fbpx

المعارضون الإيرانيون “ورقة مساومة” بين خامنئي وأردوغان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يرى نقاد أن ثمة اختلافاً ملحوظاً بين رد تركيا على مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي وبين الترهيب والتهديدات التي يواجهها المعارضون الإيرانيون في تركيا، فغضب تركيا إزاء انتهاكات حقوق الإنسان يتحور بما يتفق مع استراتيجيتها ومصالحها السياسية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لدى إيران وتركيا تاريخ طويل من التنافس على بسط النفوذ في الشرق الأوسط من خلال اللعب على الأوتار الطائفية، وفي الآونة الأخيرة دعمت كلتا البلدين الأطراف المتنازعة في الصراع السوري. 

لكن خلال السنوات القليلة الماضية أصبح البلدان حلفاءَ تكتيكيين فأتقنا تجاوز خلافاتهم السياسية من أجل وضع حدٍ لتدخلات الولايات المتحدة في المنطقة التي تعتبرها كل من إيران وتركيا ساحتها الخاصة. بدت أول إشارة على ذلك الوفاق في ديسمبر/كانون الأول 2016 عندما وقعت طهران وأنقرة، إضافة إلى موسكو، أتفاق أستانا، في محاولة لإيجاد حل للصراع السوري فيما بينهم.

رحب البعض بذلك الاتفاق، وما نتج عنه من انحسار في حدة التوتر بين إيران وتركيا، واعتبروه دلالة على نضج العلاقات بينهما وفاتحة خير على المنطقة. لكن ذلك التقارب يشكل خطراً على المعارضين الإيرانيين الذين جرت العادة أن يطلبوا اللجوء الى تركيا. لكن مع تحسن العلاقات التركية الإيرانية؛ ارتفعت أيضاً وتيرة عمليات الخطف والترحيل والاغتيال لِنشطاء إيرانيين بارزين في مجال حقوق الإنسان يعيشون في تركيا.

تُقيد أنقرة النشاط السياسي لطالبي اللجوء الإيرانيين، وتقدم لطهران بعض الحرية لمراقبة وترهيب المعارضين في تركيا مقابل الحصول على امتيازات مختلفة، لكن عندما تريد أنقرة الضغط على طهران، فإنها تفضح الجمهورية الإسلامية بالكشف عن الدور الذي يضطلع به الدبلوماسيون والعملاء الإيرانيون في عمليات التسليم والاغتيالات الموجهة.

وجد عيسى بازيار، وهو واحد من آلاف المعارضين الإيرانيين الذين يخشون الإعدام في حال عودتهم إلى إيران، نفسه مهدداً في تركيا حالياً. فقد أُلقي القبض على بازيار في إيران عام 2013 بعد أن فضح عجز الحكومة الإيرانية عن إزالة الألغام المزروعة على الحدود مع العراق خلال السنوات التي تلت الحرب الإيرانية العراقية الطويلة. أخبر بازيار مجلة “فورين بوليسي” خلال مكالمة هاتفية معه من مدينة “مانيسا” التركية التي يعيش فيها منذ فراره من إيران، “أتذكر أن القاضي تعاطف معي ووافق على إطلاق سراحي بكفالة. ونصحني بمحاولة الفرار من البلاد وعدم العودة إليها ثانيةً”. 

واصل بازيار نشاطه دون أن يبالي بالتهديدات. ونشر رواية في تركيا مقتبسة عن قصة حقيقية تدور أحداثها حول الإعدامات السياسية للسجناء الإيرانيين عام 1988. وقد هُربت روايته من بريطانيا إلى إيران، ويعتقد بازيار أن هذا هو السبب وراء إرسال إيران لعملائها لملاحقته في تركيا.

عيسى بازيار

في أحد أيام شهر يونيو/حزيران من عام 2020، كان بازيار في طريقه إلى دفع فواتير المياه والكهرباء عندما توقفت بجانبه سيارة سوداء وسألته امرأة تجلس في مقدمتها ببراءة عن عنوان مدرسة فتيات محلية، ليفتح رجل يجلس في الخلف، في غضون ثواني، باب السيارة ويسحب بازيار إلى داخلها. قال بازيار، موضحاً سبب توقفه لها، “كانت سيدة جميلة”، لكنه أدرك سريعاً هويتها الحقيقية، “كانوا عملاء إيرانيين. كانت المرأة تمسك بمسدس وقد أخبرتني: ‘قبل أن نأتي إلى هنا، حذرناك من خلال الهاتف، وطلبنا منك الصمت، لكنك واصلت إهانتنا. أين هي شجاعتك الآن’ “.

حالف بازيار الحظ واستطاع القفز والهرب من السيارة عندما توقف للحظة أسفل منحدر، وظل يركض ليومين إلى أن وصل لإحدى القرى وتمكن من الاتصال هاتفياً بعائلته. قبل شهرين من ذلك، اُختطف معارض إيراني بارز آخر، هو حبيب أسيود المعروف أيضاً باسم حبيب شعب، وهُرب إلى إيران، بعد أن استدرجته عَميلة تعمل مع جهاز المخابرات الإيراني أيضاً. أضاف بازيار، “نرى بين الحين والآخر كيف يجري اختطاف وإبعاد المعارضين الإيرانيين في تركيا. بعد كل زيارة رسمية بين البلدين، يساورني الخوف من أن يكونوا قد وقعوا اتفاقية لتسليم معارضيهم لبعضهم البعض. أشعر أن شبح الاختطاف والترحيل والاغتيال يحوم حولي طوال الوقت”.

تلك المخاوف التي تساور بازيار ليست واهية. فخلال الـ14 شهراً الماضية، ازداد التعاون الثنائي المشترك بين إيران وتركيا. وعلى الرغم من أن تركيا نفت أنها رحلت أيّ معارضين أو سمحت لعملاء إيرانيين باختطافهم، يرى البعض أن التعاون مع إيران في هذا السياق هو أبسط نتائج تلك المفاوضات الرامية إلى تحسين العلاقات. 

إقرأوا أيضاً:

في عام 2019 -الذي شهدت فيه إيران احتجاجات على أسعار الوقود، مما يدل على انهيار اقتصاد البلاد- تضاعف عدد الإيرانيين الفارين إلى تركيا. فقد خشي كثيرون من التعرض للاضطهاد بعد أن اعتقلت السلطات الإيرانية آلاف المحتجين تعسفياً، وأخفت وعذبت عدة آلاف آخرين. وذكر تقرير لمنظمة العفو الدولية أن قوات الأمن الإيرانية قد قتلت 304 شخصاً على الأقل.

بعد مرور شهر على اندلاع الاحتجاجات، شارك الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة كوالالمبور في ماليزيا، التي نُظمت في الظاهر بهدف “إحياء الحضارة الإسلامية” ولكن من منظور السياسية الواقعية، يبدو أنها هدفت إلى إظهار القوة أمام المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتحدي قيادتهما للعالم الإسلامي. وقد أفادت التقارير أن قرار إعادة المعارضين قد اتُخذ في اجتماعات عقدت بين إيران وتركيا على هامش هذه القمة.

سرعان ما جرى تنفيذ هذا القرار، وظهرت عواقبه على أرض الواقع. فقد تعرَّض العشرات من المتظاهرين الإيرانيين الذين التمسوا اللجوء إلى تركيا للترحيل قسراً، والآن يواجه اثنان منهم وهما، محمد رجبي البالغ من العمر 26 عاماً، وسعید تمجیدي البالغ من العمر 28 عاماً، عقوبة الإعدام في موطنهما. ومنذ عام 2017، اُغتِيل ما لا يقل عن ثلاثة معارضين إيرانيين داخل تركيا.

عُقدت عملية التبادل الثنائية الهامة التالية في يونيو/حزيران 2020، وهو نفس الشهر الذي اختُطف فيه بازيار. فقد أبدى الطرفان المزيد من التعاون في الوقت الذي زار فيه محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، أنقرة ووافق على تأييد تركيا في دعمها لطرفها المفضل في الحرب الأهلية الليبية، وهو “حكومة الوفاق الوطني”. وفي المقابل، دعا أردوغان الولايات المتحدة إلى رفع عقوباتها الأحادية ضد إيران. وبعد بضعة أيام، شن الطرفان هجمات منسقة على عدوهما المشترك: الانفصاليون الأكراد. وهاجمت تركيا مخابئ “حزب العمال الكردستاني” في العراق بينما قصفت إيران “حزب الحياة الحرة الكردستاني”، وهو امتداد لحزب العمال الكردستاني في إيران وله قواعد في العراق.

إقرأوا أيضاً:

يسلط بيمان عارف، وهو صحفي وناشط إيراني كان هو نفسه سجيناً سياسياً سابقاً في إيران ويقيم الآن في بروكسل، الضوء على الهاربين من أبناء وطنه، علاوة على اهتمامه بالعلاقات الإيرانية التركية. ويقول إن التعاون بين وكالات الاستخبارات في البلدين يشهد توسعاً كبيراً، وأن المعارضين يتعرضون الآن تحديداً للتهديد.

قال عارف في حواره مع مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، “أحياناً يكون مصدر التهديد هو العملاء الإيرانيين، وأحياناً أخرى من مؤيديهم الأتراك”. مضيفاً أن “ثمة علاقات وثيقة للغاية تجمع بين أجهزة الاستخبارات التركية ونظيراتها الإيرانية”. 

هربت نسيبة شمسائي إلى تركيا، وهي مهندسة معمارية إيرانية في الـ 36 من عمرها وناشطة في مجال حقوق المرأة، بعد أن واجهت حكماً بالسجن لمدة 12 عاماً في إيران بسبب مشاركتها في الاحتجاجات ضد قوانين الحجاب الإلزامي في إيران. بيد أن السلطات التركية ألقت القبض عليها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وكانت قد حصلت على جواز سفر مزيف لكي تتمكن من السفر إلى شقيقها في إسبانيا. وعلى الرغم من إطلاق سراحها، تشعر شمسائي بالخوف من احتمال أن تتعرض للاعتقال مرة أخرى في أي وقت، إما من العملاء الإيرانيين أو من الشرطة التركية. وأعربت قائلةً، “لا أشعر بالأمان. أشعر أنني مستهدفة في تركيا. إذ إن الاستخبارات الإيرانية في كل مكان”.

لطالما قصد الإيرانيون تركيا بغية اللجوء لعقود منذ أن أصبح دخولهم إلى البلاد لا يتطلب الحصول على تأشيرة، فضلاً عن أن العبور غير القانوني عبر الحدود البرية يُمكن تيسيره عن طريق المهربين. بيد أن الدولة التي كانت تعتبر ذات يوم آمنة كوجهة مؤقتة للمعارضين السياسيين الإيرانيين، وكذلك للمضطهدين المنتمين إلى الأقليات العرقية والدينية في إيران، صارت الآن تُمثل خطورة عليهم.

يرى نقاد أن ثمة اختلافاً ملحوظاً بين رد تركيا على مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي وبين الترهيب والتهديدات التي يواجهها المعارضون الإيرانيون في تركيا. معربين أن غضب تركيا إزاء انتهاكات حقوق الإنسان يتحور بما يتفق مع استراتيجيتها ومصالحها السياسية.

قال عضو البرلمان التركي السابق وكبير مديري البرنامج التركي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، إن المعارضين الإيرانيين ليسوا سوى “ورقة مساومة” في العلاقة بين البلدين. مضيفاً “من جهة، تُقيد أنقرة من النشاط السياسي لطالبي اللجوء الإيرانيين، وتقدم لطهران بعض الحرية لمراقبة وترهيب المعارضين في تركيا مقابل الحصول على امتيازات مختلفة. أما من الجهة الأخرى، عندما تريد أنقرة الضغط على طهران، فإنها تفضح الجمهورية الإسلامية بالكشف عن الدور الذي يضطلع به الدبلوماسيون والعملاء الإيرانيون في عمليات التسليم والاغتيالات الموجهة. وبالتالي فإن مصير المعارضين الإيرانيين في تركيا يتشكل في الغالب تبعاً للمكاسب الصفقاتيّة الخبيثة وليس من خلال المعايير الدولية”.

لا تمانع تركيا سجل إيران في مجال حقوق الإنسان، ويبدو أن المعارضين الإيرانيين ليسوا سوى بيادق في الصراع الأوسع نطاقاً من أجل التفوق على كل من يُعد عدواً في فترة معينة. بينما يحل الرئيس الأميركي جو بايدن محل الرئيس السابق دونالد ترامب، وتعود الولايات المتحدة إلى الأساليب التي يغلب عليها الطابع التقليدي في الدبلوماسية والسياسة الخارجية، قد تشهد العلاقات بين طهران وأنقرة تغييرات مرة أخرى. ولكن مثله مثل تركيا، قد يُتهم بايدن أيضاً بالكيل بمكيالين إذا ما عاود الانضمام إلى الاتفاق النووي مع إيران دون إخضاعها للمساءلة على انتهاكات حقوق الإنسان. وحتى الآن، ليس من الواضح ما إذا كان بايدن سوف يسعى إلى الحصول على امتيازات لحماية المعارضين قبل العودة إلى الاتفاق النووي.

هذا المقال مترجم عن foriegnpolicy.com  ولقراءة النص الاصلي زوروا الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً:

21.02.2021
زمن القراءة: 7 minutes

يرى نقاد أن ثمة اختلافاً ملحوظاً بين رد تركيا على مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي وبين الترهيب والتهديدات التي يواجهها المعارضون الإيرانيون في تركيا، فغضب تركيا إزاء انتهاكات حقوق الإنسان يتحور بما يتفق مع استراتيجيتها ومصالحها السياسية.

لدى إيران وتركيا تاريخ طويل من التنافس على بسط النفوذ في الشرق الأوسط من خلال اللعب على الأوتار الطائفية، وفي الآونة الأخيرة دعمت كلتا البلدين الأطراف المتنازعة في الصراع السوري. 

لكن خلال السنوات القليلة الماضية أصبح البلدان حلفاءَ تكتيكيين فأتقنا تجاوز خلافاتهم السياسية من أجل وضع حدٍ لتدخلات الولايات المتحدة في المنطقة التي تعتبرها كل من إيران وتركيا ساحتها الخاصة. بدت أول إشارة على ذلك الوفاق في ديسمبر/كانون الأول 2016 عندما وقعت طهران وأنقرة، إضافة إلى موسكو، أتفاق أستانا، في محاولة لإيجاد حل للصراع السوري فيما بينهم.

رحب البعض بذلك الاتفاق، وما نتج عنه من انحسار في حدة التوتر بين إيران وتركيا، واعتبروه دلالة على نضج العلاقات بينهما وفاتحة خير على المنطقة. لكن ذلك التقارب يشكل خطراً على المعارضين الإيرانيين الذين جرت العادة أن يطلبوا اللجوء الى تركيا. لكن مع تحسن العلاقات التركية الإيرانية؛ ارتفعت أيضاً وتيرة عمليات الخطف والترحيل والاغتيال لِنشطاء إيرانيين بارزين في مجال حقوق الإنسان يعيشون في تركيا.

تُقيد أنقرة النشاط السياسي لطالبي اللجوء الإيرانيين، وتقدم لطهران بعض الحرية لمراقبة وترهيب المعارضين في تركيا مقابل الحصول على امتيازات مختلفة، لكن عندما تريد أنقرة الضغط على طهران، فإنها تفضح الجمهورية الإسلامية بالكشف عن الدور الذي يضطلع به الدبلوماسيون والعملاء الإيرانيون في عمليات التسليم والاغتيالات الموجهة.

وجد عيسى بازيار، وهو واحد من آلاف المعارضين الإيرانيين الذين يخشون الإعدام في حال عودتهم إلى إيران، نفسه مهدداً في تركيا حالياً. فقد أُلقي القبض على بازيار في إيران عام 2013 بعد أن فضح عجز الحكومة الإيرانية عن إزالة الألغام المزروعة على الحدود مع العراق خلال السنوات التي تلت الحرب الإيرانية العراقية الطويلة. أخبر بازيار مجلة “فورين بوليسي” خلال مكالمة هاتفية معه من مدينة “مانيسا” التركية التي يعيش فيها منذ فراره من إيران، “أتذكر أن القاضي تعاطف معي ووافق على إطلاق سراحي بكفالة. ونصحني بمحاولة الفرار من البلاد وعدم العودة إليها ثانيةً”. 

واصل بازيار نشاطه دون أن يبالي بالتهديدات. ونشر رواية في تركيا مقتبسة عن قصة حقيقية تدور أحداثها حول الإعدامات السياسية للسجناء الإيرانيين عام 1988. وقد هُربت روايته من بريطانيا إلى إيران، ويعتقد بازيار أن هذا هو السبب وراء إرسال إيران لعملائها لملاحقته في تركيا.

عيسى بازيار

في أحد أيام شهر يونيو/حزيران من عام 2020، كان بازيار في طريقه إلى دفع فواتير المياه والكهرباء عندما توقفت بجانبه سيارة سوداء وسألته امرأة تجلس في مقدمتها ببراءة عن عنوان مدرسة فتيات محلية، ليفتح رجل يجلس في الخلف، في غضون ثواني، باب السيارة ويسحب بازيار إلى داخلها. قال بازيار، موضحاً سبب توقفه لها، “كانت سيدة جميلة”، لكنه أدرك سريعاً هويتها الحقيقية، “كانوا عملاء إيرانيين. كانت المرأة تمسك بمسدس وقد أخبرتني: ‘قبل أن نأتي إلى هنا، حذرناك من خلال الهاتف، وطلبنا منك الصمت، لكنك واصلت إهانتنا. أين هي شجاعتك الآن’ “.

حالف بازيار الحظ واستطاع القفز والهرب من السيارة عندما توقف للحظة أسفل منحدر، وظل يركض ليومين إلى أن وصل لإحدى القرى وتمكن من الاتصال هاتفياً بعائلته. قبل شهرين من ذلك، اُختطف معارض إيراني بارز آخر، هو حبيب أسيود المعروف أيضاً باسم حبيب شعب، وهُرب إلى إيران، بعد أن استدرجته عَميلة تعمل مع جهاز المخابرات الإيراني أيضاً. أضاف بازيار، “نرى بين الحين والآخر كيف يجري اختطاف وإبعاد المعارضين الإيرانيين في تركيا. بعد كل زيارة رسمية بين البلدين، يساورني الخوف من أن يكونوا قد وقعوا اتفاقية لتسليم معارضيهم لبعضهم البعض. أشعر أن شبح الاختطاف والترحيل والاغتيال يحوم حولي طوال الوقت”.

تلك المخاوف التي تساور بازيار ليست واهية. فخلال الـ14 شهراً الماضية، ازداد التعاون الثنائي المشترك بين إيران وتركيا. وعلى الرغم من أن تركيا نفت أنها رحلت أيّ معارضين أو سمحت لعملاء إيرانيين باختطافهم، يرى البعض أن التعاون مع إيران في هذا السياق هو أبسط نتائج تلك المفاوضات الرامية إلى تحسين العلاقات. 

إقرأوا أيضاً:

في عام 2019 -الذي شهدت فيه إيران احتجاجات على أسعار الوقود، مما يدل على انهيار اقتصاد البلاد- تضاعف عدد الإيرانيين الفارين إلى تركيا. فقد خشي كثيرون من التعرض للاضطهاد بعد أن اعتقلت السلطات الإيرانية آلاف المحتجين تعسفياً، وأخفت وعذبت عدة آلاف آخرين. وذكر تقرير لمنظمة العفو الدولية أن قوات الأمن الإيرانية قد قتلت 304 شخصاً على الأقل.

بعد مرور شهر على اندلاع الاحتجاجات، شارك الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة كوالالمبور في ماليزيا، التي نُظمت في الظاهر بهدف “إحياء الحضارة الإسلامية” ولكن من منظور السياسية الواقعية، يبدو أنها هدفت إلى إظهار القوة أمام المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتحدي قيادتهما للعالم الإسلامي. وقد أفادت التقارير أن قرار إعادة المعارضين قد اتُخذ في اجتماعات عقدت بين إيران وتركيا على هامش هذه القمة.

سرعان ما جرى تنفيذ هذا القرار، وظهرت عواقبه على أرض الواقع. فقد تعرَّض العشرات من المتظاهرين الإيرانيين الذين التمسوا اللجوء إلى تركيا للترحيل قسراً، والآن يواجه اثنان منهم وهما، محمد رجبي البالغ من العمر 26 عاماً، وسعید تمجیدي البالغ من العمر 28 عاماً، عقوبة الإعدام في موطنهما. ومنذ عام 2017، اُغتِيل ما لا يقل عن ثلاثة معارضين إيرانيين داخل تركيا.

عُقدت عملية التبادل الثنائية الهامة التالية في يونيو/حزيران 2020، وهو نفس الشهر الذي اختُطف فيه بازيار. فقد أبدى الطرفان المزيد من التعاون في الوقت الذي زار فيه محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، أنقرة ووافق على تأييد تركيا في دعمها لطرفها المفضل في الحرب الأهلية الليبية، وهو “حكومة الوفاق الوطني”. وفي المقابل، دعا أردوغان الولايات المتحدة إلى رفع عقوباتها الأحادية ضد إيران. وبعد بضعة أيام، شن الطرفان هجمات منسقة على عدوهما المشترك: الانفصاليون الأكراد. وهاجمت تركيا مخابئ “حزب العمال الكردستاني” في العراق بينما قصفت إيران “حزب الحياة الحرة الكردستاني”، وهو امتداد لحزب العمال الكردستاني في إيران وله قواعد في العراق.

إقرأوا أيضاً:

يسلط بيمان عارف، وهو صحفي وناشط إيراني كان هو نفسه سجيناً سياسياً سابقاً في إيران ويقيم الآن في بروكسل، الضوء على الهاربين من أبناء وطنه، علاوة على اهتمامه بالعلاقات الإيرانية التركية. ويقول إن التعاون بين وكالات الاستخبارات في البلدين يشهد توسعاً كبيراً، وأن المعارضين يتعرضون الآن تحديداً للتهديد.

قال عارف في حواره مع مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، “أحياناً يكون مصدر التهديد هو العملاء الإيرانيين، وأحياناً أخرى من مؤيديهم الأتراك”. مضيفاً أن “ثمة علاقات وثيقة للغاية تجمع بين أجهزة الاستخبارات التركية ونظيراتها الإيرانية”. 

هربت نسيبة شمسائي إلى تركيا، وهي مهندسة معمارية إيرانية في الـ 36 من عمرها وناشطة في مجال حقوق المرأة، بعد أن واجهت حكماً بالسجن لمدة 12 عاماً في إيران بسبب مشاركتها في الاحتجاجات ضد قوانين الحجاب الإلزامي في إيران. بيد أن السلطات التركية ألقت القبض عليها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وكانت قد حصلت على جواز سفر مزيف لكي تتمكن من السفر إلى شقيقها في إسبانيا. وعلى الرغم من إطلاق سراحها، تشعر شمسائي بالخوف من احتمال أن تتعرض للاعتقال مرة أخرى في أي وقت، إما من العملاء الإيرانيين أو من الشرطة التركية. وأعربت قائلةً، “لا أشعر بالأمان. أشعر أنني مستهدفة في تركيا. إذ إن الاستخبارات الإيرانية في كل مكان”.

لطالما قصد الإيرانيون تركيا بغية اللجوء لعقود منذ أن أصبح دخولهم إلى البلاد لا يتطلب الحصول على تأشيرة، فضلاً عن أن العبور غير القانوني عبر الحدود البرية يُمكن تيسيره عن طريق المهربين. بيد أن الدولة التي كانت تعتبر ذات يوم آمنة كوجهة مؤقتة للمعارضين السياسيين الإيرانيين، وكذلك للمضطهدين المنتمين إلى الأقليات العرقية والدينية في إيران، صارت الآن تُمثل خطورة عليهم.

يرى نقاد أن ثمة اختلافاً ملحوظاً بين رد تركيا على مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي وبين الترهيب والتهديدات التي يواجهها المعارضون الإيرانيون في تركيا. معربين أن غضب تركيا إزاء انتهاكات حقوق الإنسان يتحور بما يتفق مع استراتيجيتها ومصالحها السياسية.

قال عضو البرلمان التركي السابق وكبير مديري البرنامج التركي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، إن المعارضين الإيرانيين ليسوا سوى “ورقة مساومة” في العلاقة بين البلدين. مضيفاً “من جهة، تُقيد أنقرة من النشاط السياسي لطالبي اللجوء الإيرانيين، وتقدم لطهران بعض الحرية لمراقبة وترهيب المعارضين في تركيا مقابل الحصول على امتيازات مختلفة. أما من الجهة الأخرى، عندما تريد أنقرة الضغط على طهران، فإنها تفضح الجمهورية الإسلامية بالكشف عن الدور الذي يضطلع به الدبلوماسيون والعملاء الإيرانيون في عمليات التسليم والاغتيالات الموجهة. وبالتالي فإن مصير المعارضين الإيرانيين في تركيا يتشكل في الغالب تبعاً للمكاسب الصفقاتيّة الخبيثة وليس من خلال المعايير الدولية”.

لا تمانع تركيا سجل إيران في مجال حقوق الإنسان، ويبدو أن المعارضين الإيرانيين ليسوا سوى بيادق في الصراع الأوسع نطاقاً من أجل التفوق على كل من يُعد عدواً في فترة معينة. بينما يحل الرئيس الأميركي جو بايدن محل الرئيس السابق دونالد ترامب، وتعود الولايات المتحدة إلى الأساليب التي يغلب عليها الطابع التقليدي في الدبلوماسية والسياسة الخارجية، قد تشهد العلاقات بين طهران وأنقرة تغييرات مرة أخرى. ولكن مثله مثل تركيا، قد يُتهم بايدن أيضاً بالكيل بمكيالين إذا ما عاود الانضمام إلى الاتفاق النووي مع إيران دون إخضاعها للمساءلة على انتهاكات حقوق الإنسان. وحتى الآن، ليس من الواضح ما إذا كان بايدن سوف يسعى إلى الحصول على امتيازات لحماية المعارضين قبل العودة إلى الاتفاق النووي.

هذا المقال مترجم عن foriegnpolicy.com  ولقراءة النص الاصلي زوروا الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً:

21.02.2021
زمن القراءة: 7 minutes
|
آخر القصص
 هل تستطيع الدول العربية الغنيّة تجاهل أزمات جيرانها؟
أفراح ناصر - باحثة في المركز العربي في واشنطن | 12.10.2024
هل هُزم محور “المقاومة”فعلاً؟!
شكري الريان - كاتب فلسطيني سوري | 12.10.2024
لماذا أخفق حزب الله؟
ندى عبدالصمد - كاتبة وصحافية لبنانية | 12.10.2024
خطبة الوداع
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 11.10.2024

اشترك بنشرتنا البريدية