبه في التآمر لغسل الأموال وتوزيع المخدرات التي قتلت جو ويليامز وأميركيين آخرين.

واعتقلت السلطات غوميز بالقرب من فورت لودرديل بولاية فلوريدا عام 2017 في مكان غير بعيد عن كوخه المبني على طراز تودور والمكون من ست غرف نوم والذي جرى شراؤه، وفق زعم المدعين العامين، بأموال المخدرات. وضبط المحققون 150 ألف دولار، وسيارة “مازيراتي” رياضية من غوميز، وسيارة تصلح للقيادة في مختلف التضاريس.

ولسنوات، أرسل غوميز وصديقته إليزابيث تون تحويلات مصرفية وحوالات مالية إلى الصين وكندا، حيث كان زعيم العصابة يعمل من زنزانته.

وقال الادعاء إن غوميز وتون وأعضاء آخرين في “مؤامرة” المخدرات وغسل الأموال استخدموا حسابات خارجية وتحويلات مالية وحساباً في “بنك أوف أميركا” واتصالات مشفرة لإخفاء عملياتهم.

تصف رحلات المال القذر الذي يتعرج في شكل غير مفهوم حول العالم؛ من غنائم كلبتوقراطي أو شركة واجهة على ساحل المحيط الأطلسي، مثلاً، عبر مصرف في وول ستريت إلى ملاذ ضريبي مشمس في منطقة البحر الكاريبي أو برج في سنغافورة أو ممول في دمشق.

وفي جدول بيانات غير مؤرخ من ملفات جهاز مكافحة الجرائم المالية، يرتبط غوميز وثمانية آخرين بمدفوعات بلغ مجموعها أكثر من 403 آلاف دولار أجرِيت بين عامي 2012 و2017 عبر “ماني غرام إنترناشيونال”، وهي شركة لتحويل الأموال مقرها دالاس دفعت في عام 2018 مبلغ 125 مليون دولار كعقوبات للسلطات الأميركية لانتهاكها تسوية مع هذه السلطات هدفت إلى وقف غسل الأموال والاحتيال.

وكان جدول البيانات الخاص بملفات جهاز مكافحة الجرائم المالية، وهو قائمة أساسية تضم أكثر من ألف و500 تقرير عن أنشطة مشبوهة، بعنوان “تصدير بنك في تي بي”، في إشارة إلى مؤسسة روسية مملوكة للدولة تعرف باسم “قجة” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على “بنك في تي بي” عام 2014 رداً على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية. ومن غير الواضح ما هو الرابط الذي كان قائماً بين “بنك في تي بي” وتحويلات “ماني غرام” أو سبب وضع الوثيقة.

وقال “بنك في تي بي” إنه “يعمل في شكل صارم وفق القوانين المحلية والدولية ويمتثل بالكامل للمعايير التنظيمية المحلية والعالمية كلها. ولم يتلق (المصرف) أي شكاوى حول أنشطتنا من سلطات الولايات المتحدة الأميركية” و”هو غير قادر على التعليق على هذه المسألة لأننا لم نُمنح إمكانية الوصول إلى الوثائق ذات الصلة التي يشير إليها الاستعلام”.

واتُّهِم ثلاثة من الأشخاص الثمانية الذين ذُكِرت أسماؤهم مع غوميز في جدول البيانات أو أُدِينوا بتهريب المخدرات. وكان أحدهم، شياوبينغ يان، أول مصنّع للفنتانيل يجري اتهامه في تاريخ الولايات المتحدة. وعمل يان البالغ من 43 سنة من ووهان بالصين، ولا يزال مطلوباً من قبل السلطات الأميركية. وهو ينكر خرق القوانين الصينية أو بيع المواد المحظورة في الولايات المتحدة عن علم.

أما الاثنان الآخران فكانا تون، صديقة غوميز، وداريوس غهاري. واتُّهِم الاثنان بجرائم تتعلق بالفنتانيل عام 2017. وذكرت “ماني غرام” تحويلات مشبوهة مرتبطة بغهاري بعد أكثر من عقد من الزمن من تغريم سلطات ولاية نيو جيرسي إياه في قضية احتيال عبر الإنترنت عالي المستوى.

ومن غير الواضح بالضبط من الذي دفع إلى من والطريق الدقيق الذي سلكه الفنتانيل للوصول إلى غارلاند. ورفض المدعون العامون الأميركيون الذين ينظرون في قضية غوميز الإجابة على أسئلة الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، مشيرين إلى أن التقاضي مستمر.

عامل مياوم في تركمانستان

عندما وصل الطحين إلى المتجر كانت رائحته كريهة. وكان الزيت أسودا ومرّاً.

حصل ذلك عام 2016، وكان اقتصاد تركمانستان يتدهور. وبحث الفقراء عن طعام في القمامة. وفي غضون سنتين، سيحل التضخم في المرتبة الثانية بعد نظيره في فنزويلا.

وفي النهار، كان العمال يسرقون أكياس الإسمنت بالدراجات الهوائية في مقابل عدد قليل من المانات، عملة الدولة الواقعة في آسيا الوسطى، والتي بدا أن قيمتها تقلصت بين عشية وضحاها. وفي المساء، كان الأزواج والآباء يتجمهرون خارج الأبواب البلاستيكية السوداء في محال السوبرماركت المملوكة للحكومة، حيث كانت الرفوف فارغة باستثناء الواردات المبالغ في أسعارها.

وقال أحد التركمان، وهو عامل مياوم من بلدة ماري في الواحة الجنوبية، للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين: “لم يكن هناك ما يكفي من الطعام”. وطلب عدم ذكر اسمه خوفاً من تعريض أسرته للخطر. “وانتظر الناس الطحين حتى منتصف الليل، ولم يتمكن أصحاب المحال التجارية من تحديد موعد وصوله”.

وهذا العام، صنفت منظمة “بيت الحرية” غير الربحية تركمانستان أكثر قمعاً من كوريا الشمالية وواحدة من أربع دول “هي أسوأ الأسوأ” في العالم على صعيد الحقوق السياسية والمدنية. ويقول الخبراء إن لا شيء يحدث من دون موافقة الرئيس قربانغولي برديمحمدوف.

وفي عشق أباد، العاصمة، لا يمكن للمواطنين سحب أكثر من 23 دولاراً يومياً من المصرف. ولا يمكنهم فتح نافذة على طول الطريق الذي قد يمر به برديمحمدوف. وفي هذا العام، أفادت التقارير أن الرئيس حظر كلمة “فيروس كورونا”.

واسم العاصمة، عشق أباد، يعني “مدينة الحب”. وبسبب الجوع، وقمع الشرطة والدولة والفساد، يعرفها كثر باسم آخر: مدينة الموتى.

والفساد في عشق أباد، كما هي الحال في العديد من عواصم العالم، يُستدَام من خلال حركة الأموال الخفية من خلال مواقع خارجية – وفي كثير من الأحيان من خلال بعض أغنى المصارف في العالم.

ويصف ما يقرب من 34 تقريراً عن الأنشطة المشبوهة استعرضها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين مدفوعات مرتبطة بتركمانستان ويبلغ مجموعها 1.4 مليار دولار بين عامي 2001 و 2016. ولا تعني “مشبوهة” بالضرورة غير مشروعة، لكن موظفي الامتثال المصرفي الذين يراقبون التحويلات قرروا أنها تستحق مزيداً من التدقيق.

وكتب موظف في الإدارة القانونية لـ”بنك نيويورك ميلون” عن ما يقرب من 100 مليون دولار من التحويلات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2016: “تبدو الحوالات مشبوهة لأنها كانت في الأغلب تُرسَل في شكل متكرر وعادة ما تنطوي على كيانات يُشتبَه بأنها وهمية”.

وتلقت بعض الشركات التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها أموالاً من تركمانستان على رغم أنها أبلغت الجهات التنظيمية بأنها لم تكن منخرطة بنشاط في أي عمل تجاري، وفق تحليل الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.

وفي إحدى الحالات، أرسلت وزارة التجارة في تركمانستان 1.6 مليون دولار إلى شركة في إسكتلندا تدعى “إنترغولد إل بي”، وفق السجلات المسربة. وتشير سجلات المصرف إلى أن الدفع كان في مقابل “حلويات”. وغادرت الدفعة الحساب المصرفي للوزارة في عشق أباد ومرت عبر “دويتشه بنك” في نيويورك ووصلت الى حساب مصرفي لاتفي لدى “إنترغولد”.

وجرى إنشاء “إنترغولد إل بي” قبل 10 أشهر من معاملاته مع حكومة تركمانستان، وفق ما تظهر السجلات. وعنوانها المدرج هو متجر يُسمَّى “مايل بوكسس إتسترا” في غلاسكو بإسكتلندا. وتقترح واجهة المتجر ما يلي: “اجعلوا هذا العنوان عنوان عملكم”.

وأُعيدَت منذ ذلك الحين تسمية “إنترغولد” “إس إل 024852 إل بي”. وليس من الواضح من يملك الشركة أو ما إذا كان لها أي غرض مشروع.

والفساد في عشق أباد، كما هي الحال في العديد من عواصم العالم، يُستدَام من خلال حركة الأموال الخفية من خلال مواقع خارجية – وفي كثير من الأحيان من خلال بعض أغنى المصارف في العالم.

وجيمس ديكنز، الذي وقع وثائق التسجيل الرسمية في وقت إنشاء “إنترغولد”، وقع أيضاً حسابات ما لا يقل عن 200 شركة أخرى في إنكلترا، وفق تحليل الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين للشركات في ملفات جهاز مكافحة الجرائم المالية. وبرزت الشركات البريطانية في السنوات الأخيرة كأدوات رائجة لإخفاء مكاسب المحتالين والمسؤولين الفاسدين.

ولم يتمكن الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين من الوصول إلى ديكنز. وقال دانيال أودونوهيو، الذي وقّع أيضاً طلب تسجيل “إنترغولد”، للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أن عمله المؤسسي تشرف عليه الجهات التنظيمية في مجال مكافحة غسل الأموال في المملكة المتحدة ويلبي المعايير العالية المطلوبة من العناية الواجبة. “بخصوص: إنترغولد إل بي، إذا كانت لديكم أدلة على جريمة يجب أن تمرروها إلى جهات إنفاذ القانون “، وفق أودونوهيو.

وقالت أنيت بور، محللة البحوث في مركز “تشاتام هاوس” للبحوث في لندن المتخصصة في بحوث الكلبتوقراطيات في آسيا الوسطى: “يبدو هذا بالتأكيد وكأنه حالة استُخدِمت فيها شركة وهمية لإخفاء أموال عن خزائن الدولة. وكانوا يعتقدون على الأرجح أن وضع ‘حلويات’ في الأسفل لن يثير أي شبهة”.

ولم ترد وزارة التجارة التركمانية على أسئلة أُرسِلت عبر سفارتها في الولايات المتحدة. ولم تعمل استمارة الاتصال عبر الإنترنت الخاصة بالوزارة.

وفي الوثائق التي اطلع عليها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، لم يوضح “دويتشه بنك” سبب اعتباره المعاملات مشبوهة. ورفض المصرف مناقشة علاقته مع تركمانستان. وقال للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين إن “مناقشة تقارير الأنشطة المشبوهة المحتملة قد تكون بوجه عام… انتهاكاً جنائياً للقانون الأميركي (وغيره)”. وقال المصرف إن المصارف تقدم تقارير عن عمليات العقوبات في شكل منتظم و”تساعد السلطات على القبض على المتورطين في النشاط الإجرامي ومقاضاتهم. ويراقب دويتشه بنك بنشاط السلوك المشبوه ويشارك السلطات النتائج ذات الصلة”.

وكان دور “دويتشه بنك” في المعاملات المصرفية مراسلاً – وهذا يعني أنه مكن المصارف التركمانية التي تستخدمها الوزارات وأصحاب المشاريع ذوي العلاقات الجيدة من تحويل المانات إلى دولارات والدفع إلى حسابات أخرى في أنحاء العالم كله.

إنه دور مألوف: فالمؤسسة الألمانية كانت الحصن الدولي المفضل لتركمانستان خلال النظام القاتل للرئيس السابق صفر مراد نيازوف.

وكان “دويتشه بنك” استحوذ على ما يصل إلى ثلث إيرادات البلاد في حسابات لا يمكن الوصول إليها إلا من قبل نيازوف، وفق “غلوبال ويتنس”، وهي مجموعة لمكافحة الفساد. وقال رئيس سابق للمصرف المركزي في البلاد للمجموعة إن مليارات الدولارات في “دويتشه بنك” هي فعلياً “مصروف الجيب الشخصي” لنيازوف.

لامين دياك خلال محاكمته في باريس

سنغالي في باريس، تونسي مكافح

وفي يوم معتدل من حزيران (يونيو) من هذا العام، ظهر لامين دياك، وهو ثمانيني من السنغال كان في وقت من الأيام أقوى رجل في ألعاب القوى الدولية، في قاعة محكمة في شمال غرب باريس لمواجهة اتهامات بالفساد.

وقال دياك أمام قاعة المحكمة وهو يكافح لتذكر تفاصيل الكسب غير المشروع خلال فترة مراقبته كرئيس للاتحاد الدولي لاتحادات ألعاب القوى: “لقد أكل علي الدهر وشرب”.

وواجه دياك، الذي كان يرتدي نظارات وربطة عنق زرقاء وبيضاء منقطة، المدعين العامين على بعد أميال من فندق كاليفورنيا في الشانزليزيه.

ففي أعجوبة الفن الزخرفي هذه المصنفة عند أربع نجوم أنفق ابن دياك وشريكه المزعوم في الجريمة، بابا ماساتا دياك، بتفاخر للمرة الأخيرة قبل اعتقالهما عام 2015، وفق السجلات المصرفية المرسلة إلى جهاز مكافحة الجرائم المالية.

وبلغت قيمة حجز دياك الابن في الفندق 46 ألف دولار من بين 112 عملية دفع جرى أبلغ “سيتي بنك” عنها أنها مشبوهة عام 2016، وفق السجلات. وعلى مدى سنوات، شهد المصرف مدفوعات – إلى لندن وسنغافورة والدوحة وموسكو وبكين وأماكن أخرى – يقول الخبراء إنها كان ينبغي أن تنبّه المصرفيين المجتهدين قبل ذلك بكثير.

وقال خبير الحوكمة الرياضية روجر بيلكي للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”: إذا كانت الأموال ستذهب إلى شركات استشارية لا يوجد بها موظفون، ومتاجر فاخرة، فإن ذلك يولّد تحذيرات. وليس بالضرورة أن تكون المشكلة في المال الذي يدور حول العالم، بل هي مزيج من المال والوجهة”.

وكرئيس للاتحاد الدولي لألعاب القوى، انضم دياك الأب إلى جهاز رشوة واسع النطاق مكّن ما يزعم المدعون العامون واحداً من أكثر برامج المنشطات جرأة في تاريخ الرياضة.

وطلب لامين دياك وابنه رشاوى بقيمة 3.8 مليون دولار، ولاسيما من وزارة الرياضة الروسية، لإخفاء نتائج اختبارات المخدرات التي أظهرت أن الرياضيين الروس تناولوا مواد معززة للأداء، حسبما يزعم المدعون الفرنسيون.

وبعد اندلاع الفضيحة، وجدت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات أن دياك الأب “أجاز الاحتيال على الرياضيين وابتزازهم ويبدو أنه كان على علم شخصي بذلك”. وجرى تجريد العديد من الروس من الميداليات التي فازوا بها في دورة الألعاب الأولمبية عام 2012.

كذلك اختلس دياك 1.5 مليون دولارا من الرعاية الروسية والصفقات التلفزيونية لتمويل حملة انتخابية في السنغال، وفق المدعين العامين. وتحقق السلطات الفرنسية في ما إذا كانت رشاوى قد دُفعَت للتأثير في اختيار المدن المضيفة لدورة الألعاب الأولمبية وبطولات عالمية. وفي حال إدانته، يواجه لامين دياك عقوبة السجن أربع سنوات بتهمة الفساد وغسل الأموال. وينكر كل من الرجلين المخالفات.

وتتواصل محاكمة دياك في باريس؛ والغش المالي المزعوم الذي وضعه في قفص الاتهام كان عالمياً.

مثلاً، قامت شركة سنغالية، هي “بامودزي للاستشارات”، على مدى 72 ساعة في شباط (فبراير) 2013، بتوزيع 1.25 مليون دولار على شبكة من العملاء غير المعتادين: صائغ مقيم في باريس، ولامين دياك، واتحاد رياضي روسي، ومتاجر تبيع بالتجزئة الساعات الفاخرة والعطور ومنتجات التجميل.

“ويبدو أن مشاركة هذه الشركة الفرنسية في عقد استشارات للتسويق الرياضي لا تتفق مع قطاع نشاطها المعلن، أي “تجارة العطور ومنتجات التجميل بالتجزئة”، وفق رسالة وجهتها وكالة الاستخبارات المالية الفرنسية، تراكفين، إلى المدعين العامين حول البوتيك الباريسي، وفق وثائق اطلع عليها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.

وكان المال كثيراً بالنسبة إلى رجال أعمال يعملون في وسط مدينة داكار من دون سجل لأعمالهم. ولم يكن لدى “بامودزي للاستشارات” حتى موقع إلكتروني.

استغرق الأمر سنتين لكي يدرك “سيتي بنك” أنه وافق على المعاملات التي كانت جزءاً من فضيحة تتعلق برشاوى رياضية كبرى.

كذلك أرسلت حسابات في “ستاندرد تشارترد” و”دويتشه بنك” و”باركليز” و”جاي بي مورغان تشيس” “يو بي إس” أو تلقت مدفوعات مشبوهة جرى إبلاغ المحققين الفرنسيين بها، وفق وثائق سرية استعرضها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.

وبعد مرور سنة تقريباً على اعتقال دياك عام 2015، أبلغ “سيتي بنك” عن 112 تحويلاً مصرفياً بقيمة 55.7 مليون دولار تعود إلى عام 2007. وواحد من أحدث المدفوعات المشبوهة – مبلغ 30 ألف دولار لحجز فندق كاليفورنيا في باريس – جرى إرساله قبل بضعة أشهر من اعتقال دياك. وذهب تحويل مصرفي بقيمة 45 ألف دولار إلى تاجر سيارات في قطر وآخر بمبلغ 435 ألف دولار إلى شركة سنغافورية، اسمها “بلاك تيدينغ” ومقرها في مجمع سكني عام.

ولم تكن الأموال التي جرى الإبلاغ عنها إلى جهاز مكافحة الجرائم المالية سوى جزء من سيل من الدولارات والفرنكات والروبلات والرنمينبيات واليوروات التي قيل إنها ذهبت إلى جيوب المدربين والأطباء والإداريين والوزراء الحكوميين في واحدة من أكثر الفضائح الرياضية قذارة.

وعلى طول الطريق، جرى خداع الرياضيين ما دمر أحلام حيواتهم. 

فقد قبلت الروسية يوليا زاريبوفا ميدالية ذهبية لألعاب الانحدار فئة ثلاثة آلاف متر في أولمبياد لندن 2012 أمام جمهور مبتهج وجمهور تلفزيوني عالمي بالملايين.

وحلت العداءة التونسية حبيبة غريبي في المركز الثاني.

وجرى تجريد زاريبوفا من فوزها عام 2016 بعدما أظهرت إعادة اختبار عينة البول أن النتيجة الإيجابية لاختبار المخدرات جرى إخفاؤها كجزء من برنامج المنشطات الروسي. وحصلت غريبي في وقت لاحق على الذهبية خلال حفل صغير مخصص ليلة أحد بالقرب من تونس على هامش بطولة ألعاب القوى للشباب.

وبسبب الغش على صعيد المخدرات خسرت غريبي عشرات الآلاف من الدولارات من المكاسب وصفقات الرعاية، كما قالت لشريكة الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين في التقارير “إنكيفادا”.

وقالت، “البطل والوصيف – ليسا الشيء نفسه”.

خضوع في أوكرانيا، تفكير في وول ستريت

قالت أولها بريخودكو، وهي تتذكر اليوم الذي كانت تصلي فيه في الكنيسة قبل تسع سنوات لرؤية والدتها للمرة الأخيرة: “جلسنا نتوقع معجزة. وفي كل مرة كانوا يخرجون إنساناً جديداً في كيس بلاستيكي أسود، كان ذلك الأمل سيتلاشى”.

ووصفت بريخودكو كيف بدت والدتها، ناديجدا كولينيتش، خلال الجنازة. كان فك كولينيتش المخلوع ملفوفاً بضمادات بيضاء. وكانت أصابعها محطمة وذراعاها زرقاوين – وهي علامات على محاولة عقيمة لحماية وجهها بينما أمطرت عليها أطنان من الصخور والمعدن والخرسانة.

ففي 29 تموز (يوليو) 2011، كانت كولينيتش واحدة من 11 قتيلاً في منجم فحم مملوك للدولة في شرق أوكرانيا عندما انهار برج على المبنى حيث قام الموظفون بفرز الفحم من الصخور.

“ظلت أمي تشكو من أن كل شيء ينهار”، وفق قول بريخودكو لشريكة الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين “كييف بوست”. ونقلت بريخودكو عن كولينيتش قولها إلى لجنة السلامة الزائرة قبل الحادث إن “الطوب ظل يسقط على رؤوسهم”.

وتذمر الموظفون من أن البرج المنهار لم يجرِ استبداله منذ 50 سنة.

وتلقي بريخودكو، التي أصبحت الآن أماً لابنة، باللائمة على “سلسلة كاملة من الذنوب تصل إلى الحكومة في كييف”. ومن نافذة منزلها، يمكنها رؤية المكان الذي قُتِلت فيه والدتها.

ويقول عمال المناجم الأوكرانيون إن الفساد المستشري يعرضهم إلى الخطر.

ويُذكَر أن العديد من مناجم الفحم في البلاد، بما فيها بجانوف حيث قُتِلت كولينيتش، مملوكة للدولة. وكانت لفترة طويلة المصدر المفضل للنهب من قبل الكلبتوقراطيين، وفق دعاة لمكافحة الفساد وموظفين ومسؤولين.

وفي هذا القطاع، تكون أعطال المعدات مصدر قلق دائم. وأفادت المناجم يأن لديها بالكاد أكثر من نصف الأقنعة اللازمة للحفاظ على تنفس عمال المناجم في حالة حصول انهيار. واشتكى اتحاد عمال المناجم في مقابلة مع مجلة أوكرانية من أن المعدات القديمة تؤخذ من المناجم الخاملة في أنحاء البلاد كلها وببساطة يعاد طلاؤها قبل إعادة تخصيصها.

كان انهيار برج بجانوف، في مدينة ماكييفكا، واحداً من ثلاثة حوادث منجمية في أوكرانيا في ذلك الأسبوع أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 39 رجلاً وامرأة. وحدث ذلك كله في شرق البلاد الغني بالفحم، بالقرب من الحدود الروسية، حيث توجد اليوم “جمهوريتان شعبيتان” مارقتان بدعم من الكرملين.

وحددت لجنة رسمية المعدات المتهالكة كعامل محتمل في انهيار برج بجانوف وأوصت بتغيير كيفية تفتيش الأبراج ومواعيد تفتيشها.

وكانت تزود منجم بجانوف شركة قبرصية غامضة تسمى “تورناتور القابضة المحدودة”. وبعد أشهر من جنازة كولينيتش وعلى بعد خمسة آلاف كيلومتر، حاولت بيغي ماكغارفي، أعلى مسؤولي الامتثال في “دويتشه بنك” بوول ستريت، معرفة من يملك “تورناتور”.

ما لفت انتباه ماكغارفي لم يكن الحادث القاتل بل علامات التحذير التي لاحظها المصرف بعد معالجة اثنين من المدفوعات الكبيرة نيابة عن “تورناتور”.

ففي كانون الأول (ديسمبر) 2011، تلقت “تورناتور” 5.5 مليون دولار من شركة فرعية أوكرانية لمعدات التعدين تدعى “إل إل سي غازينيغوليزينغ”. وفي اليوم التالي، أرسلت “تورناتور” 999 ألفاً و994 دولاراً إلى شركة تأجير روسية كبيرة، يملكها الكرملين جزئياً.

وتوجت المدفوعات ذات القيمة العالية، التي جرى تقريب بعضها تقريباً إلى أقرب ألف أو مليون في ما يعتبره الخبراء “بصمة” احتيالية، سنة من مخاوف “دويتشه بنك” في شأن “تورناتور”. وكتب مصرفيون في تقارير بدءاً من آذار (مارس) 2011، أي قبل بضعة أشهر من وقوع الحادث في منجم بجانوف في ذلك الصيف، أن الشركة كانت قد سددت مبالغ مشبوهة ولم يكن لديها مقر أو “خط عمل” واضحان.

ورأت ماكغارفي أن شركة التأجير وصفت الحوالات الأخيرة بأنها هدايا وتسديد لقرض، لكنها أرادت مزيداً من المعلومات، وفق تقرير المصرف في شباط (فبراير) 2012. وكان المصرف الروسي التابع لشركة التأجير، واسمه “غلوبكس”، أكد لـ”دويتشه بنك”، رداً على مخاوف سابقة، أن “العميل لم يقم بعمليات مشبوهة”. لكن زملاء ماكغارفي أصروا، وسألوا “غلوبكس”: “الرجاء تقديم المعلومات التجارية لتورناتور”.

ورد المصرف الروسي قائلاً، “لا توجد معلومات”. وبعد أشهر، لم تعد ماكغارفي أيضاً تتسم بالحكمة نفسها.

ولم ترد ماكغارفي، التي لا تزال رئيسة “دويتشه بنك” للإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة في الولايات المتحدة، على أسئلة تخص هذه القصة.

وتطلب الأمر أن يربط الصحافيون الأوكرانيون “تورناتور” بحادث “ماكييفكا”.

وعام 2011، ذكرت تيتيانا تشيرنوفال ويوري نيكولوف أن “تورناتور” كانت مملوكة ليوري إيفانيوشينكو، وهو سياسي مقرب من الرئيس آنذاك فيكتور يانوكوفيتش. وكانت هذه هي طريقته للسيطرة على “غازينيغوليزينغ”، التي كانت تحتكر تزويد مناجم البلد بالمعدات.

وكتب نيكولوف وشيرنوفول، الذي كان عضواً في البرلمان الأوكراني من عام 2014 إلى عام 2019، أن المنجم المملوك للدولة اشترى معدات بديلة من “غازينيغوليزينغ” قبل الانهيار، لكنهما لم يتمكنا من تحديد ما إذا كان العتاد جرى تسليمه أو حتى إذا كان الطلب مشروعاً.

لكن وكالة مراجعة الحسابات الحكومية في أوكرانيا نشرت تقريراً عام 2011 رسم صورة قاتمة لعمليات المنجم. فقد عثرت على معدات متضررة بقيمة 21 مليون دولار في مقر منجم بجانوف، على بعد أميال من الحادث، وحددت 205 ملايين دولار في “أوجه قصور في المحاسبة، وانتهاكات جسيمة للانضباط المالي والميزاني”.

وفر إيفانيوشينكو بعد ثورة أوكرانيا عام 2014، وهو قيد التحقيق من قبل السلطات في أوكرانيا وسويسرا بتهمة اختلاس ملايين الدولارات المخصصة لمشاريع الطاقة. واتصلت اللجنة بثلاثة محامين حاليين وسابقين يعملون وعملوا لصالح إيفانيوشينكو. ولم يرد أي منهم.

“يمكن لأي شخص أن يكون مهرباً”

براندون هوبارد، مهرب المخدرات الموجود الآن في سجن بولاية نورث داكوتا، لم يعتبر نفسه محتالاً مالياً.

“أعتبر غاسلي الأموال أشخاصاً يستثمرون في غسل السيارات أو المطاعم” لجعل الأموال القذرة مشروعة، على حد قول هوبارد للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، أو يفعلون “ما يفعله الأوليغارشيون الروس لنقل أموالهم من روسيا إلى العقارات الأميركية”.

ثم أصبح واحداً منهم هو نفسه. وقال هوبارد، وهو مصارع سابق في المدرسة الثانوية نشأ في بورتلاند بولاية أوريغون، إنه صدم عندما أبلغته الشرطة بانه متهم ليس فقط بتوزيع المخدرات القاتلة لكن أيضاً بارتكاب جرائم مالية.

وقال هوبارد: ” لم أعتبر قط أي شيء فعلته غسل أموال. لكن، كما تعلمون، حُكم عليّ بالسجن ثماني سنوات بسبب ذلك”.

أكثر من 31 ألف أميركي ماتوا بسبب المواد الأفيونية الاصطناعية، بما في ذلك الفنتانيل، عام 2018. والفنتانيل وغيره من الأدوية المختبرية الصنع، أقوى بحوالي 10 آلاف مرة من المورفين، والآن يقتل أميركيين أكثر من أي أفيونيات أخرى. 

وتقول وزارة الخزانة الأميركية إن الجريمة المالية تجعل كل شيء ممكناً.

وأصدرت الإدارة العام الماضي تحذيراً للمؤسسات المالية لزيادة وعيها بالبرامج التي تمكن من تدفق المواد الأفيونية. وتظهر البيانات المالية وبيانات المحاكم أن تجار الفنتانيل يتراوحون بين مجرمين مخضرمين مع شبكات من الوسطاء إلى مقيم في بيتسبرغ دفع عبر “ماني غرام” لتسليم 100 غرام من الفنتانيل إلى عنوان تحت اسم آفون باركسدايل، وهو شخصية خيالية من سلسلة “السلك” التي يعرضها تلفزيون “إتش بي أو”.

وقال دونالد إيم، وهو عميل خاص مساعد مسؤول عن إدارة مكافحة المخدرات الأميركية: “يمكن لأي شخص أن يكون مهرباً الآن بسبب الهواتف الذكية. فإذا كان أي شخص يستطيع أن يصبح سائق أوبر، يمكن لأي شخص أن يكون مهرب مخدرات”.

وقال إيم الذى عمل في “عملية النفي”، وهى تحقيق جار في تهريب الفنتانيل والمخدرات الأخرى، إن المهربين يستخدمون “أساليب الاقتصاد والنظام المالي كلها”. وكانت إدانة كل من هوبارد وأنتوني غوميز نتيجة للعملية.

وقبل بضعة أشهر، اتصلت الشرطة بمنزل إيميلي ميل لتبلغها تحديثاً. فرجال الشرطة يواجهون مشكلة في القبض على “سيد المخدرات الرئيسية” من الصين، وتتذكر إميلي من المكالمة بعض الجوانب.

وقالت: “على صغر حجم هذه المدينة وريفية هذه المدينة، “بالنسبة إلى أخي الذي حصل على المخدرات التي انتهت إليه بعدما طافت العالم، فهذا أمر مثير للعجب”.

  • المساهمون: أغوستين أرمنداريز، سيمون باورز، واهيو دياتميكا، إميليا دياز شتروك، مومار ديينغ، عبد الحق الإدريسي، أزين غوراشي، أديبايو حسن، كاريي كيهو، محمد كوماني، تانيا كوزيريفا، مالك خضراوي، فلاد لافروف، آنا ميرونوك، توشي أوكوياما، دلفين رويتر، ماغو توريس، توم وارن، إيمي ويلسون تشابمان، فاروه يوسوبوف
20.09.2020
زمن القراءة: 23 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية