fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

انتفاضة في السويداء حيث لا يزال حافظ الأسد حيّاً!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“كنت شاهداً على تصريحات وفود فرع حزب البعث حين كانوا يزورون قريتنا ويقولون للناس البسطاء: لقد بدأت للتو مسيرة الإعمار، لقد نهضت سوريا من كبوتها، كنت شاهداً أيضاً وبعد ذلك بفترةٍ  وجيزة، على سقوط ثلاثة وستين شخصاً من أبناء قريتي أثناء الاشتباك مع تنظيم “داعش”، من بينهم 24 شخصاً  كانوا من أقربائي”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

توجّب على السويداء أخيراً، التي تقع جنوب العاصمة السورية دمشق بنحو مئة كيلومتر، أن تُقصّر من رداءِ خوفها الذي ترتديه، كما اعتادت أن تفعل في كلّ مرّةٍ تتبرّمُ فيها من تعسّف النظام الحاكم، وتشعر بأنها تجابهُ رداءةَ سلطته بمفردها.

دعت السويدا الناس عبر صفحات التواصل الاجتماعي إلى إضراب عام، بعد يوم واحد فقط على قرار رئيس النظام القائم زيادة أجور العاملين في الدولة، وبعد قرار حكومة النظام أيضاً تقليص الدعم الحكومي على المشتقات النفطية، وبالتالي رفع أسعارها إلى مستويات غير مسبوقة. 

بدت شوارع المدينة في منتصف شهر آب/ أغسطس الحالي منهكةً، مرتهنةً إلى ما يشبه الخواء، بعدما أضربت وسائل النقل العامة فيها عن العمل، واحتكم سكانها إلى منازلهم يتشاورون هناك في ظل حرارة لا تُطاق عن ابتكار سُبلٍ جديدة لترويض عجزهم وتحديد نسله ما أمكن، أو لعلهم باتوا أحوجَ إلى صوتٍ يتسلّق صمتهم ذاك، ويقوده إلى مسيرة باذخة من الغضب على غرار آخر احتجاجاتهم وأعنفها على الإطلاق، تلك التي انتهت بإحراق مبنى المحافظة وصور بشار الأسد وأعلام النظام يوم الأحد في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

من قرعَ بصوته حينها على أبواب صمتهم الموصدة بعناية، وأوقدَ شرارة تلك الاحتجاجات اللاهبة، كان شاباً في مقتبل العشرينات من عمره، فُصل من دراسته الجامعية التي كانت في اختصاص الهندسة، بسبب خلافٍ مع ابن ضابط هناك، كما أنه لم يكن ذا خلفية سياسية مناوئة للنظام الحاكم، بل إنه وبحسب قريبٍ له، كان مُكبّلاً ومكمماً بالإخفاق والإحباط.

 لم ينتسب الشاب يوماً إلى أي فصيلٍ مسلح كما أُشيع عنه تارةً، أو عن ارتباطه بالأجهزة الأمنية طوراً. انتظم في دورة لتعلّم الحلاقة الرجالية، وافتتح بعدها صالوناً لم يجنِ من ورائه سوى الخيبة وتراكم الديون، وحين ترجّل من سيارته، التي تعود ملكيتها إلى أبيه أمام مبنى المحافظة، ملوحاً ببندقيته، شاتماً رئيس النظام السوري وحكومته، أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، كان كمن يُعيد الاعتبار إلى الجموع المستكينة، بدا حينها كما لو أنه الناطق الرسميّ بصوتهم  الخائب وغير المرئي.

تلك الحادثة أعادت البريق إلى المخيلة السياسية الباهتة التي تستلقي بكسلٍ لا يُطاق داخل الفضاء الاجتماعي للسكان هناك، ثم ظهر شادي أبو عمار في تسجيل فيديو مطوّل، مُعرّفاً عن نفسه، وظهر بمظهرٍ لا يشبه مظهر الأنتلجنسيا المثقفة، بل مرتدياً كوفية، ومطلقاً لحيته مثل الهيئة التي يبدو عليها المسلحون الدروز.

ظهوره بتلك الهيئة وكلامه الشعبيّ البسيط أكسباه تعاطفاً واسعاً، يقول قريبه: “حتى إن بائعي الخضار المسلحين، والكثير من ممثلي الفصائل المسلحة، لازموا مسكنه، وتنابوا على حراسة بيته في بلدة الرحى الملاصقة للمدينة، لحمايته من الاعتقال، وتواصلت معه المعارضة السياسية، والكثير من المحامين، والناشطين السياسيين”.      

توجّب على السويداء أخيراً، التي تقع جنوب العاصمة السورية دمشق بنحو مئة كيلومتر، أن تُقصّر من رداءِ خوفها الذي ترتديه، كما اعتادت أن تفعل في كلّ مرّةٍ تتبرّمُ فيها من تعسّف النظام الحاكم، وتشعر بأنها تجابهُ رداءةَ سلطته بمفردها.

بعد أيّامٍ قليلة على ظهوره بالصوت والصورة، استطاع ذاك الشاب الصغير أن يحشد لأوسع تظاهرة ضد نظام الحكم الحالي عرفتها السويداء، وانتهت بالحادثة الشهيرة لإحراق مبنى المحافظة بجميع مقتنياته، وهنا لا يعتقد قريب شادي أبو عمار بأن تلك التظاهرة كانت فعلاً مدبّراً من أجهزة النظام الفاسدة، حين أرادت تحويل أكداس من ملفات الفساد إلى كومة رماد مجهولة النسب، وأهمها تلك المتعلقة بمديرية المياه، أو أنَّ شادي كان أداةً لبلوغ تلك الغاية.   

وفي أواخر شهر شباط/ فبراير من العام الحالي، انتقل شادي إلى بيروت، ومنها توجّه إلى العاصمة الهولنديّة أمستردام حيث يقيم فيها الآن، وبحسب كلام قريبه، فإن المعارضة السياسية هي من رتّبت خروجه من سوريا، وساعدته في تدبير هذا الأمر، والأرجح ألا تكون حالة مجابهة النظام حالة أصيلة نمت ببراعة داخل وعي ذاك الشاب الصغير، وإنما قد يكون براغماتيّاً إلى درجةٍ لا تُطاق، وباستطاعة قريبه أن يصفه لنا بأنه شخصٌ مندفع، ومتهور، ونزقٌ للغاية، فموطنهما الأصلي هو قرية الشبكي (38 كيلومتراً شرق السويداء) التي يسكنها القلق جرّاء كونها قريةً نائية، يحدّها دوماً المجهول والخواء الموحش من طرفها الشرقي، ولا يزال بعض سكانها يهتفون حتى يومنا هذا “بالروح بالدم نفديك يا حافظ”، معتقدين أن حافظ الأسد لا يزال على رأس السلطة، وبأنه لم يمت بعد. 

تلك القرية وسواها من القرى المحاذية للقفر الشرقي المسمط الملامح، تخضع بقوة إلى ميليشيا “كتائب البعث” التي كانت ترسل الشباب الراغبين بالتطوّع فيها إلى دورات صاعقة تمتد قرابة 18 يوماً، وتنتهي بحصول المتدرب على بندقية كلاشنيكوف، ومعها 150 طلقة. كان شادي وقريبه قد خاضا مثل تلك الدورة، وحصلا على بندقيتين من تلك الميليشيا، لكنهما وبعد العام 2018 حين غزاهم تنظيم “داعش”، تنبّهوا إلى كون النظام قد غدر بهم، وأرسل أولئك التكفيريين لقتلهم داخل بيوتهم. 

يقول قريب شادي: “كنت شاهداً على تصريحات وفود فرع حزب البعث حين كانوا يزورون قريتنا ويقولون للناس البسطاء: لقد بدأت للتو مسيرة الإعمار، لقد نهضت سوريا من كبوتها، كنت شاهداً أيضاً وبعد ذلك بفترةٍ  وجيزة، على سقوط ثلاثة وستين شخصاً من أبناء قريتي أثناء الاشتباك مع تنظيم “داعش”، من بينهم 24 شخصاً  كانوا من أقربائي”.

تلك الذاكرة المليئة بالكدمات والشظايا البرّاقة تستطيع بيسرٍ وبلا مشقّة، أن تخطَّ بعضاً من ملامح سيرة النكبة السورية في أحد تجلّياتها الأكثر براءةً ونصاعة، وفي مقدور شادي أبو عمار أن يحكّ بأصابعه الناعمة سماء أمستردام الشهيّة، كما باستطاعة قريبه أيضاً أن يطوّق نصف نهاره بساعات العمل، من دون أن يهتدي إلى مكان الرغيف. كلاهما لديه بندقية، وكلاهما من هناك، من حيث لا يزال حافظ الأسد حيّاً!!.                                         

بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 01.02.2025

في اليوم العالمي للحجاب: مانيفستو لحجاب اختياري

الحجاب مجرد عادة، تحوّلت بحكم العُرف إلى مظهر ديني، ليس أكثر، فمفسرو القرآن الأوائل الذين استسهلوا النقل وغلّبوه على العقل، لمحدودية معارفهم وضعف قدراتهم التحليلية آنذاك، فسروا "آيات الحجاب" بمعزل عن سياقها التاريخي وأسباب نزولها…
17.08.2023
زمن القراءة: 4 minutes

“كنت شاهداً على تصريحات وفود فرع حزب البعث حين كانوا يزورون قريتنا ويقولون للناس البسطاء: لقد بدأت للتو مسيرة الإعمار، لقد نهضت سوريا من كبوتها، كنت شاهداً أيضاً وبعد ذلك بفترةٍ  وجيزة، على سقوط ثلاثة وستين شخصاً من أبناء قريتي أثناء الاشتباك مع تنظيم “داعش”، من بينهم 24 شخصاً  كانوا من أقربائي”.

توجّب على السويداء أخيراً، التي تقع جنوب العاصمة السورية دمشق بنحو مئة كيلومتر، أن تُقصّر من رداءِ خوفها الذي ترتديه، كما اعتادت أن تفعل في كلّ مرّةٍ تتبرّمُ فيها من تعسّف النظام الحاكم، وتشعر بأنها تجابهُ رداءةَ سلطته بمفردها.

دعت السويدا الناس عبر صفحات التواصل الاجتماعي إلى إضراب عام، بعد يوم واحد فقط على قرار رئيس النظام القائم زيادة أجور العاملين في الدولة، وبعد قرار حكومة النظام أيضاً تقليص الدعم الحكومي على المشتقات النفطية، وبالتالي رفع أسعارها إلى مستويات غير مسبوقة. 

بدت شوارع المدينة في منتصف شهر آب/ أغسطس الحالي منهكةً، مرتهنةً إلى ما يشبه الخواء، بعدما أضربت وسائل النقل العامة فيها عن العمل، واحتكم سكانها إلى منازلهم يتشاورون هناك في ظل حرارة لا تُطاق عن ابتكار سُبلٍ جديدة لترويض عجزهم وتحديد نسله ما أمكن، أو لعلهم باتوا أحوجَ إلى صوتٍ يتسلّق صمتهم ذاك، ويقوده إلى مسيرة باذخة من الغضب على غرار آخر احتجاجاتهم وأعنفها على الإطلاق، تلك التي انتهت بإحراق مبنى المحافظة وصور بشار الأسد وأعلام النظام يوم الأحد في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

من قرعَ بصوته حينها على أبواب صمتهم الموصدة بعناية، وأوقدَ شرارة تلك الاحتجاجات اللاهبة، كان شاباً في مقتبل العشرينات من عمره، فُصل من دراسته الجامعية التي كانت في اختصاص الهندسة، بسبب خلافٍ مع ابن ضابط هناك، كما أنه لم يكن ذا خلفية سياسية مناوئة للنظام الحاكم، بل إنه وبحسب قريبٍ له، كان مُكبّلاً ومكمماً بالإخفاق والإحباط.

 لم ينتسب الشاب يوماً إلى أي فصيلٍ مسلح كما أُشيع عنه تارةً، أو عن ارتباطه بالأجهزة الأمنية طوراً. انتظم في دورة لتعلّم الحلاقة الرجالية، وافتتح بعدها صالوناً لم يجنِ من ورائه سوى الخيبة وتراكم الديون، وحين ترجّل من سيارته، التي تعود ملكيتها إلى أبيه أمام مبنى المحافظة، ملوحاً ببندقيته، شاتماً رئيس النظام السوري وحكومته، أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، كان كمن يُعيد الاعتبار إلى الجموع المستكينة، بدا حينها كما لو أنه الناطق الرسميّ بصوتهم  الخائب وغير المرئي.

تلك الحادثة أعادت البريق إلى المخيلة السياسية الباهتة التي تستلقي بكسلٍ لا يُطاق داخل الفضاء الاجتماعي للسكان هناك، ثم ظهر شادي أبو عمار في تسجيل فيديو مطوّل، مُعرّفاً عن نفسه، وظهر بمظهرٍ لا يشبه مظهر الأنتلجنسيا المثقفة، بل مرتدياً كوفية، ومطلقاً لحيته مثل الهيئة التي يبدو عليها المسلحون الدروز.

ظهوره بتلك الهيئة وكلامه الشعبيّ البسيط أكسباه تعاطفاً واسعاً، يقول قريبه: “حتى إن بائعي الخضار المسلحين، والكثير من ممثلي الفصائل المسلحة، لازموا مسكنه، وتنابوا على حراسة بيته في بلدة الرحى الملاصقة للمدينة، لحمايته من الاعتقال، وتواصلت معه المعارضة السياسية، والكثير من المحامين، والناشطين السياسيين”.      

توجّب على السويداء أخيراً، التي تقع جنوب العاصمة السورية دمشق بنحو مئة كيلومتر، أن تُقصّر من رداءِ خوفها الذي ترتديه، كما اعتادت أن تفعل في كلّ مرّةٍ تتبرّمُ فيها من تعسّف النظام الحاكم، وتشعر بأنها تجابهُ رداءةَ سلطته بمفردها.

بعد أيّامٍ قليلة على ظهوره بالصوت والصورة، استطاع ذاك الشاب الصغير أن يحشد لأوسع تظاهرة ضد نظام الحكم الحالي عرفتها السويداء، وانتهت بالحادثة الشهيرة لإحراق مبنى المحافظة بجميع مقتنياته، وهنا لا يعتقد قريب شادي أبو عمار بأن تلك التظاهرة كانت فعلاً مدبّراً من أجهزة النظام الفاسدة، حين أرادت تحويل أكداس من ملفات الفساد إلى كومة رماد مجهولة النسب، وأهمها تلك المتعلقة بمديرية المياه، أو أنَّ شادي كان أداةً لبلوغ تلك الغاية.   

وفي أواخر شهر شباط/ فبراير من العام الحالي، انتقل شادي إلى بيروت، ومنها توجّه إلى العاصمة الهولنديّة أمستردام حيث يقيم فيها الآن، وبحسب كلام قريبه، فإن المعارضة السياسية هي من رتّبت خروجه من سوريا، وساعدته في تدبير هذا الأمر، والأرجح ألا تكون حالة مجابهة النظام حالة أصيلة نمت ببراعة داخل وعي ذاك الشاب الصغير، وإنما قد يكون براغماتيّاً إلى درجةٍ لا تُطاق، وباستطاعة قريبه أن يصفه لنا بأنه شخصٌ مندفع، ومتهور، ونزقٌ للغاية، فموطنهما الأصلي هو قرية الشبكي (38 كيلومتراً شرق السويداء) التي يسكنها القلق جرّاء كونها قريةً نائية، يحدّها دوماً المجهول والخواء الموحش من طرفها الشرقي، ولا يزال بعض سكانها يهتفون حتى يومنا هذا “بالروح بالدم نفديك يا حافظ”، معتقدين أن حافظ الأسد لا يزال على رأس السلطة، وبأنه لم يمت بعد. 

تلك القرية وسواها من القرى المحاذية للقفر الشرقي المسمط الملامح، تخضع بقوة إلى ميليشيا “كتائب البعث” التي كانت ترسل الشباب الراغبين بالتطوّع فيها إلى دورات صاعقة تمتد قرابة 18 يوماً، وتنتهي بحصول المتدرب على بندقية كلاشنيكوف، ومعها 150 طلقة. كان شادي وقريبه قد خاضا مثل تلك الدورة، وحصلا على بندقيتين من تلك الميليشيا، لكنهما وبعد العام 2018 حين غزاهم تنظيم “داعش”، تنبّهوا إلى كون النظام قد غدر بهم، وأرسل أولئك التكفيريين لقتلهم داخل بيوتهم. 

يقول قريب شادي: “كنت شاهداً على تصريحات وفود فرع حزب البعث حين كانوا يزورون قريتنا ويقولون للناس البسطاء: لقد بدأت للتو مسيرة الإعمار، لقد نهضت سوريا من كبوتها، كنت شاهداً أيضاً وبعد ذلك بفترةٍ  وجيزة، على سقوط ثلاثة وستين شخصاً من أبناء قريتي أثناء الاشتباك مع تنظيم “داعش”، من بينهم 24 شخصاً  كانوا من أقربائي”.

تلك الذاكرة المليئة بالكدمات والشظايا البرّاقة تستطيع بيسرٍ وبلا مشقّة، أن تخطَّ بعضاً من ملامح سيرة النكبة السورية في أحد تجلّياتها الأكثر براءةً ونصاعة، وفي مقدور شادي أبو عمار أن يحكّ بأصابعه الناعمة سماء أمستردام الشهيّة، كما باستطاعة قريبه أيضاً أن يطوّق نصف نهاره بساعات العمل، من دون أن يهتدي إلى مكان الرغيف. كلاهما لديه بندقية، وكلاهما من هناك، من حيث لا يزال حافظ الأسد حيّاً!!.                                         

17.08.2023
زمن القراءة: 4 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية