نشر المقال الأصلي في المجلس الأطلنطي
حدد الرئيس بشار الأسد يوم 15 تموز/يوليو المقبل موعداً لانتخابات مجلس الشعب السوري، بأعضائه الـ250، في مناطق سيطرة حكومته، ومع تطور العملية الانتخابية، ستَصدر سلسلة من المقالات لتحليل العناصر الأساسية للانتخابات السورية ودورها في إضفاء الشرعية على حكم حزب البعث، وستتعمق هذه المقالات في التحديات المقترنة بالمضي قدماً في الإصلاحات الانتخابية، في إطار العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة، وفي هذا الإطار، ناقش المقال الأول من هذه السلسلة الخطوط العريضة للعملية الانتخابية وأهميتها، فيما تناول المقال الثاني نظام التمثيل الذي يحدد طريقة التصويت، وعدد المرشحين الذين سيتم انتخابهم عن كل دائرة انتخابية.
أما هذا المقال، فيستعرض تركيبة الناخبين السوريين، محدّداً: من هم الناخبون، وكم عددهم، ولمَ يصعب جداً تقدير التوقعات بطريقة موثوقة، وفي الواقع، يضمن الدستور لجميع المواطنين السوريين، من الناحية النظرية، الحق في التصويت، على الرغم من التحفظات التي أُدرجت في صميم قانون الانتخابات وقانون الجنسية لاحقاً.
يحصل المواطن السوري على جنسيته إذا وُلد لأب سوري، كما ينص عليه قانون الجنسية لعام 1969، ولكن لا يمكنه الحصول عليها عن طريق أمه، كما لا تستطيع المرأة السورية نقل جنسيتها إلى زوجها، ومع ذلك، يمكن اكتساب الجنسية السورية بطرق مختصرة، فيتمتع وزير الداخلية السوري بسلطة كبيرة تخوّله منح الجنسية من خلال عمليات التجنيس الميسرة أو الاستثنائية.
وفي هذا الصدد، تزعم المعارضة السورية أن الحكومة تغيّر التركيبة السكانية وأفضليات التصويت، من خلال منح الجنسية السورية للأجانب، الذين يقاتلون في النزاع، وفي الواقع، لا تقارير موثوقة عن عدد الأجانب الذين نالوا الجنسية منذ عام 2011، ولكن الموضوع له أهمية سياسية، والسوريون يعرفون جيداً كيف جرت هذه الأمور في الحالة اللبنانية، إلى جانب ذلك، تُعتبر هذه المسألة ذات أهمية خاصة بالنسبة للأشخاص من ذوي الإثنية الكردية، الذين حُرموا تاريخياً من حقوقهم كمواطنين، في المقابل، جرى توسيع حق التصويت في انتخابات مجلس الشعب، منذ عام 2016، ليشمل الجيش، لكن هذه الخطوة لم تؤد إلا إلى تأجيج الشكوك في إمكانية التلاعب بالأصوات.
تتضمن القوانين بعض القيود الأخرى التي يُحتمل أن تنطوي على مشاكل، ولكن من غير الواضح ما إذا كانت تؤثر بشكل كبير على تركيبة الناخبين، فعلى سبيل المثال، يُحرم من حق الانتخاب “المحكوم عليه بجناية، أو جنحة شائنة، أو مخلة بالثقة العامة” و”المصاب بمرض عقلي مؤثّر في أهليته”، أما المجموعة الأكبر من السوريين المحرومين من الانتخاب، فهم السوريون الموجودون في بلدان المهجر، ومع أن لهؤلاء المغتربين حق التصويت في الانتخابات الرئاسية، فهم لا يتمتعون بهذا الحق في انتخابات مجلس الشعب، مما يتعارض مع أحكام قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 الذي يوصي باقتراع المغتربين.
إذا مُنح المغتربون السوريين هذا الحق، فكم منهم سيتمكّن من التصويت فعلاً؟ وفي هذا الصدد، ما هو مجموع عدد السوريين الذين سيحق لهم التصويت؟ للأسف، يتعذر توفير إجابة شافية لهذا السؤال، ولعل السبب الأساسي لهذه التكهنات المحيطة بعدد الناخبين، هو عدم قيام الحكومة بتسجيل الناخبين، على الرغم من كونها ملزمة بذلك قانوناً، كما أن الحكومة لا تقوم بتجميع قوائم الناخبين، وتؤكد الأدلة المستقاة من الانتخابات السابقة، بشكل واضح، أن عملية تسجيل الناخبين لا وجود لها أساساً، ففي انتخابات 2020 و2021، لم يتم تسجيل الناخبين، ولم تكن لدى لجان مراكز الاقتراع قائمة بالناخبين، بل مجرد نماذج فارغة لتسجيل أسماء الناخبين عند وصولهم إلى صناديق الاقتراع، وعلى نحو مماثل، لم يظهر أي دليل على تنفيذ أنشطة متعلقة بتسجيل الناخبين قبل انتخابات هذا العام.
إذاً، من أين تأتي الحكومة بالبيانات التي تنشرها عن الناخبين؟ بحسب تصريحات مسؤولين حكوميين، هذه البيانات مصدرها السجل المدني، لكن لا يمكن اعتبار هذا الأخير سجلاً دقيقاً للمواطنين في سوريا، ومع أن نظام الأسد استغل الأجهزة الإدارية للسيطرة على السكان، فقد فشل في إنشاء سجل مدني منظم، حتى قبل نشوب النزاع، ومنذ بدء النزاع في عام 2011، لم يعد السجل المدني يخضع للصيانة والتحديث، في هذا الإطار، قد تكون جهود المنظمات غير الحكومية للحفاظ على السجلات، بالغة الأهمية بالنسبة لمن سيضطر إلى إثبات حالته المدنية في المستقبل، ولكن النسخة الحالية من السجل المدني لا تأخذ هذه السجلات في الاعتبار.
فضلاً عن ذلك، تجدر الإشارة إلى أن البيانات الرسمية للناخبين نادرة للغاية، فقد جرت العادة أن تنشر اللجنة القضائية العليا للانتخابات أرقام الناخبين الإجمالية فقط، مما يحول دون تحليلها كونها لا تتضمن تفاصيل، ولا تنطوي على بيانات مصنّفة بحسب المحافظة، وفي بعض الأحيان يقدّم المحافظ أو اللجان على مستوى المحافظات، هذه المعلومات بشكل عشوائي، ولكن غالباً ما تجمعها اللجان من دون أي تفسير.

المصدر: دليل الانتخابات وتصريحات مسؤولي اللجنة القضائية العليا للانتخابات
* يُعزى انخفاض عدد الناخبين المسجلين في عام 2016، ربما إلى عدم إجراء الانتخابات في محافظتي الرقة وإدلب، اللتين كانتا خاضعتين لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) و”جبهة النصرة” المرتبطة ب”تنظيم القاعدة”.
تعود الزيادة الكبيرة في عدد الناخبين المسجلين، الذين أُبلغ عن مشاركتهم في عام 2020، على الأرجح، إلى التغيير في طريقة احتساب هذا العدد، فقبل انتخابات 2020، كانت لجان مراكز الاقتراع تتلقى قائمة أولية بالناخبين، مستخرجةً من السجل المدني، فتقوم بعد ذلك بمراجعة القائمة من خلال إزالة بعض الناخبين منها، وإضافة البعض الآخر إليها، لكن، منذ انتخابات 2020، تم التخلي عن هذه العملية، وأصبح عدد الناخبين المسجلين يعكس، بكل بساطة، جميع الراشدين المسجلة أسماؤهم في السجل المدني.
أما بالنسبة لاقتراع المغتربين، فمن الصعب تحليل أعدادهم، فيُقدر عدد السكان السوريين ما بين 24-27 مليون نسمة، منهم 16-20 مليون سوري مقيمون في سوريا، و5-6.7 مليون خارجها، وتستضيف تركيا ولبنان والأردن وحدها أكثر من 5 ملايين لاجئ سوري، ووفقاً للتقديرات المتحفظة، تبلغ نسبة السكان السوريين في سن الاقتراع حوالى 60%، مما يفترض وجود 14-16 مليون ناخب في سوريا، و3-4 ملايين خارجها، وتؤكد هذه الأرقام العدد الذي تزعمه الحكومة، أي 18 مليون ناخب، ومع ذلك، من غير الواضح كم من هؤلاء يعيشون في مناطق سيطرة النظام، خاصة وأن تقديرهم بـ9.5 مليون ناخب قد لا يكون رقماً موثوقاً.
وعلى النقيض من الانتخابات السابقة، لم تصدر الحكومة بياناً واحداً بشأن عدد الناخبين، وإن كانت هذه الأرقام غير قابلة للتصديق، وإذا ما قارنّا التقارير الواردة من مصادر مختلفة حول الدورات الثمانية لانتخابات مجلس الشعب، التي انطلقت في عام 1990، فسيتبيّن أن معدّل مشاركة الناخبين يتراوح بين 50-60 في المائة، استناداً إلى ذلك، يمكن الافتراض من الناحية النظرية، عند تطبيق هذه النسب على عدد الناخبين، الذين أدلوا بأصواتهم في انتخابات 2020، أن العدد الإجمالي للناخبين لا يزيد عن 10 ملايين كحدٍّ أقصى، وهو أقل بكثير من العدد المعلن عنه سابقاً، أي 18 مليوناً.
المصدر: دليل الانتخابات وتصريحات مسؤولي اللجنة القضائية العليا للانتخابات
فهل من المحتمل أن تكون قوائم الناخبين قد أغفلت عن إيراد نصف الناخبين السوريين تقريباً، في انتخابات ما قبل عام 2020؟ أم أن أرقام انتخابات ما بعد 2020 مبالغ فيها إلى حدّ كبير؟ من المؤكد أن الارتباك بشأن العدد الحقيقي للناخبين، لن ينقشع في هذه الانتخابات، فحكومة الأسد لا تبذل أي جهد يذكر لترتيب سجل الناخبين، وإذا كانت هناك أي فرصة لإجراء انتخابات وفقاً للمعايير المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم 2254، فإن إصلاح عملية تسجيل الناخبين، سيكون أحد أكثر الجوانب صعوبة تقنياً ولوجستياً، ومن الضروري أن يؤدي هذا الإصلاح إلى صون حق الاقتراع، الذي يتمتع به السوريون المقيمون في سوريا وفي بلدان الاغتراب، مع ضرورة غرس معايير الشفافية الأساسية في العملية الانتخابية.
فلاديمير بران ومارون صفير يقدمان استشارات للسلطات الانتخابية والحكومات والقادة السياسيين بشأن العمليات الانتقالية والانتخابية والسياسية.