fbpx

الهدنة في غزة… هل ينجو النازحون من “الموت البطيء”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تتوقف الحياة في قطاع غزّة على رغم الانتظار والألم، وإعلانات إسرائيل المستمرة بأن الحرب لم تتوقف، وبأن الهدنة مؤقتة، إذ يبحث الغزيّون عن سبل البقاء على قيد الحياة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

طويلةٌ هي الأيام حين ننتظر أملاً بعيداً. في اليوم السادس للتهدئة، والرابع والخمسين من الحرب، نربي أملاً بإعلان وقف نهائي لإطلاق النار، وعودة النازحين إلى مدنهم ومنازلهم، أو ما تبقى من منازلهم. لا تتوقف الحياة في قطاع غزّة على رغم الانتظار والألم، وإعلانات إسرائيل المستمرة بأن الحرب لم تتوقف، وبأن الهدنة مؤقتة، إذ يبحث الغزيّون عن سبل البقاء على قيد الحياة.  

تضرّر منزل جارنا الذي يسكن مقابلنا بصورة متوسطة، لأن الطائرات الإسرائيلية استهدفت منزل جاره، وبدأ قبل يومين بإعادة إعمار منزله وإغلاق  الفتحات التي خلّفتها القذائف  في الجدران.

التقيت قبل يومين، جارنا إيهاب الذي يعمل في الدهان، وأخبرني أنه أنهى ترميم منزل صديقه الذي تعرض للقصف وأتمّ طلاءه. شاهدت أيضاً حين كنت في جولة مع صديقي في حي الجنينة في رفح، عمالاً بدأوا بصب سطح من الإسمنت فوق الدور الأول لمنزل أحد السكان.

سمعت أيضاً أكثر من قصة عن نفاد صبر الفلسطينيين في بعض مناطق الجنوب، ورغبتهم في العودة لترميم منازلهم التي تضررت بفعل القصف الإسرائيلي. 

صديق الطفولة حراً

أفرج الجيش الإسرائيلي في اليوم الخامس للهدنة، عن أبو محمد، رجل ستيني، وجاري  في النزوح نحو حي الجنينة في رفح. اعتُقل أبو محمد لمدة أسبوعين أثناء عمله في مدينة رهط داخل الخط الأخضر (إسرائيل).

أبو محمد زميلي في المدرسة الابتدائية في رفح، وأخبرني أنه نُقل من مدينة رهط إلى معسكر للجيش الإسرائيلي في مدينة القدس، كان معه المئات من المعتقلين غالبيتهم من العمال الذين لم يتمكنوا من العودة الى غزة.

قال لي أبو محمد إنه بمجرد وصوله إلى مبنى السجن وهو معصوب العينين ومقيد اليدين والقدمين، وُضع في إحدى الغرف. استدُعي لاحقاً  للتحقيق في ساعات الصباح وهو مقيدٌ ومعصوب العينين.

نُقل أبو محمد بعد انتهاء التحقيق إلى ساحة خارجية  ليعاني من البرد لساعات، وهو ما زال مقيداً ومعصوب العينين. تكررت جلسات التحقيق ثلاث مرات، وتمت بالطريقة نفسها.

أخبرني أبو محمد عن ظروف الاعتقال قائلاً إن التجربة كانت قاسية، ولم يتوقف الجنود عن ضرب المعتقلين. تعرض بعضهم، بخاصة الشباب، لتعذيب واختبروا معاملة عنيفة ولا إنسانية.

يقول أبو محمد إن “الغرف” كانت مُكتظّة بالمعتقلين الذين ناموا مُلتصقين ببعضهم البعض، وخُصص لكل معتقل بطانية واحدة، ولم يوفروا  لهم ملابس، كما حصل كل معتقل على ثلاث وجبات طعام، لكن الكميّة لم تكن كافية.

حُرم المعتقلون من الاتصال الخارجي، ولم يعرف ذووهم أماكن احتجازهم، ومُنع التواصل مع المؤسسات الحقوقية الإسرائيلية والفلسطينية، وكذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

فجر اليوم الخامس للتهدئة، علم المعتقلون أنه سيتم الإفراج عنهم، فعُصبت أعينهم وقُيِّدت أيديهم الى الخلف، كما قُيدت أرجل كل اثنين مع بعضهما البعض. ثلاث ساعات كان طول الرحلة من القدس  إلى معبر كرم أبو سالم التجاري، القريب من معبر رفح، وفي الباص لم يتوقف الجنود عن الاعتداء بالضرب والسب والشتم على المعتقلين. 

هل يتوقف القتل البطيء؟

أعلنت السلطة الفلسطينية أنها يوم الأربعاء (اليوم الرابع والخمسين للحرب-اليوم السادس على الهدنة) ستُصرف  50 في المئة؜ من رواتب الموظفين في الضفة والقطاع. يأتي قرار الصرف بعد شهرين من عدم حصول الموظفين على رواتبهم، وذلك بسبب رفض  إسرائيل تحويل أموال الضرائب الى موظفي السلطة في قطاع غزة.

 خلق هذا القرار نوعاً من الأمان في اليوم السادس للتهدئة، صحيح أن البضائع والسلع شبه معدومة، لكنّ هناك نوعاً من الاطمئنان الداخلي في الحصول على الراتب، الذي يساعد في شراء ما تبقّى من مقومات للحياة في القطاع.

استمرار الهدنة  غذّى الأمل بتمديدها فترة أطول للوصول إلى وقف كامل لإطلاق النار، إذ توقف القتل بالصواريخ، لكن القتل البطيء ما زال مستمراً،  والركض للبحث عن الحاجات الأساسية للبقاء على قيد الحياة “رياضة” لم يتوقف الغزيون عن ممارستها طوال أيام الحرب.

 يتوقف العقل عن التفكير أحياناً، مشككاً في قدرة الناس على البقاء والصمود، إذ ما زال القطاع يعيش أزمة إنسانيّة. طوابير الانتظار  طويلة والازدحام  في كل مكان، خصوصاً أمام مراكز “أونروا” لاستلام الطحين الذي أصبح عملة نادرة ينشغل الجميع بالبحث عنها، إذ وصل سعر الـ 25 كيلوغراماً من الطحين في بعض الحالات إلى  100 دولار. 

اصطفّ الناس أيضاً طوابير أمام محطات الوقود بعد إدخال كميات محدودة (150 ألف ليتر في كل يوم من أيام الهدنة، وصهريجان من غاز الطهي) للتزود بغار الطهي والسولار والبنزين (وصل سعر الليتر 60 شيكلاً). 

انتشرت الطوابير في الشوارع أمام الصرافات الآلية في البنوك ومكاتب شركات الاتصالات، وعلى رغم الأسعار المرتفعة ازدحمت الأسواق لشراء ما تبقى من سلع أو ملابس شتوية.

حال مراكز الإيواء كارثية، ازدحام وبؤس وقلة مساعدات غذائية، كما تجمعت مياه الصرف الصحي أمام أبواب عدد من المراكز، وساعدت الأمطار في جريانها في الشوارع، ما يخلق بيئة مناسبة لانتشار الأوبئة، ناهيك بالرائحة الكريهة التي تعم أرجاء بعض المراكز.

عدنان أبو حسنة، المستشار الإعلامي لـ “أونروا”، صرّح بأن المساعدات التي دخلت القطاع حتى الآن غير كافية، ويحتاج القطاع إلى 200 شاحنة يومياً لمدة شهرين لتحسين الوضع الإنساني، كما يجب إدخال 120 ألف ليتر من الوقود يومياً حتى تعود الخدمات الأساسية في القطاع إلى العمل.

هناك تسارع في تداول أخبار الهدنة وتمديدها، وقرب التوصّل الى صفقة تبادل الأسرى ووقف نهائي لإطلاق  النار. النقاش والجدل في إسرائيل محتدمان حول ذلك، لكن من الواضح أن التوجه العام هو إنهاء الحرب، والبحث في ما بعدها، في حين ينتظر الفلسطينيون النتائج، لكن مهما كانت، ما يهمهم هو  وقف الحرب، الأمل الذي يتسلّح الفلسطينيون به كي يستمروا في الحياة.

30.11.2023
زمن القراءة: 4 minutes

لا تتوقف الحياة في قطاع غزّة على رغم الانتظار والألم، وإعلانات إسرائيل المستمرة بأن الحرب لم تتوقف، وبأن الهدنة مؤقتة، إذ يبحث الغزيّون عن سبل البقاء على قيد الحياة.


طويلةٌ هي الأيام حين ننتظر أملاً بعيداً. في اليوم السادس للتهدئة، والرابع والخمسين من الحرب، نربي أملاً بإعلان وقف نهائي لإطلاق النار، وعودة النازحين إلى مدنهم ومنازلهم، أو ما تبقى من منازلهم. لا تتوقف الحياة في قطاع غزّة على رغم الانتظار والألم، وإعلانات إسرائيل المستمرة بأن الحرب لم تتوقف، وبأن الهدنة مؤقتة، إذ يبحث الغزيّون عن سبل البقاء على قيد الحياة.  

تضرّر منزل جارنا الذي يسكن مقابلنا بصورة متوسطة، لأن الطائرات الإسرائيلية استهدفت منزل جاره، وبدأ قبل يومين بإعادة إعمار منزله وإغلاق  الفتحات التي خلّفتها القذائف  في الجدران.

التقيت قبل يومين، جارنا إيهاب الذي يعمل في الدهان، وأخبرني أنه أنهى ترميم منزل صديقه الذي تعرض للقصف وأتمّ طلاءه. شاهدت أيضاً حين كنت في جولة مع صديقي في حي الجنينة في رفح، عمالاً بدأوا بصب سطح من الإسمنت فوق الدور الأول لمنزل أحد السكان.

سمعت أيضاً أكثر من قصة عن نفاد صبر الفلسطينيين في بعض مناطق الجنوب، ورغبتهم في العودة لترميم منازلهم التي تضررت بفعل القصف الإسرائيلي. 

صديق الطفولة حراً

أفرج الجيش الإسرائيلي في اليوم الخامس للهدنة، عن أبو محمد، رجل ستيني، وجاري  في النزوح نحو حي الجنينة في رفح. اعتُقل أبو محمد لمدة أسبوعين أثناء عمله في مدينة رهط داخل الخط الأخضر (إسرائيل).

أبو محمد زميلي في المدرسة الابتدائية في رفح، وأخبرني أنه نُقل من مدينة رهط إلى معسكر للجيش الإسرائيلي في مدينة القدس، كان معه المئات من المعتقلين غالبيتهم من العمال الذين لم يتمكنوا من العودة الى غزة.

قال لي أبو محمد إنه بمجرد وصوله إلى مبنى السجن وهو معصوب العينين ومقيد اليدين والقدمين، وُضع في إحدى الغرف. استدُعي لاحقاً  للتحقيق في ساعات الصباح وهو مقيدٌ ومعصوب العينين.

نُقل أبو محمد بعد انتهاء التحقيق إلى ساحة خارجية  ليعاني من البرد لساعات، وهو ما زال مقيداً ومعصوب العينين. تكررت جلسات التحقيق ثلاث مرات، وتمت بالطريقة نفسها.

أخبرني أبو محمد عن ظروف الاعتقال قائلاً إن التجربة كانت قاسية، ولم يتوقف الجنود عن ضرب المعتقلين. تعرض بعضهم، بخاصة الشباب، لتعذيب واختبروا معاملة عنيفة ولا إنسانية.

يقول أبو محمد إن “الغرف” كانت مُكتظّة بالمعتقلين الذين ناموا مُلتصقين ببعضهم البعض، وخُصص لكل معتقل بطانية واحدة، ولم يوفروا  لهم ملابس، كما حصل كل معتقل على ثلاث وجبات طعام، لكن الكميّة لم تكن كافية.

حُرم المعتقلون من الاتصال الخارجي، ولم يعرف ذووهم أماكن احتجازهم، ومُنع التواصل مع المؤسسات الحقوقية الإسرائيلية والفلسطينية، وكذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

فجر اليوم الخامس للتهدئة، علم المعتقلون أنه سيتم الإفراج عنهم، فعُصبت أعينهم وقُيِّدت أيديهم الى الخلف، كما قُيدت أرجل كل اثنين مع بعضهما البعض. ثلاث ساعات كان طول الرحلة من القدس  إلى معبر كرم أبو سالم التجاري، القريب من معبر رفح، وفي الباص لم يتوقف الجنود عن الاعتداء بالضرب والسب والشتم على المعتقلين. 

هل يتوقف القتل البطيء؟

أعلنت السلطة الفلسطينية أنها يوم الأربعاء (اليوم الرابع والخمسين للحرب-اليوم السادس على الهدنة) ستُصرف  50 في المئة؜ من رواتب الموظفين في الضفة والقطاع. يأتي قرار الصرف بعد شهرين من عدم حصول الموظفين على رواتبهم، وذلك بسبب رفض  إسرائيل تحويل أموال الضرائب الى موظفي السلطة في قطاع غزة.

 خلق هذا القرار نوعاً من الأمان في اليوم السادس للتهدئة، صحيح أن البضائع والسلع شبه معدومة، لكنّ هناك نوعاً من الاطمئنان الداخلي في الحصول على الراتب، الذي يساعد في شراء ما تبقّى من مقومات للحياة في القطاع.

استمرار الهدنة  غذّى الأمل بتمديدها فترة أطول للوصول إلى وقف كامل لإطلاق النار، إذ توقف القتل بالصواريخ، لكن القتل البطيء ما زال مستمراً،  والركض للبحث عن الحاجات الأساسية للبقاء على قيد الحياة “رياضة” لم يتوقف الغزيون عن ممارستها طوال أيام الحرب.

 يتوقف العقل عن التفكير أحياناً، مشككاً في قدرة الناس على البقاء والصمود، إذ ما زال القطاع يعيش أزمة إنسانيّة. طوابير الانتظار  طويلة والازدحام  في كل مكان، خصوصاً أمام مراكز “أونروا” لاستلام الطحين الذي أصبح عملة نادرة ينشغل الجميع بالبحث عنها، إذ وصل سعر الـ 25 كيلوغراماً من الطحين في بعض الحالات إلى  100 دولار. 

اصطفّ الناس أيضاً طوابير أمام محطات الوقود بعد إدخال كميات محدودة (150 ألف ليتر في كل يوم من أيام الهدنة، وصهريجان من غاز الطهي) للتزود بغار الطهي والسولار والبنزين (وصل سعر الليتر 60 شيكلاً). 

انتشرت الطوابير في الشوارع أمام الصرافات الآلية في البنوك ومكاتب شركات الاتصالات، وعلى رغم الأسعار المرتفعة ازدحمت الأسواق لشراء ما تبقى من سلع أو ملابس شتوية.

حال مراكز الإيواء كارثية، ازدحام وبؤس وقلة مساعدات غذائية، كما تجمعت مياه الصرف الصحي أمام أبواب عدد من المراكز، وساعدت الأمطار في جريانها في الشوارع، ما يخلق بيئة مناسبة لانتشار الأوبئة، ناهيك بالرائحة الكريهة التي تعم أرجاء بعض المراكز.

عدنان أبو حسنة، المستشار الإعلامي لـ “أونروا”، صرّح بأن المساعدات التي دخلت القطاع حتى الآن غير كافية، ويحتاج القطاع إلى 200 شاحنة يومياً لمدة شهرين لتحسين الوضع الإنساني، كما يجب إدخال 120 ألف ليتر من الوقود يومياً حتى تعود الخدمات الأساسية في القطاع إلى العمل.

هناك تسارع في تداول أخبار الهدنة وتمديدها، وقرب التوصّل الى صفقة تبادل الأسرى ووقف نهائي لإطلاق  النار. النقاش والجدل في إسرائيل محتدمان حول ذلك، لكن من الواضح أن التوجه العام هو إنهاء الحرب، والبحث في ما بعدها، في حين ينتظر الفلسطينيون النتائج، لكن مهما كانت، ما يهمهم هو  وقف الحرب، الأمل الذي يتسلّح الفلسطينيون به كي يستمروا في الحياة.