fbpx

انتهت الحرب… وسأعانق أمّي أخيراً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

انتهت الحرب وتستطيع جدّة صديقتي وجميع الجدّات التوقّف عن عدّ الأيام والعودة فعلاً إلى القرى والبيوت العزيزة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 هو أجمل ما يمكن أن يحصل برغم كل شيء، أن نشاهد هذه الوجوه التي أبكانا حزنها عائدة إلى أمكنتها، لعلّها تبتسم إن استطاعت، وإن حالفها الحظ لترى البيوت في مكانها والأحباء أحياء.

لا أعرف بماذا شعرت لحظة وصلني الخبر العاجل بأن الحكومة الإسرائيلية وافقت على وقف إطلاق النار، نظرت من حولي وانتابني دوار… ماذا يشعر المرء حين تنتهي حرب عبثية دمّرت كل شيء؟ هل يفرح لأنها انتهت أم يحزن على هذا الدمار كله؟ جنون من المشاعر أصابني، وأظنّ أنه أصاب كثيرين، فمن بقي حياً ولم تقتله قذيفة أو شظية، خرج من الحرب متعباً محتاجاً إلى علاج نفسي وإلى من يجيبه عن أسئلة صعبة مثل، ما داموا يستطيعون التوصل إلى اتفاق لماذا الحرب؟ وماذا غيّرت جبهة الإسناد في واقع أهل غزة؟ لماذا دُمّر بيت فاطمة في الضاحية الجنوبية؟ ولماذا خسر علي 3 بيوت و3 أقرباء؟ أحقاً من أجل هذا الاتفاق؟

لا شيء أجمل من مشاهد العودة وهي تملأ هواتفنا هذا الصباح. ولكن كيف ننسى أن الحرب انتهت باتفاق إذعان وبنحو 3700 قتيل و15 ألف جريح، آلاف البيوت والوحدات السكنية المدمّرة، انتهت على أشلائنا، على وجوهنا المتعبة، على قرى جنوبية يتجوّل فيها الجنود الإسرائيليين، على الرعب في وجوه النازحين وهم يحاولون النجاة بأنفسهم في آخر ليلة من جنون أفيخاي أدرعي، الرجل الذي تحكّم بحياتنا على مدى أكثر من شهرين. وكان أفيخاي حين يشعر بالملل ينشر فيديوات على منصّة (X ) وهو يغني بالعربية ويضحك أو يرد على أحد التيكتوكرز اللبنانيين، كما لو أن الدنيا بألف وخير، وكما لو أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية لا يملك عملاً آخر.

انتهت الحرب وتستطيع جدّة صديقتي وجميع الجدّات التوقّف عن عدّ الأيام والعودة فعلاً إلى القرى والبيوت العزيزة.

 تقدّر أضرار المؤسسات الصناعية والتجارية والسياحية بـ510 ملايين دولار، منذ 17 أيلول/ سبتمبر الماضي، أي تاريخ توسع الحرب الإسرائيلية على لبنان، لترتفع كلفة الخسائر المباشرة وغير المباشرة إلى أكثر من 11 مليار دولار، يتصدّرها قطاع السكن، بحسب الدولية للمعلومات، فالوحدات السكنية المدمرة وصلت إلى 46 ألفاً… 46 ألف عائلة سيعودون إلى بيوتهم لكنهم لن يجدوها. 

انتهت الحرب باتفاق كان يمكن أن يكون بالحد الأدنى أقل إذلالاً للطرف اللبناني، وبأقل ضحايا ومجازر ودمار. قبل يومين، قال لي مواطن من الجنوب فيما كنتُ أجري تحقيقاً عن مزارعي الزيتون الجنوبيين: “ما عاد عندي إلا كم شجرة زيتون قدام الباب”، ثم سألني: “أولك راحوا؟”.

لا أعرف يا عمّ وأتمنى لو أنني أستطيع أن أُعيد إليك كل أشجارك التي تحبّها والتي تحبّك، لكن ما أعرفه أن البنك الدولي توقّع في تقرير جديد، أن يؤدي تعطيل حصاد الزيتون بسبب القصف والنزوح إلى خسائر تبلغ 58 مليون دولار.

كل ما نتمناه في صباحنا الأول من دون الـMK ومن دون إنذارات الجيش الإسرائيلي وتحذيراته المرعبة، أن يصل كل واحد إلى بيته ورزقه، لكنه حلم، فلنعترف! لقد أبيدت قرى بحالها في الجنوب وتبخرت بيوت وأبنية ومنازل وتم محو معالم وذكريات كما لو أنها لم تكن أصلاً، وبالفعل أصبحت الحياة في بعض القرى شبه مستحيلة. أخبرنا صديق جنوبي نازح أيضاً كان يزورنا أن الحدود بين القرى لم تعد معروفة. ما هذا الحزن؟ وكيف نستطيع أن نفرح ببساطة لأن الحرب انتهت؟ من أين نستطيع التقاط الفرح واعتبار ما تمّ التوقيع عليه نصراً أو حتى نهاية عادلة؟ 

إنه صباح مؤلم، صباح يبتسم فيه نتانياهو لأنه أخذ الكثير وربما أكثر مما كان يحلم، فيما سيكون على لبنان دولةً وشعباً، إضافة إلى “حزب الله”، البحث عن أبواب لإعادة الإعمار، عسى ألا تكون جميعها مقفلة في وجوهنا، فنحن في العام 2024، ومرحلة تموز 2006 انتهت منذ سنوات، ولم يعد محبّونا كثراً ولم يعد أحد يصدّق الأكاذيب القديمة… لقد فُضحت للتو!

في كل حال، انتهت الحرب وسأعانق أمّي أخيراً!

27.11.2024
زمن القراءة: 3 minutes

انتهت الحرب وتستطيع جدّة صديقتي وجميع الجدّات التوقّف عن عدّ الأيام والعودة فعلاً إلى القرى والبيوت العزيزة.

 هو أجمل ما يمكن أن يحصل برغم كل شيء، أن نشاهد هذه الوجوه التي أبكانا حزنها عائدة إلى أمكنتها، لعلّها تبتسم إن استطاعت، وإن حالفها الحظ لترى البيوت في مكانها والأحباء أحياء.

لا أعرف بماذا شعرت لحظة وصلني الخبر العاجل بأن الحكومة الإسرائيلية وافقت على وقف إطلاق النار، نظرت من حولي وانتابني دوار… ماذا يشعر المرء حين تنتهي حرب عبثية دمّرت كل شيء؟ هل يفرح لأنها انتهت أم يحزن على هذا الدمار كله؟ جنون من المشاعر أصابني، وأظنّ أنه أصاب كثيرين، فمن بقي حياً ولم تقتله قذيفة أو شظية، خرج من الحرب متعباً محتاجاً إلى علاج نفسي وإلى من يجيبه عن أسئلة صعبة مثل، ما داموا يستطيعون التوصل إلى اتفاق لماذا الحرب؟ وماذا غيّرت جبهة الإسناد في واقع أهل غزة؟ لماذا دُمّر بيت فاطمة في الضاحية الجنوبية؟ ولماذا خسر علي 3 بيوت و3 أقرباء؟ أحقاً من أجل هذا الاتفاق؟

لا شيء أجمل من مشاهد العودة وهي تملأ هواتفنا هذا الصباح. ولكن كيف ننسى أن الحرب انتهت باتفاق إذعان وبنحو 3700 قتيل و15 ألف جريح، آلاف البيوت والوحدات السكنية المدمّرة، انتهت على أشلائنا، على وجوهنا المتعبة، على قرى جنوبية يتجوّل فيها الجنود الإسرائيليين، على الرعب في وجوه النازحين وهم يحاولون النجاة بأنفسهم في آخر ليلة من جنون أفيخاي أدرعي، الرجل الذي تحكّم بحياتنا على مدى أكثر من شهرين. وكان أفيخاي حين يشعر بالملل ينشر فيديوات على منصّة (X ) وهو يغني بالعربية ويضحك أو يرد على أحد التيكتوكرز اللبنانيين، كما لو أن الدنيا بألف وخير، وكما لو أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية لا يملك عملاً آخر.

انتهت الحرب وتستطيع جدّة صديقتي وجميع الجدّات التوقّف عن عدّ الأيام والعودة فعلاً إلى القرى والبيوت العزيزة.

 تقدّر أضرار المؤسسات الصناعية والتجارية والسياحية بـ510 ملايين دولار، منذ 17 أيلول/ سبتمبر الماضي، أي تاريخ توسع الحرب الإسرائيلية على لبنان، لترتفع كلفة الخسائر المباشرة وغير المباشرة إلى أكثر من 11 مليار دولار، يتصدّرها قطاع السكن، بحسب الدولية للمعلومات، فالوحدات السكنية المدمرة وصلت إلى 46 ألفاً… 46 ألف عائلة سيعودون إلى بيوتهم لكنهم لن يجدوها. 

انتهت الحرب باتفاق كان يمكن أن يكون بالحد الأدنى أقل إذلالاً للطرف اللبناني، وبأقل ضحايا ومجازر ودمار. قبل يومين، قال لي مواطن من الجنوب فيما كنتُ أجري تحقيقاً عن مزارعي الزيتون الجنوبيين: “ما عاد عندي إلا كم شجرة زيتون قدام الباب”، ثم سألني: “أولك راحوا؟”.

لا أعرف يا عمّ وأتمنى لو أنني أستطيع أن أُعيد إليك كل أشجارك التي تحبّها والتي تحبّك، لكن ما أعرفه أن البنك الدولي توقّع في تقرير جديد، أن يؤدي تعطيل حصاد الزيتون بسبب القصف والنزوح إلى خسائر تبلغ 58 مليون دولار.

كل ما نتمناه في صباحنا الأول من دون الـMK ومن دون إنذارات الجيش الإسرائيلي وتحذيراته المرعبة، أن يصل كل واحد إلى بيته ورزقه، لكنه حلم، فلنعترف! لقد أبيدت قرى بحالها في الجنوب وتبخرت بيوت وأبنية ومنازل وتم محو معالم وذكريات كما لو أنها لم تكن أصلاً، وبالفعل أصبحت الحياة في بعض القرى شبه مستحيلة. أخبرنا صديق جنوبي نازح أيضاً كان يزورنا أن الحدود بين القرى لم تعد معروفة. ما هذا الحزن؟ وكيف نستطيع أن نفرح ببساطة لأن الحرب انتهت؟ من أين نستطيع التقاط الفرح واعتبار ما تمّ التوقيع عليه نصراً أو حتى نهاية عادلة؟ 

إنه صباح مؤلم، صباح يبتسم فيه نتانياهو لأنه أخذ الكثير وربما أكثر مما كان يحلم، فيما سيكون على لبنان دولةً وشعباً، إضافة إلى “حزب الله”، البحث عن أبواب لإعادة الإعمار، عسى ألا تكون جميعها مقفلة في وجوهنا، فنحن في العام 2024، ومرحلة تموز 2006 انتهت منذ سنوات، ولم يعد محبّونا كثراً ولم يعد أحد يصدّق الأكاذيب القديمة… لقد فُضحت للتو!

في كل حال، انتهت الحرب وسأعانق أمّي أخيراً!