“إمي مع إختي علقانين بـ “قانا”،إختي حامل بالشهر الثامن وما فيها تسوق. هل في حدا يساعدنا حتى يطلعوا من الضيعة؟”
“في خمس أفراد من عائلة “غريب” انقتلوا بالقصف الإسرائيلي على منطقة “الحوش” بمدينة صور. رضا غريب فقد أمه وبيه و3 أخوة بنات”
“في ست مع اولادها وأهلها وأختها من ذوي الاحتياجات الخاصة علقانين بالنبطية وبحاجة لسيارة تنقلهن على بيروت. اللي قادر يتواصل معهم على هالرقم”…
“السلام عليكم في حاج وحجة كبار بالعمر نزلوا حوالي الساعة 3 من “الحلوسية” و المفروض يروحوا على بلدة “جون” و لهلق ما إلن أثر، وهني ما معهن تلفون…”
رسائل الاستغاثة اليائسة اجتاحت الواتسآب ومواقع التواصل الاجتماعي.
آلاف من العالقين تحت النيران الإسرائيلية في جنوب لبنان وبقاعه لم يجدوا سبيلاً للهرب بسبب كثافة القصف وتعذّر وسائل النقل، فلجأوا الى الاستغاثة عبر رسائل قصيرة تم تداولها بين الأهل والأصدقاء في لبنان والخارج.
الأبناء والأقارب ممن هم خارج الجنوب يشعرون بالعجز التام عن مساعدة أهلهم العالقين، وما من حيلة لديهم سوى نشر الرسالة والبحث عمن يمكنه أن يغيث الجرحى والمصابين.
الذعر الذي يعيشه سكان لبنان عموماً والجنوب خصوصاً، يختلف في حجمه عن الحروب الإسرائيلية السابقة. عشرات الآلاف من الناس لم يكن لديهم الوقت الكافي لتوضيب حاجياتهم ومغادرة منازلهم بعد رسائل التحذير الاسرائيلية.
في المقابل، حاولت مبادرات فردية عدة وتحركات عشوائية كثيرة الانتظام خلال ساعات لإغاثة الهاربين والعالقين. وحتى ساعات الصباح الأولى، بعد يوم القصف الدموي الإسرائيلي الطويل، بحثت آلاف العائلات عن سبيل للهروب على الطرقات، التي شهدت ازدحاماً لم تشهده منذ عقود، فقد فرّ عشرات الآلاف من بلدات جنوب لبنان وقراه، عبر الطريق الرئيسي باتجاه صيدا والعاصمة بيروت ومناطق أخرى.
نموذج الإبادة في غزة انتقل الى لبنان
في أكبر حصيلة للضحايا في يوم واحد منذ الحرب الأهلية اللبنانية، قتلت غارات إسرائيل أكثر من 500 شخص وجرحت نحو 1700، في حرب تقول إنها تستهدف إنهاء صواريخ حزب الله التي توجَّه ضد شمال إسرائيل.
ففي يوم واحد ضربت إسرائيل نحو 1300 هدف وشنت مئات الغارات في عمق المناطق والقرى في الجنوب والبقاع، في حرب يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إنه يسعى من خلالها الى تغيير “التوازن الأمني” على طول حدود إسرائيل الشمالية، “لقد وعدت بتغيير التوازن الأمني وتوازن القوى في الشمال، وهذا بالضبط ما نفعله”.
بدت تكتيكات إسرائيل في جنوب لبنان مشابهة لما فعلته في غزة، فهي تمهّد للحرب واستهداف المناطق السكنية بالقول إن الصواريخ بين بيوت المدنيين، وهي ذريعة باتت تستخدمها لقصف المناطق السكنية، ثم تدعو الناس بعدها للمغادرة، فيما تستهدف محيط الطرقات المخصّصة للهرب. فمن الواضح أن استهداف المدنيين كان وظيفة الغارات الأولى، فالقتلى كانوا عائلات بكاملها، وهؤلاء ممن ظنوا أن تحذيرات الجيش الإسرائيلي بالابتعاد عن قواعد حزب الله لا تشملهم، ذاك أنه لا قواعد في محيط منازلهم.
شاشات التلفزيون امتلت بمشاهد المباني المنهارة والقنابل التي تتساقط بكثافة، والانفجارات المتتالية، وأيدي وأصوات المستغيثين الذين يصوّرون المشاهد من حولهم.
بعض العائلات اضطرت إلى الفرار بينما كان القصف يحيط بها، فالغارات الجوية مستمرة في كل مكان تقريباً، ولم تكن تعرف أي طريق آمن، حتى على طول الطريق السريع الرئيسي الذي يربط جنوب لبنان ببيروت، حيث شهد غارات جوية، لا سيما في منطقة الغازية، جنوب مدينة صيدا.
حين نتحدث عن جنوب لبنان، ولبنان عموماً، فنحن نتحدث عن فقراء، عن بلد انهار اقتصاده تقريباً، ودولة مفلسة تقريباً وانقسامات سياسية وطائفية حادة. هناك الكثير من القلق بين النازحين والهاربين بشأن المدة التي سيظلون فيها مشرّدين. ثم إن الميسورين من الجنوبيين كان سبق لهم أن غادروا في الأشهر الفائتة، عندما شعروا أن الحرب تقترب، وأن بإمكانهم تأمين منازل في مناطق أخرى.
خلال الأشهر الـ11 السابقة، نزح حوالى 110 آلاف شخص من قرى الحدود، ومع الأعداد الهائلة التي شاهدناها تنزح من بيوتها بالأمس فنحن قد نتحدث عن رقم مضاعف، لكن حال الفوضى وضعف مرافق الدولة يجعلان من الصعب تحديد الأرقام وحجم النزوح الفعلي.
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، قال إن الجيش الإسرائيلي يستعد لـ “المراحل التالية” في لبنان، “في الأساس، نحن نستهدف البنية التحتية القتالية التي كان حزب الله يبنيها على مدى السنوات العشرين الماضية”. مثل هذه التصريحات التي كانت تُطلق في غزة كانت دوماً تمهّد لقصف عشوائي يودي بالمدنيين، وهذا الهاجس بات واقعاً في لبنان بالقياس الى حجم الضحايا الذين سقطوا في يوم واحد، فهل سيتحوّل هذا الى شأن يومي؟
استغلال المأساة
الهاربون من الجنوب وعائلاتهم أطلقوا نداءات لتوفير أي شقق وغرف فارغة يمكن أن تستقبلهم. وعمد متطوعون لحشد الدعوات للحصول على غرف وأماكن بأسعار ميسرّة للنازحين.
لكن حال الفوضى أظهرت مجدداً محاولات البعض للاستفادة من مأساة الهاربين. إذ نشرت مروة صعب، وهي صحافية من الجنوب، فيديو تتحدث فيها عن عائلتها واستغلال مأساة نزوحها القسري:
“من بعد تقريبا عشر ساعات سواقة قدروا أهلي يطلعوا من صيدا وأنا متفقة مع سمسار بدو 1800 دولار (أجار شقة) قلناله ماشي… إلي ساعة بحاول اتواصل معه وهو بيشوف الرسائل وما بيرد… العالم عم تستغل الوضع وأكيد بدو يستغل حدا تاني ويمكن نجح”.
هذا الرقم، أي 1800 دولار، مبالغ فيه لإيجار شقة. إذاً، وجد المستفيدون في الحرب مناسبة لاستغلال أزمة النزوح غير المسبوقة.
وفيما لا تزال مؤشرات الحرب البرية الإسرائيلية ضد لبنان غير مؤكدة، استبعدت التصريحات الإسرائيلية حتى الآن هذا الخيار، لكن في ما يبدو أن هناك حرباً شاملة لا أفق واضح بعد كيف ستنتهي، خصوصاً مع إصرار حزب الله على الاستمرار في قصف شمال إسرائيل بالصواريخ وإصراره على المواجهة.