“هرعت إلى المعهد بعد أن أعلموني أن ابنتي بين التلاميذ الذين أُصيبوا بالاختناق، كان المشهد مروّعاً. عدد كبير من التلاميذ يتنفّسون بصعوبة، وبعضهم مغمى عليه، والبعض الآخر يبكي من الخوف والألم. وصلت سيّارة إسعاف واحدة ومتأخرة، ممّا أدّى إلى حالة من الفوضى بسبب احتجاج الأولياء على هذا الاستهتار بأرواح أبنائهم. بعدها قدمت سيّارات أخرى، لكنّها لم تكن كافية، ممّا أدّى إلى رصّ المصابين، في البداية قدّموا لهم الأوكسجين وأجريت بعض التحاليل، قال أحد الأطبّاء إن ما يجري سببه الغازات التي يفرزها المجمّع الكيميائي، ولكن سرعان ما أنكروا ذلك، وصار الأطبّاء كلّهم يقولون: أبناؤكم بخير، واتّهموا الأطفال بالكذب وادّعاء الاختناق، بل واتّهموا الأولياء بأنهم يعلّمون أطفالهم التمثيل. لم ينتهِ الأمر هنا، إذ بادر أحدهم بالقول للأطفال الذين كانوا في حالة هلع وخوف واختناق: غادروا أو سنضربكم… نعم، هكذا يعاملنا أطبّاء الدولة”.
بهذه العبارات تحدّثت رباب بنبرة جمعت بين الحزن والغضب عن تجربتها المريرة وأهالي مدينتها مع المستشفيات العمومية في الجهة، بعد تعرّض أبنائهم للاختناق، حيث لم تتوقّع أن يتواطأ الأطبّاء مع السلطة، من أجل إنكار الأثر الخطير لمخلّفات المجمّع الكيميائي، على صحّة أبناء الجهة، بخاصّة الأطفال، في هذه الفترة.
كانت رباب تنتظر أن يتفهّم الأطبّاء حالة الخوف التي عليها الأطفال والأولياء، ويبذلوا جهدهم لشرح ما يجري بكلّ صدق، وتقديم العلاج اللازم، لكن حدث العكس. تروي رباب لـ”درج”: “من جهة يكذّبوننا وأطفالنا، ومن جهة أخرى يحتفظون بـ14 طفلاً في قسم الإنعاش، بينهم ابنتي التي كانت تشتكي من آلام في القلب وصعوبة في المشي. حين واجهناهم وسألناهم لماذا تحتفظون بهم طالما أنهم يكذبون لم يردّوا، ولم يقدّموا لنا أيّ نتائج تحاليل، وتمسكّوا بكلمة “لا باس” أي بخير، ثم قرّروا إرسالنا إلى مستشفى الرابطة في العاصمة لضعف الإمكانات هنا”.
في مستشفى الرابطة، قام الأطبّاء ببعض التحاليل الجديدة، منها التصوير بالرنين المغناطيسي، ولكنّ المفاجأة أن الأطبّاء هنا أيضاً ردّدوا ما قاله الأطبّاء في قابس: “أطفالكم بخير”، لكن دون أي تفسير.
ما أثار حفيظة رباب والأولياء الذين كانوا معها، أن الأطبّاء أخبروهم بذلك قبل أن تأتي نتائج التحليل أساساً، والأسوأ أن عدداً ممّن أجروا التحاليل مصابون بأمراض أخرى، لكن لم تظهر في نتائج التحاليل، ولم يُشر إليها الأطبّاء رغم أن التصوير بالرنين المغناطيسي يكشف آلياً عن أيّ مرض في الجسد، ما يعني، حسب رباب، أن هناك تلاعباً بالتحاليل وأوامر عليا وصلت إلى الأطبّاء، بألّا يخبروهم بأيّ تفاصيل عن الحالة الصحّية لمن أصيبوا بالاختناق، لأن أيّ نتائج ستؤكّد أن المجمّع الكيميائي هو السبب.
تختم رباب: “ابنتي ما زالت تعاني تبعات ما جرى، إنها مصابة بارتعاش في اليدين وارتخاء في القدمين، حتى إنها كادت أن تقع على السلالم منذ أيّام قليلة، كما لم تستطع الكتابة خلال الفصل الدراسي، وأنا خائفة عليها، خاصّة وأن أحد العاملين في المجمّع أفاد أن تلك الغازات تصيب الجهاز العصبي مباشرة. نحن نريد أن يلتفت الرئيس جدّياً لنا، ويعي حجم الخطر الذي نعيشه، ويتوقّفوا عن تجاهل مصابنا ومخاوفنا”.
السمّ في الهواء!
رباب واحدة من عدد كبير من الأهالي في مناطق غنوش وشاطئ السلام وبُوشمة في محافظة قابس، ممن أصيب أطفالهم بالاختناق بين شهري أيلول/ سبتمبر وتشرين الأوّل/ أكتوبر، بسبب تسرّب الغازات السامّة من المجمّع الكيميائي في المدينة، ومن رمي مخلّفات الفوسفوجيبس وكلّ أنواع الموادّ الكيميائية في البحر والتربة، التي حوّلت حياة السكّان إلى جحيم، وجعلتهم عرضة للعديد من الأمراض التنفّسية والجلدية والسرطانية.
كانت الموجة الأولى من حالات الاختناق قد بدأت خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، الذي سماّه الأهالي بـ”الشهر الأسود”، و”شهر الاختناق”، ففي التاسع منه استقبل المستشفى المحلّي في معتمدية غنوش في محافظة قابس، نحو 30 حالة طارئة بسبب الاختناق، وفي اليوم التالي وصلت ستّ حالات أخرى، وفي الـ16 من الشهر نفسه تكرّر الأمر، حيث نُقلت 20 حالة جديدة إلى المستشفى.
تضاعفت الأعداد في 27 أيلول/ سبتمبر، ليتمّ تسجيل أكثر من 50 حالة اختناق في منطقة شط السلام، كلّهم تلاميذ مدرسة إعدادية، ولم تستطع المؤسّسات الصحّية العمومية في المحافظة، استقبال هذه الأعداد الكبيرة من المصابين سواء على مستوى التجهيزات أو على مستوى الكوادر الطبّية. كان الحلّ الأوّل طلب فريق طبّي من محافظة صفاقس المجاورة، لكن بلا فائدة، ليتقرّر نقل عدد من المصابين إلى أحد مستشفيات العاصمة تونس، التي تبعد أكثر من 400 كلم.
وفي 10 تشرين الأوّل/ أكتوبر الجاري، تجدّدت حالات الاختناق، فأصيب 20 تلميذاً في المدرسة الإعدادية نفسها للسبب نفسه، الأمر الذي فاقم غضب الأهالي الذين أصابهم الذعر ممّا يجري، لا سيّما في ظلّ عدم تلقّي أبنائهم الرعاية الصحّية اللازمة بعد أن تمّ اتّهامهم بالكذب والتمارض، إلى جانب سوء الخدمات في المستشفى الجهوي العمومي، وافتقاده أبسط التجهيزات.
مصدر السمّ واضح ومعروف
لا يحتاج الأهالي إلى فتح تحقيقات، أو التخمين مطولاً في أسباب هذا الاختناق، أو استدعاء نظريات المؤامرة، لأن الإجابة واضحة ومعلومة منذ سنوات طويلة، ومصدرها واحد فقط، وهو “البخارة” كما يسمّونها، ويقصدون بها الأبخرة السامّة التي تنبعث من وحدات الإنتاج في مصانع المجمّع الكيميائي التونسي، الذي يعتبَر مؤسّسة كبيرة تابعة للدولة، متخصّصة بمعالجة الفوسفات وتثمينه، وصناعة الأسمدة والمخصّبات الكيميائية.
ورغم أن الأدخنة السوداء التي تفرزها هذه المصانع أمست منذ عقود جزءاً من تركيبة المدينة، فإن التواتر الكبير لحالات الاختناق مؤخّراً، وما رافقها من أعراض صحّية خطيرة وجديدة، بات يؤكّد أن خطورتها قد زادت، خصوصاً بعدما ظهرت على المصابين أعراض غير مسبوقة، تمثّلت بضيق حادّ في التنفس وصعوبة في الحركة وارتخاء في الأطراف، تطلّب بعضها البقاء تحت الرعاية الطبّية لعدّة أيّام.
زهرة (اسم مستعار) تعرّضت ابنتها بدورها للاختناق، وعاشت التفاصيل ذاتها التي عاشتها رباب، خاصّة وأن ابنتها أيضاً نقلت إلى مستشفى العاصمة، تقول لـ”درج”: “لا يمكن أن أنسى مشهد برود الأطبّاء في التعامل مع الأطفال وهم بين الإغماء والاختناق، ونظرتهم اللامبالية رغم رؤيتهم فزعنا وخوفنا على أبنائنا. ربما لا بدّ ألّا يفاجئنا ذلك نحن القوابسية، فنحن نعيش اختناقاً متواصلاً منذ خمسين عاماً، ورغم ذلك بقينا نواجه مصيرنا بمفردنا، دولتنا لم تفكّر حتى في توفير مستشفى بإمكانات جيّدة نستطيع اللجوء إليه لمداواة أمراضنا الكثيرة، التي تسبّب لنا فيها المجمّع الكيميائي”.
تضيف زهرة “تخيّلوا أنهم نقلوا أبناءنا الذين كان يعاني بعضهم ضيقاً في التنفّس على متن حافلة إلى مستشفى العاصمة، الذي يبعد مئات الكيلومترات، لم يوفّروا سيّارة إسعاف مجهّزة! إلى هذا الحدّ حياتنا لا تساوي شيئاً بالنسبة إلى سلطتنا ودولتنا. والمحزن أنه رغم تلك المشقّة لا نجد تفسيراً علمياً وصحّياً لما يجري مع أبنائنا”.
تتابع زهرة “ابنتي ما زالت تعاني من صعوبة في التنفّس ومن الارتّخاء في اليدين والساقين، وأحياناً لا تستطيع الحركة. ولهذا توجّهت إلى طبيب خاصّ قام بتغيير الدواء الذي وصفه لها أطبّاء المستشفى العمومي، وطلب عدّة تحاليل لم نقم بإجرائها في الوقت الحالي لغلائها، ولكن سنجريها لو بعد حين لنفهم ماذا يجري مع ابنتي، طالما أن الطبّ العامّ لا يريد إخبارنا ويسخر منا”.
“جريمة” لا أحد يوقفها!
لا يقرّ الأهالي وحدهم بهذا الخطر، بل إن السلطة نفسها في تونس تدرك هذا الخطر وتعي تأثيراته الكارثية جيّداً، إلى درجة أن الرئيس قيس سعيد قد علّق على ما يجري في محافظة قابس خلال اجتماع عقده في 30 أيلول/ سبتمبر الماضي، في مقرّ وزارات الصحّة والبيئة والصناعة والطاقة والمناجم، بالقول: “لقد تمّ اغتيال البيئة والقضاء عليها منذ سنوات، الأمر الذي خلّف عدداً من الضحايا”، وأكّد تفشّي الأمراض الخطيرة في الولاية، كالسرطان وهشاشة العظام، لينتهي إلى خلاصة مفادها أن “هذه الاختيارات بمثابة جريمة”.
أصاب قيس سعيد عندما اعتبر ما يحدث “جريمة”، لكنّه نسي أن يضيف أنها جريمة تقترفها الدولة منذ 1972 حتى اليوم، دون أن تعمل جدّياً على إيجاد حلول للحدّ من مخاطرها، أو تقليص تأثيراتها الكارثية التي طالت البشر والهواء والبحر والتربة.
وسعيد لم يختلف عن سابقيه من السياسيين في تونس الذين اعترفوا بخطر المجمّع على حياة أهالي المحافظة، ولكن في المقابل لم يقدم أحد على أيّ خطوة لإنقاذ ما تبقّى، بل إن الرئيس الحالي من جهة يرى أن ما يحدث جريمة، وفي المقابل يطلق العنان للأمن لكي يقمع الاحتجاجات التي ينظّمها مواطنو محافظة قابس بسبب تواتر حالات الاختناق، للمطالبة بوضع حدّ لمأساتهم.
احتجاجات فرّقتها السلطات
نفّذ أهالي قابس منذ الأسبوع الماضي وقفات احتجاجية في منطقة شاطئ السلام، اعتراضاً على تردّي الوضع البيئي، وكانت أكبرها في 15 من الجاري، حيث تظاهر آلاف الأشخاص للتعبير عن سخطهم من الانبعاثات السامّة التي تنتج عن المجمّع الكيميائي التابع للدولة، مطالبين بالإغلاق الفوري وتفكيك وحدات المجمّع.
وردّد المتظاهرون الذين اتّشح معظمهم بالأسود للتعبير عن الغضب، شعارات مثل: “الشعب يريد تفكيك الوحدات”، و”نريد أن نعيش”، و”قابس تستغيث”، و”نريد أن نتنفّس”، في الأثناء ما زال المئات يخرجون بشكل متواصل مطالبين بحقّهم في بيئة سليمة، بعضهم في محافظة قابس والبعض الآخر في تونس العاصمة.
إقرأوا أيضاً:
وفي ردّ السلطات على هذه التحرّكات قامت قوّات الأمن بتفريق المحتجّين باستعمال القنابل المسيلة للدموع، في محاولة لمنعهم من الوصول إلى المجمّع، كما تمّ تنفيذ حملة توقيفات عشوائية طالت العشرات منذ ليل الجمعة الفائت حتى صباح اليوم التالي، حسب ما أعلن فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في قابس.
وأكّدت الرابطة أن عدد الموقوفين على خلفية الاحتجاجات البيئية خلال الأيّام الماضية قد بلغ 38 موقوفاً، صدرت في حقّ 25 منهم بطاقة إيداع في السجن، فيما سيُحال باقي الموقوفين وعددهم 13 إلى نظارات النيابة العمومية.
المجمّع الكيميائي: سنوات من التسريب والتسميم
يقع المجمّع الكيميائي في منطقة شاطئ السلام التي يقطنها نحو 18 ألف نسمة، وتبعد نحو 4 كيلومترات عن مدينة قابس، وتمّ إنشاءه في عام 1972، وبداخله وحدات لتصفية مادّة الفوسفات، وخلال السنوات الأخيرة تحدّثت عدّة مصادر عن تهالك معدّاته، وتتالت الدعوات لإصلاحها وتأهيلها وصيانتها، ولكنها كانت تجابه بالرفض بذريعة المشاكل المالية، وتؤكّد شهادات الأهالي أن حالات الاختناق الأخيرة مردّها إلى التسرّبات الغازية التابعة للوحدات الكبريتية التي باتت في حالة حرجة.
يحوّل المجمّع الكيميائي مادّة الفوسفات القادمة من مناجم محافظة قفصة إلى حمض فوسفوري وموادّ كيميائية مثل الأمونيتر وفوسفات الأمونيوم، ثم يصبّ نفاياته الصناعية في البحر دون معالجة، على غرار الفوسفوجيبس، بمعدّل يصل إلى 14 ألف طن من المادّة يومياً.
ومادّة الفسفوجيبس أو الجبس الفوسفاتي هي فضلات المعالجة الصناعية للفوسفات الطبيعي، بهدف إنتاج الحامض الفوسفوري والأسمدة الفوسفاتية، وتخرج في شكل رواسب رطبة بعد معالجة الفوسفات بحمض الكبريتيك، وتحتوي هذه المادّة على عدّة عناصر كيميائية ومعادن ثقيلة مثل الجبس وحمض الهيدروفلوريك والحمض الفوسفوري والزنك والكادميوم والزئبق، بالإضافة إلى عنصر مشعّ وهو الراديوم 226 الذي ينبعث منه الرادون 222، وهو غاز مشعّ لا لون له ولا رائحة.
تونس ألقت على مدار 5 عقود نحو 170 مليون طن من نفايات الفوسفوجيبس في بحرها، فيما لا تزال المجمّعات الكيميائية الموجودة في كلّ من الصخيرة وقابس وقفصة، تخزّن قرابة 130 مليون طن من هذه النفايات، لم يقع التصرّف فيها إلى الآن.
وفيما كان الأهالي ينادون منذ سنوات لتفكيك الوحدات المسبّبة للتلوّث ووقف إلقاء مادّة الفوسفوجيبس، قامت السلطات في تونس في 5 آذار/ مارس الماضي بحذف هذه المادّة من قائمة النفايات الخطرة، وإعادة تثمينها، في خطوة أكّدت لا مبالاة الدولة بحالة التلوّث التي تسبّبها هذه المادّة وتبعاتها الوخيمة على حياة الأهالي هناك، علماً أن مادّة الفوسفوجيبس كانت تصنّف قبل ذلك كمادّة خطرة.
كما يُنتج المجمّع أيضاً سماد DAP 18-46، وهو السماد الذي أوقفت فرنسا تصنيعه بسبب كلفته البيئية الباهظة، وظلّت تستورده من تونس التي لا تأبه لهذا الخطر ولا تبالي بمأساة مواطنيها. علماً أن عمليّة إنتاج هذا السماد مسؤولة بشكل كبير عن تلوّث الهواء في المدينة، إلى جانب الغبار الذي يفرزه تفريغ الكبريت في الهواء، حيث يعيد الانتشار على شكل مادّة مضرّة بالعيون والجلد، وهو ما يسمّيه أهالي الجهة بـ”البخارة”.
وأدّى هذا النشاط الصناعي غير المسؤول للمجمّع الكيميائي إلى فقدان البحر هناك أسماكه وتنوّعه البيولوجي، بعد أن كان من أهمّ بيئات المتوسط البحرية لناحية تنوّع الثروة السمكية، وكان قبلة مميّزة للصيّادين، كما ماتت واحات النخيل بسبب تلوّث التربة والهواء، والأخطر أنه تسبّبت الغازات السامّة المتسرّبة والهواء الملوّث عموماً في ظهور عدّة أمراض خطيرة مثل سرطان الرئة وأمراض تنفّسية وجلدية.
وتؤكّد عدّة تقارير دولية ومحلّية هذا الخطر، إذ يفيد تقرير صادر عن المفوضيّة الأوروبية بعنوان “أثر التلوّث على الاقتصاد المحلّي في جهة قابس” أن “95 في المئة من تلوّث الهواء مصدره المجمّع الكيميائي، الذي يغذّي سماء المدينة بحمض الكبريت وأوكسيد الكربون وموادّ سامّة دمّرت المنظومة الفلاحية وأثقلت الأجساد بالأمراض، وأن التلوّث في مدينة قابس ثلاثي الأبعاد، في الماء والهواء والتربة”.
كما كشفت دراسة محلّية أُجريت على منطقة شاطئ السلام أن 40 في المئة من أطفال المنطقة المحاذية للمجمّع الكيميائي مصابون بأمراض تنفّسية، و10 في المئة من العائلات مصابة بسرطان الرئة، و12 في المئة مصابة بسرطان الكلى.
كما ذكرت “الجمعية التونسية لمكافحة السرطان” أن عدد المصابين بالسرطان سنوياً في تونس يبلغ إجمالاً 18 ألف شخص، تتصدّر النسب محافظة قابس، تليها محافظة صفاقس القريبة جغرافياً منها.
وآخر هذه التقارير ما ورد في منصّة “أكيو ويذر” العالمية لاختبار جودة الهواء في قابس بتاريخ 16 من الجاري، التي لاحظت ارتفاعاً خطيراُ في ثاني أكسيد النيتروجين (NO₂) والجسيمات الدقيقة، التي تُعدّ ملوّثات دقيقة تخترق الرئتين وتصل إلى الدم، وتتسبّب في أمراض القلب والربو وسرطانات الرئة والمثانة.
تسعى تونس إلى الاستفادة من ارتفاع أسعار الأسمدة عالمياً، عبر زيادة إنتاج المجمّع الكيميائي في قابس بأكثر من 4 أضعاف بحلول العام 2030، من أقلّ من 3 ملايين طن إلى 14 مليون طن سنوياً.
ورغم هذه الشهادات والتقارير التي تؤكّد الأثر الخطير للمجمّع الكيميائي على الصحّة والهواء الأرض والبحر، ما زالت السلطات في تونس تواصل المماطلة والتهرّب من تحمّل مسؤوليّتها إزاء هذا الخطر الكبير، إذ يريد أهالي المحافظة المنكوبة تطبيق القرار الحكومي الصادر في 29 حزيران/ يونيو 2017، القاضي بتفكيك الوحدات الملوّثة في المجمّع، بينما تُبقي السلطة التنفيذ مؤجّلاً، لأنها في نهاية المطاف لا يمكن أن تضحّي بالربح الصناعي، حتى وإن كانت الفاتورة سلامة المواطنين وصحّتهم.
إقرأوا أيضاً:













