fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“الممانعة” تستثمر في العمالة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

استفادت أنظمة “السلام” مثل نظيرتها أنظمة “الحرب” من تهمة العمالة، الأولى جعلتها سيفاً مسلطاً على كل من يفكر باتفاقيات السلام خارج معادلات السلطة وخططها، والثانية، استخدمتها لترهيب المعارضين، وتوسيع الكراهية تجاه الغرب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تستفيد الممانعة في توجيه تهمة العمالة لخصومها، من جمود هذا المفهوم وتوقفه عند الستينات، حين كانت النزعة المعادية لإسرائيل في البلاد العربية مستنفرة إلى حدودها القصوى. والعمالة آنذاك، كانت تعني أي اعتراض على سياسات الحاكم الراديكالية، بمعنى أن التواصل مع العدو هو انعدام التواصل مع السلطة السياسية المحلية بمعنى الخضوع لها، وأن تقول عن فلان إنه عميل، فهذا لا يتطلب تجنيد هذا الأخير من قبل الموساد، يكفي أن يمتلك رأياً وموقفاً، ليصبح قابلاً لإسقاط التهمة عليه.

ربط العمالة بالرأي، رتّب اتساعاً للتهمة، فإسرائيل التي تصاغ التهمة بالقرب منها، هي في الوعي الراديكالي العربي، ربيبة أميركا ونتيجة للسياسات الكولونيالية في المنطقة، وأوروبا منحازة بشكل سافر معها. وعليه، فإن أي اقتراح للتقرب أو التعامل مع القوى التي رُبطت تعسفاً بإسرائيل، سيعني العمالة. هكذا، تأسست التهمة على معطيين، الرأي المخالف للسلطات الحاكمة، والانقطاع عن العالم والتعامل معه كامتداد للدولة العبرية. 

التوظيفات فرّغت تهمة العمالة من مضمونها الذي يتمثل بالإضرار بمصالح الدول الوطنية والتواصل مع عدو خارجي، فبات من السهل وجود عملاء حقيقيين في بلادنا، طالما أن التركيز هو على التوظيف السياسي وكيفية الاستفادة منه، ما جعل محاربة العمالة تغطية على العمالة نفسها. 

ولم يغيّر انخراط مصر والأردن في اتفاقيات سلام، الكثير من عناصر تهمة العمالة، خصوصاً أن هذه الاتفاقيات بقيت فوقية- سلطوية، تستفيد منها الأنظمة. بل خلق هذا الانخراط، تناقضاً عطّل أي فرصة لإعادة النظر في مفهوم العمالة، وتنظيفه من ملوثات الشعبوية. هذا التناقض ساعد النظام السياسي بنسخه المتعددة وآخرها السيساوية، على جعل العلاقات مع إسرائيل في خدمة الاستبداد، وليس لتقديم اقتراحات تجبر الدولة العبرية على تحمّل مسؤولياتها حيال ما تنتهكه من حقوق. 

استفادت أنظمة “السلام” إذاً مثل نظيرتها أنظمة “الحرب” من تهمة العمالة، الأولى جعلتها سيفاً مسلطاً على كل من يفكر باتفاقيات السلام خارج معادلات السلطة وخططها، والثانية، استخدمتها لترهيب المعارضين، وتوسيع الكراهية تجاه الغرب. ما جعل تهمة العمالة ذات وظائف سياسية، استخدام اتفاقيات السلام بهدف تثبيت الاستبداد، وقمع المعارضات، وجعل الخارج عدواً. 

التوظيفات فرّغت تهمة العمالة من مضمونها الذي يتمثل بالإضرار بمصالح الدول الوطنية والتواصل مع عدو خارجي، فبات من السهل وجود عملاء حقيقيين في بلادنا، طالما أن التركيز هو على التوظيف السياسي وكيفية الاستفادة منه، ما جعل محاربة العمالة تغطية على العمالة نفسها. 

تعامل “حزب الله” في لبنان، مع مسألة العمالة، لا يخرج عن المسار السابق، فالتوظيف السياسي له الأولوية على التهمة نفسها. فاتهام العلامة الشيعي علي الأمين والناشطة كيندا الخطيب، اللذين تجمعهما معارضة الحزب وتأييد الحراك ضد السلطة، هدفه ترهيب خصوم الحزب وأنصار الثورة ضد السلطة التي يحميها الحزب ويتحصن بها لاستكمال مشاريعه. الممانعة في لبنان، ورثت التاريخ السياسي لتهمة العمالة، وطورته محلياً ليخدم مصالحها. والتطوير هذا أضاف بعداً جديداً على التهمة، وهو بعد براغماتي يلائم البيئة اللبنانية المعقدة. وهو ما يفسّر صمت الحزب وتواطئه في تخفيف عقوبة عميل مثل فايز كرم محسوب على التيار العوني المتحالف معه. الحزب طوّع تهمة العمالة ضمن حساباته الداخلية، بحيث يتجاهلها تارة بفعل أولوية المحافظة على الغطاء المسيحي لسلاحه، ويتحمس لها طوراً لتصفية من يطالب بنزع سلاحه. وقد شجع الاستثمار السياسي بتهمة العمالة في لبنان من قبل “حزب الله”، أطرافاً أخرى، خصوصاً الأجهزة، لاتباع النهج ذاته، فدفع الفنان المسرحي زياد عيتاني، ثمن حسابات ضيقة، قبل أن تثبت براءته.

وما يساعد الممانعة على استثمارها في العمالة مخلفة أبرياء ومتجاهلة مدانين حقيقيين، وجود مناخ ثقافي شعبوي من حملات المقاطعة واليساريين التقليديين. هذا المناخ المؤسس على فقر معرفي مدقع في نظرته لمفهوم العمالة، مستمد على الأرجح، من الحقبة الراديكالية العربية، يمّد الممانعة ولا سيما “حزب الله” بالحجج التي تسهّل تصفية الخصوم عبر الاستثمار بتهمة العمالة. 

واستناداً إلى ما سبق، فإن مكافحة العمالة تتطلب تنقية المفهوم من ما علق به من توظيفات سياسية من الأنظمة، ورثتها حركات إسلامية واستثمرت بها ضمن الحسابات الداخلية، لتحسن مواقعها، على ما فعل ويفعل وسيفعل “حزب الله”.

ما يعني أن علي الأمين وكيندا الخطيب وزياد عيتاني، لن يكونوا آخر “العملاء”، ثمة لائحة طويلة ستكشف تباعاً بناء على حاجة حزب الله، فيما العملاء الحقيقيون تمكنهم مواصلة عملهم طالما أنهم لا يمسون مصالح الحزب وتركيبة تحالفاته الداخلية.

25.06.2020
زمن القراءة: 3 minutes

استفادت أنظمة “السلام” مثل نظيرتها أنظمة “الحرب” من تهمة العمالة، الأولى جعلتها سيفاً مسلطاً على كل من يفكر باتفاقيات السلام خارج معادلات السلطة وخططها، والثانية، استخدمتها لترهيب المعارضين، وتوسيع الكراهية تجاه الغرب.

تستفيد الممانعة في توجيه تهمة العمالة لخصومها، من جمود هذا المفهوم وتوقفه عند الستينات، حين كانت النزعة المعادية لإسرائيل في البلاد العربية مستنفرة إلى حدودها القصوى. والعمالة آنذاك، كانت تعني أي اعتراض على سياسات الحاكم الراديكالية، بمعنى أن التواصل مع العدو هو انعدام التواصل مع السلطة السياسية المحلية بمعنى الخضوع لها، وأن تقول عن فلان إنه عميل، فهذا لا يتطلب تجنيد هذا الأخير من قبل الموساد، يكفي أن يمتلك رأياً وموقفاً، ليصبح قابلاً لإسقاط التهمة عليه.

ربط العمالة بالرأي، رتّب اتساعاً للتهمة، فإسرائيل التي تصاغ التهمة بالقرب منها، هي في الوعي الراديكالي العربي، ربيبة أميركا ونتيجة للسياسات الكولونيالية في المنطقة، وأوروبا منحازة بشكل سافر معها. وعليه، فإن أي اقتراح للتقرب أو التعامل مع القوى التي رُبطت تعسفاً بإسرائيل، سيعني العمالة. هكذا، تأسست التهمة على معطيين، الرأي المخالف للسلطات الحاكمة، والانقطاع عن العالم والتعامل معه كامتداد للدولة العبرية. 

التوظيفات فرّغت تهمة العمالة من مضمونها الذي يتمثل بالإضرار بمصالح الدول الوطنية والتواصل مع عدو خارجي، فبات من السهل وجود عملاء حقيقيين في بلادنا، طالما أن التركيز هو على التوظيف السياسي وكيفية الاستفادة منه، ما جعل محاربة العمالة تغطية على العمالة نفسها. 

ولم يغيّر انخراط مصر والأردن في اتفاقيات سلام، الكثير من عناصر تهمة العمالة، خصوصاً أن هذه الاتفاقيات بقيت فوقية- سلطوية، تستفيد منها الأنظمة. بل خلق هذا الانخراط، تناقضاً عطّل أي فرصة لإعادة النظر في مفهوم العمالة، وتنظيفه من ملوثات الشعبوية. هذا التناقض ساعد النظام السياسي بنسخه المتعددة وآخرها السيساوية، على جعل العلاقات مع إسرائيل في خدمة الاستبداد، وليس لتقديم اقتراحات تجبر الدولة العبرية على تحمّل مسؤولياتها حيال ما تنتهكه من حقوق. 

استفادت أنظمة “السلام” إذاً مثل نظيرتها أنظمة “الحرب” من تهمة العمالة، الأولى جعلتها سيفاً مسلطاً على كل من يفكر باتفاقيات السلام خارج معادلات السلطة وخططها، والثانية، استخدمتها لترهيب المعارضين، وتوسيع الكراهية تجاه الغرب. ما جعل تهمة العمالة ذات وظائف سياسية، استخدام اتفاقيات السلام بهدف تثبيت الاستبداد، وقمع المعارضات، وجعل الخارج عدواً. 

التوظيفات فرّغت تهمة العمالة من مضمونها الذي يتمثل بالإضرار بمصالح الدول الوطنية والتواصل مع عدو خارجي، فبات من السهل وجود عملاء حقيقيين في بلادنا، طالما أن التركيز هو على التوظيف السياسي وكيفية الاستفادة منه، ما جعل محاربة العمالة تغطية على العمالة نفسها. 

تعامل “حزب الله” في لبنان، مع مسألة العمالة، لا يخرج عن المسار السابق، فالتوظيف السياسي له الأولوية على التهمة نفسها. فاتهام العلامة الشيعي علي الأمين والناشطة كيندا الخطيب، اللذين تجمعهما معارضة الحزب وتأييد الحراك ضد السلطة، هدفه ترهيب خصوم الحزب وأنصار الثورة ضد السلطة التي يحميها الحزب ويتحصن بها لاستكمال مشاريعه. الممانعة في لبنان، ورثت التاريخ السياسي لتهمة العمالة، وطورته محلياً ليخدم مصالحها. والتطوير هذا أضاف بعداً جديداً على التهمة، وهو بعد براغماتي يلائم البيئة اللبنانية المعقدة. وهو ما يفسّر صمت الحزب وتواطئه في تخفيف عقوبة عميل مثل فايز كرم محسوب على التيار العوني المتحالف معه. الحزب طوّع تهمة العمالة ضمن حساباته الداخلية، بحيث يتجاهلها تارة بفعل أولوية المحافظة على الغطاء المسيحي لسلاحه، ويتحمس لها طوراً لتصفية من يطالب بنزع سلاحه. وقد شجع الاستثمار السياسي بتهمة العمالة في لبنان من قبل “حزب الله”، أطرافاً أخرى، خصوصاً الأجهزة، لاتباع النهج ذاته، فدفع الفنان المسرحي زياد عيتاني، ثمن حسابات ضيقة، قبل أن تثبت براءته.

وما يساعد الممانعة على استثمارها في العمالة مخلفة أبرياء ومتجاهلة مدانين حقيقيين، وجود مناخ ثقافي شعبوي من حملات المقاطعة واليساريين التقليديين. هذا المناخ المؤسس على فقر معرفي مدقع في نظرته لمفهوم العمالة، مستمد على الأرجح، من الحقبة الراديكالية العربية، يمّد الممانعة ولا سيما “حزب الله” بالحجج التي تسهّل تصفية الخصوم عبر الاستثمار بتهمة العمالة. 

واستناداً إلى ما سبق، فإن مكافحة العمالة تتطلب تنقية المفهوم من ما علق به من توظيفات سياسية من الأنظمة، ورثتها حركات إسلامية واستثمرت بها ضمن الحسابات الداخلية، لتحسن مواقعها، على ما فعل ويفعل وسيفعل “حزب الله”.

ما يعني أن علي الأمين وكيندا الخطيب وزياد عيتاني، لن يكونوا آخر “العملاء”، ثمة لائحة طويلة ستكشف تباعاً بناء على حاجة حزب الله، فيما العملاء الحقيقيون تمكنهم مواصلة عملهم طالما أنهم لا يمسون مصالح الحزب وتركيبة تحالفاته الداخلية.