في بلد مهدد بالمجاعة أثرت الأطراف المتحاربة في اليمن سلباً في الحصول على الإمدادات الغذائية الكافية من خلال الانخراط في غسيل الأموال والفساد والتربح غير المشروع، وفقاً لتقرير أصدره مراقبو لجنة العقوبات المستقلون التابعون للأمم المتحدة.
في التقرير الذي نشر راهناً، بعدما استعرضه مجلس الأمن الدولي، أظهرت لجنة الخبراء كيف استغل الأطراف وديعة سعودية بقيمة ملياري دولار إضافة إلى إيرادات الدولة وتقلبات سعر صرف العملات الأجنبية للتربح غير المشروع لمصلحة أمراء الحرب وحملاتهم العسكرية.
كما اتُهمت حكومة عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً والحوثيون المدعومين من إيران، والذين استولوا على العاصمة صنعاء في الشمال في نهاية عام 2014، بـ”استمرار وانتشار” انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك الهجمات العشوائية ضد المدنيين والإخفاء القسري والتعذيب.
“تتصدر الطفيليات التي تتغذى على الفساد الساحة في اليمن اليوم، والشعب اليمني يدفع ثمن هذه الانتهاكات من قبل الحوثيين والحكومة الشرعية على حد سواء”.
وتحدث المراقبون عن أدلة متزايدة تظهر كيف أن “الكيانات” و”الأفراد” في إيران يرسلون أسلحة إلى الحوثيين في انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، الأمر الذي تنفيه طهران.
وجد التقرير أن الوديعة السعودية لدى البنك المركزي التي تم إقرارها في كانون الثاني/ يناير 2018، في إطار برنامج للتنمية وإعادة الإعمار، تعرضت لسوء الاستخدام من قبل المسوؤلين المؤثرين في نظام هادي بدلاً من تمويل الائتمان لشراء سلع مثل الأرز والحليب والسكر.
بحسب التقرير، خرق البنك المركزي اليمني قواعده الخاصة بالنقد الأجنبي، وتلاعب بسوق الصرف الأجنبي و”غسل جزءاً كبيراً من الوديعة السعودية ضمن مخطط متطور لغسيل الأموال” ما أدى إلى حصول التجار على ربح غير متوقع بقيمة 423 مليون دولار.
“الـ423 مليون دولار هي أموال عامة، تم تحويلها بشكل غير قانوني إلى شركات خاصة. ولا توضح الوثائق التي قدمها البنك المركزي اليمني سبب تبنيهم لمثل هذه الاستراتيجية المدمرة”.
غير أن بياناً للبنك المركزي رفض هذه المطالبات وقال إنه يستخدم “أعلى مستوى من الشفافية، والانصياع للمعايير المصرفية الدولية، وقواعد المانحين”.
وقال البيان الذي تم إرساله إلى “مشروع تتبع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود وشركاؤه” OCCRP: “سندرس التقرير فور الإعلان عنه وسنرد عليه بأدلة ووثائق تظهر تدابير الشفافية التي يستخدمها البنك المركزي”. وأضاف: “لن نتردد في عرض النتائج التي توصلنا إليها على الرأي العام وعلى الشركاء الدوليين إذا لزم ذلك”.
وقال البيان إن لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة ربما تم تضليلها بسبب معلومات خاطئة قدمتها “أطراف معادية لليمن” تستهدف تحديداً عمل البنك خارج عدن.
ويقدر التقرير أن الحوثيين حولوا عام 2019 وحده جزءاً كبيراً من الضرائب وإيرادات الدولة التي لا تقل قيمتها عن 1.8 مليار دولار، لتمويل حملتهم العسكرية ضد الحكومة الشرعية.
ورفض متحدث باسم الحوثيين التعليق على التقرير.
إقرأوا أيضاً:
لم تتم مراجعة حسابات البنك المركزي اليمني منذ عام 2014، كما قال خبير اقتصادي مستقل لـOCCRP. ودعا اقتصاديون وخبراء آخرون في مجال حقوق الإنسان إلى تشكيل لجنة مستقلة من الخبراء لمراجعة الادعاءات وتدقيق حسابات كل من ميزانية البنك المركزي والوديعة السعودية بدلاً من ترك الأمر للحكومة.
وقال أحد الاقتصاديين الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لـOCCRP: “لا يمكن أن يكون الطرف المتهم هو نفسه من يقوم بإجراء تحقيق في ما تم اتهامه به. وهذا انتهاك لكل قاعدة في قاموس الحوكمة الرشيدة والشفافية”.
علماً أن أكثر من 233 ألف يمني قتلوا منذ بدء الحرب، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة. وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حذر في تشرين الثاني/ نوفمبر من أن اليمن يواجه “خطراً وشيكاً من أسوأ مجاعة يشهدها العالم منذ عقود”، وأن “ملايين الأرواح قد تُزهق”.
وقال كثر من الديبلوماسيين الأوروبيين الذين يركزون على اليمن لـOCCRP إنهم وجدوا أن نتائج التقرير “مزعجة” ويمكن أن تؤثر في صدقية الفصائل المتحاربة والبنك المركزي.
وقد أثارت هذه المعلومات جدلاً بين الاقتصاديين والنشطاء.
وقال مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن، لـOCCRP، إن “التقرير تضمن معلومات خطيرة جداً ستؤثر سلباً في الاقتصاد اليمني بخاصة أن اليمن يعاني من ندرة التحويلات بالعملة الصعبة، ويستورد معظم احتياجاته من الخارج. إن فقدان الثقة في المؤسسات اليمنية، وبخاصة المالية منها، سيؤدي إلى صعوبات مالية، ويفرض المزيد من القيود على اليمن”.
يقدر التقرير أن الحوثيين حولوا عام 2019 وحده جزءاً كبيراً من الضرائب وإيرادات الدولة التي لا تقل قيمتها عن 1.8 مليار دولار، لتمويل حملتهم العسكرية ضد الحكومة الشرعية.
وانتقد عبد المعز دبوان، وهو نائب يمني فر إلى القاهرة هرباً من حكم الإعدام الصادر ضده من قبل الحوثيين بعد عام 2015، طرفي النزاع. وقال لـOCCRP: “تتصدر الطفيليات التي تتغذى على الفساد الساحة في اليمن اليوم، والشعب اليمني يدفع ثمن هذه الانتهاكات من قبل الحوثيين والحكومة الشرعية على حد سواء”.
وفي منشور على “فايسبوك”، قال رشيد الأنسي، المستشار السابق لحافظ معياد، محافظ البنك المركزي اليمني السابق، “إذا لم يتحرك القضاء اليمني، سنتحرك دولياً” مستخدمين التقرير كمرجعية. وقال إنه “تم إبلاغ النيابة العامة في عدن عن هذه الجرائم قبل عام ونصف العام تقريباً”، ولكن لم يتم فعل أي شيء.
ورفضت حكومة هادي المدعومة من السعودية التعليق. لكن مصدراً مقرباً من الرئيس قال لـOCCRP إن مجلس الشورى اليمني (الهيئة الاستشارية) قد يُطلب منه التحقيق في التقرير.
وذكر التقرير أن جائحة “كورونا” أثرت في قدرة لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة على السفر والتحقيق، ما أثر سلباً أيضاً في إجراءات صوغ التقرير.
أشرف على هذا التقرير “مشروع تتبع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود” وساهم فيه أصيل صريح من اليمن، وينشر في “درج” بالتزامن مع occrp.org
إقرأوا أيضاً: