في الرابع من آب/ أغسطس هذه السنة، ذكرى مرور أربع سنوات على جريمة انفجار مرفأ بيروت، علينا أن نتريث قبل أن نستأنف تناولنا دور “حزب الله” في تعطيل التحقيق بهذا الانفجار، وأن نؤجل شكوكنا في أنه صاحب النترات التي دمّرت نحو ربع العاصمة وقتلت المئات وجرحت الآلاف!
ذاك أن ثمة من دعانا، ونحن استجبنا للدعوة، في ظل الحرب التي اختار حزب الله خوضها في جنوب لبنان، أن نؤجل انتقادنا لدور هذا الحزب طالما أن الحزب يخوض حرب “التناقض الرئيسي”، وفي هذه الحال على “التناقض الثانوي” أن ينتظر.
لكن “التناقض الرئيسي” الذي دُعينا إلى الاندراج في الحرب التي يمثّلها، ربما كان هو ما تطلّب استقدام النيترات إلى مرفأ بيروت. وفي هذه الحال، على أصحاب الدعوة لتأجيل تناول دور “حزب الله” في انهيار الدولة وتفكّكها في لبنان، أن يضيفوا تفسيراً، أو ربما هامشاً ضرورياً لنا نحن الذين كنا نشترك معهم في القناعة بأن “حزب الله” هو مركز الفاجعة اللبنانية.
في الرابع من آب، يحضر هذا الفصام. ماذا علينا أن نفعل أيها الرفاق؟ المسألة تتعدى هنا أن نمرر ذكرى التفجير الهائل من دون تذكير أنفسنا بأن أمين عام حزب الله هو من تولى بنفسه وعبر خطبه القضاء على التحقيق.
نتائج التحقيق، فيما لو أتيح للقاضي طارق البيطار إنجازه، ربما كانت ستصيب المهمة التي انتدب حزب الله نفسه إليها، والتي نحن بصدد تحريم التعرض لها، أي المقاومة.
قد نؤجل شكوكنا في دور الحزب في حدث الرابع من آب، وقد يؤجل السوريون تناول دوره في القتال إلى جانب النظام، لكن ذلك سيُضعف من التفسير المتمثل في تقدم “التناقض الرئيسي” على أي تناقضات ثانوية أخرى. فـ”التناقض الثانوي” عاد واندرج في “التناقض الرئيسي”. ثم إن افتراض أن النيترات تم استيرادها لمصلحة النظام في سوريا، فهذا يعني أنها لمصلحة النظام الذي يقضي “التناقض الرئيسي” بحمايته في سياق الصراع مع إسرائيل.
علينا إذاً أن نجد مخرجاً لهذا الاستعصاء النظري. وثمة مخرج يمكن أن يساعدنا نحن الذين وجدنا أنفسنا في قلب هذه الدوامة. فرواية “الممانعة التقليدية” حول حدث الانفجار، وحول الحرب في سوريا، أكثر تماسكاً وانسجاماً. انفجار المرفأ خطأ تقني، والحرب في سوريا هي جزء من مؤامرة غربية تهدف الى إسقاط نظام داعم لحركات المقاومة. القتال اليوم كان يقتضي عدم الذهاب في التحقيق إلى نهاياته، وما كان للمقاومة أن تملك قدرات على القتال فيما لو نجح الغرب الداعم لإسرائيل بأن يُسقط النظام في سوريا.
إقرأوا أيضاً:
الإجابة عن هذه الألعاب الذهنية لا تأتي ببديل لما قدمه حزب الله في لحظة اشتعال الجبهات. لكن هذا اللعب ليس نقاشاً مع حزب الله، إنما مع من وجدنا أنفسنا معه أمام استحقاق “4 آب”. ماذا نقول بعد عشرة أشهر من الابتعاد عن موقعنا النقدي؟ وهل الدعوة إلى أن نكون إلى جانبه في الجنوب وضده في الداخل يمكنها أن تمثل مخرجاً؟ فالحزب لطالما أقام جسراً بين المهمتين، وهو بذلك أكثر انسجاماً مع نفسه وأكثر شجاعة في تقديم هذا التصريف “المنطقي” لموقعه.
إذاً لا بأس بقليل من اللعب على تخوم فاجعة “4 آب”، لا سيما وأننا على أبواب حرب موازية لا نعرف حدودها.
هل ستقع الحرب؟ وأين ستقع؟ وكيف؟ نحن ننتظر الطائرات والصواريخ التي ستغير على مكان ما، وفي لحظة ما. نستعيض عن الخوف باللعب والحيرة والتساؤل. شيء من الأنس في ذلك، وملء لفراغ مديد خلفته الحرب، لكن أيضاً خلفه فشل وانهيار وانفجار.
أين ستقع الحرب؟ لا أحد يعرف. أو الأرجح أننا نتقاذف الاحتمالات. الحرب ستقع في الليل على الأرجح. إذاً، إلى العمل. لكن غارة إسرائيلية أصابت القرية على الحدود، هناك حيث منزل رفيق لنا خال من السكان منذ أكثر من تسعة أشهر. إنه منزل واصف حسين في بلدة حولا. دمرته إسرائيل عمداً من دون أن يكون هدفاً عسكرياً.
يمكننا أن نضمه إلى مشهد الدمار الذي أحدثه انفجار المرفأ طالما أننا نلعب. فهل تذكرون الرواية التي قالت إن غارة إسرائيلية وراء انفجار المرفأ؟ هل تذكرون أن حزب الله نفى الرواية؟
الأمر أقرب إلى الهذيان، وهو من أعراض الاستعصاء النظري الذي وجدنا أنفسنا فيه يوم الرابع من آب في العام 2024.