لو كنتُ يهوديًا أوكرانيًا، لرفضتُ المجيء إلى إسرائيل التي ستسمح لي بالتأكيد بدخولها بينما تمنع دخول جاري اللاجئ الأوكراني. إليكم المشهد المُخزي الذي يقوم به موظفو مطار بن غوريون المجتهدون، حيث يسأل هؤلاء اللاجئين القادمين من أوكرانيا عن هويتهم الدينية فإذا اتضح أنهم يهود يتم الترحيب بهم أما إذا اتضح أنهم أوكرانيون فلا مكان لهم في إسرائيل.
وصل وحتى لحظة كتابة هذه السطور أكثر من مليون لاجئ أوكراني إلى أوروبا، لكن سقط بالمقابل وخلال هذه الحرب آلاف القتلى ناهيك عن الخسائر المادية ودمار البني التحتية. وها هي إسرائيل تحصي عدد اليهود القادمين إلى البلاد والذي من المتوقع أن يصل تعدادهم إلى مئات الآلاف، ليهلل أنصار وقف المد الديموغرافي فرحين. سيأتي إلى إسرائيل وبحسب تقديرات وزيرة الداخلية آييليت شاكيد حوالي 300 ألف يهودي أوكراني (يوسي فيرطر، “هآرتس”، 4.3). وفي الوقت الذي تلعق فيه أوكرانيا جراحها، تلعق إسرائيل أصابعها.
لكن لم تكتف شاكيد بهذا المحصول، بل ها هي تسترق النظر إلى محصول من نوع آخر. حيث صرحت شاكيد وخلال جلسة مجلس الوزراء كما جاء في مقالة فيرطر بالتالي: “ستدرك القارة الأوروبية والدول الأوروبية الآن أنها تحتاج للسلاح أكثر من ذي قبل، وعليه سترغب بزيادة ميزانيتها الأمنية. يمكننا على الأقل التربُح من هذه الأزمة”. هاي هي إسرائيل تحول مأساة أوكرانيا لفرصة ربح لا غير.
أنوه هنا، ستلقي مأساة الشعب الأوكراني بظلالها على العالم أجمع، يشمل ذلك الشرق الأوسط. لقد أدركت الشعوب “المتقدمة” بحكم تجربتها المريرة، أنّ المصالح الاقتصادية والأخلاق خطان متوازيان لا يلتقيان أبدًا. فقد ازدهرت مصالح “العالم الحر” الاقتصادية بوتيرة مذهلة لتشمل أيضا الدول المستبدة وخير دليل على ذلك علاقات الولايات المتحدة والسعودية. لكننا وبالمقابل لاحظنا أنّ معظم دول العالم قد أدانت روسيا، بل وفرضت العديد منها عقوبات قاسية ومُكلفة اقتصاديا.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هذه الانتقائية الأخلاقية؟ بل ولِمَ تُزهر في بعض الأمكنة لتذبل في أمكنة أخرى؟ ولِمَ تسري فقط على بلدان يملك سكانها لون بشرة معين؟ ماذا عن الاحتلال الجاثم فوق صدور الفلسطينيين منذ خمسة وخمسين عامًا؟ ألا يستحق الفلسطينيون ذرة من هذه الأخلاقيات؟
وعليه، باستطاعتنا فهم غضب العالم المحيط بنا، فهو يسمح باستمرار المأساة الفلسطينية بل ويربت على أكتاف المحتلين. لكن، ينبغي علينا الحذر فقد يعمي الغضب أعيننا، فلا يمكن تبرير احتلال معين لأن العالم يتغاضى عن احتلال آخر.
يعبّر أصدقائي عن غضبهم جراء نفاق الغرب، بل ويصرحوت قائلين أنّه وفي حال دعمت الولايات المتحدة أحد الأطراف فسيقومون بدعم الطرف الآخر. لكني أخبرهم أن اتخاذ هذا الموقف يعني تنازلا مسبقًا عن جوهرهم الإنساني، فمن العبث أن نتحول كأفراد لمجرد صدى سلبي أو إيجابي لآراء الآخرين.
إقرأوا أيضاً:
كلمة حق أخيرة لا بد منها، يقوم حلف الناتو وبدلًا من الحد من شراسته بعد فكِ الاتحاد السوفيتي، بضم بلدان أخرى تقع في شرق أوروبا إلى صفوفه. لكن، تتساءل روسيا وبحق ما الداعي لكل هذا الزحف العسكري شرقًا بالذات على ضوء انتهاء الحرب الباردة؟ وفي الوقت نفسه، لا يسعنا إلا أن نطرح أسئلة صعبة فعلى سبيل المثال: لماذا امتنع العالم عن الاحتجاج ضد الغزو الأمريكي للعراق وسقوط مئات آلاف الضحايا مستندا فقط إلى أكذوبة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل؟
لا شك أن العالم منافق، لكن لا يمكننا بالذات في عصر النفاق هذا فقدان البوصلة، لأنّ الاحتلال بل وكل احتلال، هو فِعل وحشي يسحق الحياة. الفلسطينيين أدرى! وعليه، ينبغي علينا رسم خارطة أخلاقية بديلة ندعو من خلالها كل مُحتلي العالم للاتحاد! فالفلسطينيون المُحتلون أشقاء الأوكرانيين المُحتلين. لكن لا عجب أن يختار المُحتل بوتين المُحتل نفتالي بينيت وسيطًا في هذه الأزمة.
هذا المقال مترجم عن Haaretz.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.
إقرأوا أيضاً: