برغم كل التحذيرات التي تلقتها من المجتمع الدولي ومن منظمات حقوق الإنسان في دول العالم، نفذت السلطات الإيرانية حكم الإعدام شنقا، بالصحافي المعارض روح الله زم، في سجن رجايي شهر في مدينة كرج غرب طهران، بعد اتهامه بارتكاب 13 جريمة سياسية بحق النظام الإسلامي وقيم الثورة والشعب الإيراني، من بينها “المحاربة والإفساد في الأرض” و”الخيانة العظمى” و”التحريض”.
قبل أكثر من سنة (14 شهرا)، كان جهاز الاستخبارات في تنظيم الحرس الثوري، قد نجح في تعقب زم ثم قام بخطفه لدى وصوله إلى بغداد، في مهمة صحافية، ونقله إلى طهران، ليمثل أمام المحكمة الثورية، ويواجه تهما لا علاقة لها بطبيعة عمله ونشاطه السياسي المشروع حقوقياً ومهنيا وإنسانيا.
من خلال إعدامه، عمد النظام إلى توجيه رسالة واضحة إلى معارضيه، من مثقفين وصحافيين وناشطين في الحقل المدني، ممن اكتسبوا شهرة وتأثيرا ودورا ملفتا في الآونة الأخيرة، أن أساليب اللعب قد تغيرت، وأن عقاب من يفضح أسراره ويتحداه، لن يكون السجن فقط، بل الإعدام.
قبل يومين من إعدامه، نُقل زم، إلى أحد عنابر سجن رجايي شهر، المعروف باسم عنبر الحرس الثوري، وأُعدم في باحته، في حضور محققين تابعين لكتيبة “ثار الله” في الحرس، وتُرك جسده يتأرجح على منصة الإعدام، أكثر من 20 دقيقة، كما ذكر والده محمد علي زم، الذي كتب على حسابه في “أنستاغرام”، أنه حتى عصر الجمعة، اليوم السابق للإعدام، لم يكن ولده على علم بقرب أجله، وأن السلطات القضائية، أعلمته (الوالد) بموعد تنفيذ الحكم، وأمرته بكتمان الخبر حتى عن ابنه.
بإعدامه، ينضم روح الله زم، مؤسس قناة “آمد نيوز” المعارضة، إلى أرواح ضحايا الاستبداد الديني، الذي يقبض على إيران، ويكتم على أنفاس شعبها، منذ أربعة عقود.
روح الله الخميني
كان زم طفلا رضيعا حين انتصرت الثورة، اختار له والده اسم روح الله، تيمنا بقائد الثورة الإمام روح الله الخميني، وحين بدأت الثورة بالانحراف عن مبادئها، كما ذكر في إحدى رسائله التي وجهها لمرشد الجمهورية السيد علي خامنئي، آثر الانضمام إلى صفوف المعارضة، التي أصبحت الوجه الحقيقي للثورة، وفي رسالة أخرى، خاطب زم المرشد، ليذكره بتضحيات جيل الثورة: “أنا روح الله، ابن ثورة الإمام الخميني، جئت إلى الدنيا قبل 6 أشهر من انتصار الثورة، وشاركت في التظاهرات الدموية، في 17 شهر يور 1357 (8 سبتمبر 1978)، وأنا ممدد بعربة تجرها أمي، قالت لي أمي إنه حين بدأ جنود الشاه يرمون المتظاهرين بالرصاص، لجأت إلى مقبرة بهشت زهرا (مقبرة في طهران) واختبأنا في قبر حتى انقضت المجزرة، التي عجّلت بسقوط الشاه وانتصار الثورة”.
أقلقت رسائله للمرشد الحرس الثوري، كما آراؤه الثورية المعارضة، التي انفجرت في صيف 2009، زمن “الثورة الخضراء”، حيث اختار أن يكون على رأس المجموعات الطالبية التي احتلت شوارع طهران، مطالبة بإسقاط الديكتاتورية الدينية والقبضة الحديدية الأمنية، فتم تصنيفه من ضمن الأعداء، الذين يخططون للإطاحة بالنظام الإسلامي وقيادة ثورة شبابية مضادة للثورة، وانتهى به المطاف منفيا في باريس، على خطى روح الله الخميني، لكن من دون ثورة ومع كثير من الشاهات على عروش الدين والعسكر والسياسة.
رغم إقامته في باريس، لم يأمن زم شرور النظام الذي هرب منه، فكان دائم الحديث عن سيناريو يعدّ له، يبدأ بالاعتقال وينتهي بالإعدام، فهو ابن هذه الحقبة السوداء من تاريخ إيران، ورأى بأم عينيه كيف انتهى معارضون أشداء قبله، لحقت بهم كواتم الصوت إلى عواصم العالم، فكيف بشاب مثله، لا يملك حزبا ولا جمهورا ولا مالا؟.
إقرأوا أيضاً:
أسس زم في منفاه موقعا إلكترونيا “آمد نيوز”، ثم أتبعه بقناة تلفزيونية تحمل الاسم نفسه، على تطبيق “تيليغرام” الذي يفضله الإيرانيون، واستطاع عبرهما فضح الكثير من ملفات الفساد والتجاوزات والارتكابات داخل أروقة النظام الإسلامي، مستفيدا من موقع والده، الذي شغل منصبا حكوميا في بدايات الثورة، معتمدا على مراسلات مواطنين وموظفين وجامعيين كانوا يرفدونه بالمعلومات سرا، وكذلك شبكة العلاقات التي نسجها مع سياسيين كانوا مؤيدين للنظام، ثم انقلبوا عليه.
برأي صحافيين أن إعلام زم الفردي، أذل المنظومة الإعلامية لأعتى الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، لذلك كانت النقمة عليه لا حدود لها، كما التصميم على الانتقام منه، الذي تمثل بالإعدام.
بلغت قناته التلفزيونية ذروة نشاطها الإعلامي، بين عامي 2017 – 2018، بالتزامن مع اندلاع انتفاضة الإيرانيين ضد الغلاء، التي انطلقت من مدينة مشهد المقدسة، وصولا إلى انتفاضة البنزين التي انطلقت من مدينة أصفهان في نوفمبر/ تشرين الثاني، في العام الماضي، وصارت مرجعا للأخبار الآتية من الداخل، حول الاحتجاجات وأسبابها ويومياتها والأوضاع السياسية والخلافات بين أجنحة النظام.
وعلى صعيد الداخل أصبحت قناته، القناة الأكثر انتشارا في إيران والأكثر شعبية بين الإيرانيين، ومرجعا أيضا لكل وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية خارج إيران، وبعرضها فيديوات وصورا عن الانتفاضة والانتهاكات، التي قامت بها أجهزة الأمن لقمع المتظاهرين، استمدت ثقة الإعلام في الخارج وقدرة عالية على التأثير في الداخل.
وبرأي صحافيين أن إعلام زم الفردي، أذل المنظومة الإعلامية لأعتى الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، لذلك كانت النقمة عليه لا حدود لها، كما التصميم على الانتقام منه، الذي تمثل بالإعدام.
ومن خلال إعدامه، عمد النظام إلى توجيه رسالة واضحة إلى معارضيه، من مثقفين وصحافيين وناشطين في الحقل المدني، ممن اكتسبوا شهرة وتأثيرا ودورا ملفتا في الآونة الأخيرة، أن أساليب اللعب قد تغيرت، وأن عقاب من يفضح أسراره ويتحداه، لن يكون السجن فقط، بل الإعدام.
في الرسالة الخامسة التي كتبها إلى المرشد الأعلى، كأن زم تنبأ بالمصير الذي ينتظره، فقد ختمها بأبيات شعر تقول:
“أقسم بالفقاعات المرتجفة عند حافة النهر
بلحظة الفرح القصيرة التي مرت
الحزن أيضا سيعبر
وما سيبقى مجرد ذكرى”
إقرأوا أيضاً: