عقد في الأردن الشهر الماضي مؤتمر لناشطات وحقوقيات يمنيات في محاولة لخلق مساحة حوار بين الأطراف المختلفة في اليمن.لكن المؤتمر جوبه بحرب إعلامية من قبل أطراف النزاع التي تقوم مصالحها على استمرار الصراع، والمزيد من الاستثمار بجثث الضحايا واقتصاد الحرب.
كانت صورة النساء لافتة، إنه تجمع يزيد عن مئة امرأة قدمن من مختلف المحافظات ومن دول العالم، تجمع أصاب المنتفعين من الحرب بالهستيريا، فأغلقوا الملفات وفتحوا سيرة النساء، لم يتحدثوا عن وباء الكوليرا ولا عن مضمون مؤتمر وسيطات السلام، لم تهمهم انتهاكات الحوثي ولا فساد الشرعية، ولم يكترثوا لضحايا الانفلات الأمني، ولا ناقشوا أزمة الرواتب أو التلاعب بالعملة وانهيار الريال وغلاء الأسعار واختفاء المشتقات النفطية من الأسواق، بل تفرغوا للنساء وذهب بهم الأمر إلى المطالبة بتقارير عما فعلته النساء في السابق، وما قدمنه كي يذهبن إلى مؤتمر بحجم هذا.
مؤتمرات كثيرة تعقد لمناقشة وضع اليمن، ويحضرها رجال من دون أن يسألوا أنفسهم عن ميزانية مؤتمراتهم، أو مصادر تمويلها، ومن دون أن تتعرض هذه المؤتمرات لهجوم نشطاء طرفي الصراع الذين يتباهون ويفخرون عندما يتصافح طرفي الصراع، ويلتقطون صورة تذكارية بهذه المناسبة، فيتم الاحتفاء بهذا التقارب وبهذا اللقاء الذي يحضره سفراء الدول الراعية ومسؤولوها، ولكنهم هنا يجرمون المرأة ويتفقون من أجل إقصاء النساء عن العملية السياسية وبناء السلام.
تمّ شنّ حملة تخوين وتشهير طاولت المشاركات في مؤتمر المرأة اليمنية “وسيطات السلام”، أطلقها وزير الشباب في حكومة الحوثيين بصنعاء حسن زيد، في صفحته على “فيسبوك”، وقال إن المؤتمر “خيانة لدم الشهداء”، داعياً النساء إلى الانسحاب من الجلسات الخاصة بالمؤتمر تحت مبرر حضور ممثل للسفارة السعودية. حسن زيد نفسه أكد قبل هذا أن الحوار يجب أن يكون مباشرة مع السعودية، وليس مع الطرف اليمني، لكنه استكثر على النساء قيامهن بخطوة جادة نحو السلام وتقريب وجهات النظر.
وذهبت قناة “بلقيس” – التي تبث من تركيا وتملكها الناشطة توكل كرمان المقربة من الإخوان المسلمين – للحديث عن فشل مهمة المبعوث الدولي كلياً وتعمدت فتح الملف بالتزامن مع المؤتمر الخاص بالمرأة، وربطت تنصل الأطراف من الوفاء بالتزاماتهم في هذا المؤتمر النسوي، الأمر الذي يراد منه خلق قطيعة بين المبعوث والمرأة والذهاب نحو تهميش أجندة النساء ودورهن وما ينظمنه من فعاليات.
ربما تعد قناة “بلقيس” أكثر مهنية مقارنة بالقنوات اليمنية دون أن تصل الى حد الموضوعية، لكنها تعثرت هذه المرة وعملت مع حسن زيد على تحريض قطاع كبير من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروا اجتماع النساء والحديث عن السلام شيئاً من الترف.
ماذا تعني تلك الهجمة ضد تقارب نسوي حقوقي؟
ببساطة، هذه الهجمة تعني أن الحراك والنقاش النسوي عن السلام وسبل التقارب كان مرعباً للأطراف المتحاربة، التي لا تريد طريقاً للحل ولا بوادر للسلام. إنها الجهات التي تتاجر بأوجاعنا، أعني أطراف الصراع التي تريد للحرب الاستمرار تحت مبرر أن السلام خيانة للشهداء. هذا تماماً ما جعل نشطاء من جماعة أنصار الله “الحوثيين” ومن الإخوان المسلمين “حزب التجمع اليمني للإصلاح” ومن المحسوبين على الشرعية في الرياض، يهاجمون نساء المؤتمر.
امتد الهجوم ليطاول مديرة مكتب الأمم المتحدة للمرأة والمبعوث الخاص لليمن، لحث الأخير على اتخاذ موقف يمانع أو لا يهتم بأي عمل نسوي مقبل.
حتى اللحظة، ما زال الحديث عن السلام في اليمن حديثاً نسوياً أكثر من كونه حديثاً عاماً، وتقود النساء مبادرات من أجل السلام، وتبدو نساء الداخل اليمني أكثر إلحاحاً في المطالبة به، ولعل الأمر مرتبط بما تعانيه المرأة في ظل الحرب التي أنهكتها وأفقدتها قدرتها على التحمل.
الأصوات النسائية التي تتحدث عن السلام كثيرة، وعلى امتداد المناطق اليمنية، لكنها ليست أقوى من صوت البَندَقية التي استأثرت وأصبحت هي الصوت العالي، ومع ذلك لا تستسلم المرأة وتحاول أن تقول “نريد السلام، لا للحرب والاقتتال، ولا بد من وقف إطلاق النار”.
في الأردن التقت نساء من مختلف الفئات، في مؤتمر المرأة اليمنية كوسيطات للسلام والتماسك الاجتماعي. هذا المؤتمر أراد أن يكون للمرأة صوت مسموع بحضور نساء من الأطراف اليمنية المتحاربة، والتكتلات النسائية والمبادرات التي تعمل في الميدان، بمشاركة الخبرات والكفاءات وصاحبات التجارب الناجحة والرائدات في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والمدنية، وحضرت أيضاً شابات من الميدان وعاملات على الأرض مع الضحايا في مختلف المحافظات.
تجارب كثيرة عُرضت وطرحت مقترحات وأفكار من قبل 9 مكونات مشاركة، أهمها التوافق النسوي اليمني للأمن والسلام، والتضامن النسوي، وتناولت الحاضرات مختلف القضايا. لم يكن هناك توجيه للحديث، بل ترك المايكروفون للنساء لطرح ما لديهن، من دون تحفظ. وحضر المبعوث الخاص لليمن مارتن غريفيث افتتاح المؤتمر وجزءاً من جلسات اليوم الأول، التي تطرقت إلى أهمية مشاركة النساء والضغط من أجل السلام وفتح المنافذ الجوية والمعابر الإنسانية، والرواتب وتحييد المدنيين، وغيرها من القضايا.
غير أن منتقدي الحديث النسائي تركوا القضايا كلها، وتحدثوا عن الأموال التي تغطي المؤتمر، وكأنها أموال يمكن أن تنقذ البلد من المجاعة، فقط عندما كان المؤتمر يخص المرأة انتقدوه، فيما أعفيت المؤتمرات الأخرى ومخصصاتها المالية، من أي انتقاد.
الهجوم الذي دفعته مبررات كثيرة، كان أهمها اعتراض البعض على حضور ممثلين عن دول مثل إيران أو السعودية أو الإمارات أو غيرها من الدول، التي تتدخل بشكل أو بآخر في اليمن. فات المعترضين أن هذا مؤتمر للسلام، والحديث عن السلام لا يكون على طاولة الحلفاء، بل مع الأطراف المتقاتلة والخصوم أيضاً.
كيف سيكون سلام من دون أن يشارك فيه الجميع، من الدول المتنازعة على أرض اليمن إلى الدول الراعية، والهيئات الأممية؟
حضرت حليمة جحاف القيادية في جماعة “أنصار الله” الحوثيين عبر الهاتف في مداخلة لها، وسمعت جزءاً من النقاش الذي دار في القاعة، كما حضر كل من ياسر الرعيني ونهال العولقي، وهما وزيران في الحكومة المعترف بها دولياً، تحدثا، كلٌّ عن وجهة نظر الطرف الذي يمثله، وسُمعت وجهات نظر نساء الميدان ونساء السلام، فكان المؤتمر مساحة للتعبير والنقاش.
نساء أيضاً لم تتم دعوتهن للمؤتمر، كان لهن اعتراض واعتبرن أن نجاح المؤتمر مرهون بحضورهن، والبعض الآخر أراد زج قضايا أخرى في النقاش، لم تكن في أجندة المؤتمر الذي استمر 3 أيام.
الناشطة هدى العطاس اعترضت على المؤتمر في بيان نشر في المواقع الإعلامية، قالت فيه إن المؤتمر همش النساء الجنوبيات. إنما في الواقع، كان تمثيل الجنوب من حيث عدد الحاضرات أكثر من الشمال، ولم تكن مشاركتهن عادية، بل حضرن على المنصة في كل الجلسات.
وبطبيعة الحال، لا يعني غياب شخص معين أن ثمة غياباً للجنوب، الذي شارك بفعالية في المؤتمر وبنساء قديرات تترأسهن رضية شمشير، ولا نستطيع التقليل من شأن هذا الحضور أو نعتبره ضعيفاً، وهو الأمر الذي تحدثت عنه الناشطة وميض شاكر في معرض ردّها على ما ورد في بيان تهميش نساء الجنوب، حيث قالت: “هنا أريد أن أوضح نقطة، أن المؤتمر نظمته هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وهي هيئة معنية بدعم المكونات النسائية الفاعلة في السلام، التي تلعب دور تقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع الرئيسيين، وفي الوقت ذاته، تدعم قرارات الأمم المتحدة ومرجعيات التفاوض الثلاث. لذا من الصعب دعوة أي مكون لا يندرج تحت هذه المعايير. ربما في مناسبة مختلفة أو وقت لاحق كمرحلة الحوار السياسي وليس التفاوض سيكون ذلك بل حتماً، وهن من سيقدُن تلك المرحلة”.
وتواصل وميض: “وعليه، فإن المكونات السياسية سواء كانت نسائية أو شبابية أو غيرها، يجب ألا تُحرم من المشاركة، ولهذا وجد مسار الوساطة الثاني بقيادة الاتحاد الأوروبي، وجزء كبير من عمله يسهله علي حسن عبر مؤسسة برجهوف، وهناك مؤسسات أخرى دولية ووطنية تفعل الشيء نفسه بدعم من الاتحاد الأوروبي والمانحين الآخرين. كما ييسر عمله مكتب المبعوث عبر مستشاريه في السياسة والأمن، لكن هيئة الأمم المتحدة للمرأة تصب تركيزها على تمكين النساء الداعمات للأجندة “الرسمية” للمفاوضات، وعندما نقول رسمية أي الوساطة مع طرفي الصراع الرئيسيين، العمل وفق منهجية مكتب المبعوث وقرارات مجلس الأمن، ومرجعيات المفاوضات الثلاث”.
من يرصد الحركة المدنية أو النشاط العام في اليمن، سيجد أن كل التكتلات والحركات والمبادرات التي تعمل من أجل السلام هي نسائية في الأغلب، وانطلقت في وقت مبكر جداً من الحرب، وكان أول حضور لها في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، السنة الأولى للحرب التى تدخل اليوم عامها الخامس.
وفي لحظة حقيقية على هامش المؤتمر، وقفت النساء لإنشاد أغنية وطنية في استراحة بعض الجلسات، “بلادي أحييك فلتسلمي وما عشت يا أمي لن تظلمي”، الأمر الذي انتقد بشدة وأصبح مقطع الفيديو متداولاً وكأن ما فعلته النساء عار. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تطرقت انتقادات أخرى إلى لباس النساء والتشكيك بحشمتهن، والتعبئة ضدهن، وكأن هناك من عينوا أنفسهم حراساً للفضيلة، وأوصياء على حركة النساء وتحركاتهن ولباسهن وكل ما يصدر عنهن.