fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

النزوح في غزة… لعبة الشطرنج الإسرائيلية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“في كل مرة نركض هربًا من الموت، لكننا لا نصل إلى الحياة. الخيمة ليست مأوى، بل سجن بلا جدران، جحيم لا ينتهي.”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تمضِ سوى أيام قليلة على عودة عائلة ثابت إلى ما تبقى من منزلها في منطقة موراج شمال مدينة رفح، بعد رحلة نزوح استمرت سبعة أشهر، حتى جاءها إنذار جديد من الجيش الإسرائيلي بمغادرة المكان على وجه السرعة.

عائلة منهكة عادت إلى ركام منزلها في لحظة أمل، علها تبدأ من جديد، لكن عودة الحرب لم تمهلها طويلًا.

ترددت العائلة كثيرًا في المغادرة رغم إدراكها للمخاطر حال بقائها، فقد أصبحت تعلم جيدًا ماذا ينتظرها في خيمة النزوح من بؤس وظروف معيشية قاسية.

أكثر من عشر ساعات قضتها العائلة في حيرة بين البقاء تحت تهديد القصف، أو الخروج نحو المجهول.

مع دخول ساعات الليل وازدياد حدة القصف المدفعي والجوي، لم يعد أمامهم خيام، فخرجت العائلة من دون أمتعة ثقيلة، فقط ما يمكن حمله على الأكتاف، وبدأوا رحلتهم نحو منطقة مواصي خان يونس، التي تبعد حوالي 18 كيلومترًا عن منزلهم، سيرًا على الأقدام وتحت أصوات الانفجارات، تاركين خلفهم ما تبقى من ذكريات.

خرجت العائلة وفي طريق نزوحها كباقي العائلات لعنونا الاحتلال، ومن أوصلهم إلى هذا المصير.

تعد سياسة التهجير القسري إحدى أكثر أدوات الحرب الإسرائيلية فتكًا، فهي لا تكتفي بالقصف والتدمير، بل تدفع المدنيين إلى حياة لا تشبه الحياة.

يتعمد الجيش الإسرائيلي إصدار إنذارات متكررة – سواء عبر منشورات تلقى من الطائرات أو عبر بيانات رقمية في وسائل التواصل – تطلب من السكان “الانتقال إلى مناطق آمنة”، في حين أن التجربة تقول إن هذه المناطق كثيرًا ما تكون هدفًا لاحقًا للقصف.

تسقط المنشورات على أسطح البيوت، ويتسلل الذعر إلى القلوب، وهنا يسأل الجيران بعضهم: “هل سنخرج؟ هل ستنزحون؟” بعضهم يرفض الخروج في البداية كما فعلت عائلة ثابت، وآخرون يرحلون فورًا خشية الموت، لكنهم جميعًا يعرفون، في قرارة أنفسهم، أن النزوح لا يعني النجاة.

في منطقة المواصي، حيث تتكدس آلاف العائلات النازحة، لم تجد عائلة ثابت سوى قطعة قماش مهترئة نصبوها خيمة، لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء.

يفترش أفراد العائلة الأرض، ويلتحفون السماء، في مكان يفتقر لكل مقومات الحياة: لا كهرباء، لا ماء، لا مرافق صحية، ولا خصوصية.

تقول أم أحمد ثابت، الأم الأربعينية، بصوت خافت ودموع تترقرق في عينيها: “في كل مرة نركض هربًا من الموت، لكننا لا نصل إلى الحياة. الخيمة ليست مأوى، بل سجن بلا جدران، جحيم لا ينتهي.”

أطفالها لم يعودوا يذكرون شيئًا من ملامح طفولتهم السابقة؛ لا غرفهم، ولا ألعابهم، ولا دفء البيت.

وفي كل مرة ينزحون، تفقد العائلة شيئًا جديدًا: قطعة أثاث، صورة معلقة، أو حتى ذكرى عابرة لم تسنح لهم فرصة وداعها.

وغالبًا، لا تعود العائلة لتجد ما تركته، فالبيوت تصبح عرضة للنهب؛ إما من لصوص يستغلون الفراغ، أو من جنود إسرائيليين يأخذون ما يروق لهم من ممتلكات المدنيين.

معاناة لا تنتهي

تضطر العائلة إلى المشي يوميًا لمسافة تتجاوز ثلاثة كيلومترات للحصول على مياه للشرب والاستحمام، كما تقف ساعات طويلة في طوابير التكيات للحصول على وجبة طعام.

أما استخدام الحمام، فحكاية أخرى من المذلة؛ حمام بلاستيكي صغير، مبني من النايلون، يخدم عشرات الأشخاص، ولا يوجد فيه ماء.

في هذه الحياة المعلقة، تهان كرامة الإنسان في كل تفاصيل يومه، بداية  في طوابير الطعام، في الانتظار لدخول الحمام، في البحث عن نقطة ماء، أو في السعي خلف مساعدة من جهة ما.

لكن قصة عائلة ثابت ليست استثناءً، بل جزء من واقع يعيشه أكثر من 1.9 مليون فلسطيني نزحوا قسرًا داخل قطاع غزة، معظمهم فقدوا منازلهم، وأصبحوا يعيشون في ظروف صحية وإنسانية متدهورة.

المجتمع الدولي… غائب

المنظمات الإنسانية تعاني بدورها من عجز هائل في تلبية احتياجات النازحين، حيث حال الإغلاق المستمر للمعابر من قبل إسرائيل منذ مارس/آذار الماضي، دون إدخال المساعدات، وحتى حبّة قمح لم يُسمح لها بالمرور.

ولم يقتصر الأمر على الجوع والعطش، بل أصبح النازحون مهددين بالموت في أي لحظة، حتى في ما يُسمى بـ”المناطق الآمنة”، إذ لم تعد هناك بقعة في غزة تُستثنى من القصف.

ويبقى النازحون، كأحجار شطرنج، تحركهم يد الاحتلال كما تشاء، دون أن يجدوا من ينقذهم من رقعة الموت، وامتهان كرامتهم في خيام النزوح.

18.04.2025
زمن القراءة: 3 minutes

“في كل مرة نركض هربًا من الموت، لكننا لا نصل إلى الحياة. الخيمة ليست مأوى، بل سجن بلا جدران، جحيم لا ينتهي.”

لم تمضِ سوى أيام قليلة على عودة عائلة ثابت إلى ما تبقى من منزلها في منطقة موراج شمال مدينة رفح، بعد رحلة نزوح استمرت سبعة أشهر، حتى جاءها إنذار جديد من الجيش الإسرائيلي بمغادرة المكان على وجه السرعة.

عائلة منهكة عادت إلى ركام منزلها في لحظة أمل، علها تبدأ من جديد، لكن عودة الحرب لم تمهلها طويلًا.

ترددت العائلة كثيرًا في المغادرة رغم إدراكها للمخاطر حال بقائها، فقد أصبحت تعلم جيدًا ماذا ينتظرها في خيمة النزوح من بؤس وظروف معيشية قاسية.

أكثر من عشر ساعات قضتها العائلة في حيرة بين البقاء تحت تهديد القصف، أو الخروج نحو المجهول.

مع دخول ساعات الليل وازدياد حدة القصف المدفعي والجوي، لم يعد أمامهم خيام، فخرجت العائلة من دون أمتعة ثقيلة، فقط ما يمكن حمله على الأكتاف، وبدأوا رحلتهم نحو منطقة مواصي خان يونس، التي تبعد حوالي 18 كيلومترًا عن منزلهم، سيرًا على الأقدام وتحت أصوات الانفجارات، تاركين خلفهم ما تبقى من ذكريات.

خرجت العائلة وفي طريق نزوحها كباقي العائلات لعنونا الاحتلال، ومن أوصلهم إلى هذا المصير.

تعد سياسة التهجير القسري إحدى أكثر أدوات الحرب الإسرائيلية فتكًا، فهي لا تكتفي بالقصف والتدمير، بل تدفع المدنيين إلى حياة لا تشبه الحياة.

يتعمد الجيش الإسرائيلي إصدار إنذارات متكررة – سواء عبر منشورات تلقى من الطائرات أو عبر بيانات رقمية في وسائل التواصل – تطلب من السكان “الانتقال إلى مناطق آمنة”، في حين أن التجربة تقول إن هذه المناطق كثيرًا ما تكون هدفًا لاحقًا للقصف.

تسقط المنشورات على أسطح البيوت، ويتسلل الذعر إلى القلوب، وهنا يسأل الجيران بعضهم: “هل سنخرج؟ هل ستنزحون؟” بعضهم يرفض الخروج في البداية كما فعلت عائلة ثابت، وآخرون يرحلون فورًا خشية الموت، لكنهم جميعًا يعرفون، في قرارة أنفسهم، أن النزوح لا يعني النجاة.

في منطقة المواصي، حيث تتكدس آلاف العائلات النازحة، لم تجد عائلة ثابت سوى قطعة قماش مهترئة نصبوها خيمة، لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء.

يفترش أفراد العائلة الأرض، ويلتحفون السماء، في مكان يفتقر لكل مقومات الحياة: لا كهرباء، لا ماء، لا مرافق صحية، ولا خصوصية.

تقول أم أحمد ثابت، الأم الأربعينية، بصوت خافت ودموع تترقرق في عينيها: “في كل مرة نركض هربًا من الموت، لكننا لا نصل إلى الحياة. الخيمة ليست مأوى، بل سجن بلا جدران، جحيم لا ينتهي.”

أطفالها لم يعودوا يذكرون شيئًا من ملامح طفولتهم السابقة؛ لا غرفهم، ولا ألعابهم، ولا دفء البيت.

وفي كل مرة ينزحون، تفقد العائلة شيئًا جديدًا: قطعة أثاث، صورة معلقة، أو حتى ذكرى عابرة لم تسنح لهم فرصة وداعها.

وغالبًا، لا تعود العائلة لتجد ما تركته، فالبيوت تصبح عرضة للنهب؛ إما من لصوص يستغلون الفراغ، أو من جنود إسرائيليين يأخذون ما يروق لهم من ممتلكات المدنيين.

معاناة لا تنتهي

تضطر العائلة إلى المشي يوميًا لمسافة تتجاوز ثلاثة كيلومترات للحصول على مياه للشرب والاستحمام، كما تقف ساعات طويلة في طوابير التكيات للحصول على وجبة طعام.

أما استخدام الحمام، فحكاية أخرى من المذلة؛ حمام بلاستيكي صغير، مبني من النايلون، يخدم عشرات الأشخاص، ولا يوجد فيه ماء.

في هذه الحياة المعلقة، تهان كرامة الإنسان في كل تفاصيل يومه، بداية  في طوابير الطعام، في الانتظار لدخول الحمام، في البحث عن نقطة ماء، أو في السعي خلف مساعدة من جهة ما.

لكن قصة عائلة ثابت ليست استثناءً، بل جزء من واقع يعيشه أكثر من 1.9 مليون فلسطيني نزحوا قسرًا داخل قطاع غزة، معظمهم فقدوا منازلهم، وأصبحوا يعيشون في ظروف صحية وإنسانية متدهورة.

المجتمع الدولي… غائب

المنظمات الإنسانية تعاني بدورها من عجز هائل في تلبية احتياجات النازحين، حيث حال الإغلاق المستمر للمعابر من قبل إسرائيل منذ مارس/آذار الماضي، دون إدخال المساعدات، وحتى حبّة قمح لم يُسمح لها بالمرور.

ولم يقتصر الأمر على الجوع والعطش، بل أصبح النازحون مهددين بالموت في أي لحظة، حتى في ما يُسمى بـ”المناطق الآمنة”، إذ لم تعد هناك بقعة في غزة تُستثنى من القصف.

ويبقى النازحون، كأحجار شطرنج، تحركهم يد الاحتلال كما تشاء، دون أن يجدوا من ينقذهم من رقعة الموت، وامتهان كرامتهم في خيام النزوح.