عادت المخاوف إلى لبنان من هجوم جديد لفايروس “كورونا” بعد الإعلان عن وصول المتحور “دلتا” إلى لبنان، إذ صرّح وزير الصحة اللبناني حمد حسن عبر “تويتر” عن تسجيل 9 حالات وافدة إلى لبنان مصابة بالمتحور الجديد. وفي دول عربية أخرى تم أيضاً رصد المتحور دلتا مثل العراق، الإمارات العربية المتحدة، المغرب والكويت وغيرها. فما الذي نعرفه عن المتحور دلتا حتى الآن؟ وهل نتوقع سيناريو مشابهاً لما يحصل في دول سيطر عليها بالفعل المتحور الجديد؟
المتحور دلتا، المعروف أيضاً باسم 2B.1.617. يتميز باحتوائه على طفرات متعددة في بروتين السبايك المسؤول عن ارتباط الفايروس بمستقبلات الخلايا والتي زادت من قدرته على العدوى والانتشار. تم رصد المتحور دلتا للمرة الأولى في الهند في أواخر عام 2020، حيث يرجح أنه ساهم في أعداد الإصابات الكبيرة التي شهدتها الهند خلال الموجة الثانية الكبيرة بداية العام الحالي. وبحسب “منظمة الصحة العالمية” فإن دلتا تم الإبلاغ عن وجوده في 96 دولة حول العالم ويتوقع أن يواصل الانتشار.
يتميز المتحور دلتا بشدّة العدوى وسرعة الانتشار، التي طغت في بعض الدول، كبريطانيا، على المتحورات الأخرى التي شهدناها منذ انتشار “كوفيد- 19″، أواخر عام 2019 ومن بينها المتحور البريطاني “ألفا”، الذي أحدث ضجة كبيرة، إذ كان يعتبر من الأسرع في الانتشار قبل ظهور دلتا. كما يقدر أن هناك طفرات زادت من قدرته على التهرب المناعي من الأجسام المضادة وبناء على ذلك قد صنف عالمياً بالمتحور مثير القلق.
في سياق ذلك، تشهد بريطانيا ارتفاعاً متسارعاً في أعداد الإصابات اليومية تخطى 27000 إصابة، بعد انخفاض وصل إلى أقل من ألفي إصابة يومياً خلال أيار/ مايو، هذا مع ارتفاع ملحوظ أيضاً في عدد الحالات التي تطلب رعاية استشفائية وارتفاع في عدد الوفيات. وبحسب “هيئة الصحة العامة في إنكلترا” (PHE) فإن المتحور دلتا بات المتحور المسيطر والسائد على الأراضي البريطانية، إذ فاق الـ95 في المئة من عدد الفحوصات اليومية التي تم تحليل تسلسلها الجيني.
عوامل عدة ساهمت في انتشار المتحور دلتا حول العالم، منها تزايد الاختلاط المجتمعي مع إرخاء/ إهمال تدابير الوقاية المجتمعية كالالتزام بالكمامة أو التباعد الاجتماعي. أضف إليها تفاوت نسب التلقيح بين الدول والامكنة، ما سهل على الفايروس المتحور الانتشار في المدن والمناطق، حيث نسب التلقيح ما زالت منخفضة نسبياً.
على أن نتذكر دائماً، أنه كلما استمر الفايروس بالتداول في المجتمع، زادت فرصه في مراكمة طفرات جديدة، وبالتالي علينا أن نتوقع متحورات جديدة، ما بعد دلتا، ربما أكثر تطوراً من سابقتها.
وفي هذا الإطار، وفي تطور آخر، نجح المتحور دلتا بالفعل في مراكمة طفرات جديدة إضافية ليصبح لدينا متحور عرف بدلتا بلاس (دلتا+)، تم رصده في الهند وعدد من البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية على أن مدى تأثيره أو خطورته ما زال غير معروفاً.
اللقاح أولاً… وأخيراً
التلقيح هو الأداة الأكثر فعالية التي نمتلكها الآن لمواجهة المتحور دلتا أو أي متحور مستجد، بخاصة مع غياب علاجات فعالة ضد “كوفيد- 19″، خصوصاً للحالات الصعبة، حتى اللحظة. لذلك فإن المشكلة باتت أن تحور الفايروس وانتشاره باتا أسرع من عمليات التلقيح في أماكن عدة في العالم. ويرجح أن يشهد المتحور دلتا انتشاراً أوسع في الأماكن حيث نسب التلقيح ما زالت غير كفيلة بتأمين حماية مجتمعية.
أما ما إذا كانت اللقاحات المتوفرة حالياً فعالة ضد المتحور دلتا، فإن دراسة بريطانية قيد النشر، وممولة من “هيئة الصحة العامة في إنكلترا” (PHE)، توصلت إلى أن لقاح “فايزر/ بيونتيك” فعال ضد المتحور دلتا بنسبة 88 في المئة بعد إسبوعين من الجرعة الثانية. أما لقاح “أكسفورد/ أسترازنيكا” فتبين أن جرعتين منه كفيلتان بتأمين حماية تصل إلى 60 في المئة من الأعراض المرضية للفايروس. في المقابل، فإن جرعة واحدة فقط من أي من اللقاحين خفضت نسبة الحماية هذه إلى 33 في المئة، ما يعني أن جرعتين من اللقاح مطلوبتان لتأمين الحماية القصوى ضد المتحور دلتا. دراسة أخرى صادرة عن وزارة الصحة الإسرائيلية، حيث أكبر تجربة تلقيح بـ”فايزر/ بيونتيك”، أشارت إلى فعالية 64 في المئة للقاح المذكور ضد المتحور دلتا. هذا يعني أن اللقاحات المتوفرة ما زالت فعالة لتأمين حماية ضد المتحور المستجد ولو بنسبة أقل من أي من المتحورات السابقة.
في سياق متصل، ليس هنالك معطيات واضحة بعد، حول ما إذا كان المتحور دلتا أكثر خطورةً من سابقاته بانتظار المزيد من المعطيات والأدلة.
من غير المستبعد أن يشهد لبنان وغيره من الدول العربية سيناريو مشابهاً لذلك البريطاني من حيث بدء ارتفاع أعداد الإصابات في موجة هجوم جديدة للفايروس، إذ يصبح المتحور دلتا شديد العدوى هو المسيطر، ولذلك فإن الاستعجال في توزيع وتلقيح أكبر عدد ممكن من المجتمع مطلوب وضروري.
في هذه الأثناء، أعلن رئيس الوزراء البريطاني البارحة رفع معظم القيود الاجتماعية التي كانت مفروضة سابقاً وإعادة فتح البلاد بدءاً من 19 تموز/ يوليو. وقد رأى كريس ويتي، كبير المسؤولين الطبيين في بريطانيا أن الإبقاء على القيود الحالية خلال الصيف الحالي سوف يؤخر الموجة الآتية لا محالة.
ولكن هذا في بريطانيا حيث نسبة البالغين من الشعب الذين تلقوا الجرعتين من اللقاح تخطت الـ64 في المئة، فماذا عن بلادنا إذاً؟ ما هي استعداداتنا لموجة جديدة من “كورونا”؟
إقرأوا أيضاً: