انطلقت الحملات الدعائية للمرشحين للانتخابات التشريعية الإيرانية وانتخابات مجلس خبراء القيادة أيضا، المقرر إجراؤها في 21 شباط/فبراير، على أن يدخل المرشحون في الصمت الانتخابي، قبل 24 ساعة من موعد فتح صناديق الاقتراع.

تحمل دورة الانتخابات التشريعية المرتقبة، الرقم 11، وسيكون المجلس الحادي عشر للثورة، كما يسمونه، مجلساً من لون واحد، أغلبية محافظة ساحقة وأقلية هزيلة، مشكلة مما تبقى من وجوه معارضة، بعد أن رد مجلس صيانة الدستور، وهو الجهة المخولة بقبول طلبات الترشيح، وفق معايير (سياسية) غير ثابتة، نحو 56 % من طلبات الترشيح، بمعظمها إصلاحية، وشملت 90 نائباً حالياً، ثمانية منهم في طهران.
وكانت لجنة الإشراف على الانتخابات التشريعية، قد أعلنت، أسماء المرشحين الذين وافق المجلس المذكور على ترشحهم، وعددهم 7148 مرشحاً، من أصل 16145، وسيتنافسون على الفوز ب 290 مقعداً نيابياً.
ومن أبرز المرشحين، الذين حرموا من التأهل للسباق الانتخابي، النائب الإصلاحي المشاغب علي مطهري، وهو نجل المفكر الإسلامي مرتضى مطهري، وتربطه علاقة مصاهرة برئيس مجلس النواب الحالي علي لاريجاني، مستشارة الرئيس حسن روحاني لشؤون المرأة شهيندخت مولاوردي، بسبب مواقفها التحررية في ما يتعلق بالنساء، والناطقة باسم “جناح الأمل” الإصلاحي في البرلمان فاطمة سعيدي، بسبب انتقادها الميزانيات المدفوعة على الحروب (اليمن وسوريا)، على أن نسبة المرشحين الإصلاحيين المرفوضين، قد بلغت 90%، من مجموع من تقدموا بطلباتهم، بحسب المجلس السياسي للتيار الإصلاحي، ولهذا، قد لا يتمكنون من خوض الانتخابات، إلا في دائرة طهران فقط.
من أبرز المرشحين، الذين حرموا من التأهل للسباق الانتخابي، النائب الإصلاحي المشاغب علي مطهري، وهو نجل المفكر الإسلامي مرتضى مطهري
وبذلك، ستجري الانتخابات التشريعية الإيرانية، بعد 41 عاماً على الثورة، وبعد أن كان قد وصل يوماً ما، إلى الندوة البرلمانية، ممثلون عن منظمة “مجاهدي خلق”، وأحزاب معارضة مختلفة، بدون حضور الإصلاحيين، ولا حتى المعتدلين (تيار روحاني) ولا أي طيف معارض آخر، أو بالأحرى بدون حضور وزان، حيث لن يحصلوا إلا على 7% من عدد المقاعد، في أبعد تقدير، فقد اعتبرت منظمة “مجاهدي الثورة الإسلامية” التيار المحافظ في حكم الفائز، قبل إجراء الانتخابات، بحوالي 240 مقعداً. ومنذ اللحظات الأولي، بدأ المحافظون بالاحتفال بنصرهم “المبين” على “العدو” ومعارضي دولة الثورة و”عملاء” الغرب، كما أعلنوا تسمية مرشحهم محمد باقر قاليباف لرئاسة المجلس، وهو محافظ سابق لطهران، ومن أبرز الوجوه المحافظة، وتلاحقه تهم فساد وتزوير واختلاس.
انتخابات شكلية
ويبدو أن السبب الحقيقي غير المعلن، لمصادرة الانتخابات التشريعية، هو خوف النظام من أصوات الناس، الذين ملأوا الشوارع في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ففي حال سمح النظام للإصلاحيين وغيرهم من أطياف المعارضة، بخوض الانتخابات بحرية، وترشيح شخصياتهم المؤثرة، التي تعكس نبض الشارع، لن يدخل إلى البرلمان مؤيد واحد للنظام، خصوصاً، أن أحداث تشرين الثاني/نوفمبر وما تلاها، أظهرت حجم الهوة ما بين النظام والشعب، ومدى توق الإيراني للتغيير.
ورغم أن دوائر النظام، أعلنت مراراً وتكراراً، أن رفض طلبات الترشيح، تم تطبيقا لقانون محاربة الفساد، إلا أن الإصلاحيين يؤكدون أن الرفض سياسي محض، فهناك مرشحون فاسدون ومرتشون، قاليباف على سبيل المثال، قبلت طلباتهم، وتم التغاضي عن ثرواتهم وأعمالهم غير المشروعة، بسبب انتمائهم إلى التيار المحافظ.

من ناحية أخرى، تبدو الانتخابات أيضاً، كأنها حرب على روحاني، ومحاولة جدية لإقصائه، بعد أن تجرأ في أكثر من محطة، على انتقاد سياسات النظام العسكرية والاقتصادية، وأظهر في تصريحاته حول الحريات الشخصية وحقوق المرأة، تناقضا صارخا، مع القيم الاجتماعية والدينية لولاية الفقيه.
وفي الأسبوع الماضي، دعا في خطاب، امتنع التلفزيون الرسمي عن نقله، إلى إجراء استفتاءات شعبية حول قضايا تهم الأمة الإيرانية، مثل: الملف النووي، تغيير الدستور أو تعديله، كما انتقد عدم موافقة مجلس تشخيص مصلحة النظام على قانون غسيل الأموال.
في هذا الوقت، يصر النظام على أن كل ما يشاع عن أحادية الانتخابات، أضاليل وأكاذيب، وفي هذا الشأن أكد أمين مجلس صيانة الدستور المشرف على الانتخابات أحمد جنتي أنه “على الرغم من انتشار الأضاليل، فإن الانتخابات المقبلة تنافسية تماما، كما أن ممثلي جميع الفصائل حاضرون فيها”، في حين حذر المرشد السيد علي خامنئي من انتقاد قرارات هذا المجلس، فذلك “أكبر الأخطاء”.
تبدو الانتخابات أيضاً، كأنها حرب على روحاني، ومحاولة جدية لإقصائه، بعد أن تجرأ في أكثر من محطة، على انتقاد سياسات النظام العسكرية والاقتصادية
أما صقور المعارضة الأشداء، من التشكيلات الشبابية والشعبية التي برزت بعد احتجاجات نوفمبر، فقد قرروا مقاطعة الانتخابات التشريعية ترشحاً وانتخاباً، كذلك معارضة الخارج، التي دعت إلى أكبر حصار سياسي داخلي للنظام الإيراني، إضافة إلى شخصيات معارضة معروفة مثل السجينة السياسية نرجس محمدي، التي دعت من زنزانتها، أبناء شعبها، إلى “عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع يوم 21 فبراير”.
يظهر أن أهم إنجاز حققته الثورة الإسلامية في ذكراها الـ 41، هو مجلس شعب “خانه ملت” يمثل فئة واحدة من الشعب، ويستبعد كل ما عداها، على العموم، لن يغير الفائزون بالانتخابات التشريعية ولا حتى المستبعدون، شيئا من أحوال الشعب الإيراني، ولن يخففوا من مآسيه الاقتصادية والمعيشية، ففي أنظمة الاستبداد الديني، لا تشكل الانتخابات محطة وطنية مصيرية يعول عليها، كما في الدول الحديثة، فهكذا استحقاقات لا تعدو كونها ديمقراطية شكلية لإعادة إنتاج الديكتاتورية.