fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

انفجر “كورونا” في روسيا وفضح أكاذيب بوتين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا أحد ممن يمتلك قدراً ولو محدوداً من التفكير السليم في روسيا سيصدق تأكيدات الرئيس فلاديمير بوتين عن أن جائحة “كورونا” تحت السيطرة في البلاد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هذا تمكن ملاحظته في وسائل التواصل الاجتماعي، على رغم العقوبات الصارمة التي هددت بها السلطة مستخدميها باعتبار أي معلومات عن الفايروس لا تأتي من المصادر الرسمية في خانة نشر الأخبار الكاذبة التي سيعاقب ناقلوها بعقوبات تصل إلى السجن. ولكن على رغم هذا الوعيد والتهديد تعج وسائل التواصل الاجتماعي في روسيا بالمعلومات والأفكار والآراء التي لا تخفي الشكوك بمدى صدقية الكرملين. الروس فاقدو الثقة بنظامهم لم يدخروا الوقت في اتخاذ ما عليهم من خطوات لحماية أنفسهم وعائلاتهم، والتحصن باحتياطات فردية على صعيد المستلزمات الطبية والأغذية، استعداداً لأيام قاتمة تلوح في الأفق.

في هذه الأيام، انفجرت ذاكرة جيل الثمانينات من السوفيات لتعود إلى ذاكرتهم الجماعية أحداث كارثة تشرنوبيل الحالكة والمهلكة عام 1986 التي أخفتها القيادة الشيوعية لأشهر متتالية عن الشعب، إلى الحرائق العملاقة التي اندلعت عام 2010، ووصلت إلى العاصمة موسكو والتهمت نيرانها أكثر من ألفي بيت وقتلت العشرات، وغيرها من سلسلة الكوارث التي تسترت السلطة عليها ومنعت الحديث عنها في الوقت المطلوب لتجنب آثارها البشرية الكبيرة.

تعتبر كارثة تشرنوبيل البقعة الأكثر ظلامية في تاريخ النظام الشيوعي السوفياتي، والأشهر في التاريخ الروسي، التي ظلت ذكرياتنا بشأنها مشوشة للغاية إلى أن جسدت تفاصيلها الحقيقية قناة HBO، في مسلسل تلفزيوني من خمس حلقات فاق التوقعات وحاز نسبة 9.9 من 10 على موقع “آي آم دي بي”. كشف المسلسل عن الفساد المستشري في الماكنة السياسية السوفياتية. وتكمن أهميته في أنه قدم أجوبة أنهت الذكريات المشوشة التي سببها الحادث، فمشاهدوه آنذاك كانوا ربما أطفالاً صغاراً أو لم يولدوا بعد عند انفجار المفاعل النووي الشهير، وثانياً طبيعة الاتحاد السوفياتي والأنظمة الشيوعية التي كانت تدور في فلكه في أوروبا الشرقية المعروفة بتكتمها على المعلومات. طرح المسلسل التفاصيل الدقيقة للحادثة بشفافية ومهنية وصدقية عالية، وتمثلت مزاياه الأخرى في أنه أعاد اكتشاف الحاثة التي كتب قصتها كريج مازن وأخرجها جون رينك.

الكذب على الطريقة السوفياتية

مع مرور الأيام وانتشار الوباء حول العالم، ظلت ماكنة الدعاية الروسية تصر على الإنكار، وتتحدث عن حالات فردية ومعدودة وصلت إلى يوم السادس من آذار/ مارس إلى 10 حالات فقط في هذه الدولة مترامية الأطراف، بهذا العدد الهائل من السكان في الفيدرالية، يبلغ 145 مليون نسمة. أثار ذلك حالة من السخرية على وسائل التواصل الاجتماعي مع إعلان بوتين أن “روسيا منعت انتقال العدوى بإغلاقها الحدود”، ولكن بعد 24 ساعة على هذا التصريح أعلنت السلطة ارتفاع عدد المصابين إلى 29 شخصاً”. وبعد ذلك بأيام تصاعدت الإصابات إلى المئات، ما دفع الرئيس الذي يقال إنه غادر موسكو إلى مكان معزول للظهور ليوجه خطاباً إلى الشعب عبر القناة التلفزيونية الرسمية، معلناً إغلاق البلاد لمدة أسبوع.

هل تسيطر روسيا فعلاً على الوباء وتمنعه من الانتشار؟ يقول المحلل السياسي الروسي فاليري سولوفوي في مقابلة اجرتها معه اذاعة “صدى موسكو” إن “الكرملين يخفي معلومات دقيقة عن موت أكثر من 1500 مواطن روسي منذ كانون الثاني/ يناير الماضي بعد إصابتهم بالفايروس”، موضحاً أنه “استقى معلوماته من مصادر مطلعة ما زال لديها قدر كبير من الضمير”، متوقعاً أن تنتشر العدوى في روسيا في الأسابيع المقبلة بوتيرة سريعة لتصيب أكثر من مليوني شخص على مستوى الفيدرالية”.

ظهور الرئيس بوتين المفاجئ على شاشة التلفزيون ليعلن تعطيل العمل في البلاد لمدة اسبوع لإبطاء سرعة انتشار المرض، وتأجيل إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي تمنحه الحق في مواصلة رئاسة الفيدرالية حتى عام 2036، والتي كان يفترض أن تجرى في 22 نيسان/ أبريل 2020، فهو يكون عرى نفسه بنفسه وكشف كذبته بأن “الوضع تحت السيطرة”.

عدا ذلك فإن أكثر ما يثير السخرية هو كمية القلق الذي كان يشع من وجه بوتين خلال توجيهه الخطاب، من الآتي المجهول في روسيا التي تخوض في وقت الجائحة حرباً إضافية حول أسعار النفط مع الولايات المتحدة والسعودية، والتي تبدو فيها موسكو حتى الآن الخاسرة الأكبر. بوتين الذي ظل يستخدم آلية توجيه الخطاب التلفزيوني فقط في الحالات النادرة للغاية وعند اتخاذ قرارات حاسمة، فاجأ العالم لا سيما أن خطابه جاء بعد جلسة مطولة للحكومة الروسية استمع خلالها إلى تقارير من الوزراء والمعنيين عن معدلات انتشار الفايروس في روسيا ومخاطره المتوقعه من النواحي البشرية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. حاول الرئيس القيصر تبرير قراره بإغلاق الدولة بضرورة اتخاذ تدابير لازمة لتقليص سرعة الانتشار وتقليص التهديد الذي وصفه بأنه الخطر الأكبر على المجتمع الدولي والاقتصاد العالمي .وقال بوتين في خطابه: «نرى مدى حدة تطور الوضع مع الوباء، وكيف أن عدد الحالات ينمو في كثير من البلدان، وحيث يتعرض الاقتصاد العالمي كله للهجوم، منوهاً بأنه من المستحيل منع تغلغل الفايروس بالكامل في بلادنا”!.

الأطباء يفضحون السلطة السياسية

كانت وسائل إعلام تابعة للدولة أجرت خلال الأسابيع المنصرمة مقابلات مع أطباء روس بارزين فندوا خلالها مزاعم الحكم بقلة عدد الإصابات، مؤكدين أن العدد الفعلي أعلى بكثير من ذلك الذي تعلنه الدولة. ورأى أطباء أن عدم تسجيل إصابات كبيرة يعود إلى مشكلات في الاختبار، ولعدم دقة أجهزة الفحص الروسية التي تتسم بحساسية أقل بكثير مما هو مستخدم في دول أخرى في العام كأوروبا والولايات المتحدة.

انفجرت ذاكرة جيل الثمانينات من السوفيات لتعود إلى ذاكرتهم الجماعية أحداث كارثة تشرنوبيل الحالكة والمهلكة عام 1986 التي أخفتها القيادة الشيوعية لأشهر متتالية عن الشعب.

ويتضح من الميديا الروسية أن الأجهزة الصحية تستخدم أجهزة فحص فايروس “كورونا” انتجها معهد حكومي متخصص في علم الفايروسات والتكنولوجيا الحيوية في مدينة نوفو سيبيرسك. والمشكلة الأكثر إثارة للغرابة هي أن الحكومة وفي هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد والعالم تتعامل مع هذا الجهاز، وكـأنه سر من أسرار الدولة، ما يجعل من إمكان تقييم دقته أمراً صعباً، وفق مختصين. إلا أن موقع الأخبار الطبية الروسية (PCR NEWS) خالف هذه المعلومات، مشيراً إلى أن جهاز الاختبار الروسي مبني على الطريقة المعتمدة في البلدان الأخرى”، مقراً في الوقت نفسه “بأن هذا الجهاز لا يكشف الفايروس إلا بوجود أكثر من 100000 نسخه منه في كل ملل للعينة الواحدة، وهو أكثر بكثير مما في الدول الاخرى”، إذ إن جهاز الفحص الأميركي يرصد الفايروس مع وجود 6250 نسخة منه في العينة”. وقالت اناستازيا فاسيليفا، التي تقود تحالف الأطباء الذي يقوم بحملات لتحسين الرعاية الصحية: “أنا متأكدة بشكل قاطع أن عدد مرضى الفايروس أكثر مما تعلنه السلطة”.

عقوبات ونقص أجهزة ومعدات

تنامي المخاوف في الأوساط الشعبية الروسية يعود إلى انتشار الوباء السريع، إضافة إلى الأرقام والبيانات التي تنشرتها وكالة الإحصاءات الحكومية والتي تظهر أن موسكو شهدت زيادة في حالات الالتهاب الرئوي المسجلة هذا العام. وأظهرت بيانات صادرة من وكالة “روستات” أن 6921 حالة التهاب رئوي سجلت في نهاية 2019، بارتفاع وصلت نسبته إلى 37 في المئة عن العام السابق. وكشفت فاسيليفا أن مجموعتها تتلقى شكاوى من أطباء يصفون أجنحة مستشفيات تفيض أصلاً بمرضى الالتهاب الرئوي، ويقولون إنهم ممنوعون من إدراج الالتهاب الرئوي كسبب في شهادة الوفاة، ونشرت تسجيلاً صوتياً قالت إنها تلقته من طبيب في مستشفى موكين (MUKHIN) في موسكو، يتحدث فيه عن تخصيص 240 سريراً يعانون من التهاب رئوي حاد. وأشارت المعلقة الليبرالية البارزة فاليري سولوفي في حديث مع ABC نيوز، إلى أن “إخفاء الحقيقة هو تقليد روسي منذ تشرنوبيل”. وبعث 26 شخصية سياسية وثقافية تميل الى المعارضة رسالة ترجح وجود آلاف أو عشرات آلاف الإصابات أكثر مما أبلغ عنه رسميا حتى الآن. ودعا الكرملين إلى التخلي عن سياسة الإبطاء والترقب والإسراع بفرض إجراءات الحجر الصحي الصارمة”.

تراقب السلطة بانتباه المعلومات والتعليقات التي يوردها الروس على وسائل التواصل الاجتماعي، وتسارع إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد مصدرها، لأنها تعتبرها أخباراً مزيفة، وتحدثت الميديا الروسية عن قيام الدائرة الفيدرالية للأمن القومي في اوائل آذار/ مارس، وجهاز الرقابة على الانترنت بحذف تغريدة مفادها أن الحكومة الروسية تخفي عن الشعب أن عدد المصابين تعدى الـ20 ألف شخص. ويسود تشاؤم وسط المجتمع بعد الإقرار بوجود نقص حاد في التجهيزات اللازمة من أجهزة التنفس الاصطناعي إلى الكمامات والملابس الواقية حتى للطواقم الطبية. في السياق، اعترف المفتش الصحي العام للدولة بأن أكثر من 36 ألف حالة تحت المراقبة لشكوك بإصابتهم المحتملة بالفايروس”.

تطور الفايروس وسرعة تفشي العدوى، يزيدان من احتمالات تحوله إلى قاتل جماعي في روسيا، والكرملين سيكون المسؤول الفعلي لوصول البلاد إلى هذا الوضع لإنكاره المبكر ولتأخره في اتخاذ الإجراءات الصارمة التي تحظر عمل دور السينما والنوادي الليلية ومراكز التسلية والمطاعم، ومنع التجمعات العامة واقتصارها على مشاركين لا يزيد عددهم عن 50 شخصاً. وهو عدد كبير للغاية على خلفية قيام الكثير من الدول بمنع تجمع أكثر من شخصين على أن يحتفظا بمسافة مترين بينهما. ونقلت مواقع إلكترونية روسية نبأ عن توافد أكثر من 70 ألف روسي إلى إحدى كنائس سان بطرسبورغ، كانوا يصطفون خلف بعضهم بعضاً ليقبلوا بالدور زجاج علبة صغيرة قال الايكليروس أنها تضم ذخائر يوحنا المعمدان. ولعل أغرب استنتاج وصلت إليه صحيفة الكرملين (VZ) هو أن معركة البشرية مع جائحة كورونا “أكدت انتصار الصين على الولايات المتحدة”. وإحدى فوائد الفايروس أنه “خلق مجتمعاً مدنياً في روسيا!”.

27.03.2020
زمن القراءة: 6 minutes

لا أحد ممن يمتلك قدراً ولو محدوداً من التفكير السليم في روسيا سيصدق تأكيدات الرئيس فلاديمير بوتين عن أن جائحة “كورونا” تحت السيطرة في البلاد.

هذا تمكن ملاحظته في وسائل التواصل الاجتماعي، على رغم العقوبات الصارمة التي هددت بها السلطة مستخدميها باعتبار أي معلومات عن الفايروس لا تأتي من المصادر الرسمية في خانة نشر الأخبار الكاذبة التي سيعاقب ناقلوها بعقوبات تصل إلى السجن. ولكن على رغم هذا الوعيد والتهديد تعج وسائل التواصل الاجتماعي في روسيا بالمعلومات والأفكار والآراء التي لا تخفي الشكوك بمدى صدقية الكرملين. الروس فاقدو الثقة بنظامهم لم يدخروا الوقت في اتخاذ ما عليهم من خطوات لحماية أنفسهم وعائلاتهم، والتحصن باحتياطات فردية على صعيد المستلزمات الطبية والأغذية، استعداداً لأيام قاتمة تلوح في الأفق.

في هذه الأيام، انفجرت ذاكرة جيل الثمانينات من السوفيات لتعود إلى ذاكرتهم الجماعية أحداث كارثة تشرنوبيل الحالكة والمهلكة عام 1986 التي أخفتها القيادة الشيوعية لأشهر متتالية عن الشعب، إلى الحرائق العملاقة التي اندلعت عام 2010، ووصلت إلى العاصمة موسكو والتهمت نيرانها أكثر من ألفي بيت وقتلت العشرات، وغيرها من سلسلة الكوارث التي تسترت السلطة عليها ومنعت الحديث عنها في الوقت المطلوب لتجنب آثارها البشرية الكبيرة.

تعتبر كارثة تشرنوبيل البقعة الأكثر ظلامية في تاريخ النظام الشيوعي السوفياتي، والأشهر في التاريخ الروسي، التي ظلت ذكرياتنا بشأنها مشوشة للغاية إلى أن جسدت تفاصيلها الحقيقية قناة HBO، في مسلسل تلفزيوني من خمس حلقات فاق التوقعات وحاز نسبة 9.9 من 10 على موقع “آي آم دي بي”. كشف المسلسل عن الفساد المستشري في الماكنة السياسية السوفياتية. وتكمن أهميته في أنه قدم أجوبة أنهت الذكريات المشوشة التي سببها الحادث، فمشاهدوه آنذاك كانوا ربما أطفالاً صغاراً أو لم يولدوا بعد عند انفجار المفاعل النووي الشهير، وثانياً طبيعة الاتحاد السوفياتي والأنظمة الشيوعية التي كانت تدور في فلكه في أوروبا الشرقية المعروفة بتكتمها على المعلومات. طرح المسلسل التفاصيل الدقيقة للحادثة بشفافية ومهنية وصدقية عالية، وتمثلت مزاياه الأخرى في أنه أعاد اكتشاف الحاثة التي كتب قصتها كريج مازن وأخرجها جون رينك.

الكذب على الطريقة السوفياتية

مع مرور الأيام وانتشار الوباء حول العالم، ظلت ماكنة الدعاية الروسية تصر على الإنكار، وتتحدث عن حالات فردية ومعدودة وصلت إلى يوم السادس من آذار/ مارس إلى 10 حالات فقط في هذه الدولة مترامية الأطراف، بهذا العدد الهائل من السكان في الفيدرالية، يبلغ 145 مليون نسمة. أثار ذلك حالة من السخرية على وسائل التواصل الاجتماعي مع إعلان بوتين أن “روسيا منعت انتقال العدوى بإغلاقها الحدود”، ولكن بعد 24 ساعة على هذا التصريح أعلنت السلطة ارتفاع عدد المصابين إلى 29 شخصاً”. وبعد ذلك بأيام تصاعدت الإصابات إلى المئات، ما دفع الرئيس الذي يقال إنه غادر موسكو إلى مكان معزول للظهور ليوجه خطاباً إلى الشعب عبر القناة التلفزيونية الرسمية، معلناً إغلاق البلاد لمدة أسبوع.

هل تسيطر روسيا فعلاً على الوباء وتمنعه من الانتشار؟ يقول المحلل السياسي الروسي فاليري سولوفوي في مقابلة اجرتها معه اذاعة “صدى موسكو” إن “الكرملين يخفي معلومات دقيقة عن موت أكثر من 1500 مواطن روسي منذ كانون الثاني/ يناير الماضي بعد إصابتهم بالفايروس”، موضحاً أنه “استقى معلوماته من مصادر مطلعة ما زال لديها قدر كبير من الضمير”، متوقعاً أن تنتشر العدوى في روسيا في الأسابيع المقبلة بوتيرة سريعة لتصيب أكثر من مليوني شخص على مستوى الفيدرالية”.

ظهور الرئيس بوتين المفاجئ على شاشة التلفزيون ليعلن تعطيل العمل في البلاد لمدة اسبوع لإبطاء سرعة انتشار المرض، وتأجيل إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي تمنحه الحق في مواصلة رئاسة الفيدرالية حتى عام 2036، والتي كان يفترض أن تجرى في 22 نيسان/ أبريل 2020، فهو يكون عرى نفسه بنفسه وكشف كذبته بأن “الوضع تحت السيطرة”.

عدا ذلك فإن أكثر ما يثير السخرية هو كمية القلق الذي كان يشع من وجه بوتين خلال توجيهه الخطاب، من الآتي المجهول في روسيا التي تخوض في وقت الجائحة حرباً إضافية حول أسعار النفط مع الولايات المتحدة والسعودية، والتي تبدو فيها موسكو حتى الآن الخاسرة الأكبر. بوتين الذي ظل يستخدم آلية توجيه الخطاب التلفزيوني فقط في الحالات النادرة للغاية وعند اتخاذ قرارات حاسمة، فاجأ العالم لا سيما أن خطابه جاء بعد جلسة مطولة للحكومة الروسية استمع خلالها إلى تقارير من الوزراء والمعنيين عن معدلات انتشار الفايروس في روسيا ومخاطره المتوقعه من النواحي البشرية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. حاول الرئيس القيصر تبرير قراره بإغلاق الدولة بضرورة اتخاذ تدابير لازمة لتقليص سرعة الانتشار وتقليص التهديد الذي وصفه بأنه الخطر الأكبر على المجتمع الدولي والاقتصاد العالمي .وقال بوتين في خطابه: «نرى مدى حدة تطور الوضع مع الوباء، وكيف أن عدد الحالات ينمو في كثير من البلدان، وحيث يتعرض الاقتصاد العالمي كله للهجوم، منوهاً بأنه من المستحيل منع تغلغل الفايروس بالكامل في بلادنا”!.

الأطباء يفضحون السلطة السياسية

كانت وسائل إعلام تابعة للدولة أجرت خلال الأسابيع المنصرمة مقابلات مع أطباء روس بارزين فندوا خلالها مزاعم الحكم بقلة عدد الإصابات، مؤكدين أن العدد الفعلي أعلى بكثير من ذلك الذي تعلنه الدولة. ورأى أطباء أن عدم تسجيل إصابات كبيرة يعود إلى مشكلات في الاختبار، ولعدم دقة أجهزة الفحص الروسية التي تتسم بحساسية أقل بكثير مما هو مستخدم في دول أخرى في العام كأوروبا والولايات المتحدة.

انفجرت ذاكرة جيل الثمانينات من السوفيات لتعود إلى ذاكرتهم الجماعية أحداث كارثة تشرنوبيل الحالكة والمهلكة عام 1986 التي أخفتها القيادة الشيوعية لأشهر متتالية عن الشعب.

ويتضح من الميديا الروسية أن الأجهزة الصحية تستخدم أجهزة فحص فايروس “كورونا” انتجها معهد حكومي متخصص في علم الفايروسات والتكنولوجيا الحيوية في مدينة نوفو سيبيرسك. والمشكلة الأكثر إثارة للغرابة هي أن الحكومة وفي هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد والعالم تتعامل مع هذا الجهاز، وكـأنه سر من أسرار الدولة، ما يجعل من إمكان تقييم دقته أمراً صعباً، وفق مختصين. إلا أن موقع الأخبار الطبية الروسية (PCR NEWS) خالف هذه المعلومات، مشيراً إلى أن جهاز الاختبار الروسي مبني على الطريقة المعتمدة في البلدان الأخرى”، مقراً في الوقت نفسه “بأن هذا الجهاز لا يكشف الفايروس إلا بوجود أكثر من 100000 نسخه منه في كل ملل للعينة الواحدة، وهو أكثر بكثير مما في الدول الاخرى”، إذ إن جهاز الفحص الأميركي يرصد الفايروس مع وجود 6250 نسخة منه في العينة”. وقالت اناستازيا فاسيليفا، التي تقود تحالف الأطباء الذي يقوم بحملات لتحسين الرعاية الصحية: “أنا متأكدة بشكل قاطع أن عدد مرضى الفايروس أكثر مما تعلنه السلطة”.

عقوبات ونقص أجهزة ومعدات

تنامي المخاوف في الأوساط الشعبية الروسية يعود إلى انتشار الوباء السريع، إضافة إلى الأرقام والبيانات التي تنشرتها وكالة الإحصاءات الحكومية والتي تظهر أن موسكو شهدت زيادة في حالات الالتهاب الرئوي المسجلة هذا العام. وأظهرت بيانات صادرة من وكالة “روستات” أن 6921 حالة التهاب رئوي سجلت في نهاية 2019، بارتفاع وصلت نسبته إلى 37 في المئة عن العام السابق. وكشفت فاسيليفا أن مجموعتها تتلقى شكاوى من أطباء يصفون أجنحة مستشفيات تفيض أصلاً بمرضى الالتهاب الرئوي، ويقولون إنهم ممنوعون من إدراج الالتهاب الرئوي كسبب في شهادة الوفاة، ونشرت تسجيلاً صوتياً قالت إنها تلقته من طبيب في مستشفى موكين (MUKHIN) في موسكو، يتحدث فيه عن تخصيص 240 سريراً يعانون من التهاب رئوي حاد. وأشارت المعلقة الليبرالية البارزة فاليري سولوفي في حديث مع ABC نيوز، إلى أن “إخفاء الحقيقة هو تقليد روسي منذ تشرنوبيل”. وبعث 26 شخصية سياسية وثقافية تميل الى المعارضة رسالة ترجح وجود آلاف أو عشرات آلاف الإصابات أكثر مما أبلغ عنه رسميا حتى الآن. ودعا الكرملين إلى التخلي عن سياسة الإبطاء والترقب والإسراع بفرض إجراءات الحجر الصحي الصارمة”.

تراقب السلطة بانتباه المعلومات والتعليقات التي يوردها الروس على وسائل التواصل الاجتماعي، وتسارع إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد مصدرها، لأنها تعتبرها أخباراً مزيفة، وتحدثت الميديا الروسية عن قيام الدائرة الفيدرالية للأمن القومي في اوائل آذار/ مارس، وجهاز الرقابة على الانترنت بحذف تغريدة مفادها أن الحكومة الروسية تخفي عن الشعب أن عدد المصابين تعدى الـ20 ألف شخص. ويسود تشاؤم وسط المجتمع بعد الإقرار بوجود نقص حاد في التجهيزات اللازمة من أجهزة التنفس الاصطناعي إلى الكمامات والملابس الواقية حتى للطواقم الطبية. في السياق، اعترف المفتش الصحي العام للدولة بأن أكثر من 36 ألف حالة تحت المراقبة لشكوك بإصابتهم المحتملة بالفايروس”.

تطور الفايروس وسرعة تفشي العدوى، يزيدان من احتمالات تحوله إلى قاتل جماعي في روسيا، والكرملين سيكون المسؤول الفعلي لوصول البلاد إلى هذا الوضع لإنكاره المبكر ولتأخره في اتخاذ الإجراءات الصارمة التي تحظر عمل دور السينما والنوادي الليلية ومراكز التسلية والمطاعم، ومنع التجمعات العامة واقتصارها على مشاركين لا يزيد عددهم عن 50 شخصاً. وهو عدد كبير للغاية على خلفية قيام الكثير من الدول بمنع تجمع أكثر من شخصين على أن يحتفظا بمسافة مترين بينهما. ونقلت مواقع إلكترونية روسية نبأ عن توافد أكثر من 70 ألف روسي إلى إحدى كنائس سان بطرسبورغ، كانوا يصطفون خلف بعضهم بعضاً ليقبلوا بالدور زجاج علبة صغيرة قال الايكليروس أنها تضم ذخائر يوحنا المعمدان. ولعل أغرب استنتاج وصلت إليه صحيفة الكرملين (VZ) هو أن معركة البشرية مع جائحة كورونا “أكدت انتصار الصين على الولايات المتحدة”. وإحدى فوائد الفايروس أنه “خلق مجتمعاً مدنياً في روسيا!”.