fbpx

انتفاضة لبنان: من هي السلطة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بيانا تبرؤ “أمل” و”حزب الله” من مواكب الدراجات النارية هو جزء من هذه اللعبة اللغوية. فالحزب والحركة يدركان أن اللبنانيين يعرفون أن فتية الدراجات النارية هم جنود دولتهما العميقة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بدءاً من منتصف ليل الإثنين، باشرت الآلة الإعلامية لـ”حزب الله” بمحاولات دفع “التهم” عن الحزب لجهة وقوفه وراء تظاهرة الدراجات النارية التي توجهت إلى منطقة رياض الصلح في بيروت، رافعة أعلامه وأعلام “حركة أمل” وهاتفة ضد التظاهرة، والتي تولى الجيش اللبناني صدها وإبعادها من ساحة التظاهر. وترافق ذلك مع بيانين للحزب ولـ”حركة أمل” نفيا فيه أن تكون لهما علاقة بأصحاب الدراجات النارية. لكن بيانا الحزب والحركة لم يقنعا أحداً، ذاك أن اللبنانيين، كل اللبنانيين، يعرفون هويات أصحاب هذه الدراجات، ويعرفون أنهم القوة الشارعية التي لطالما استعان بها الحزب، أحياناً مع بيانات تنصل منها، وأحياناً من دون بيانات. أهل بيروت يعرفون هوياتهم، وأهل ضاحيتها أيضاً.

والحال أن الحزب بدأ يكابد مصاعب كثيرة جراء انتفاضة اللبنانيين، وتعثراً واضحاً في لغته وفي أشكال تعامله مع خطاب التظاهرة. معركته اليوم مع “عبارة كلن يعني كلن”. هذه العبارة سخر لها الحزب كل طاقته الإعلامية سعياً وراء دحضها. “نحن مع مطالب المتظاهرين بس مش كلن يعني كلن”. هذا ما قاله مثقفو الحزب في مقالاتهم وعلى صفحاتهم على “السوشيل ميديا”. الجرح النرجسي عميق جداً، والحزب لم يألف الخسارات، وهو اليوم عالق بين موقعه بصفته “السلطة العميقة”، وبين أصوات لم تُقم وزناً لأمينه العام وراحت تقول “كلن يعني كلن ونصرالله واحد منهم”. ثم إن الأصوات التي شرعت ترفع هذا الصوت، لم تفعل ذلك بصفته قناعة مستجدة، إنما رفعته لأنه أتيح لها أن تخرج من صدرها ما كانت تشعر به منذ زمن طويل. والحزب بدوره ليس حانقاً لأنه اكتشف أن لدى لبنانيين قناعة بأن “نصرالله واحد منهم”، بل لأنهم صاروا يشعرون بأن بإمكانهم اليوم الإفصاح عما في صدورهم.

بيانا تبرؤ “أمل” و”حزب الله” من مواكب الدراجات النارية هو جزء من هذه اللعبة اللغوية. فالحزب والحركة يدركان أن اللبنانيين يعرفون أن فتية الدراجات النارية هم جنود دولتهما العميقة. هم السلطة الفعلية التي مارست حضورها القمعي في أحياء بيروت طوال سنوات.

لكن في المقابل يواجه الحزب مأزقاً آخر، فالمخرج الوحيد لكي يخرج “الشيعة” من التظاهرات هو أن يُفعِّل الخطاب المذهبي، وهذا ما يصعب فعله اليوم. فطرابلس السنية خرجت ضد زعمائها السنة، وكذلك فعل المسيحيون. قدرة “حزب الله” على الاشتغال على خط الانقسام تم الحد منها. إحراق علم لـ”حزب الله” في تظاهرة طرابلس لا يكفي، ذاك أن التظاهرة نفسها شهدت إحراق عشرات الصور لسعد الحريري ولنجيب ميقاتي. القول إن قدرة الحزب على شد العصب المذهبي تراجعت لا ينطوي على مبالغة.

لكن لا بأس بمحاولات موازية. فقد استيقظ نجاح واكيم بالأمس وألقى خطبة نارية ضد “سلطة الفساد”، من دون أن يحدد للشعب من هي هذه السلطة. الشائع أن السلطة بالنسبة إلى واكيم هي خصومه التاريخيون، أي آل الحريري، لكن هؤلاء ليسوا السلطة اليوم. هم الشريك الأصغر فيها، وهم من هزمهم “حزب الله” منذ سنوات، وهم من لم يأتِ المتظاهرون على ذكرهم في تظاهراتهم. واكيم نفسه لم يجرؤ على القول إن السلطة هم آل الحريري على ما دأب يفعل في سنوات سابقة. لكنه عجز في المقابل عن أن يُحدد وجوهاً للسلطة وأسماء لأصحابها!

“نحن مع مطالب المتظاهرين بس مش كلن يعني كلن”. هذا ما قاله مثقفو الحزب في مقالاتهم وعلى صفحاتهم على “السوشيل ميديا”.

حلفاء الحزب ممن استيقظوا بالأمس ومن بينهم أيضاً الوزير السابق شربل نحاس، يتجهون على ما يبدو لإحلال نبيه بري محل آل الحريري في سعيهم لحفظ ماء وجه الحزب. فقد بدأت أصوات تقول إن اللبنانيون يعرفون أن “حركة أمل” تقف وراء الدراجات النارية. لا بأس، يقول المتظاهرون، هذه من علامات تصدع الخطاب. على الأقل لم تُتهم السفارات بذلك، وثمة إنجاز بدأ يتحقق.

لعل أكثر ما خدم التظاهرة في مواجهة السلطة العميقة المشكّلة في أعقاب “انتصارات الحزب” هو النهاية التراجيدية لجماعة “14 آذار”. الهزيمة التي ألحقها الحزب بـ”14 آذار” بفاسديها ومبتذليها ومُرتهنيها، كانت خدمة كبيرة لنا، ذاك أننا اليوم في مواجهة سلطته العميقة بعدما تحررنا من هذا الشر الطائفي الذي مثلته هذه الجماعة، ومن الدول التي راحت تترزق عندها باسمنا. وهو، أي الحزب، حين يشيع أن ورقة الحريري تصلح لمواجهة المرحلة المقبلة، يسعى ليعيد إلينا “14 آذار” لكي يتمكن منا مرة أخرى.

سيكون البحث عن قيادة للتظاهرات في الوقت الراهن خطأ قاتلاً. فالسلطة عاجزة عن تحديد وجوه لكي تسدد عليها. هذا جزء من أسباب تخبط الحزب أيضاً في خطابه حيال التظاهرة. يرسل الدراجات النارية ويتبرأ منها. يروج لخطاب “السفارات” ثم يواريه. يسعى إلى شيطنة سعد الحريري ثم يعود ليروج لورقته “الإصلاحية”.

لا يبدو أن الوقت قد حان لكي تفرز التظاهرة قيادتها. فالزلزال الذي أصاب السلطة كافٍ لكي يُحدث مساراً، ولن يتوهم أحد بأن النصر وشيك. المهم أن المتظاهرين بدأوا بشق طريق من خارج انقساماتنا. والمهم أن طرابلس ثارت ضد الزعماء السنة، وتصدع موقع “حزب الله” في وجدان الكثير من الشيعة، فيما كان المسيحيون سباقون في إخراج جبران باسيل من ساحاتهم وفي جعله “أيقونة الفساد”.

انتفاضة لبنان لإسقاط “مرشد الجمهورية” وصهرها ويتيمها 

22.10.2019
زمن القراءة: 4 minutes

بيانا تبرؤ “أمل” و”حزب الله” من مواكب الدراجات النارية هو جزء من هذه اللعبة اللغوية. فالحزب والحركة يدركان أن اللبنانيين يعرفون أن فتية الدراجات النارية هم جنود دولتهما العميقة.

بدءاً من منتصف ليل الإثنين، باشرت الآلة الإعلامية لـ”حزب الله” بمحاولات دفع “التهم” عن الحزب لجهة وقوفه وراء تظاهرة الدراجات النارية التي توجهت إلى منطقة رياض الصلح في بيروت، رافعة أعلامه وأعلام “حركة أمل” وهاتفة ضد التظاهرة، والتي تولى الجيش اللبناني صدها وإبعادها من ساحة التظاهر. وترافق ذلك مع بيانين للحزب ولـ”حركة أمل” نفيا فيه أن تكون لهما علاقة بأصحاب الدراجات النارية. لكن بيانا الحزب والحركة لم يقنعا أحداً، ذاك أن اللبنانيين، كل اللبنانيين، يعرفون هويات أصحاب هذه الدراجات، ويعرفون أنهم القوة الشارعية التي لطالما استعان بها الحزب، أحياناً مع بيانات تنصل منها، وأحياناً من دون بيانات. أهل بيروت يعرفون هوياتهم، وأهل ضاحيتها أيضاً.

والحال أن الحزب بدأ يكابد مصاعب كثيرة جراء انتفاضة اللبنانيين، وتعثراً واضحاً في لغته وفي أشكال تعامله مع خطاب التظاهرة. معركته اليوم مع “عبارة كلن يعني كلن”. هذه العبارة سخر لها الحزب كل طاقته الإعلامية سعياً وراء دحضها. “نحن مع مطالب المتظاهرين بس مش كلن يعني كلن”. هذا ما قاله مثقفو الحزب في مقالاتهم وعلى صفحاتهم على “السوشيل ميديا”. الجرح النرجسي عميق جداً، والحزب لم يألف الخسارات، وهو اليوم عالق بين موقعه بصفته “السلطة العميقة”، وبين أصوات لم تُقم وزناً لأمينه العام وراحت تقول “كلن يعني كلن ونصرالله واحد منهم”. ثم إن الأصوات التي شرعت ترفع هذا الصوت، لم تفعل ذلك بصفته قناعة مستجدة، إنما رفعته لأنه أتيح لها أن تخرج من صدرها ما كانت تشعر به منذ زمن طويل. والحزب بدوره ليس حانقاً لأنه اكتشف أن لدى لبنانيين قناعة بأن “نصرالله واحد منهم”، بل لأنهم صاروا يشعرون بأن بإمكانهم اليوم الإفصاح عما في صدورهم.

بيانا تبرؤ “أمل” و”حزب الله” من مواكب الدراجات النارية هو جزء من هذه اللعبة اللغوية. فالحزب والحركة يدركان أن اللبنانيين يعرفون أن فتية الدراجات النارية هم جنود دولتهما العميقة. هم السلطة الفعلية التي مارست حضورها القمعي في أحياء بيروت طوال سنوات.

لكن في المقابل يواجه الحزب مأزقاً آخر، فالمخرج الوحيد لكي يخرج “الشيعة” من التظاهرات هو أن يُفعِّل الخطاب المذهبي، وهذا ما يصعب فعله اليوم. فطرابلس السنية خرجت ضد زعمائها السنة، وكذلك فعل المسيحيون. قدرة “حزب الله” على الاشتغال على خط الانقسام تم الحد منها. إحراق علم لـ”حزب الله” في تظاهرة طرابلس لا يكفي، ذاك أن التظاهرة نفسها شهدت إحراق عشرات الصور لسعد الحريري ولنجيب ميقاتي. القول إن قدرة الحزب على شد العصب المذهبي تراجعت لا ينطوي على مبالغة.

لكن لا بأس بمحاولات موازية. فقد استيقظ نجاح واكيم بالأمس وألقى خطبة نارية ضد “سلطة الفساد”، من دون أن يحدد للشعب من هي هذه السلطة. الشائع أن السلطة بالنسبة إلى واكيم هي خصومه التاريخيون، أي آل الحريري، لكن هؤلاء ليسوا السلطة اليوم. هم الشريك الأصغر فيها، وهم من هزمهم “حزب الله” منذ سنوات، وهم من لم يأتِ المتظاهرون على ذكرهم في تظاهراتهم. واكيم نفسه لم يجرؤ على القول إن السلطة هم آل الحريري على ما دأب يفعل في سنوات سابقة. لكنه عجز في المقابل عن أن يُحدد وجوهاً للسلطة وأسماء لأصحابها!

“نحن مع مطالب المتظاهرين بس مش كلن يعني كلن”. هذا ما قاله مثقفو الحزب في مقالاتهم وعلى صفحاتهم على “السوشيل ميديا”.

حلفاء الحزب ممن استيقظوا بالأمس ومن بينهم أيضاً الوزير السابق شربل نحاس، يتجهون على ما يبدو لإحلال نبيه بري محل آل الحريري في سعيهم لحفظ ماء وجه الحزب. فقد بدأت أصوات تقول إن اللبنانيون يعرفون أن “حركة أمل” تقف وراء الدراجات النارية. لا بأس، يقول المتظاهرون، هذه من علامات تصدع الخطاب. على الأقل لم تُتهم السفارات بذلك، وثمة إنجاز بدأ يتحقق.

لعل أكثر ما خدم التظاهرة في مواجهة السلطة العميقة المشكّلة في أعقاب “انتصارات الحزب” هو النهاية التراجيدية لجماعة “14 آذار”. الهزيمة التي ألحقها الحزب بـ”14 آذار” بفاسديها ومبتذليها ومُرتهنيها، كانت خدمة كبيرة لنا، ذاك أننا اليوم في مواجهة سلطته العميقة بعدما تحررنا من هذا الشر الطائفي الذي مثلته هذه الجماعة، ومن الدول التي راحت تترزق عندها باسمنا. وهو، أي الحزب، حين يشيع أن ورقة الحريري تصلح لمواجهة المرحلة المقبلة، يسعى ليعيد إلينا “14 آذار” لكي يتمكن منا مرة أخرى.

سيكون البحث عن قيادة للتظاهرات في الوقت الراهن خطأ قاتلاً. فالسلطة عاجزة عن تحديد وجوه لكي تسدد عليها. هذا جزء من أسباب تخبط الحزب أيضاً في خطابه حيال التظاهرة. يرسل الدراجات النارية ويتبرأ منها. يروج لخطاب “السفارات” ثم يواريه. يسعى إلى شيطنة سعد الحريري ثم يعود ليروج لورقته “الإصلاحية”.

لا يبدو أن الوقت قد حان لكي تفرز التظاهرة قيادتها. فالزلزال الذي أصاب السلطة كافٍ لكي يُحدث مساراً، ولن يتوهم أحد بأن النصر وشيك. المهم أن المتظاهرين بدأوا بشق طريق من خارج انقساماتنا. والمهم أن طرابلس ثارت ضد الزعماء السنة، وتصدع موقع “حزب الله” في وجدان الكثير من الشيعة، فيما كان المسيحيون سباقون في إخراج جبران باسيل من ساحاتهم وفي جعله “أيقونة الفساد”.

انتفاضة لبنان لإسقاط “مرشد الجمهورية” وصهرها ويتيمها 

22.10.2019
زمن القراءة: 4 minutes
|
آخر القصص
 هل تستطيع الدول العربية الغنيّة تجاهل أزمات جيرانها؟
أفراح ناصر - باحثة في المركز العربي في واشنطن | 12.10.2024
هل هُزم محور “المقاومة”فعلاً؟!
شكري الريان - كاتب فلسطيني سوري | 12.10.2024
لماذا أخفق حزب الله؟
ندى عبدالصمد - كاتبة وصحافية لبنانية | 12.10.2024
خطبة الوداع
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 11.10.2024

اشترك بنشرتنا البريدية