fbpx

انتهاك صارخ… موقوف منذ أسابيع لأنه شتم الرئيس!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في حين تتراخى السلطات اللبنانية، أو تكاد تغيب كلياً، عن محاسبة فاسدين وومتّهمين في قضية انفجار مرفأ بيروت، فهي تلاحق شاباً عاطلاً من العمل يستخدم صفحته الشخصية لتفريغ غضبه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“ما قاله سعيد يردده مواطنون في الشارع اللبناني يومياً، فهل بإمكان السلطات زجّ كل اللبنانيين في السجون؟”… يسأل رفيق غريزي، وهو محامي الشاب سعيد عبدالله (30 سنة)، الموقوف منذ 30 تشرين الأول/ أكتوبر، بسبب منشورات على صفحته الشخصية على “فايسبوك”، تطاول رموزاً دينية مسيحية، كما تشتم الرئيس اللبناني ميشال عون. 

جولة على صفحة سعيد الشخصية، تظهر مدى غضبه تجاه الأوضاع المتدهورة في لبنان. ليس سعيد شخصاً معروفاً ومنشوراته، التي قد تتجاوز العشرة يومياً، تفتقد أحياناً لإشارة إعجابٍ واحدة، من مجموعة الأصدقاء الافتراضية الصغيرة التي يمتلكها.

سعيد عبدالله

يؤكد غريزي أن سعيد شخص انطوائي وحاد الطباع، وزاد ذلك بسبب وحدته وانزوائه مع هاتفه طيلة الوقت، خصوصاً أنه عاطل من العمل منذ فترة، بعدما فقد وظيفته في إحدى شركات الهندسة.

سعيد الذي وجد في صفحته الخاصة ملاذاً خاله آمناً، ومساحةً حرّة للتعبير عن غضبه من الفساد وفشل المنظومة الحاكمة في لبنان، لا سيما أنه شارك في الانتفاضة اللبنانية وآمن بالتغيير، شتم الرئيس عون عبر منشورات، كما نشر صوراً وعبارات تحقّر المسيح وأيقونات دينية مسيحية، إلا أن أحداً لم يتفاعل مع ما كتبه. لكن يبدو أن ثقافة الوشاية تمكنت من كثيرين فعمد أحد مناصري “حزب القوات اللبنانية”، وهو ميشال شمعون، إلى نشر صور توثّق ما كتبه سعيد، وحوّلها إلى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، وفق ما قاله المحامي.  

في تفاصيل القصة، توقّف سعيد في 30 تشرين الأول، بعدما استدعاه مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بتهمة “إثارة النعرات الطائفية” و”تحقير رئيس الدولة”. وبعد إذلاله وتعنيفه لفظياً، طلب المحققون من سعيد التوقيع على تعهّد خطّي بعدم المساس بالمقدسات الدينية وبشخص الرئيس، كما طُلب منه حذف منشوارته، إلا أنه رفض على رغم محاولات أفراد أسرته إقناعه بذلك. فتم لاحقاً توقيفه احتياطياً، ولا يزال موقوفاً حتى الآن في منطقة عاليه، إلى أن “تحوّلت قضيته لاحقاً إلى عقوبة، وهو أخطر ما حصل معه”، وفق ما قاله محامي سعيد لـ”درج”.   

يقول زهير، وهو أخ سعيد، إن أسرته حاولت جاهدة المطالبة بالإفراج عن سعيد، إلا أن الجهات المعنية اعتمدت المماطلة في القضية، فحوّلت الملف إلى المطالعة، ليعيده لاحقاً القاضي بسام الحاج بدون اتخاذ أي إجراءات بحق الموقوف.  

وفي هذا السياق، يقول غريزي إن “الفترة التي يمضيها سعيد في السجن هي ظلم وافتراء، لأن العنصر المعنوي للجرم غير موجود في القضية”. مضيفاً، “كان بإمكان القاضي بسام الحاج إخلاء سبيله، الموضوع لا يستأهل نظراً إلى ظروف البلد وظروف سعيد النفسية… إذا كانوا يقصدون أن يُربّوا الرجل، فهو ما تربّى، وسيخرج بحقدٍ أكبر!”.

إذاً، ففي حين تتراخى السلطات اللبنانية، أو تكاد تغيب كلياً، عن محاسبة فاسدين وثّقت وسائل إعلامية فسادهم وسرقاتهم بالصوت والصورة، أو محاسبة متّهمين في قضية انفجار مرفأ بيروت، فهي تلاحق شاباً عاطلاً من العمل يستخدم صفحته الشخصية لتفريغ غضبٍ عبر ما بقيَ له، أي الكلمة والشتيمة، على صفحةٍ تكاد تخلو من أي زائرٍ.  

القمع سارٍ على قدمٍ وساق…

تعتبر قضية سعيد واحدة من أخطر قضايا انتهاكات حرية الرأي والتعبير نسبة، فـ40 يوماً أي فترة توقيف سعيد في السجن الاحتياطي، تعتبر من أطول الفترات التي يمكن أن يمضيها شخص في التوقيف الاحتياطي.

وتتوسّع يومياً الانتهاكات الصارخة ضدّ حريّة التعبير والرأي والصحافة في لبنان، بوتيرة متسارعة بدأت تستفحل منذ انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، فبدأت البلاد تشهد قمعاً مباشراً على صحافيين ونشطاء للجم التغطيات والآراء الناقدة للسلطة وممارساتها على مختلف الصعد، وهذا ما وثّقته مؤسسة مهارات في تقريرها السنوي لـ”حرية الإعلام والتعبير في لبنان”. كما تنامى النمط القمعي والعدائي تجاه المواطنين والصحافيين، عبر الاستخدام المفرط للقوة، وتزايد الاستدعاءات، وغياب الشفافية، وتنامي سياسة الإفلات من العقاب.

40 يوماً

لا يزال سعيد موقوفاً في عاليه منذ:

فقد رصدت منصة “ملحق” لحرية التعبير في لبنان، التابعة لمنظمة “سميكس”، أنه تم توقيف أكثر من 40 شخصاً بسبب منشورات فايسبوكية في هذا العام.  

وفي هذا السياق، يقول محمد نجم، المدير التنفيذي لـ”سميكس” إنه “على رغم الازدياد الواضح في وتيرة التوقيفات التعسفية لنشطاء، إلا أن اللافت هو تزامن ذلك مع رفع سقف حرية التعبير لدى الشعب اللبناني”، والذي يُرجّح أنه نابع من انعدام ثقة اللبنانيين بحكامهم، لا سيما منذ تفجير مرفأ بيروت. 

كما تؤكّد آية المجذوب، الباحثة في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، لـ”درج” أن “أكثر ما يثير القلق هو أن النيابة العامة والأجهزة الأمنية والقضاء تصرفت في معظم قضايا توقيفات الرأي بشكل غير قانوني، لمصلحة جماعات سياسية ودينية”. وهو ما يظهر جلياً في قضية سعيد، إذ إن توقيفه وإجباره على توقيع تعهد يخالف حكماً القانون اللبناني. 

11.12.2020
زمن القراءة: 3 minutes

في حين تتراخى السلطات اللبنانية، أو تكاد تغيب كلياً، عن محاسبة فاسدين وومتّهمين في قضية انفجار مرفأ بيروت، فهي تلاحق شاباً عاطلاً من العمل يستخدم صفحته الشخصية لتفريغ غضبه.

“ما قاله سعيد يردده مواطنون في الشارع اللبناني يومياً، فهل بإمكان السلطات زجّ كل اللبنانيين في السجون؟”… يسأل رفيق غريزي، وهو محامي الشاب سعيد عبدالله (30 سنة)، الموقوف منذ 30 تشرين الأول/ أكتوبر، بسبب منشورات على صفحته الشخصية على “فايسبوك”، تطاول رموزاً دينية مسيحية، كما تشتم الرئيس اللبناني ميشال عون. 

جولة على صفحة سعيد الشخصية، تظهر مدى غضبه تجاه الأوضاع المتدهورة في لبنان. ليس سعيد شخصاً معروفاً ومنشوراته، التي قد تتجاوز العشرة يومياً، تفتقد أحياناً لإشارة إعجابٍ واحدة، من مجموعة الأصدقاء الافتراضية الصغيرة التي يمتلكها.

سعيد عبدالله

يؤكد غريزي أن سعيد شخص انطوائي وحاد الطباع، وزاد ذلك بسبب وحدته وانزوائه مع هاتفه طيلة الوقت، خصوصاً أنه عاطل من العمل منذ فترة، بعدما فقد وظيفته في إحدى شركات الهندسة.

سعيد الذي وجد في صفحته الخاصة ملاذاً خاله آمناً، ومساحةً حرّة للتعبير عن غضبه من الفساد وفشل المنظومة الحاكمة في لبنان، لا سيما أنه شارك في الانتفاضة اللبنانية وآمن بالتغيير، شتم الرئيس عون عبر منشورات، كما نشر صوراً وعبارات تحقّر المسيح وأيقونات دينية مسيحية، إلا أن أحداً لم يتفاعل مع ما كتبه. لكن يبدو أن ثقافة الوشاية تمكنت من كثيرين فعمد أحد مناصري “حزب القوات اللبنانية”، وهو ميشال شمعون، إلى نشر صور توثّق ما كتبه سعيد، وحوّلها إلى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، وفق ما قاله المحامي.  

في تفاصيل القصة، توقّف سعيد في 30 تشرين الأول، بعدما استدعاه مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بتهمة “إثارة النعرات الطائفية” و”تحقير رئيس الدولة”. وبعد إذلاله وتعنيفه لفظياً، طلب المحققون من سعيد التوقيع على تعهّد خطّي بعدم المساس بالمقدسات الدينية وبشخص الرئيس، كما طُلب منه حذف منشوارته، إلا أنه رفض على رغم محاولات أفراد أسرته إقناعه بذلك. فتم لاحقاً توقيفه احتياطياً، ولا يزال موقوفاً حتى الآن في منطقة عاليه، إلى أن “تحوّلت قضيته لاحقاً إلى عقوبة، وهو أخطر ما حصل معه”، وفق ما قاله محامي سعيد لـ”درج”.   

يقول زهير، وهو أخ سعيد، إن أسرته حاولت جاهدة المطالبة بالإفراج عن سعيد، إلا أن الجهات المعنية اعتمدت المماطلة في القضية، فحوّلت الملف إلى المطالعة، ليعيده لاحقاً القاضي بسام الحاج بدون اتخاذ أي إجراءات بحق الموقوف.  

وفي هذا السياق، يقول غريزي إن “الفترة التي يمضيها سعيد في السجن هي ظلم وافتراء، لأن العنصر المعنوي للجرم غير موجود في القضية”. مضيفاً، “كان بإمكان القاضي بسام الحاج إخلاء سبيله، الموضوع لا يستأهل نظراً إلى ظروف البلد وظروف سعيد النفسية… إذا كانوا يقصدون أن يُربّوا الرجل، فهو ما تربّى، وسيخرج بحقدٍ أكبر!”.

إذاً، ففي حين تتراخى السلطات اللبنانية، أو تكاد تغيب كلياً، عن محاسبة فاسدين وثّقت وسائل إعلامية فسادهم وسرقاتهم بالصوت والصورة، أو محاسبة متّهمين في قضية انفجار مرفأ بيروت، فهي تلاحق شاباً عاطلاً من العمل يستخدم صفحته الشخصية لتفريغ غضبٍ عبر ما بقيَ له، أي الكلمة والشتيمة، على صفحةٍ تكاد تخلو من أي زائرٍ.  

القمع سارٍ على قدمٍ وساق…

تعتبر قضية سعيد واحدة من أخطر قضايا انتهاكات حرية الرأي والتعبير نسبة، فـ40 يوماً أي فترة توقيف سعيد في السجن الاحتياطي، تعتبر من أطول الفترات التي يمكن أن يمضيها شخص في التوقيف الاحتياطي.

وتتوسّع يومياً الانتهاكات الصارخة ضدّ حريّة التعبير والرأي والصحافة في لبنان، بوتيرة متسارعة بدأت تستفحل منذ انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، فبدأت البلاد تشهد قمعاً مباشراً على صحافيين ونشطاء للجم التغطيات والآراء الناقدة للسلطة وممارساتها على مختلف الصعد، وهذا ما وثّقته مؤسسة مهارات في تقريرها السنوي لـ”حرية الإعلام والتعبير في لبنان”. كما تنامى النمط القمعي والعدائي تجاه المواطنين والصحافيين، عبر الاستخدام المفرط للقوة، وتزايد الاستدعاءات، وغياب الشفافية، وتنامي سياسة الإفلات من العقاب.

40 يوماً

لا يزال سعيد موقوفاً في عاليه منذ:

فقد رصدت منصة “ملحق” لحرية التعبير في لبنان، التابعة لمنظمة “سميكس”، أنه تم توقيف أكثر من 40 شخصاً بسبب منشورات فايسبوكية في هذا العام.  

وفي هذا السياق، يقول محمد نجم، المدير التنفيذي لـ”سميكس” إنه “على رغم الازدياد الواضح في وتيرة التوقيفات التعسفية لنشطاء، إلا أن اللافت هو تزامن ذلك مع رفع سقف حرية التعبير لدى الشعب اللبناني”، والذي يُرجّح أنه نابع من انعدام ثقة اللبنانيين بحكامهم، لا سيما منذ تفجير مرفأ بيروت. 

كما تؤكّد آية المجذوب، الباحثة في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، لـ”درج” أن “أكثر ما يثير القلق هو أن النيابة العامة والأجهزة الأمنية والقضاء تصرفت في معظم قضايا توقيفات الرأي بشكل غير قانوني، لمصلحة جماعات سياسية ودينية”. وهو ما يظهر جلياً في قضية سعيد، إذ إن توقيفه وإجباره على توقيع تعهد يخالف حكماً القانون اللبناني. 

11.12.2020
زمن القراءة: 3 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية