fbpx

النظام يتأهّب للانقضاض على إدلب والحدود مقفلة في وجه أهلها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الضغوط المعنوية التي يتعرّض لها الأهالي وترقّبهم لدخول إدلب في أتون مواجهة عسكرية شرسة في القريب العاجل، تؤرّق السكان وترعبهم. تتداخل المشاعر ما بين الاطمئنان والخوف، ويسيطر سؤال واحد في مخيّلة الجميع: هل حقاً سنواجه النزوح من جديد؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يستغرق الأمر كثيراً قبل أن يشعر المتجوّل في أي منطقة في محافظة إدلب السورية وبخاصة المناطق التي تعتبر خط تماس مع قوّات النظام، بحجم الخوف والتوتّر الذي تعيشه المحافظة برمّتها. السيارات والشاحنات مركونة على أبواب المنازل محمّلة بالأمتعة وبعض قطع الأثاث. قد يبدو الأمر غريباً للوهلة الأولى إذ تعيش هذه المناطق هدوءاً أمنيّاً، فلا قصف يذكر ولا طيران في السماء.

لكن الحقيقة هي أن الضغوط المعنوية التي يتعرّض لها الأهالي وترقّبهم لدخول إدلب في أتون مواجهة عسكرية شرسة في القريب العاجل، تؤرّق السكان وترعبهم. تتداخل المشاعر ما بين الاطمئنان والخوف، ويسيطر سؤال واحد في مخيّلة الجميع: هل حقاً سنواجه النزوح من جديد، ألم ينتهِ هذا المسلسل طيلة سنوات الحرب؟

تعيش إدلب حالاً من الترقّب والانتظار، لتواجه مصيرها المجهول بين الحرب الطاحنة والسلام الدائم، فهي منذ دخولها اتفاق خفض التصعيد في منتصف أيلول/ سبتمبر 2017، تعيش حالاً من الهدوء العسكري. في المرحلة الماضية التقط السكان بعض انفاسهم وعادوا تدريجياً إلى حياة شبه عادية، إلى أن تحوّلت الآن أنظار الدول الفاعلة في الملف السوري نحو إدلب، آخر معاقل المعارضة، بعد سيطرة قوّات النظام من خلال اتفاقات ما عرف بالتسوية على مناطق جنوب سوريا ووسطها كافة.

النظام وحربه الإعلامية

نشرت حسابات مناصرين لنظام الأسد خلال شهر تموز/ يوليو مقاطع فيديو تصوّر عدداً من الآليات العسكرية متّجهة من مناطق الجنوب السوري باتجاه خطوط التماس في إدلب، وازدادت التحركات العسكرية بشكل ملحوظ على جبهات القتال سواء في جبلي التركمان والأكراد بالساحل السوري وفي سهل الغاب بريف حماة الغربي وفي مناطق شرق إدلب، ما يُظهر بشكل جليّ سير عملية التجهيز العسكري على قدم وساق في صفوف قوّات الأسد.

400  عائلة من ريف إدلب الشرقي إلى شماله

استعدادات النظام دفعت بالكثير من سكان ريف إدلب الشرقي تحديداً إلى النزوح فعلاً باتجاه شمال المحافظة، وقد تم رصد أكثر من 400 عائلة على أوتواستراد دمشق- حلب الدولي، مصطحبة معها أمتعتها باتجاه الشمال.

التقى “درج” العم جمال الدين علوان، أحد أهالي بلدة التح بريف إدلب الجنوبي، هرب وعائلته من بلدته متّجهاً إلى المناطق الحدودية مع تركيا، نصب خيمة وجلس منتظراً المصير الذي ستؤول إليه منطقته، يقول: “ليست تلك المرة الأولى التي ننزح فيها، إنها الثالثة خلال عامين، فعلياً لم يكن هناك قصف عنيف في بلدتي ولكن الجميع يتحدث عن نية النظام التقدم باتجاهها، قررت بعد أيام من التفكير ملياً في الأمر أن ننزح الآن مستغلّين الهدوء الذي تعيشه البلدة، فنزوحنا اليوم كان بطريقة جيدة فلم نضطر إلى ترك شيء خلفنا، لا أحد يعلم ما سيحصل ولكن أتمنى ألّا تطول مدة نزوحي، ببساطة النوم هنا في الخيمة مع الأمان أفضل بكثير من النوم في منزلي مع الخوف فيما الترقّب يتلف الأعصاب ويقصر العمر”.

نقاط المراقبة التركية للأهالي “لا تخافوا”

في المقابل، يرى علاء الحسن أحد سكان بلدة معرشورين بريف إدلب الشرقي أن وجهاء البلدة والبلدات المجاورة دعوا إلى اجتماع مع وفد تركي داخل نقطة المراقبة التركية في بلدة الصرمان، والتي بدورها وجّهت رسائل إلى الأهالي كانت أهمّها تطمينات بعدم وجود نية لدى النظام بالهجوم على إدلب، وطلبت منهم عدم مغادرة منازلهم، مخافة أن يعطي ذلك مسوّغاً للهجوم على المنطقة.

يقول علاء لـ”درج”، “الجميع جلس وفكر بالأمر بين تطمينات من جهة معلومة وبشكل واضح، وبين إشاعات تنذر بهجوم النظام وبداية القصف، كان الأمر مربكاً ودخل الجميع حال تخبّط، ولكن هناك الكثير ممن كانوا ينوون النزوح عدلوا عن الأمر وقرّروا البقاء، فعلياً أصبح الأمر بين يقين واضح وشك مريب، تركيا تعتبر دولة عظيمة وأن توجّه لنا رسالة بهذه الطريقة فهي لا تتكلّم من فراغ، والجميع يستبشر الخير بوجود القوّات التركية في المنطقة”.

“الجولاني” يزيد الطين بلّة

في خضم هذه المعطيات والتطوّرات المتسارعة التي تعيشها إدلب، خرج زعيم تنظيم هيئة تحرير الشام “النصرة سابقاً” بكلمة مرئية في ثاني أيام عيد الأضحى، وبدأ حديثه عن التجهيزات التي تقوم بها الهيئة مع الفصائل في رصّ الصفوف وتحصين الجبهات، وفق وصفه.

وعن التطمينات التركية، حذر الجولاني من الاعتماد عليها، قائلاً: “على أهلنا أن يدركوا أن نقاط المراقبة في الشمال لا يمكن الاعتماد عليها في مواجهة العدو ولا تغرنكم وعود هنا أو تصريحات هناك، فالمواقف السياسية قد تتغير بين التو واللحظة. وتعليقاً على كلمة “الجولاني” تحدّث “درج” مع المهندس المعماري هادي الحداد، والذي يقطن في مدينة إدلب، واصفاً مواقف الجولاني بأنها “جاءت في الوقت الضائع فبعد أيام من حصول الأهالي على التطمينات، خرج ليقول إنها تطمينات واهية، ببساطة ما فعله الجولاني هو صب الزيت على النار، فبدلاً من طمأنة الأهالي إلى أن الفصائل العسكرية جاهزة لصد النظام، يعود ويسعر نار الخوف في قلوب الناس”.

ركود في الحركة التجارية

إضافة إلى حركات النزوح التي لا تزال خجولة نوعاً ما في إدلب، تشهد المحافظة ركوداً عاماً في الحركة التجارية في أسواقها. يقول تيسير العبد لله الذي يملك متجراً لبيع الأدوات المنزلية في بلدة معرة مصرين شمال إدلب، إن الحركة التجارية تكاد تكون معدومة، على رغم الاكتظاظ السكاني في المنطقة، مبرّراً ذلك في التخوف الكبير الذي يعيشه الأهالي، “الجميع يعيشون على مبدأ تأجيل الأمور غير الضرورية، مكتفين بشراء الخبز والقليل من الخضار ليوم واحد، من دون إحضار أي شيء للغد، فلا أحد يعلم ما قد يحصل في أي وقت والحرب على الأبواب”.

اتفاق كفريا والفوعة خطوة في عكس التوقّعات

على رغم الحديث الدائم عن المعركة المرتقبة في إدلب، عقدت هيئة تحرير الشام اتفاقاً مع القوات الإيرانية المتواجدة في سوريا، قضى بإخراج أهالي ومقاتلي بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين بمحاذاة مدينة إدلب، مقابل إخراج النظام 1500 معتقل من سجونه، وقد تم الاتفاق في منتصف شهر تموز/ يوليو الفائت، في خطوة لم يتم تفسيرها إلى الآن، فكيف لقوّات الأسد التي تنوي اجتياح إدلب بعد أيام أن تخلي بلدتين لمصلحة المعارضة؛ فأي رؤية عسكرية بسيطة ترى أن وجود البلدتين هما الدافع والمسوّغ الوحيد لقوّات النظام لاقتحام إدلب، فكيف تفوّت هذه الفرصة؟

تخبّط لدى الجميع “نهرب أم نبقى”

لم تعش المحافظة هذه الحال طيلة سنوات الحرب، إذ كانت الأمور في السابق واضحة نوعاً ما، فالطائرات الحربية هي التي تدل على المنطقة التي يجب أن ينزح أهلها، بينما اليوم تدور في رأس الجميع دوامة تكاد لا تنتهي بين الهرب والبقاء. ببساطة الحرب النفسية التي يقوم بها النظام هي الأشد والتأثير الكبير داخل مخيلة الجميع أصبح واضحاً، لا مفر من الموت أو القبول به، فدرعا والغوطة وحمص ليست بعيدة، ربما هو يعمل بمقولة “لو صبر القاتل على المقتول لمات وحده”.

يقطن في محافظة إدلب قرابة 3 ملايين نسمة، نصفهم من أهالي المناطق التي تم تهجيرها من وسط سوريا وجنوبها، وفي حال حدوث مواجهة عسكرية سيتعرّض الجميع للخطر وسيؤدّي الأمر إلى كارثة إنسانية، ربما ستكون الأكبر في الحرب السورية.

إقرأ أيضاً:
المعابر بين مناطق النظام والمعارضة في إدلب: “تكاليف التهريب الباهظة وعلى عينك يا تاجر”
“اللثام” وراء كل العمليات الإرهابية في إدلب بيانات تأمر بمنعه… إنما من دون تطبيق
إدلب من جحيم النظام إلى جحيم الإسلاميين
مسؤوليّة روسيا في إدلب