fbpx

المفاجأة الإيرانية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الاندلاع المفاجئ للمظاهرات في إيران يضعنا أمام مفارقة، فبينما تحتفل السلطات الإيرانية بسلسلة من الانتصارات في عام 2017، وامتداد غير مسبوق لنفوذها في الخارج، نكتشف فجأة هشاشتها الداخلية. هذا التناقض ينبغي على الأقل أن يضعنا أمام معضلة سقراط، التواضع الواعي لحدود معرفتنا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الاندلاع المفاجئ للمظاهرات في إيران يضعنا أمام مفارقة، فبينما تحتفل السلطات الإيرانية بسلسلة من الانتصارات في عام 2017، وامتداد غير مسبوق لنفوذها في الخارج، نكتشف فجأة هشاشتها الداخلية. هذا التناقض ينبغي على الأقل أن يضعنا أمام معضلة سقراط، التواضع الواعي لحدود معرفتنا. في أحسن الأحوال ينبغي أن نسجل الملاحظات ونتعلم شيئاً من دروسها، وهو أن السياسة المحلية مهمة. وينبغي أن يكون عنصر المفاجأة في صميم دراستنا للأحداث الإيرانية، إذا كنا ننوي تعلم بعض دروسها.
شهد عام 2017 مزيداً من التوسع في النفوذ الإيراني خارجياً، وهو اتجاه كان موجوداً بالفعل من قبل، إلا أن قتال “الدولة الإسلامية” (داعش) في العراق وسوريا عززه. إيران هي الفائز الأكبر من القتال ضد داعش، أكثر من أي دولة أخرى تقاتل داعش، بل وأكثر من القوى العظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا؛ بينما استخدمت الولايات المتحدة قوتها الجوية وعدة آلاف من “القوات الخاصة” في كلٍ من سوريا والعراق في قتال داعش، وشنّت روسيا قصفاً هائلاً، مع عدة آلاف من القوات المرتزقة (القوات البرية التي تعمل على أساس تعاقدي)، كانت الآلاف من الميليشيات الموالية لإيران، سواء وحدات الحشد الشعبي في العراق، أو ميليشيات شيعية مختلفة في سوريا، هي من وفرت جنود المشاة. تلك القوات شبه العسكرية التي تنسق أنشطتها مع قيادة الحرس الثوري الإيراني، هي من ستبقى على الأرض، وستمدّ نفوذ الدولة الإيرانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
من المعروف أن إيران عانت  من توتراتٍ اجتماعية واقتصادية حادة، إضافة إلى انتقادها العلني من قبل عدد كبير من السكان. أثار “الاتفاق النووي” الذي أُبرم عام 2015 مع إدارة باراك أوباما والقوى الكبرى آمالًا كبيرة في انفتاح البلاد، ووصول الاستثمارات، وحصول الاقتصاد على دفعة من الهواء النقي. كل ذلك لم يحدث. ولكن يمكن للسلطات الإيرانية أن تلقي باللوم على القيادة الأميركية الجديدة، وعدائها تجاه إيران والتهديدات بشنّ حروب جديدة. ووفرت تغريدات الرئيس الأميركي التي لا تنتهي مواداً إعلامية ثابتة تشير باستمرار إلى أن أي تقصير داخل إيران ناتج عن العداء الأجنبي.ولذا كان بدء وانتشار المظاهرات الشعبية منذ يوم الخميس 28 ديسمبر / كانون الأول  مفاجأة مزدوجة. فرغم  أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية أثار احتجاجات انتشرت كالنار في الهشيم. إلا أن الشعارات سريعاً ما صبغتها السياسة “لا غزة، ولا لبنان، أعطي حياتي لإيران” وهو الهتاف الذي حوّل نجاحات السلطات الإيرانية إلى انتقادات.

في حال حاول المرء وضع الأحداث الجارية في سياق تاريخي، فهي لا تتسق مع “الثورة الخضراء” التي وقعت عام 2009، بل مع الانتفاضات العربية التي حدثت عام 2011. كانت الاحتجاجات الجماهيرية في إيران في عام 2009 مشابهة للأحداث التي عرفت باسم “الثورات الملونة” في عدد من دول الاتحاد السوفياتي السابق. وكانت نتيجة للانتخابات المتنازع عليها، حين اتهم مرشحو المعارضة السلطات بالتزوير. وبالتالي، ظل الاحتجاج داخل الإطار القانوني، ولكنه كان نتيجة لاتهام جزء من النخبة للمحافظين بتزوير الانتخابات. انتهت أحداث عام 2009 بنجاح القمع: إذ لا يزال المرشحان المعارضان مير حسين موسوي ومهدي كروبي قيد الإقامة الجبرية، وألقي القبض على العديد من النشطاء، وأمضوا عقوبات في السجون. في نهاية المطاف مات الحراك المجتمعي، ولكن أسبابه لم تتبخر.الأحداث الحالية ذات طبيعة مختلفة: لا توجد انتخابات متنازع عليها، وإنما ما أشعل الاحتجاجات هو ارتفاع الأسعار. ويشهد انتشار الاحتجاجات في جميع أنحاء إيران خلال 48 ساعة على عمق الاستياء الشعبي. وأخيراً، تبدو شعارات المتظاهرين متطرفة، بمعنى أنهم لا يطالبون فقط بتغيير السياسات الاجتماعية والاقتصادية، بل يطالبون بتغيير النظام. لا يبدو أن للغضب الشعبي الموجود في الشوارع الإيرانية قيادة ومركز تنسيق وشكل واضح، ما يجعل الصعب التفاوض معه.
لا ينبغي التقليل من التأييد الذي يتمتع به النظام الإيراني، فإيران اليوم ليست إيران بهلوي: كان التحول الرئيسي منذ ثورة 1979 هو بناء دولة بيروقراطية حديثة لها دخل كبير في الاقتصاد. هذا النموذج ذاته هو ما  يتم الاعتراض عليه من قبل جزء من السكان، لكنه أيضاً يمد النظام بالمؤيدين. كما ينبغي ألا يقلل أحد من قدرة النظام على الحفاظ على نفسه.السيطرة الكاملة للسلطات الإيرانية على السياسة وعلى الحيز السياسي يجعلها عرضة للفشل. إذ لم يؤد القضاء على المعارضة في عام 2009 -حتى لو كانت هذه المعارضة داخل النخبة الحاكمة نفسها- إلا إلى تطرف الحركة، وجعلها بلا قيادة ولا يمكن التنبؤ بها.

المفاجأة الإيرانية مليئة بالعبر: وهي أن السياسة أولاً وقبل كل شيء محلية. ستفشل القراءة الجيوسياسية للأحداث -الرائجة جداً في عصرنا- في فهم ذلك. وينبغي أن يُنذر ذلك كل من يعتقدون أن الفتوحات الخارجية يمكنها تزيين الإخفاقات في الوطن. وينبغي على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إعادة حساباته بعد محوه لأي معارضة حقيقية قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، والتي ستجري فى مارس / آذار من هذا العام. كما ينبغي أن تهتم النخبة الأميركية التي قامت مؤخراً بتخفيضات ضريبية غير مسبوقة مع ما نتج عنها من تخفيضات ضخمة في الخدمات الاجتماعية في مقابل زيادة الإنفاق العسكري.من الصعب تصور ما ستسفر عنه الدراما الإيرانية، ولكن لا يمكن لأحد تقليل أثرها على الشرق الأوسط والسياسة العالمية بأسرها.

[video_player link=””][/video_player]

05.01.2018
زمن القراءة: 4 minutes

الاندلاع المفاجئ للمظاهرات في إيران يضعنا أمام مفارقة، فبينما تحتفل السلطات الإيرانية بسلسلة من الانتصارات في عام 2017، وامتداد غير مسبوق لنفوذها في الخارج، نكتشف فجأة هشاشتها الداخلية. هذا التناقض ينبغي على الأقل أن يضعنا أمام معضلة سقراط، التواضع الواعي لحدود معرفتنا.

الاندلاع المفاجئ للمظاهرات في إيران يضعنا أمام مفارقة، فبينما تحتفل السلطات الإيرانية بسلسلة من الانتصارات في عام 2017، وامتداد غير مسبوق لنفوذها في الخارج، نكتشف فجأة هشاشتها الداخلية. هذا التناقض ينبغي على الأقل أن يضعنا أمام معضلة سقراط، التواضع الواعي لحدود معرفتنا. في أحسن الأحوال ينبغي أن نسجل الملاحظات ونتعلم شيئاً من دروسها، وهو أن السياسة المحلية مهمة. وينبغي أن يكون عنصر المفاجأة في صميم دراستنا للأحداث الإيرانية، إذا كنا ننوي تعلم بعض دروسها.
شهد عام 2017 مزيداً من التوسع في النفوذ الإيراني خارجياً، وهو اتجاه كان موجوداً بالفعل من قبل، إلا أن قتال “الدولة الإسلامية” (داعش) في العراق وسوريا عززه. إيران هي الفائز الأكبر من القتال ضد داعش، أكثر من أي دولة أخرى تقاتل داعش، بل وأكثر من القوى العظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا؛ بينما استخدمت الولايات المتحدة قوتها الجوية وعدة آلاف من “القوات الخاصة” في كلٍ من سوريا والعراق في قتال داعش، وشنّت روسيا قصفاً هائلاً، مع عدة آلاف من القوات المرتزقة (القوات البرية التي تعمل على أساس تعاقدي)، كانت الآلاف من الميليشيات الموالية لإيران، سواء وحدات الحشد الشعبي في العراق، أو ميليشيات شيعية مختلفة في سوريا، هي من وفرت جنود المشاة. تلك القوات شبه العسكرية التي تنسق أنشطتها مع قيادة الحرس الثوري الإيراني، هي من ستبقى على الأرض، وستمدّ نفوذ الدولة الإيرانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
من المعروف أن إيران عانت  من توتراتٍ اجتماعية واقتصادية حادة، إضافة إلى انتقادها العلني من قبل عدد كبير من السكان. أثار “الاتفاق النووي” الذي أُبرم عام 2015 مع إدارة باراك أوباما والقوى الكبرى آمالًا كبيرة في انفتاح البلاد، ووصول الاستثمارات، وحصول الاقتصاد على دفعة من الهواء النقي. كل ذلك لم يحدث. ولكن يمكن للسلطات الإيرانية أن تلقي باللوم على القيادة الأميركية الجديدة، وعدائها تجاه إيران والتهديدات بشنّ حروب جديدة. ووفرت تغريدات الرئيس الأميركي التي لا تنتهي مواداً إعلامية ثابتة تشير باستمرار إلى أن أي تقصير داخل إيران ناتج عن العداء الأجنبي.ولذا كان بدء وانتشار المظاهرات الشعبية منذ يوم الخميس 28 ديسمبر / كانون الأول  مفاجأة مزدوجة. فرغم  أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية أثار احتجاجات انتشرت كالنار في الهشيم. إلا أن الشعارات سريعاً ما صبغتها السياسة “لا غزة، ولا لبنان، أعطي حياتي لإيران” وهو الهتاف الذي حوّل نجاحات السلطات الإيرانية إلى انتقادات.

في حال حاول المرء وضع الأحداث الجارية في سياق تاريخي، فهي لا تتسق مع “الثورة الخضراء” التي وقعت عام 2009، بل مع الانتفاضات العربية التي حدثت عام 2011. كانت الاحتجاجات الجماهيرية في إيران في عام 2009 مشابهة للأحداث التي عرفت باسم “الثورات الملونة” في عدد من دول الاتحاد السوفياتي السابق. وكانت نتيجة للانتخابات المتنازع عليها، حين اتهم مرشحو المعارضة السلطات بالتزوير. وبالتالي، ظل الاحتجاج داخل الإطار القانوني، ولكنه كان نتيجة لاتهام جزء من النخبة للمحافظين بتزوير الانتخابات. انتهت أحداث عام 2009 بنجاح القمع: إذ لا يزال المرشحان المعارضان مير حسين موسوي ومهدي كروبي قيد الإقامة الجبرية، وألقي القبض على العديد من النشطاء، وأمضوا عقوبات في السجون. في نهاية المطاف مات الحراك المجتمعي، ولكن أسبابه لم تتبخر.الأحداث الحالية ذات طبيعة مختلفة: لا توجد انتخابات متنازع عليها، وإنما ما أشعل الاحتجاجات هو ارتفاع الأسعار. ويشهد انتشار الاحتجاجات في جميع أنحاء إيران خلال 48 ساعة على عمق الاستياء الشعبي. وأخيراً، تبدو شعارات المتظاهرين متطرفة، بمعنى أنهم لا يطالبون فقط بتغيير السياسات الاجتماعية والاقتصادية، بل يطالبون بتغيير النظام. لا يبدو أن للغضب الشعبي الموجود في الشوارع الإيرانية قيادة ومركز تنسيق وشكل واضح، ما يجعل الصعب التفاوض معه.
لا ينبغي التقليل من التأييد الذي يتمتع به النظام الإيراني، فإيران اليوم ليست إيران بهلوي: كان التحول الرئيسي منذ ثورة 1979 هو بناء دولة بيروقراطية حديثة لها دخل كبير في الاقتصاد. هذا النموذج ذاته هو ما  يتم الاعتراض عليه من قبل جزء من السكان، لكنه أيضاً يمد النظام بالمؤيدين. كما ينبغي ألا يقلل أحد من قدرة النظام على الحفاظ على نفسه.السيطرة الكاملة للسلطات الإيرانية على السياسة وعلى الحيز السياسي يجعلها عرضة للفشل. إذ لم يؤد القضاء على المعارضة في عام 2009 -حتى لو كانت هذه المعارضة داخل النخبة الحاكمة نفسها- إلا إلى تطرف الحركة، وجعلها بلا قيادة ولا يمكن التنبؤ بها.

المفاجأة الإيرانية مليئة بالعبر: وهي أن السياسة أولاً وقبل كل شيء محلية. ستفشل القراءة الجيوسياسية للأحداث -الرائجة جداً في عصرنا- في فهم ذلك. وينبغي أن يُنذر ذلك كل من يعتقدون أن الفتوحات الخارجية يمكنها تزيين الإخفاقات في الوطن. وينبغي على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إعادة حساباته بعد محوه لأي معارضة حقيقية قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، والتي ستجري فى مارس / آذار من هذا العام. كما ينبغي أن تهتم النخبة الأميركية التي قامت مؤخراً بتخفيضات ضريبية غير مسبوقة مع ما نتج عنها من تخفيضات ضخمة في الخدمات الاجتماعية في مقابل زيادة الإنفاق العسكري.من الصعب تصور ما ستسفر عنه الدراما الإيرانية، ولكن لا يمكن لأحد تقليل أثرها على الشرق الأوسط والسياسة العالمية بأسرها.

[video_player link=””][/video_player]