“أنا رايح على التحقيق وراسي مرفوع وما في شي خاف منه… مش أنا اللي فجّرت المرفأ ولا أنا اللي سرقت… رايح على التحقيق لأن بحب شوف كيف القانون بيمشي ع ناس إيه وناس لأ بالبلد…”، يقول ويليام نون، شقيق الضحية جو نون، مؤكّداً أنه سيخضع للتحقيق في ما وصفته قوى الأمن بـ”أعمال الشغب”، إثر رشق أهالي الضحايا مبنى قصر العدل بالحجارة كردّ فعل على استفزازهم من موظفين.
يروي ويليام لـ”درج” أنه لا يُمانع الخضوع للتحقيق على ما صدر منه، ويرى تصرّفه كـ”ردّة فعل طبيعية ومُحقّة على محاولات السلطة طمس ملف انفجار المرفأ”، إلا أنه يؤكّد أن استدعاء أمهات الضحايا اللاتي تجاوزن الستين من العمر “ليس مقبلولاً”، إذ استُدعي والد الضحية جو بو صعب إلى التحقيق، وكان مُقرراً أن تُستدعى والدة الضحية أحمد قعدان، سيدة ستينية تحضرُ في وقفات أهالي الضحايا الاحتجاجية بثوبها الأسود، وصورة ابنها الوحيد لا تفارقها.
يبدو الحزن والغضب على والدة أحمد حال الحديث معها، انعكاس واضح لصراعها الداخلي، تقول والدموع على وجنتيها: “اللي راح ما رح يرجع، أنا دفنت إبني الوحيد وخسرت الغالي”، وتُضيف: “إذا ما بيستكملوا التحقيق مش بس منكسر الزجاج، منهدّ قصر العدل على رؤوسهن”.
“أنا رايح على التحقيق وراسي مرفوع وما في شي خاف منه… مش أنا اللي فجّرت المرفأ ولا أنا اللي سرقت… رايح على التحقيق لأن بحب شوف كيف القانون بيمشي ع ناس إيه وناس لأ بالبلد…”
ما جديد القضية؟
تزامناً مع موعد انعقاد جلسة مجلس القضاء الأعلى، صباح اليوم الخميس 12 كانون الثاني/ يناير، نظّم أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت تحركاً احتجاجياً أمام قصر العدل في بيروت.
تجمّع الأهالي أمام مدخل قصر العدل الرئيسي، حاملين صور أبنائهم الضحايا، ومطالبين بعودة القاضي طارق البيطار لمتابعة تحقيقاته. وعلى رغم أن الحدث القضائي الأبرز للعام الجديد هو إعلان القضاة انتهاء اعتكافهم، إلا أن التحقيق في تفجير المرفأ لا يزال متوقّفاً منذ كانون الأول/ديسمبر 2021، بسبب دعاوى الردّ ضد البيطار والتدخّلات السياسية التي عرقلت هذا الملف.
لم تُعقد الجلسة بسبب عدم اكتمال النصاب، كما علم “درج” أن النائب العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، رفض ترؤس جلسة “تطيير” البيطار، إذ كان متوقعاً تعيين قاضٍ رديف للقضية.
خرج الأهالي في وقفةٍ سابقة مع وعود متكررة من القاضي عبّود، الذي أكد لهم أنه عاجز عن التدخل لمنع العراقيل في هذا الملف، وتزامن خروجهم مع وصول القوى الجنائية التي أخذت البصمات الموجودة على الأحجار داخل قصر العدل، بعدما فتحت النيابة العامة تحقيقاً لمُعاقبة المشاركين في “أعمال الشغب”.
أُجّل التحقيق مع الأهالي إلى الجمعة 13 كانون الأول وفق المحامي المُتابع لقضية المرفأ علي عباس، أرسل طلب التأجيل تخوّفاً من محاولات السلطة تشتيت الانتباه وتمرير جلسة “تطيير” البيطار. علماً أن ثلاثة قضاة فرنسيين أتوا إلى لبنان للعمل على القضية.
يصف المحامي والناشط القانوني واصف الحركة، كل ما يحصل في ملف انفجار المرفأ بـ”هرطقة قانونية”، لا سيما إحالة القاضي سهيل عبّود طلبات إخلاء الموقوفين الى القاضي بيطار، الحركة اللامنطقية واللاقانونية، والتي يعتبرها محاولة لتمييع القضية مُجدداً، فالبيطار ذو يد مكفوفة بسبب طلبات الرد. واعتبر آخرون هذه الحركة استعراضاً للسطوة السياسية ومحاولة غير قانونيّة لإعادة القاضي البيطار إلى الملف، باعتبار” تحويل هذه الطلبات إليه لن يؤدي إلى أي نتيجة، فالبيطار مصرٌّ على معاقبة الموقوفين لأسباب سياسية”.
إقرأوا أيضاً:
ما الحلّ لكسر الجمود القضائي؟
“أول جريمة كانت جريمة المرفأ، تاني جريمة كانت العرقلات، والجريمة التالتة هي دفن الملف… مش رح نسمح بتكريس سياسة عفا الله عما مضى”، تقول مريانا التي فقدت شقيقتها في الانفجار.
استند الأهالي في دعوتهم إلى التحرّك إلى أسباب عدة، منها “امتناع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، عن توقيع مرسوم التشكيلات القضائية الفرعية بحجج واهية، ما يعطّل يد العدالة، عبر عرقلة اكتمال نصاب الهيئة العامة لمحكمة التمييز بقضاة أصيلين بدلاً من القضاة أعضاء الهيئة المتقاعدين”.
المعروف أن وزير المال محسوب سياسياً على “حركة أمل”، التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، والتي ينتمي إليها اثنان من المُدّعى عليهم، وزير المال السابق النائب علي حسن خليل الصادرة بحقه مذكرة توقيف غيابية، ووزير الأشغال السابق النائب غازي زعيتر، وهما أيضاً وراء العدد الأكبر من الدعاوى التي وُجّهت ضد البيطار لكفّ يده، وخلف الدعوى التي كفّت يد المحقق العدلي الأول القاضي فادي صوان للارتياب المشروع.
يقول المحامي علي عباس معلقاً أن الحلّ الأمثل لكسر الجمود هو “استكمال تشكيل الهيئة العليا لمحكمة التمييز من خلال القضاة المكلّفين ليحلّوا محلّ رؤساء الغرف، وبالتالي تتشكّل الهيئة العليا لمحكمة التمييز وتتمكّن من البتّ في الملفات العالقة أمامها”.