fbpx

النظام السوريّ في محكمة العدل الدوليّة: محاولة لإنقاذ العالقين في “الجحيم”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في سجون وأقبية مظلمة وتحت رحمة عناصر النظام، قُتل أكثر من 14 ألف سوريّ بسبب التعذيب منذ اندلاع الثورة عام 2011، واليوم ما تحتاجه عائلات الضحايا والمعتقلين هو بعض العدالة التي قد تكون هذه الدعوى بداية لها، لإنقاذ العالقين في سجون نظام الأسد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

12 عاماً من القتل والخوف عاشها السوريون، شُرد خلالها الملايين بين لاجئين وهاربين، آلافٌ بدأوا حياتهم من الصفر، ذلك كله من أجل بقاء نظام الأسد الذي لم يُحاسب حتى اليوم، على كلّ ما ارتكبه من مجازر وانتهاكات بحق السوريين. وفي حين ينتظر الملايين العدالة لكل الضحايا والمعتقلين والمخفيين، تُرفع أخيراً قضية ضد النظام السوري في محكمة العدل الدوليّة، هي الأولى من نوعها في سياق تحقيق العدالة للسوريين.

سوريا ارتكبت انتهاكات لا حصر لها

رفعت هولندا وكندا دعوى مشتركة ضد النظام السوري أمام محكمة العدل الدولية، وهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة. تتناول الدعوى انتهاكات النظام السوري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي مارسها النظام طوال السنوات السابقة.

وبحسب ما قال دياب سرية، مدير رابطة معتقلي ومختفي سجن صيدنايا لـ “درج”، “بدأ كل من هولندا وكندا بالتحضير للدعوى ضد نظام الأسد منذ أيلول/ سبتمبر 2020، فمسار هذه الدعاوى يستغرق وقتاً طويلاً، يبدأ بالتفاوض بحسب الأعراف الدولية، وكانت فكرة الدولتين في البداية محاججة النظام علانية بعدم التزامه باتفاقية مناهضة التعذيب، بخاصة أنهما تمتلكان الكثير من الأدلة والشهادات، لكن النظام رفض التفاوض ولم يبدِ أي رغبة في ذلك، وبعد فشل خطوة التفاوض حاولت الدولتان اللجوء إلى دولة وسيطة بينهما وبين النظام السوري، لكن الأخير رفض الوساطة، ولم تدخل أي دولة كوسيط ، فانتقلت الدولتان إلى الخطوة الأخيرة وهي رفع القضية إلى محكمة العدل الدولية”.

أكد بيان نشرته محكمة العدل الدولية، أن هولندا وكندا أشارتا في طلبهما إلى أن “النظام السوري ارتكب انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي، ابتداءً من عام 2011 على الأقل، عبر القمع العنيف للتظاهرات المدنية، واستمرّ الوضع مع تحوّل الوضع في سوريا إلى نزاع مسلّح طويل الأمد”. 

 أتى هذا النزاع المسلّح على كل شيء في سوريا وتأثّر المدنيون بشكل خاص. وبحسب مفوضية الأمم المتحدة، وصل إجمالي عدد القتلى في صفوف المدنيين إلى رقم صادم بلغ 306,887 قتيلاً خلال 10 سنوات، وهو أعلى رقم قُدّر حتى اليوم لعدد المدنيين الذين قتلوا كنتيجة مباشرة للنزاع، ما يعني أنه في كل يوم منذ بدء النزاع في آذار/ مارس 2011، قُتِل 83 مدنياً، من بينهم 9 نساء و18 طفلاً.

تشاور مباشر مع الناجين والناجيات

لم يتوقف نظام الأسد للحظة عن انتهاك حقوق السوريين، وتشمل هذه الانتهاكات استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بما في ذلك المعاملة المقيتة للمحتجزين، والظروف غير الإنسانية في أماكن الاحتجاز، والاختفاء القسري، واستخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعنف ضد الأطفال، بحسب البيان. 

يذكر البيان أن كندا وهولندا قالتا إن هذه الانتهاكات تشمل أيضاً استخدام الأسلحة الكيميائية التي كانت ممارسة بغيضة بشكل خاص لتخويف السكان المدنيين ومعاقبتهم، ما أدى إلى الكثير من الوفيات والإصابات والمعاناة الجسدية والعقلية الشديدة.

منذ تحرّك الدولتين في أيلول عام 2020، حصلت مشاورات كثيرة مع الجمعيات والجهات الممثلة لضحايا التعذيب في سوريا، بحسب ما ذكر سريّة الذي قال: “تشاورت الدولتان مع رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مرتين، ومع المجتمع المدني، ولكنهم ركزوا بالتحديد على جمعيات ضحايا التعذيب في السجون، كما قاموا بحوالى ثلاث من مجموعات التركيز( Focus Group) وتشاوروا معهم حول رأيهم وتطلعاتهم وما يجب الكلام عنه ورأيهم بالخطوة. للأمانة، يُحسب لهولندا وكندا، أن الدعوة كانت مبنية على الكثير من المشاورات مع الناجين والناجيات”.

لن تكون هذه الخطة رادعاً للنظام السوري بحسب السجين السابق دياب سرية، فهو بالأساس لم يتعاون مع محاولات الدولتين في التفاوض. لكن يبدو أن الأكثر انزعاجاً من هذه الخطوة هو الدول المطبعة مع النظام السوري، بخاصة أن الدعوة تحرجها بتقديمها وثائق تثبت تورط نظام الأسد بجرائم التعذيب. وقالت مصادر خاصة لـ”درج”، “هناك تسريبات تتحدث عن امتعاض تركي وخليجي من رفع هولندا وكندا دعوة ضد نظام الأسد، وهناك تواصل على مستوى الخارجيات حول أسباب فتح القضية في هذا الوقت وادعاءات من الدول المطبعة بأن القضية انتهت ولا داعي لإعادة فتحها”.

محاولة لحماية الأفراد داخل سوريا

تسعى كندا وهولندا إلى تأسيس اختصاص المحكمة على المادة 36، الفقرة 1، من النظام الأساسي للمحكمة والمادة 30، الفقرة 1، من اتفاقية مناهضة التعذيب، التي تعد سوريا طرفاً فيها. وستحاول الدولتان حماية الأفراد داخل سوريا من خلال تقديم طلب للإشارة إلى التدابير الموقتة، وفقاً للمادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة والمواد 73 و74 و75 من لائحة المحكمة، بهدف الحفاظ على الحقوق المستحقة وحمايتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، التي تواصل سوريا انتهاكها، وحماية أرواح الأفراد وسلامتهم الجسدية والعقلية داخل سوريا ممن يتعرضون حالياً أو هم معرضون لخطر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

أما عن أهمية هذه الخطوة، فيرى مدير رابطة معتقلي سجن صيدنايا أن هذه الخطوة من أهم الخطوات في سبيل كشف حقيقة ما يحصل في سوريا، فيقول: “للمرة الأولى تعترف دولتان بهذا المستوى بوجود تعذيب في سوريا وتؤكدان أن هذا الأمر يجب أن يتوقف. وفي ظل انسداد أي أفق للعدالة في سوريا وتجاهل المجتمع الدولي، فللمرة الأولى تحمل دولتان على هذا القدر من الأهمية لواء تحقيق العدالة، نحن في رابطة سجن صيدنايا فخورون بهذه الخطوة وفخورون بأننا كنا مشاركين في جلسات التشاور، وهذا الأمر يعنينا وبرأينا هذه أهم من المحاكمات التي أجريت في أوروبا”.

في سجون وأقبية مظلمة وتحت رحمة عناصر النظام، قُتل أكثر من 14 ألف سوريّ بسبب التعذيب منذ اندلاع الثورة عام 2011، واليوم ما تحتاجه عائلات الضحايا والمعتقلين هو بعض العدالة التي قد تكون هذه الدعوى بداية لها، لإنقاذ العالقين في سجون نظام الأسد.

15.06.2023
زمن القراءة: 4 minutes

في سجون وأقبية مظلمة وتحت رحمة عناصر النظام، قُتل أكثر من 14 ألف سوريّ بسبب التعذيب منذ اندلاع الثورة عام 2011، واليوم ما تحتاجه عائلات الضحايا والمعتقلين هو بعض العدالة التي قد تكون هذه الدعوى بداية لها، لإنقاذ العالقين في سجون نظام الأسد.

12 عاماً من القتل والخوف عاشها السوريون، شُرد خلالها الملايين بين لاجئين وهاربين، آلافٌ بدأوا حياتهم من الصفر، ذلك كله من أجل بقاء نظام الأسد الذي لم يُحاسب حتى اليوم، على كلّ ما ارتكبه من مجازر وانتهاكات بحق السوريين. وفي حين ينتظر الملايين العدالة لكل الضحايا والمعتقلين والمخفيين، تُرفع أخيراً قضية ضد النظام السوري في محكمة العدل الدوليّة، هي الأولى من نوعها في سياق تحقيق العدالة للسوريين.

سوريا ارتكبت انتهاكات لا حصر لها

رفعت هولندا وكندا دعوى مشتركة ضد النظام السوري أمام محكمة العدل الدولية، وهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة. تتناول الدعوى انتهاكات النظام السوري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي مارسها النظام طوال السنوات السابقة.

وبحسب ما قال دياب سرية، مدير رابطة معتقلي ومختفي سجن صيدنايا لـ “درج”، “بدأ كل من هولندا وكندا بالتحضير للدعوى ضد نظام الأسد منذ أيلول/ سبتمبر 2020، فمسار هذه الدعاوى يستغرق وقتاً طويلاً، يبدأ بالتفاوض بحسب الأعراف الدولية، وكانت فكرة الدولتين في البداية محاججة النظام علانية بعدم التزامه باتفاقية مناهضة التعذيب، بخاصة أنهما تمتلكان الكثير من الأدلة والشهادات، لكن النظام رفض التفاوض ولم يبدِ أي رغبة في ذلك، وبعد فشل خطوة التفاوض حاولت الدولتان اللجوء إلى دولة وسيطة بينهما وبين النظام السوري، لكن الأخير رفض الوساطة، ولم تدخل أي دولة كوسيط ، فانتقلت الدولتان إلى الخطوة الأخيرة وهي رفع القضية إلى محكمة العدل الدولية”.

أكد بيان نشرته محكمة العدل الدولية، أن هولندا وكندا أشارتا في طلبهما إلى أن “النظام السوري ارتكب انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي، ابتداءً من عام 2011 على الأقل، عبر القمع العنيف للتظاهرات المدنية، واستمرّ الوضع مع تحوّل الوضع في سوريا إلى نزاع مسلّح طويل الأمد”. 

 أتى هذا النزاع المسلّح على كل شيء في سوريا وتأثّر المدنيون بشكل خاص. وبحسب مفوضية الأمم المتحدة، وصل إجمالي عدد القتلى في صفوف المدنيين إلى رقم صادم بلغ 306,887 قتيلاً خلال 10 سنوات، وهو أعلى رقم قُدّر حتى اليوم لعدد المدنيين الذين قتلوا كنتيجة مباشرة للنزاع، ما يعني أنه في كل يوم منذ بدء النزاع في آذار/ مارس 2011، قُتِل 83 مدنياً، من بينهم 9 نساء و18 طفلاً.

تشاور مباشر مع الناجين والناجيات

لم يتوقف نظام الأسد للحظة عن انتهاك حقوق السوريين، وتشمل هذه الانتهاكات استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بما في ذلك المعاملة المقيتة للمحتجزين، والظروف غير الإنسانية في أماكن الاحتجاز، والاختفاء القسري، واستخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعنف ضد الأطفال، بحسب البيان. 

يذكر البيان أن كندا وهولندا قالتا إن هذه الانتهاكات تشمل أيضاً استخدام الأسلحة الكيميائية التي كانت ممارسة بغيضة بشكل خاص لتخويف السكان المدنيين ومعاقبتهم، ما أدى إلى الكثير من الوفيات والإصابات والمعاناة الجسدية والعقلية الشديدة.

منذ تحرّك الدولتين في أيلول عام 2020، حصلت مشاورات كثيرة مع الجمعيات والجهات الممثلة لضحايا التعذيب في سوريا، بحسب ما ذكر سريّة الذي قال: “تشاورت الدولتان مع رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مرتين، ومع المجتمع المدني، ولكنهم ركزوا بالتحديد على جمعيات ضحايا التعذيب في السجون، كما قاموا بحوالى ثلاث من مجموعات التركيز( Focus Group) وتشاوروا معهم حول رأيهم وتطلعاتهم وما يجب الكلام عنه ورأيهم بالخطوة. للأمانة، يُحسب لهولندا وكندا، أن الدعوة كانت مبنية على الكثير من المشاورات مع الناجين والناجيات”.

لن تكون هذه الخطة رادعاً للنظام السوري بحسب السجين السابق دياب سرية، فهو بالأساس لم يتعاون مع محاولات الدولتين في التفاوض. لكن يبدو أن الأكثر انزعاجاً من هذه الخطوة هو الدول المطبعة مع النظام السوري، بخاصة أن الدعوة تحرجها بتقديمها وثائق تثبت تورط نظام الأسد بجرائم التعذيب. وقالت مصادر خاصة لـ”درج”، “هناك تسريبات تتحدث عن امتعاض تركي وخليجي من رفع هولندا وكندا دعوة ضد نظام الأسد، وهناك تواصل على مستوى الخارجيات حول أسباب فتح القضية في هذا الوقت وادعاءات من الدول المطبعة بأن القضية انتهت ولا داعي لإعادة فتحها”.

محاولة لحماية الأفراد داخل سوريا

تسعى كندا وهولندا إلى تأسيس اختصاص المحكمة على المادة 36، الفقرة 1، من النظام الأساسي للمحكمة والمادة 30، الفقرة 1، من اتفاقية مناهضة التعذيب، التي تعد سوريا طرفاً فيها. وستحاول الدولتان حماية الأفراد داخل سوريا من خلال تقديم طلب للإشارة إلى التدابير الموقتة، وفقاً للمادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة والمواد 73 و74 و75 من لائحة المحكمة، بهدف الحفاظ على الحقوق المستحقة وحمايتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، التي تواصل سوريا انتهاكها، وحماية أرواح الأفراد وسلامتهم الجسدية والعقلية داخل سوريا ممن يتعرضون حالياً أو هم معرضون لخطر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

أما عن أهمية هذه الخطوة، فيرى مدير رابطة معتقلي سجن صيدنايا أن هذه الخطوة من أهم الخطوات في سبيل كشف حقيقة ما يحصل في سوريا، فيقول: “للمرة الأولى تعترف دولتان بهذا المستوى بوجود تعذيب في سوريا وتؤكدان أن هذا الأمر يجب أن يتوقف. وفي ظل انسداد أي أفق للعدالة في سوريا وتجاهل المجتمع الدولي، فللمرة الأولى تحمل دولتان على هذا القدر من الأهمية لواء تحقيق العدالة، نحن في رابطة سجن صيدنايا فخورون بهذه الخطوة وفخورون بأننا كنا مشاركين في جلسات التشاور، وهذا الأمر يعنينا وبرأينا هذه أهم من المحاكمات التي أجريت في أوروبا”.

في سجون وأقبية مظلمة وتحت رحمة عناصر النظام، قُتل أكثر من 14 ألف سوريّ بسبب التعذيب منذ اندلاع الثورة عام 2011، واليوم ما تحتاجه عائلات الضحايا والمعتقلين هو بعض العدالة التي قد تكون هذه الدعوى بداية لها، لإنقاذ العالقين في سجون نظام الأسد.