fbpx

المرشد الإيراني ونظرية الخميني
لـ”قطع الإصبع”… إعدام الأقليات الجندرية! 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مجتمع الميم الذي يعاني في إيران، كما في الكثير من بلدان الشرق الأوسط، من نبذ مجتمعي يقوده للعزلة والاحتماء بالهامش في حدوده الضيقة والقصوى، إثر حملات تشويه ممنهجة، فضلاً عن الملاحقات الأمنية، والتشريعات، التي تجعل هذه الممارسات خارج نطاق القانون، له خصوصية في ظل الجمهورية الإسلامية. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بتهمة “الإفساد في الأرض”، حُكم على زهراء صديقي همداني (31 سنة)، وإلهام جوب دار (24 سنة)، بالإعدام، في إيران، خلال أيلول/ سبتمبر 2022. وذلك على خلفية إدانتهما بالترويج لـ”المثلية الجنسية”. 

هذا الحكم امتداد لنمط الحكم الديني. كما أنّه لا يبدو مفاجئاً، فإيران تعد من بين الدول الخمس الأولى من حيث عدد الإعدامات. 

وتطاول همداني وجوب دار جملة اتهامات، كما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، والتي قالت إنّه “على النقيض من الأنباء المنشورة على الإنترنت، غررت المحكوم عليهما بشابات وبنات، وقامتا بتهريبهن إلى خارج البلاد من خلال وعدهن بفرص تعليم وعمل هناك، الأمر الذي أدى إلى انتحار عدد من ضحاياهما”.

وبررت وكالة أنباء “ميزان” التابعة للسلطة القضائية، الحكم القاسي بحق السيدتين الصادر من محكمة الثورة الإسلامية في مدينة أرومية، شمال غربي طهران، لارتكابهما جرائم “الإفساد في الأرض”. وهذا العنوان الأخير، بحمولته الدينية المؤدلجة، يخبئ خلفه تهماً تقود إلى عقوبة مماثلة، منها التعاون أو الاتصال بوسائل إعلام خارجية معارضة، وكذا التبشير بالمسيحية.

واتهم القضاء في إيران السيدتين بـ”الإتجار بالبشر من خلال تضليل الفتيات وتهريبهن إلى إحدى دول المنطقة، عبر طرق مختلفة منها التدريب وبثّ روح الأمل ووعود التوظيف خارج إيران واستغلالهن، ما أدى إلى انتحار بعض الفتيات”.

وشددت وكالة الأنباء الإيرانية التابعة للسلطة القضائية، على أنّه “وفقاً للوثائق في ملف هاتين الشخصيتين، فإنّ الاتجار بالبشر لم يكن في محافظة آذربيجان الغربية (حيث تم توقيفهما) فحسب، بل في عموم البلاد”. فيما عرجت على الإدانات الصادرة من جهات حقوقية أجنبية، ووصفتها بأنّها “تضليل”.

اللافت أنّ حكم الإعدام قد تزامن مع تدشين المؤتمر السابع للجمعية العامة للمجمع العالمي لأهل البيت بإيران. وقد شنّ الرئيس الإيراني المتشدد، إبراهيم رئيسي، هجوماً عنيفاً، خلال كلمته في افتتاح المؤتمر الذي يحضره المرشد الإيراني، علي خامنئي، والمئات من أعضاء الجمعية العامة حول العالم، على المثلية الجنسية. 

واعتبر رئيسي المثلية الجنسية “أفعالاً سيئة أخلاقياً”، لكن الغرب أو “الجهل الحديث”، على حد تعبيره، يعمد إلى تقديمها باعتبارها “مؤشر الحضارة”. 

مجتمع الميم الذي يعاني في إيران، كما في الكثير من بلدان الشرق الأوسط، من نبذ مجتمعي يقوده للعزلة والاحتماء بالهامش في حدوده الضيقة والقصوى، إثر حملات تشويه ممنهجة، فضلاً عن الملاحقات الأمنية، والتشريعات، التي تجعل هذه الممارسات خارج نطاق القانون، له خصوصية في ظل الجمهورية الإسلامية. 

ففي كتابه: “تحرير الوسيلة”، ذكر الإمام الخميني فتواه التي أصدرها بشأن مسألة العبور الجنسي. وهي الفتوى التي كانت، بالأساس، رداً على رسالة بعثت بها أول عابرة جنسية في إيران مريم هاتون مولكارا. وقال الخميني: “الظاهر عدم حرمة تغيير جنس الرجل بالمرأة بالعمل وبالعكس”.

وبرر الخميني ذلك، في فتواه، بأنّ “قضية التغيير لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية. والقرآن الكريم لا توجد فيه نصوص صريحة تعارض ذلك”. 

على أثر فتوى الخميني، التي أنهت مأساة مولكارا بعد أعوام من مراسلته حتى قبل عودته إلى طهران من منفاه في باريس، تمّت قوننة عمليات العبور الجنسي في إيران. بينما تتحمل الدولة، التي أمست ثاني بلد بعد تايلاند في مثل هذه العمليات، تكاليف إجراءاتها الطبية والجراحية بنسبة 50 في المئة. وبلغت نسبة المخصصات المالية، عام 2015، 647 ألف دولار لدعم “مرضى” العبور الجنسي. 

غير أنّ الخميني ذاته، الذي أصدر تلك الفتوى، عام 1987، يعارض بشدة المثلية الجنسية من المنطلقات الدينية ذاتها التي قادته إلى اجتهاده السابق والمحدود. 

فعام 1979، وبعد نجاح الثورة الإسلامية، قال الخميني لصحيفة “كورير دي لا سيرا” الإيطالية إنّه “إذا كان إصبعك يعاني من الغرغرينا، فماذا تفعل؟ هل تدع المرض يتفشى في الجسم كله ما يجلب الفساد إلى بلد بأكمله، أم تقطع الإصبع؟”.

هذا الموقف التطهيري تبناه ممثلو النظام الإيراني من دون استثناء. المرشد الإيراني علي خامنئي وصف في آذار/ مارس الماضي، المثلية الجنسية بأنّها جزء من “الانعدام الأخلاقي” المنتشر في الحضارة الغربية.

وقال في كلمة بثها التلفزيون الرسمي: “هناك انعدام أخلاقي شديد في العالم، اليوم، مثل المثلية الجنسية وأشياء لا يستطيع المرء حتى حمل نفسه على التحدث عنها”.

وأردف: “يصف البعض الحضارة الغربية وصفاً صحيحها بأنّها عصر جديد من الجهل”.

وتزامنت تصريحات المرشد الإيراني مع تنفيذ حكم الإعدام بحق رجلين مثليين جنسياً. بينما تم شنقهما في مدينة مراغة شمال غرب طهران.

ومنذ ذلك الحين، تسجل إيران أرقاماً متزايدة بخصوص عمليات العبور الجنسي. وتوثق منظمة الطب الشرعي في إيران (ILMO)، خضوع قرابة 270 إيرانياً لعمليات العبور الجنسي، سنوياً. 

وفي تقرير رسمي أصدرته، عام 2010، ذكرت المنظمة الطبية (الرسمية)، أنّه بين عامي 2006 و2010، تضاعف عدد الطلبات للحصول على رخصة للعبور الجنسي من 170 إلى 319. وبلغ عدد المتقدمين خلال هذه الفترة قرابة 1366 إيرانياً. 

ويكاد لا يختلف الوضع كثيراً عما ذكره رئيس منظمة الطب الشرعي في إيران، عباس مسجدي أراني، قبل عامين، من وصول طلبات العبور الجنسي عام 2019 إلى 580 حالة. 

وقال آراني إنّ “هذا العدد من العابرين يفوق بـ7 مرات الأعداد في الدول الأوروبية”، مشدداً على أنّ بلاده “تقف بجانب أبنائها العالقين جنسياً حتى يكونوا عابرين أسوياء”.

ووفق رئيس قسم الفحص النفسي في المنظمة الطبية ذاتها، مهدي صابري: “لقد تضاعفت حالات تغيير الجنس في طهران… وأعمار الراغبين في العبور الجنسي تتراوح بين 20 و50 عاماً تقريباً”. 

وفي مقابلة مع وكالة أنباء “إيلنا” الإيرانية، قال صابري، نهاية العام الماضي: “منذ 10 أو 20 عاماً، على سبيل المثال، ربما، كان لدينا 2 إلى 3 في المئة من الحالات المرتبطة بطلبات تغيير الجنس، ولكن اليوم تضاعف هذا العدد إلى ما بين 5 و6 في المئة”.

وتابع: “وضعنا شروطاً لإدخال حالات طلبات تغيير الجنس في منظمة الطب الشرعي، وهو ما لم يكن كذلك في العقود الماضية. ومع ذلك أجرينا مفاوضات مع المحكمة، وتمّ التوصل إلى اتفاق، ويجب أن يكون الشخص الذي يطلب تغيير الجنس قد أكمل ما لا يقل عن سنة واحدة من دورات الإرشاد، والتقييم النفسي، واختبارات العلاج النفسي اللازمة وما إلى ذلك”.

إذاً، لا تعترف إيران بالهويات الجندرية أو الجندر كبنى اجتماعية، إنما تتعاطى معها بوصفها مرضاً أو انحرافاً نفسياً وعضوياً، يتطلب الخضوع إلى العلاج السريري والفحص العيادي، لجهة تعديل هذا الخلل الذي يراكم خطابات معادية من قبل السلطة، ويكرس لـ”رهاب المثلية”. ومن ثم، نشر الفزع من المثليين، فضلاً عن تحقيرهم واستبعادهم من المجال العام. 

ويموضع الخطاب الرسمي بإيران الثنائية الجنسية (إما ذكر أو أنثى). ثم يصنف الفئات الأخرى، غير الممتثلة للمعيارية المغايرة، باعتبارهم مرضى بـ”اضطراب” الهوية الجندرية. والتدخل الجراحي، وفق هذا التصور القسري، يهدف إلى توكيد الجندر، بنطاقاته المفترضة، حتماً، وكذا أدواره الاجتماعية. وفي المحصلة، تعيين أجساد مرغوب فيها تتمتع بالرعاية الصحية والقانونية وتمتثل للصوابية السياسية. 

وسبق لرئيس لجنة حقوق الإنسان، في إيران، محمد جواد لاريجاني، أن شدد على كون المثلية “مرضاً يجب علاجه من طريق الرعاية النفسية والبيولوجية وحتى الجسدية”. وتابع: “يجب أن نعامل الموضوع كمسألة عيادية”.

ويتفق هذا الفهم، أو التنميط القسري للهويات الجنسية، في إيران، وكذا العقوبات القانونية بحق الأقليات الجنسية، مع ما لمّح إليه المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران، جاويد رحمن، من وجود أنماط تعذيب ضد المثليين. 

ومن بين آليات التعذيب، وفق رحمن في تقريره لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، شباط/فبراير العام الماضي، فإن الصدمة الكهربائية والحقن الهرمونية القسرية أو العقاقير القوية للأطفال مثليي الجنس وثنائي الجنس في إيران. 

تجريم المثلية في إيران ينص عليه قانون العقوبات والذي يفرض أحكاماً بالإعدام على الرجال الذين يثبت بحقهم فعل “اللواط”، وفق التعبير المستخدم في إيران. غير أنّ النساء يعاقبن بمئة جلدة.

وثمّة تحريض رسمي ومباشر ضد المثليين في إيران. الأمر الذي لا يتردد المسؤولون الإيرانيون في الكشف عنه. ومثلما قال الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد إنّه “لا يوجد مثليين جنسياً في إيران كما في بلادكم”، في إشارة للغرب، أثناء ندوة بجامعة كولومبيا بنيويورك، عام 2007، فإنّ نائبه، وقتذاك، مهرداد بازرباش، قفز على فكرة عدم الاعتراف (جرى تأويل كلام نجاد لاحقاً على أنّه سخرية)، وثمّن الاعتداء عليهم من قبل حكومة آيات الله. وقال بازرباش: “شرف عظيم للجمهورية الإسلامية أن تنتهك حقوق المثليين جنسياً”.

وعليه، تأتي إيران في قمّة البلدان التي تستهدف المثليين، وفق موقع “إنسايدر مانكي” الأميركي، والذي قال إنّ إيران تأتي في “قائمة الدول الـ15 الأكثر خطورة على المسافرين المثليين، مع فرض عقوبة الإعدام”.

وإثر صدور حكم الإعدام على الناشطتين الإيرانيتين المتهمتين بالترويج للمثلية، قالت ليز ثروسيل الناطقة بلسان مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة: “نشعر بقلق عميق إزاء أحكام الإعدام التي صدرت بحق ناشطتين من مجتمع الميم في إيران، بتهمة الفساد في الأرض الغامضة بعد محاكمة غابت عنها ضمانات الإجراء القانوني والمحاكمة العادلة”.

كما تتخوف منظمة العفو الدولية من أن تكون الأحكام “مستندة إلى أسباب تمييزية”. وتابعت: “يبدو أنّ الأحكام مرتبطة بالتوجه الجنسي الحقيقي أو المتصور للمرأتين أو هويتهما الجندرية، وبالنسبة إلى زهرة صديقي همداني، بنشاطها السلمي في مجال حقوق مجتمع الميم. ندعو السلطات الإيرانية إلى إلغاء الإدانات وأحكام الإعدام فوراً .

إقرأوا أيضاً:

23.09.2022
زمن القراءة: 6 minutes

مجتمع الميم الذي يعاني في إيران، كما في الكثير من بلدان الشرق الأوسط، من نبذ مجتمعي يقوده للعزلة والاحتماء بالهامش في حدوده الضيقة والقصوى، إثر حملات تشويه ممنهجة، فضلاً عن الملاحقات الأمنية، والتشريعات، التي تجعل هذه الممارسات خارج نطاق القانون، له خصوصية في ظل الجمهورية الإسلامية. 

بتهمة “الإفساد في الأرض”، حُكم على زهراء صديقي همداني (31 سنة)، وإلهام جوب دار (24 سنة)، بالإعدام، في إيران، خلال أيلول/ سبتمبر 2022. وذلك على خلفية إدانتهما بالترويج لـ”المثلية الجنسية”. 

هذا الحكم امتداد لنمط الحكم الديني. كما أنّه لا يبدو مفاجئاً، فإيران تعد من بين الدول الخمس الأولى من حيث عدد الإعدامات. 

وتطاول همداني وجوب دار جملة اتهامات، كما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، والتي قالت إنّه “على النقيض من الأنباء المنشورة على الإنترنت، غررت المحكوم عليهما بشابات وبنات، وقامتا بتهريبهن إلى خارج البلاد من خلال وعدهن بفرص تعليم وعمل هناك، الأمر الذي أدى إلى انتحار عدد من ضحاياهما”.

وبررت وكالة أنباء “ميزان” التابعة للسلطة القضائية، الحكم القاسي بحق السيدتين الصادر من محكمة الثورة الإسلامية في مدينة أرومية، شمال غربي طهران، لارتكابهما جرائم “الإفساد في الأرض”. وهذا العنوان الأخير، بحمولته الدينية المؤدلجة، يخبئ خلفه تهماً تقود إلى عقوبة مماثلة، منها التعاون أو الاتصال بوسائل إعلام خارجية معارضة، وكذا التبشير بالمسيحية.

واتهم القضاء في إيران السيدتين بـ”الإتجار بالبشر من خلال تضليل الفتيات وتهريبهن إلى إحدى دول المنطقة، عبر طرق مختلفة منها التدريب وبثّ روح الأمل ووعود التوظيف خارج إيران واستغلالهن، ما أدى إلى انتحار بعض الفتيات”.

وشددت وكالة الأنباء الإيرانية التابعة للسلطة القضائية، على أنّه “وفقاً للوثائق في ملف هاتين الشخصيتين، فإنّ الاتجار بالبشر لم يكن في محافظة آذربيجان الغربية (حيث تم توقيفهما) فحسب، بل في عموم البلاد”. فيما عرجت على الإدانات الصادرة من جهات حقوقية أجنبية، ووصفتها بأنّها “تضليل”.

اللافت أنّ حكم الإعدام قد تزامن مع تدشين المؤتمر السابع للجمعية العامة للمجمع العالمي لأهل البيت بإيران. وقد شنّ الرئيس الإيراني المتشدد، إبراهيم رئيسي، هجوماً عنيفاً، خلال كلمته في افتتاح المؤتمر الذي يحضره المرشد الإيراني، علي خامنئي، والمئات من أعضاء الجمعية العامة حول العالم، على المثلية الجنسية. 

واعتبر رئيسي المثلية الجنسية “أفعالاً سيئة أخلاقياً”، لكن الغرب أو “الجهل الحديث”، على حد تعبيره، يعمد إلى تقديمها باعتبارها “مؤشر الحضارة”. 

مجتمع الميم الذي يعاني في إيران، كما في الكثير من بلدان الشرق الأوسط، من نبذ مجتمعي يقوده للعزلة والاحتماء بالهامش في حدوده الضيقة والقصوى، إثر حملات تشويه ممنهجة، فضلاً عن الملاحقات الأمنية، والتشريعات، التي تجعل هذه الممارسات خارج نطاق القانون، له خصوصية في ظل الجمهورية الإسلامية. 

ففي كتابه: “تحرير الوسيلة”، ذكر الإمام الخميني فتواه التي أصدرها بشأن مسألة العبور الجنسي. وهي الفتوى التي كانت، بالأساس، رداً على رسالة بعثت بها أول عابرة جنسية في إيران مريم هاتون مولكارا. وقال الخميني: “الظاهر عدم حرمة تغيير جنس الرجل بالمرأة بالعمل وبالعكس”.

وبرر الخميني ذلك، في فتواه، بأنّ “قضية التغيير لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية. والقرآن الكريم لا توجد فيه نصوص صريحة تعارض ذلك”. 

على أثر فتوى الخميني، التي أنهت مأساة مولكارا بعد أعوام من مراسلته حتى قبل عودته إلى طهران من منفاه في باريس، تمّت قوننة عمليات العبور الجنسي في إيران. بينما تتحمل الدولة، التي أمست ثاني بلد بعد تايلاند في مثل هذه العمليات، تكاليف إجراءاتها الطبية والجراحية بنسبة 50 في المئة. وبلغت نسبة المخصصات المالية، عام 2015، 647 ألف دولار لدعم “مرضى” العبور الجنسي. 

غير أنّ الخميني ذاته، الذي أصدر تلك الفتوى، عام 1987، يعارض بشدة المثلية الجنسية من المنطلقات الدينية ذاتها التي قادته إلى اجتهاده السابق والمحدود. 

فعام 1979، وبعد نجاح الثورة الإسلامية، قال الخميني لصحيفة “كورير دي لا سيرا” الإيطالية إنّه “إذا كان إصبعك يعاني من الغرغرينا، فماذا تفعل؟ هل تدع المرض يتفشى في الجسم كله ما يجلب الفساد إلى بلد بأكمله، أم تقطع الإصبع؟”.

هذا الموقف التطهيري تبناه ممثلو النظام الإيراني من دون استثناء. المرشد الإيراني علي خامنئي وصف في آذار/ مارس الماضي، المثلية الجنسية بأنّها جزء من “الانعدام الأخلاقي” المنتشر في الحضارة الغربية.

وقال في كلمة بثها التلفزيون الرسمي: “هناك انعدام أخلاقي شديد في العالم، اليوم، مثل المثلية الجنسية وأشياء لا يستطيع المرء حتى حمل نفسه على التحدث عنها”.

وأردف: “يصف البعض الحضارة الغربية وصفاً صحيحها بأنّها عصر جديد من الجهل”.

وتزامنت تصريحات المرشد الإيراني مع تنفيذ حكم الإعدام بحق رجلين مثليين جنسياً. بينما تم شنقهما في مدينة مراغة شمال غرب طهران.

ومنذ ذلك الحين، تسجل إيران أرقاماً متزايدة بخصوص عمليات العبور الجنسي. وتوثق منظمة الطب الشرعي في إيران (ILMO)، خضوع قرابة 270 إيرانياً لعمليات العبور الجنسي، سنوياً. 

وفي تقرير رسمي أصدرته، عام 2010، ذكرت المنظمة الطبية (الرسمية)، أنّه بين عامي 2006 و2010، تضاعف عدد الطلبات للحصول على رخصة للعبور الجنسي من 170 إلى 319. وبلغ عدد المتقدمين خلال هذه الفترة قرابة 1366 إيرانياً. 

ويكاد لا يختلف الوضع كثيراً عما ذكره رئيس منظمة الطب الشرعي في إيران، عباس مسجدي أراني، قبل عامين، من وصول طلبات العبور الجنسي عام 2019 إلى 580 حالة. 

وقال آراني إنّ “هذا العدد من العابرين يفوق بـ7 مرات الأعداد في الدول الأوروبية”، مشدداً على أنّ بلاده “تقف بجانب أبنائها العالقين جنسياً حتى يكونوا عابرين أسوياء”.

ووفق رئيس قسم الفحص النفسي في المنظمة الطبية ذاتها، مهدي صابري: “لقد تضاعفت حالات تغيير الجنس في طهران… وأعمار الراغبين في العبور الجنسي تتراوح بين 20 و50 عاماً تقريباً”. 

وفي مقابلة مع وكالة أنباء “إيلنا” الإيرانية، قال صابري، نهاية العام الماضي: “منذ 10 أو 20 عاماً، على سبيل المثال، ربما، كان لدينا 2 إلى 3 في المئة من الحالات المرتبطة بطلبات تغيير الجنس، ولكن اليوم تضاعف هذا العدد إلى ما بين 5 و6 في المئة”.

وتابع: “وضعنا شروطاً لإدخال حالات طلبات تغيير الجنس في منظمة الطب الشرعي، وهو ما لم يكن كذلك في العقود الماضية. ومع ذلك أجرينا مفاوضات مع المحكمة، وتمّ التوصل إلى اتفاق، ويجب أن يكون الشخص الذي يطلب تغيير الجنس قد أكمل ما لا يقل عن سنة واحدة من دورات الإرشاد، والتقييم النفسي، واختبارات العلاج النفسي اللازمة وما إلى ذلك”.

إذاً، لا تعترف إيران بالهويات الجندرية أو الجندر كبنى اجتماعية، إنما تتعاطى معها بوصفها مرضاً أو انحرافاً نفسياً وعضوياً، يتطلب الخضوع إلى العلاج السريري والفحص العيادي، لجهة تعديل هذا الخلل الذي يراكم خطابات معادية من قبل السلطة، ويكرس لـ”رهاب المثلية”. ومن ثم، نشر الفزع من المثليين، فضلاً عن تحقيرهم واستبعادهم من المجال العام. 

ويموضع الخطاب الرسمي بإيران الثنائية الجنسية (إما ذكر أو أنثى). ثم يصنف الفئات الأخرى، غير الممتثلة للمعيارية المغايرة، باعتبارهم مرضى بـ”اضطراب” الهوية الجندرية. والتدخل الجراحي، وفق هذا التصور القسري، يهدف إلى توكيد الجندر، بنطاقاته المفترضة، حتماً، وكذا أدواره الاجتماعية. وفي المحصلة، تعيين أجساد مرغوب فيها تتمتع بالرعاية الصحية والقانونية وتمتثل للصوابية السياسية. 

وسبق لرئيس لجنة حقوق الإنسان، في إيران، محمد جواد لاريجاني، أن شدد على كون المثلية “مرضاً يجب علاجه من طريق الرعاية النفسية والبيولوجية وحتى الجسدية”. وتابع: “يجب أن نعامل الموضوع كمسألة عيادية”.

ويتفق هذا الفهم، أو التنميط القسري للهويات الجنسية، في إيران، وكذا العقوبات القانونية بحق الأقليات الجنسية، مع ما لمّح إليه المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران، جاويد رحمن، من وجود أنماط تعذيب ضد المثليين. 

ومن بين آليات التعذيب، وفق رحمن في تقريره لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، شباط/فبراير العام الماضي، فإن الصدمة الكهربائية والحقن الهرمونية القسرية أو العقاقير القوية للأطفال مثليي الجنس وثنائي الجنس في إيران. 

تجريم المثلية في إيران ينص عليه قانون العقوبات والذي يفرض أحكاماً بالإعدام على الرجال الذين يثبت بحقهم فعل “اللواط”، وفق التعبير المستخدم في إيران. غير أنّ النساء يعاقبن بمئة جلدة.

وثمّة تحريض رسمي ومباشر ضد المثليين في إيران. الأمر الذي لا يتردد المسؤولون الإيرانيون في الكشف عنه. ومثلما قال الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد إنّه “لا يوجد مثليين جنسياً في إيران كما في بلادكم”، في إشارة للغرب، أثناء ندوة بجامعة كولومبيا بنيويورك، عام 2007، فإنّ نائبه، وقتذاك، مهرداد بازرباش، قفز على فكرة عدم الاعتراف (جرى تأويل كلام نجاد لاحقاً على أنّه سخرية)، وثمّن الاعتداء عليهم من قبل حكومة آيات الله. وقال بازرباش: “شرف عظيم للجمهورية الإسلامية أن تنتهك حقوق المثليين جنسياً”.

وعليه، تأتي إيران في قمّة البلدان التي تستهدف المثليين، وفق موقع “إنسايدر مانكي” الأميركي، والذي قال إنّ إيران تأتي في “قائمة الدول الـ15 الأكثر خطورة على المسافرين المثليين، مع فرض عقوبة الإعدام”.

وإثر صدور حكم الإعدام على الناشطتين الإيرانيتين المتهمتين بالترويج للمثلية، قالت ليز ثروسيل الناطقة بلسان مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة: “نشعر بقلق عميق إزاء أحكام الإعدام التي صدرت بحق ناشطتين من مجتمع الميم في إيران، بتهمة الفساد في الأرض الغامضة بعد محاكمة غابت عنها ضمانات الإجراء القانوني والمحاكمة العادلة”.

كما تتخوف منظمة العفو الدولية من أن تكون الأحكام “مستندة إلى أسباب تمييزية”. وتابعت: “يبدو أنّ الأحكام مرتبطة بالتوجه الجنسي الحقيقي أو المتصور للمرأتين أو هويتهما الجندرية، وبالنسبة إلى زهرة صديقي همداني، بنشاطها السلمي في مجال حقوق مجتمع الميم. ندعو السلطات الإيرانية إلى إلغاء الإدانات وأحكام الإعدام فوراً .

إقرأوا أيضاً: