fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

انتخابات بلديّة بيروت: شبه مقاطعة مسيحيّة وأزمة تمثيل في الشارع السني

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم مرور تسع سنوات على الانتخابات البلدية السابقة، لم تستطع هذه الدورة إنتاج وجوه إصلاحية تغييرية، بل أعادت تثبيت الزعامات التقليدية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تعيش بيروت اليوم أزمة سياسية واجتماعية متفاقمة، تجلّت بشكل واضح في نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة. فقد شهدت العاصمة انخفاضًا ملحوظًا في نسب المشاركة التي لم تتجاوز الـ20 في المئة لا سيما بين المسيحيين، إلى جانب بروز أزمة تمثيل داخل الشارع السني. 

فازت لائحة “بيروت بتجمعنا”، التي جمعت قوى سياسية متناقضة أبرزها “القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية” إلى جانب الثنائي الشيعي “حركة أمل” و”حزب الله”. بعد سنوات من التوترات وتبادل الاتهامات بين “حزب الله” و”القوات اللبنانية”، اجتمع الحزبان هذه المرة للفوز بالانتخابات البلدية تحت شعار المناصفة المسيحية المسلمة، تمهيدًا للانتخابات النيابية المقررة في أيار/ مايو 2026. على رغم ذلك، يبقى العامل الأبرز هو تدني نسبة الاقتراع، ما يعكس عدم رضا شريحة واسعة من الناخبين عن اللوائح المطروحة.

أزمة التمثيل السني في بيروت

لا شك في أن غياب “تيار المستقبل” بعد إعلان زعيمه سعد الحريري عزوفه عن السياسة وعن الانتخابات، أدى إلى تشرذم الأصوات السنية وتراجع التصويت. فمنذ ابتعاد رئيس الحكومة السابق عن المشهد السياسي، لم تتمكن القوى السياسية السنية من جذب الناخبين السنة الذين بقوا أسرى الشعور بالخذلان والمرارة والتمسك أكثر بالحريرية السياسية .هذا التشرذم أدى إلى عزوف ملحوظ عن المشاركة السياسية، كما ظهر في نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية.

وعلى رغم مرور تسع سنوات على الانتخابات البلدية السابقة، لم تستطع هذه الدورة إنتاج وجوه إصلاحية تغييرية، بل أعادت تثبيت الزعامات التقليدية. فقد ثبّتت “القوات اللبنانية” نفسها كزعامة مسيحية بعدما حققت نتائج ملحوظة في بيروت والبقاع والشمال، فيما حافظ الثنائي الشيعي ووليد جنبلاط على زعامتهما الشيعية والدرزية، بينما تعمقت الانقسامات داخل الشارع السني بين وجوه مختلفة أبرزها فؤاد المخزومي، قدامى تيار المستقبل، فؤاد السنيورة، الجماعة الإسلامية، والتغييريون كإبراهيم منيمنة ووضّاح الصادق، إلى جانب قوة ماكينة “الأحباش”.

يقول زياد عبد الصمد، أستاذ جامعي والمدير التنفيذي لشبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية، في مقابلة لموقع “درج”، “يعاني الشارع السني من حالة إحباط واضحة نتيجة غياب القيادة والتشتّت الحاصل. هناك حالة من عدم الرضا لدى الشارع السني تجاه المخزومي، نتيجة تحالفات وُصفت بأنها غير مبدئية، وهذا قد يدفع ثمنه في المستقبل، إلا إذا تدخلت عوامل مالية لتغيير المعادلة، بخاصة في ظل غياب تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري”. ويرى عبد الصمد أنّه يُفترض بالتغييريين أن يبلوروا خطابًا يستقطب المزاج السني ويقدّم له رؤية مقنعة ومطمئنة، ليؤكدوا أنهم قادرون على أن يكونوا البديل الجدير بثقته وخياره المستقبلي.

يرى الكاتب والأستاذ الجامعي وسام سعادة في منشور له على فيسبوك، أن تحميل الناس مسؤولية الإحباط أو الفشل في التغيير ليس واقعيًا: “إذا في أزمة تمثيل سياسي سني بالبلد ما فينا نضل نكابر عليها تحت مسميات تغيير ومدني. الاقتراع ببيروت ما بيوحي أبداً بأن بيروت مرتاحة لتمثيلها النيابي والحكومي”.

المناصفة عنوان المعركة في مقابل تجاهل القضايا الجوهرية

اعتمدت لائحة “بيروت بتجمعنا” على خطاب شدّ العصب الطائفي، مركزة على المخاوف من فقدان المناصفة، بينما تم تجاهل قضايا أساسية مثل انفجار مرفأ بيروت، الفساد في بلدية بيروت، نقص الخدمات، وتداعيات الحرب على المدينة. خرق العميد محمود الجمل اللائحة أخلّ بهذا التوازن، مضيفاً مقعدًا مسلمًا على حساب المقعد المسيحي.

يقول عبد الصمد، “هناك محاولات لتبرير ما حدث من خلال الادعاء بأنهم ‘أنقذوا المناصفة’ أولًا، وثانيًا عبر القول إن نسبة المشاركة لم تتغير مقارنة بعام 2016. في رأيي، هذه المقارنة غير دقيقة، لأن الظروف السياسية والاقتصادية التي كنا نعيشها في عام 2016 لا تُقارن إطلاقًا بما نعيشه اليوم… نحن اليوم أمام مرحلة جديدة مع حكومة إصلاحية وفي ظل تغييرات إقليمية واضحة، وكان من المفترض أن تكون هناك حوافز أكبر للناس للمشاركة، لذا فإن الادعاء بأن الأمور مشابهة لما كانت عليه في 2016 غير صائب”.

تراجع نسبة الاقتراع وأسبابها

لطالما كانت نسبة الاقتراع في انتخابات بيروت البلدية متدنّية، لكنها شهدت تراجعًا إضافيًا هذه المرة، بحسب ما يذكر إبراهيم الجوهري، باحث في الانتخابات وأستاذ جامعي، في مقابلة لـ “درج”. ذكّر الجوهري أيضًا بأنّ “لوائح الشطب ليست دقيقة بنسبة مئة بالمئة. هناك أسماء لأشخاص متوفين ما زالت مدرجة في اللوائح، وهناك الكثير من الأشخاص الذين هاجروا أو غادروا البلاد، بالإضافة إلى وجود أشخاص آخرين لا يحق لهم التصويت”، ولكن تبقى نسبة التصويت في بيروت متدنّية. 

ويشير الجوهري إلى أن نسبة المشاركة المسيحية تراجعت بنحو 60 في المئة مقارنة بالانتخابات السابقة، إذ لم يتجاوز عدد الناخبين المسيحيين هذه المرة الـ 17 ألفًا، مقابل نحو 40 ألفًا في الدورة الماضية. من اللافت أيضًا أن نسبة الاقتراع لدى السنّة شهدت أيضًا انخفاضًا ملحوظًا مقارنة بعام 2016، في حين ارتفعت نسبة التصويت لدى الشيعة، ما كان له دور أساسي في فوز لائحة “بيروت بتجمعنا”.

توضح سهى منيمنة، إحدى مرشحات “ائتلاف بيروت مدينتي”، في مقابلة لـ “درج”، أن ارتفاع نسبة الهجرة في السنوات الأخيرة وتراجع دور البلدية في تلبية احتياجات السكان، بخاصة الشباب، دفعا الكثيرين إلى مغادرة المدينة أو الانتقال إلى أطرافها، مذكّرة بأنّ المجلس البلدي السابق مُدِّدت ولايته ثلاث مرات، ما فاقم حالة الإحباط في المدينة.

يعزو الجوهري تدني نسبة الاقتراع الى أسباب عدة، أهمها أنّ جزءًا كبيرًا من سكان بيروت يقيمون فعليًا في الضواحي أو مناطق أخرى ويفضلون التصويت هناك، ما ينعكس سلبًا على أرقام المشاركة في بيروت. ويشير الجوهري إلى أنّه لطالما كانت نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية في بيروت منخفضة. إذ بلغت في الدورة السابقة نحو 21.1 في المئة، أما الآن فهي 20.1 في المئة، ولم تتجاوز الـ 26 في المئة حتى في عهد رفيق الحريري.

في هذا السياق، تقول منيمنة: “كل هذه العوامل ساهمت في تدني نسبة المشاركة في الاقتراع، ومع ذلك نؤكد دائمًا أنه بالإمكان البناء على هذا الواقع. صحيح أن نسبة الاقتراع في انتخابات 2016 كانت تقريبًا 20 في المئة، أما في الانتخابات النيابية عام 2022 فقد وصلت إلى 40 في المئة، بسبب تصويت المغتربين، بينما في البلدية فيقتصر التصويت على المقيمين. الأهم أن الانتخابات أُجريت بمعظمها على أساس طائفي، ونجحت الأحزاب التقليدية في شد العصب الطائفي قبل الانتخابات.

تضيف منيمنة، “نحن نعتز بأننا صمدنا في هذه المواجهة على رغم كل التحديات. وفي النهاية هناك من التزم باللائحة كما هي، وهذا ما يمكن أن نبني عليه مستقبلًا، إذ تقع علينا مسؤولية الاستمرار وتذكير الناس بحقوقهم التي سُلبت منهم في السنوات الأخيرة، وأن الخطاب الطائفي الذي نسمعه اليوم ليس صحيحًا، ونأمل بأن يكون المستقبل أفضل”.  

تحديات التغيير ومستقبل بيروت

يؤيّد عبد الصمد موقف النائب إبراهيم منيمنة بألا فرصة لإحداث تغيير فعلي في ظل النظام السياسي الحالي، إلا إذا تحوّل العمل إلى حالة سياسية جماعية قادرة على تحقيق خرق جدي، لأن الجهود الفردية وحدها لا تكفي. ويعتبر أن الاستعداد الجدي للانتخابات النيابية المقبلة هو الدافع الأساسي في المرحلة المقبلة، وأنّ نتائج الانتخابات البلدية يجب أن تكون حافزًا للمرحلة المقبلة.

تؤكد نتائج الانتخابات البلدية في بيروت بما فيها تدنّي نسبة الاقتراع، عمق الأزمة السياسية والاجتماعية في العاصمة، وتكشف عن تحديات كبرى في إعادة بناء الثقة بين البيروتيين ومجلسهم البلدي، وضرورة صياغة خطاب سياسي جديد يستجيب لهواجس أبناء المدينة، ويعيد الاعتبار الى التمثيل الحقيقي والعدالة الاجتماعية فيها.

مريم لطفي- صحفية إيرانيّة | 14.06.2025

عن الفجر الدامي في طهران

يقف مسعف شابّ، يحدّق ببقعة من الدماء على الأرض، في أحد أحياء طهران، يقف متعباً صامتاً بعد ساعات من عمليّات البحث والإنقاذ، ومشاهد الجثث المتفحّمة والأشلاء، يقول لي: "لم أكن أتوقّع أن يشهد جيلنا الحرب... لكنّها ها هي في ديارنا الآن، وها نحن نراها بأمّ أعيننا"
20.05.2025
زمن القراءة: 5 minutes

على رغم مرور تسع سنوات على الانتخابات البلدية السابقة، لم تستطع هذه الدورة إنتاج وجوه إصلاحية تغييرية، بل أعادت تثبيت الزعامات التقليدية.

تعيش بيروت اليوم أزمة سياسية واجتماعية متفاقمة، تجلّت بشكل واضح في نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة. فقد شهدت العاصمة انخفاضًا ملحوظًا في نسب المشاركة التي لم تتجاوز الـ20 في المئة لا سيما بين المسيحيين، إلى جانب بروز أزمة تمثيل داخل الشارع السني. 

فازت لائحة “بيروت بتجمعنا”، التي جمعت قوى سياسية متناقضة أبرزها “القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية” إلى جانب الثنائي الشيعي “حركة أمل” و”حزب الله”. بعد سنوات من التوترات وتبادل الاتهامات بين “حزب الله” و”القوات اللبنانية”، اجتمع الحزبان هذه المرة للفوز بالانتخابات البلدية تحت شعار المناصفة المسيحية المسلمة، تمهيدًا للانتخابات النيابية المقررة في أيار/ مايو 2026. على رغم ذلك، يبقى العامل الأبرز هو تدني نسبة الاقتراع، ما يعكس عدم رضا شريحة واسعة من الناخبين عن اللوائح المطروحة.

أزمة التمثيل السني في بيروت

لا شك في أن غياب “تيار المستقبل” بعد إعلان زعيمه سعد الحريري عزوفه عن السياسة وعن الانتخابات، أدى إلى تشرذم الأصوات السنية وتراجع التصويت. فمنذ ابتعاد رئيس الحكومة السابق عن المشهد السياسي، لم تتمكن القوى السياسية السنية من جذب الناخبين السنة الذين بقوا أسرى الشعور بالخذلان والمرارة والتمسك أكثر بالحريرية السياسية .هذا التشرذم أدى إلى عزوف ملحوظ عن المشاركة السياسية، كما ظهر في نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية.

وعلى رغم مرور تسع سنوات على الانتخابات البلدية السابقة، لم تستطع هذه الدورة إنتاج وجوه إصلاحية تغييرية، بل أعادت تثبيت الزعامات التقليدية. فقد ثبّتت “القوات اللبنانية” نفسها كزعامة مسيحية بعدما حققت نتائج ملحوظة في بيروت والبقاع والشمال، فيما حافظ الثنائي الشيعي ووليد جنبلاط على زعامتهما الشيعية والدرزية، بينما تعمقت الانقسامات داخل الشارع السني بين وجوه مختلفة أبرزها فؤاد المخزومي، قدامى تيار المستقبل، فؤاد السنيورة، الجماعة الإسلامية، والتغييريون كإبراهيم منيمنة ووضّاح الصادق، إلى جانب قوة ماكينة “الأحباش”.

يقول زياد عبد الصمد، أستاذ جامعي والمدير التنفيذي لشبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية، في مقابلة لموقع “درج”، “يعاني الشارع السني من حالة إحباط واضحة نتيجة غياب القيادة والتشتّت الحاصل. هناك حالة من عدم الرضا لدى الشارع السني تجاه المخزومي، نتيجة تحالفات وُصفت بأنها غير مبدئية، وهذا قد يدفع ثمنه في المستقبل، إلا إذا تدخلت عوامل مالية لتغيير المعادلة، بخاصة في ظل غياب تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري”. ويرى عبد الصمد أنّه يُفترض بالتغييريين أن يبلوروا خطابًا يستقطب المزاج السني ويقدّم له رؤية مقنعة ومطمئنة، ليؤكدوا أنهم قادرون على أن يكونوا البديل الجدير بثقته وخياره المستقبلي.

يرى الكاتب والأستاذ الجامعي وسام سعادة في منشور له على فيسبوك، أن تحميل الناس مسؤولية الإحباط أو الفشل في التغيير ليس واقعيًا: “إذا في أزمة تمثيل سياسي سني بالبلد ما فينا نضل نكابر عليها تحت مسميات تغيير ومدني. الاقتراع ببيروت ما بيوحي أبداً بأن بيروت مرتاحة لتمثيلها النيابي والحكومي”.

المناصفة عنوان المعركة في مقابل تجاهل القضايا الجوهرية

اعتمدت لائحة “بيروت بتجمعنا” على خطاب شدّ العصب الطائفي، مركزة على المخاوف من فقدان المناصفة، بينما تم تجاهل قضايا أساسية مثل انفجار مرفأ بيروت، الفساد في بلدية بيروت، نقص الخدمات، وتداعيات الحرب على المدينة. خرق العميد محمود الجمل اللائحة أخلّ بهذا التوازن، مضيفاً مقعدًا مسلمًا على حساب المقعد المسيحي.

يقول عبد الصمد، “هناك محاولات لتبرير ما حدث من خلال الادعاء بأنهم ‘أنقذوا المناصفة’ أولًا، وثانيًا عبر القول إن نسبة المشاركة لم تتغير مقارنة بعام 2016. في رأيي، هذه المقارنة غير دقيقة، لأن الظروف السياسية والاقتصادية التي كنا نعيشها في عام 2016 لا تُقارن إطلاقًا بما نعيشه اليوم… نحن اليوم أمام مرحلة جديدة مع حكومة إصلاحية وفي ظل تغييرات إقليمية واضحة، وكان من المفترض أن تكون هناك حوافز أكبر للناس للمشاركة، لذا فإن الادعاء بأن الأمور مشابهة لما كانت عليه في 2016 غير صائب”.

تراجع نسبة الاقتراع وأسبابها

لطالما كانت نسبة الاقتراع في انتخابات بيروت البلدية متدنّية، لكنها شهدت تراجعًا إضافيًا هذه المرة، بحسب ما يذكر إبراهيم الجوهري، باحث في الانتخابات وأستاذ جامعي، في مقابلة لـ “درج”. ذكّر الجوهري أيضًا بأنّ “لوائح الشطب ليست دقيقة بنسبة مئة بالمئة. هناك أسماء لأشخاص متوفين ما زالت مدرجة في اللوائح، وهناك الكثير من الأشخاص الذين هاجروا أو غادروا البلاد، بالإضافة إلى وجود أشخاص آخرين لا يحق لهم التصويت”، ولكن تبقى نسبة التصويت في بيروت متدنّية. 

ويشير الجوهري إلى أن نسبة المشاركة المسيحية تراجعت بنحو 60 في المئة مقارنة بالانتخابات السابقة، إذ لم يتجاوز عدد الناخبين المسيحيين هذه المرة الـ 17 ألفًا، مقابل نحو 40 ألفًا في الدورة الماضية. من اللافت أيضًا أن نسبة الاقتراع لدى السنّة شهدت أيضًا انخفاضًا ملحوظًا مقارنة بعام 2016، في حين ارتفعت نسبة التصويت لدى الشيعة، ما كان له دور أساسي في فوز لائحة “بيروت بتجمعنا”.

توضح سهى منيمنة، إحدى مرشحات “ائتلاف بيروت مدينتي”، في مقابلة لـ “درج”، أن ارتفاع نسبة الهجرة في السنوات الأخيرة وتراجع دور البلدية في تلبية احتياجات السكان، بخاصة الشباب، دفعا الكثيرين إلى مغادرة المدينة أو الانتقال إلى أطرافها، مذكّرة بأنّ المجلس البلدي السابق مُدِّدت ولايته ثلاث مرات، ما فاقم حالة الإحباط في المدينة.

يعزو الجوهري تدني نسبة الاقتراع الى أسباب عدة، أهمها أنّ جزءًا كبيرًا من سكان بيروت يقيمون فعليًا في الضواحي أو مناطق أخرى ويفضلون التصويت هناك، ما ينعكس سلبًا على أرقام المشاركة في بيروت. ويشير الجوهري إلى أنّه لطالما كانت نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية في بيروت منخفضة. إذ بلغت في الدورة السابقة نحو 21.1 في المئة، أما الآن فهي 20.1 في المئة، ولم تتجاوز الـ 26 في المئة حتى في عهد رفيق الحريري.

في هذا السياق، تقول منيمنة: “كل هذه العوامل ساهمت في تدني نسبة المشاركة في الاقتراع، ومع ذلك نؤكد دائمًا أنه بالإمكان البناء على هذا الواقع. صحيح أن نسبة الاقتراع في انتخابات 2016 كانت تقريبًا 20 في المئة، أما في الانتخابات النيابية عام 2022 فقد وصلت إلى 40 في المئة، بسبب تصويت المغتربين، بينما في البلدية فيقتصر التصويت على المقيمين. الأهم أن الانتخابات أُجريت بمعظمها على أساس طائفي، ونجحت الأحزاب التقليدية في شد العصب الطائفي قبل الانتخابات.

تضيف منيمنة، “نحن نعتز بأننا صمدنا في هذه المواجهة على رغم كل التحديات. وفي النهاية هناك من التزم باللائحة كما هي، وهذا ما يمكن أن نبني عليه مستقبلًا، إذ تقع علينا مسؤولية الاستمرار وتذكير الناس بحقوقهم التي سُلبت منهم في السنوات الأخيرة، وأن الخطاب الطائفي الذي نسمعه اليوم ليس صحيحًا، ونأمل بأن يكون المستقبل أفضل”.  

تحديات التغيير ومستقبل بيروت

يؤيّد عبد الصمد موقف النائب إبراهيم منيمنة بألا فرصة لإحداث تغيير فعلي في ظل النظام السياسي الحالي، إلا إذا تحوّل العمل إلى حالة سياسية جماعية قادرة على تحقيق خرق جدي، لأن الجهود الفردية وحدها لا تكفي. ويعتبر أن الاستعداد الجدي للانتخابات النيابية المقبلة هو الدافع الأساسي في المرحلة المقبلة، وأنّ نتائج الانتخابات البلدية يجب أن تكون حافزًا للمرحلة المقبلة.

تؤكد نتائج الانتخابات البلدية في بيروت بما فيها تدنّي نسبة الاقتراع، عمق الأزمة السياسية والاجتماعية في العاصمة، وتكشف عن تحديات كبرى في إعادة بناء الثقة بين البيروتيين ومجلسهم البلدي، وضرورة صياغة خطاب سياسي جديد يستجيب لهواجس أبناء المدينة، ويعيد الاعتبار الى التمثيل الحقيقي والعدالة الاجتماعية فيها.