fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

بريء في الموصل ومدان بذي قار: المؤبّد لضابط عراقي على قتله ثواراً 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الحكم الصادر بحق عمر نزار حقق جزءاً من العدالة المنقوصة في العراق وفتح الباب على أمثاله من المجرمين كي يحين إنهاء إفلاتهم من العقاب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يشهد العراق منذ مدّة طويلة، حالات محاسبة لمرتكبي جرائم تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، بخاصة تلك التي تتعلق بأهالي محافظات غرب العراق أو تلك التي حصلت بحق محتجي تظاهرات تشرين 2019 في محافظة ذي قار جنوب العراق، إذ أفلت ولا يزال الكثير من مرتكبي الانتهاكات من العقاب من دون أي محاسبة تُذكر، رغم الشكاوى والأدّلة وتوصيات المنظمات الحقوقية الدولية بضرورة محاسبتهم. 

ما حصل في قضية الضابط عمر نزار، ربما أعاد جزءاً من الأمل بمعاقبة المجرمين بصرف النظر عن مناصبهم أو القوى التي تساندهم في الخفاء، أملٌ كان قد انقطع في فترات سابقة بسبب ضعف الإجراءات الحكومية والقضائية من جهة، وعدم إنصاتها ومتابعة المعلومات والتقارير التي تكشف عنها مؤسسات صحافية وحقوقية من جهة أخرى. 

ماذا حصل؟

عمر نزار فخر الدين، ضابط برتبة مقدم في قوات الرد السريع العراقية، مقرّب من كبار قيادات الميليشيات الموالية لإيران، كان قد تورط بانتهاكات ضد حقوق الإنسان إبان حرب التحرير ضد تنظيم “داعش” عامي 2016 و 2017.

“كان نزار يدخل وبرفقته أفراد فرقته في أوقات متأخرة من الليل، إلى منازل في المناطق التي تم تحريرها من مقاتلي “داعش”، وكان يرغم سكانها الأبرياء على نطق “بيعة أمير داعش” لتكون الحجة للتلذّذ بإراقة دمائهم، أو مساومتهم لممارسة الجنس مع نسائهم مقابل العفو عنهم. كذلك، كان نزار يقوم بعمليات دخول انتقائية للمنازل في مدينة الموصل بذريعة التفتيش. لكن ما كان يحصل، أن فرقته كانت ترى في وقت سابق نساءً في المنزل وتقرر من ثم دخوله ليتم إغتصابهن بعدها”، هذا ما ورد في تسجيلات ومقاطع مصورة وثّقها الصحافي الكردي علي أركادي، الذي رافق قوات الرد السريع في عمليات التحرير قبل أن يغادر العراق ويكشف عنها في مؤتمر جنيف الدولي للعدالة، ويخرج على أثرها عمر نزار ويصرح “ارتكبنا أخطاء وأنا فخور بها”.

حقائق موثّقة لم تلق آذاناً صاغية ولم تلتفت إليها الحكومة العراقية، بل ما حصل أن وزارة الداخلية العراقية قامت بترقيته من رتبة رائد إلى رتبة مقدم، ليستمر بعدها نزار بممارسة مهامه بكل حرية ويختفي عن الإعلام.

ما حصل في قضية الضابط عمر نزار، ربما أعاد جزءاً من الأمل بمعاقبة المجرمين بصرف النظر عن مناصبهم أو القوى التي تساندهم في الخفاء

 قتل واغتصاب

كلِّف عمر نزار عام 2019 خلال تظاهرات تشرين، بالامساك بقطاعات للسيطرة على المتظاهرين في محافظة ذي قار، وحينها وقعت مجزرة جسر الزيتون في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، التي راح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى من المتظاهرين، على إثر ذلك تم تشكيل لجنة تحقيق لكشف المتورطين بالأحداث، وتم استدعاء مجموعة من الضباط، ومن ضمنهم عمر نزار، لتبدأ عملية التحقيق التي انتهت بعدم الكشف عن نتائجها وعدم محاسبة المسؤول عن وقوع المجزرة!.

عام 2022، كشفت منظمة “إنهاء الإفلات من العقاب” في العراق، في تقرير لها، عن وثائق حصلت عليها تخصّ نتائج لجنة التحقيق الخاصة بمجزرة جسر الزيتون، وتبين من خلال اعترافات القادة الأمنيين أن عمر نزار متورط بشكل مباشر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، إذ إنه خرج في الساعة الثالثة فجراً للواجب العسكري من دون أمر لوائه، وأمر جنوده بإطلاق الرصاص.

وصف أحد الضباط ما حصل في المجزرة قائلاً، “لم أر كثافة نيران كهذه حتى في معارك تحرير الموصل!”، كما أفاد آخر بأن عمر نزار لديه سوابق وكان قد تم منعه من قبل الأميركيين من المشاركة في بعض المعارك في الموصل بسبب قضايا أخلاقية، منها اغتصاب فتاة في تلعفر!.

نشر هذه الوثائق والأدلة كان مصدر ضغط كبير على الحكومة العراقية والقضاء، بخاصة أن التقرير ربط بين ما حصل في مجزرة الزيتون وما حصل في الموصل من انتهاكات، ليكون القضاء في موقف حرج هذه المرة بسبب تفاعل الصحافة العراقية والعالمية والرأي العام مع القضية، لتُصدر وزارة الداخلية في 11 شباط/ فبراير 2022 بياناً أعلنت فيه احتجاز عمر نزار على أثر ما تم كشفه.

منذ ذلك الحين، بدأت جلسات لمحاكمته عن جرائم القتل العمد وفق أحكام المادة 406 من قانون العقوبات العراقي، جلسات تكرر تأجيلها كثيراً لعدم كفاية الأدلة!، وقد مرّ أكثر من عام ونصف العام على احتجازه من دون الحكم عليه، إلى أن حكمت عليه محكمة استئناف ذي قار في 25 حزيران/ يونيو 2023 بالسجن المؤبد عن جرائم القتل التي ارتكبها بحق المتظاهرين في مدينة الناصرية.

أبطال من ثم مجرمون

وفي حوار مع “درج”، يكشف المصور الصحافي الكردي علي أركادي، كواليس توثيقه الانتهاكات التي قام بها عمر نزار وفرقته.

يقول أركادي، “في نيسان/ أبريل 2016، التقيت الضابط عمر نزار لأول مرة وفريقه الذي كان يضم 15 مقاتلاً بمدينة الفلوجة في العمليات العسكرية، قررت عمل فيلم وثائقي عنهم. كان عمر نزار يدير وحدة القوات الخاصة في الفلوجة مع حيدر علي المسمى (كوبرا)، وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2016، أي بداية عمليات تحرير مدينة الموصل، حصلت على مهمة لعشرة أيام مع مجلة “دير شبيغل” لتوثيق العمليات العسكرية، وبالفعل تم التنسيق وتمكنت من توثيق عمليات الجيش العراقي والحشد الشعبي والشرطة الاتحادية. وعند اكتمال الأيام العشرة، وصل عمر نزار ووحدته من الإجازة ليستبدل مع الفريق الآخر، التقيت بهم مرة أخرى وطلبوا مني البقاء لإكمال الفيلم الذي بدأت به، كان وجودي معهم لغرض إيجابي يتمثل بتوثيق قصة بطولية عن عمر نزار وحيدر علي، وهما من طائفتين مختلفتين، جنباً إلى جنب في القتال ضد داعش، لكن خلال الشهر الأخير تغيّرت الصورة وبدأت أكتشف الانتهاكات. لم يرضوا بتصوير كل شيء وطلبوا أن أوقف التصوير في مرات عدة، قاموا باعتقال المدنيين والذريعة أنهم منتمون الى التنظيم الإرهابي، لكن عند اطّلاعي على التحقيقات تبيّن أنهم مدنيون وبعضهم أطفال ونساء، فقالوا إنهم سيرسلونهم إلى بغداد للمحاكمة، لكن تبيّن لي أنه تم قتلهم ووضعهم في مقابر جماعية”.

في 15 تشرين الثاني 2016، اكتشف أركادي الانتهاكات بشكل فعلي عندما حرروا مدينة حمام العليل واستقروا في قرية  قبر العبد، حينها توقفت العمليات العسكرية قرابة شهر بقرار من القيادة العسكرية.

وأضاف أركادي، “بدأت وقتها كل الوحدات، وعلى رأسها وحدة عمر نزار وقسم الاستخبارات بقيادة هيثم المالكي، باعتقال الكثير من المدنيين رجالاً ونساء، بالإضافة إلى انتهاكات ليلية من عمر نزار وفريقه وقيامهم بعمليات اغتصاب وابتزاز وتعذيب وقتل للمدنيين بحجة انتمائهم الى تنظيم داعش وتسريب المعلومات”.

ضغوط وتهديدات

وعن الصعوبات التي واجهها أركادي خلال عملية التوثيق والكشف عن الانتهاكات، يقول لـ “درج”، “وُجد معنا حينها صحافيون ومصورون عراقيون من وكالات مختلفة، وصحافيون أجانب، لكن لسوء الحظ لم يوثقوا ما كان يحصل، ولم يتكلموا عن تلك الانتهاكات، كان الأمر تحدياً كبيراً بالنسبة إلي، بخاصة بعد تدهور حالتي النفسية، لكن قررت التحمل والبقاء لمعرفة مزيد عن الانتهاكات للتحقق أكثر كونه واجبي المهني والإنساني والفني الذي يحتم عليّ الاستمرار وكشف الحقيقة، خصوصاً أنني في الفلوجة أظهرتهم كأبطال عند أول عمل معهم، ما حتّم عليّ أيضاً أن أكشف الحقيقة المخالفة لذلك. كان هذا الأمر مصيرياً بالنسبة إلي، أخلاقياً ومهنياً، وعندما خرجت من العراق وعملت على كشف الأدلة تعرّض والدي بطريقة مباشرة للتهديد من الضابط عمر نزار، كما قاموا بنشر صوري واسمي في جميع نقاط التفتيش في العراق لاعتقالي لكنني لم أتوقف وقمت بنشرها مباشرةً بعد إكمال المقابلات مع الجهات الاعلامية”.

وفي ما يتعلق بانتهاكات عمر نزار خلال تظاهرات تشرين وبدايتها في الناصرية، يقول أركادي: “تلقيت اتصالات عدة من ناشطين وناشطات من خارج العراق، تلقوا وعوائلهم تهديدات لأنهم كتبوا عن عمر نزار وحاولوا تحذير الناس والمتظاهرين في الناصرية، وأذكر أحد المنشورات من قبل ناشطة كتبت رسالة تحذير الى المتظاهرين في الناصرية في صفحتها على موقع “فيسبوك” (عمر نزار مثلما عمل في الموصل من انتهاكات وقتل واغتصاب سيعمل نفس الشيء ولن  يحاسبه أحد)، فاتصلوا بها وأجبروها على حذف المنشور، وإن لم تفعل سيقومون بقتل إخوتها في بغداد، لم أتوقف أو أيأس وواصلت واجبي الإنساني والصحافي تجاه القضية”.

يعبر أركادي عن إيمانه بدور التوثيق والصحافة في كشف الحقيقة قائلاً، “كل شخص لديه جهاز ذكي هو بمثابة صحافي، أنت العين التي توثق الحقيقة، لا تنشرها مباشرةً لأن حياتك هي الأهم وبعدها الأدلة، نحن العراقيين بفطرتنا عاطفيون، أستقصي كل شيء وأبحث عن المعلومة، ولا أصدق قبل التأكد منها”.

خروج من البلد ومخاطر كبيرة وضغوط نفسية تعرض لها علي أركادي وعائلته، لم تكن كفيلة بثنيه عن إيصال رسالته التي وصفها بالواجب الإنساني والأخلاقي، لم يصبه اليأس من محاسبة المجرمين والمفسدين، وواصل العمل على كشف الانتهاكات رغم مرور سنوات عدة على الأحداث. ففي عام 2022، تواصل مع منظمة “إنهاء الإفلات من العقاب” في العراق وزوّدها بالوثائق كافة، ولم تتردد الأخيرة في كشفها من جديد، بالإضافة الى الوثائق التي تمتلكها. ويقول علي الخفاجي، وهو أحد مؤسسي المنظمة، في حواره مع “درج”، “هذا التعاون بين المؤسسة الصحافية والحقوقية أثمر إنجازاً لم يتحقق منذ بداية الحكم الجديد في العراق بعد 2003” .

يكشف الخفاجي عن العراقيل والضغوط والتهديدات الخطيرة خلال فترة احتجاز عمر نزار ، قائلاً : “أثناء احتجاز عمر نزار، تواصل معنا بعض الجرحى و ذوي ضحايا مجزرة جسر الزيتون الذين رفعوا شكاويهم ضد عمر نزار، بعضهم طلبوا المساعدة لتخليصهم من جماعات تابعة لعمر نزار تلاحقهم وتهددهم بالتصفية الجسدية في حال لم يتنازلوا عن قضاياهم، والبعض الآخر أخبرونا بأنه عرضت عليهم مبالغ مالية مقابل التنازل عن الشكاوى، لكن كلمة الحسم كانت صارمة من قبل ذوي الضحايا بالثبات على المطالبة بدماء أبنائهم. كما تعرضت المنظمة وأعضاؤها لحملات تسقيط ممنهجة من قبل جهات وشخصيات تابعة لميليشيات مسلحة، واتُّهِمنا بالارتباط بحزب البعث وقوى أجنبية، الأمر الذي دفعنا الى عدم كشف هوية أعضاء المنظمة ليستمروا بعملهم الاستقصائي والحفاظ على سلامتهم أولاً”.

يقول أحد الشباب من محافظة ذي قار :”أنا أحد الضحايا الذين أطلق عمر نزار النار عليهم وتسبب بتعطّل يدي بالكامل وهي الآن بحاجة لعملية جراحية كبرى في ألمانيا وإلا يجب بترها، لكن الآن أنا معرضّ لفقدان حياتي بسبب ملاحقتي من قبل أفراد تابعين لعمر نزار يحاولون قتلي أو اختطافي ويلاحقون أخي أيضاً لإجبارنا على التنازل عن الشكوى التي قدمتها ضد عمر نزار والتراجع عن الشهادة التي أدليت بها أمام القضاء، أنا الآن في إقليم كردستان خوفاً من ترهيبهم، ولا أمتلك المال ولا القدرة على البقاء هنا ولا أعلم ماذا أفعل”.

ويطرح الخفاجي تساۄلات عدة وينوه الى نقاط مهمة، إذ يقول: “وفقاً للمصادر التي تحدثت لمنظمتنا، فقد علمنا أنه قد تم تبرئة عمر نزار من الجرائم التي ارتكبها أيام معارك تحرير الموصل لعدم وجود أدلة، وهذا ما يثير استغرابنا، نظراً الى وجود أدلة بالصوت والصورة توثق انتهاكاته! كما نعتقد أن التأجيل المتكرر للمحاكمة كان يتم بضغط من جماعات داعمة لعمر نزار  في القضاء، لكسب الوقت لتسوية الأمور وترهيب ذوي الضحايا لإجبارهم على التنازل، وهذا ما ينذر بمؤشرات خطيرة تخصّ سياسات السلطة!”.

الحكم الصادر بحق عمر نزار حقق جزءاً من العدالة المنقوصة في العراق وفتح الباب على أمثاله من المجرمين كي يحين إنهاء إفلاتهم من العقاب، فالحكم سابقة لم تحدث من قبل، إذ لم تتم سابقاً محاسبة ضابط بهذا المستوى، بخاصة في القضايا المتعلقة بقمع تظاهرات تشرين، فهل سيكون ذلك بداية لإنهاء الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم والانتهاكات؟.

وائل السواح- كاتب سوري | 19.04.2025

تجربة انتخابية سورية افتراضية: أيمن الأصفري رئيساً

رغبتُ في تبيان أن الشرع ليس المرشّح المفضّل لدى جميع السوريين في عموم مناطقهم واتّجاهاتهم السياسية، وفقط من أجل تمرين عقلي، طلبتُ من أصدقائي على حسابي على "فيسبوك" المشاركة في محاكاة انتخابية، لاستقصاء الاتّجاه الذي يسير فيه أصدقائي، مفترضاً طبعاً أن معظمهم يدور في دائرة فكرية متقاربة، وإن تكُ غير متطابقة.

الحكم الصادر بحق عمر نزار حقق جزءاً من العدالة المنقوصة في العراق وفتح الباب على أمثاله من المجرمين كي يحين إنهاء إفلاتهم من العقاب.

لم يشهد العراق منذ مدّة طويلة، حالات محاسبة لمرتكبي جرائم تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، بخاصة تلك التي تتعلق بأهالي محافظات غرب العراق أو تلك التي حصلت بحق محتجي تظاهرات تشرين 2019 في محافظة ذي قار جنوب العراق، إذ أفلت ولا يزال الكثير من مرتكبي الانتهاكات من العقاب من دون أي محاسبة تُذكر، رغم الشكاوى والأدّلة وتوصيات المنظمات الحقوقية الدولية بضرورة محاسبتهم. 

ما حصل في قضية الضابط عمر نزار، ربما أعاد جزءاً من الأمل بمعاقبة المجرمين بصرف النظر عن مناصبهم أو القوى التي تساندهم في الخفاء، أملٌ كان قد انقطع في فترات سابقة بسبب ضعف الإجراءات الحكومية والقضائية من جهة، وعدم إنصاتها ومتابعة المعلومات والتقارير التي تكشف عنها مؤسسات صحافية وحقوقية من جهة أخرى. 

ماذا حصل؟

عمر نزار فخر الدين، ضابط برتبة مقدم في قوات الرد السريع العراقية، مقرّب من كبار قيادات الميليشيات الموالية لإيران، كان قد تورط بانتهاكات ضد حقوق الإنسان إبان حرب التحرير ضد تنظيم “داعش” عامي 2016 و 2017.

“كان نزار يدخل وبرفقته أفراد فرقته في أوقات متأخرة من الليل، إلى منازل في المناطق التي تم تحريرها من مقاتلي “داعش”، وكان يرغم سكانها الأبرياء على نطق “بيعة أمير داعش” لتكون الحجة للتلذّذ بإراقة دمائهم، أو مساومتهم لممارسة الجنس مع نسائهم مقابل العفو عنهم. كذلك، كان نزار يقوم بعمليات دخول انتقائية للمنازل في مدينة الموصل بذريعة التفتيش. لكن ما كان يحصل، أن فرقته كانت ترى في وقت سابق نساءً في المنزل وتقرر من ثم دخوله ليتم إغتصابهن بعدها”، هذا ما ورد في تسجيلات ومقاطع مصورة وثّقها الصحافي الكردي علي أركادي، الذي رافق قوات الرد السريع في عمليات التحرير قبل أن يغادر العراق ويكشف عنها في مؤتمر جنيف الدولي للعدالة، ويخرج على أثرها عمر نزار ويصرح “ارتكبنا أخطاء وأنا فخور بها”.

حقائق موثّقة لم تلق آذاناً صاغية ولم تلتفت إليها الحكومة العراقية، بل ما حصل أن وزارة الداخلية العراقية قامت بترقيته من رتبة رائد إلى رتبة مقدم، ليستمر بعدها نزار بممارسة مهامه بكل حرية ويختفي عن الإعلام.

ما حصل في قضية الضابط عمر نزار، ربما أعاد جزءاً من الأمل بمعاقبة المجرمين بصرف النظر عن مناصبهم أو القوى التي تساندهم في الخفاء

 قتل واغتصاب

كلِّف عمر نزار عام 2019 خلال تظاهرات تشرين، بالامساك بقطاعات للسيطرة على المتظاهرين في محافظة ذي قار، وحينها وقعت مجزرة جسر الزيتون في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، التي راح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى من المتظاهرين، على إثر ذلك تم تشكيل لجنة تحقيق لكشف المتورطين بالأحداث، وتم استدعاء مجموعة من الضباط، ومن ضمنهم عمر نزار، لتبدأ عملية التحقيق التي انتهت بعدم الكشف عن نتائجها وعدم محاسبة المسؤول عن وقوع المجزرة!.

عام 2022، كشفت منظمة “إنهاء الإفلات من العقاب” في العراق، في تقرير لها، عن وثائق حصلت عليها تخصّ نتائج لجنة التحقيق الخاصة بمجزرة جسر الزيتون، وتبين من خلال اعترافات القادة الأمنيين أن عمر نزار متورط بشكل مباشر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، إذ إنه خرج في الساعة الثالثة فجراً للواجب العسكري من دون أمر لوائه، وأمر جنوده بإطلاق الرصاص.

وصف أحد الضباط ما حصل في المجزرة قائلاً، “لم أر كثافة نيران كهذه حتى في معارك تحرير الموصل!”، كما أفاد آخر بأن عمر نزار لديه سوابق وكان قد تم منعه من قبل الأميركيين من المشاركة في بعض المعارك في الموصل بسبب قضايا أخلاقية، منها اغتصاب فتاة في تلعفر!.

نشر هذه الوثائق والأدلة كان مصدر ضغط كبير على الحكومة العراقية والقضاء، بخاصة أن التقرير ربط بين ما حصل في مجزرة الزيتون وما حصل في الموصل من انتهاكات، ليكون القضاء في موقف حرج هذه المرة بسبب تفاعل الصحافة العراقية والعالمية والرأي العام مع القضية، لتُصدر وزارة الداخلية في 11 شباط/ فبراير 2022 بياناً أعلنت فيه احتجاز عمر نزار على أثر ما تم كشفه.

منذ ذلك الحين، بدأت جلسات لمحاكمته عن جرائم القتل العمد وفق أحكام المادة 406 من قانون العقوبات العراقي، جلسات تكرر تأجيلها كثيراً لعدم كفاية الأدلة!، وقد مرّ أكثر من عام ونصف العام على احتجازه من دون الحكم عليه، إلى أن حكمت عليه محكمة استئناف ذي قار في 25 حزيران/ يونيو 2023 بالسجن المؤبد عن جرائم القتل التي ارتكبها بحق المتظاهرين في مدينة الناصرية.

أبطال من ثم مجرمون

وفي حوار مع “درج”، يكشف المصور الصحافي الكردي علي أركادي، كواليس توثيقه الانتهاكات التي قام بها عمر نزار وفرقته.

يقول أركادي، “في نيسان/ أبريل 2016، التقيت الضابط عمر نزار لأول مرة وفريقه الذي كان يضم 15 مقاتلاً بمدينة الفلوجة في العمليات العسكرية، قررت عمل فيلم وثائقي عنهم. كان عمر نزار يدير وحدة القوات الخاصة في الفلوجة مع حيدر علي المسمى (كوبرا)، وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2016، أي بداية عمليات تحرير مدينة الموصل، حصلت على مهمة لعشرة أيام مع مجلة “دير شبيغل” لتوثيق العمليات العسكرية، وبالفعل تم التنسيق وتمكنت من توثيق عمليات الجيش العراقي والحشد الشعبي والشرطة الاتحادية. وعند اكتمال الأيام العشرة، وصل عمر نزار ووحدته من الإجازة ليستبدل مع الفريق الآخر، التقيت بهم مرة أخرى وطلبوا مني البقاء لإكمال الفيلم الذي بدأت به، كان وجودي معهم لغرض إيجابي يتمثل بتوثيق قصة بطولية عن عمر نزار وحيدر علي، وهما من طائفتين مختلفتين، جنباً إلى جنب في القتال ضد داعش، لكن خلال الشهر الأخير تغيّرت الصورة وبدأت أكتشف الانتهاكات. لم يرضوا بتصوير كل شيء وطلبوا أن أوقف التصوير في مرات عدة، قاموا باعتقال المدنيين والذريعة أنهم منتمون الى التنظيم الإرهابي، لكن عند اطّلاعي على التحقيقات تبيّن أنهم مدنيون وبعضهم أطفال ونساء، فقالوا إنهم سيرسلونهم إلى بغداد للمحاكمة، لكن تبيّن لي أنه تم قتلهم ووضعهم في مقابر جماعية”.

في 15 تشرين الثاني 2016، اكتشف أركادي الانتهاكات بشكل فعلي عندما حرروا مدينة حمام العليل واستقروا في قرية  قبر العبد، حينها توقفت العمليات العسكرية قرابة شهر بقرار من القيادة العسكرية.

وأضاف أركادي، “بدأت وقتها كل الوحدات، وعلى رأسها وحدة عمر نزار وقسم الاستخبارات بقيادة هيثم المالكي، باعتقال الكثير من المدنيين رجالاً ونساء، بالإضافة إلى انتهاكات ليلية من عمر نزار وفريقه وقيامهم بعمليات اغتصاب وابتزاز وتعذيب وقتل للمدنيين بحجة انتمائهم الى تنظيم داعش وتسريب المعلومات”.

ضغوط وتهديدات

وعن الصعوبات التي واجهها أركادي خلال عملية التوثيق والكشف عن الانتهاكات، يقول لـ “درج”، “وُجد معنا حينها صحافيون ومصورون عراقيون من وكالات مختلفة، وصحافيون أجانب، لكن لسوء الحظ لم يوثقوا ما كان يحصل، ولم يتكلموا عن تلك الانتهاكات، كان الأمر تحدياً كبيراً بالنسبة إلي، بخاصة بعد تدهور حالتي النفسية، لكن قررت التحمل والبقاء لمعرفة مزيد عن الانتهاكات للتحقق أكثر كونه واجبي المهني والإنساني والفني الذي يحتم عليّ الاستمرار وكشف الحقيقة، خصوصاً أنني في الفلوجة أظهرتهم كأبطال عند أول عمل معهم، ما حتّم عليّ أيضاً أن أكشف الحقيقة المخالفة لذلك. كان هذا الأمر مصيرياً بالنسبة إلي، أخلاقياً ومهنياً، وعندما خرجت من العراق وعملت على كشف الأدلة تعرّض والدي بطريقة مباشرة للتهديد من الضابط عمر نزار، كما قاموا بنشر صوري واسمي في جميع نقاط التفتيش في العراق لاعتقالي لكنني لم أتوقف وقمت بنشرها مباشرةً بعد إكمال المقابلات مع الجهات الاعلامية”.

وفي ما يتعلق بانتهاكات عمر نزار خلال تظاهرات تشرين وبدايتها في الناصرية، يقول أركادي: “تلقيت اتصالات عدة من ناشطين وناشطات من خارج العراق، تلقوا وعوائلهم تهديدات لأنهم كتبوا عن عمر نزار وحاولوا تحذير الناس والمتظاهرين في الناصرية، وأذكر أحد المنشورات من قبل ناشطة كتبت رسالة تحذير الى المتظاهرين في الناصرية في صفحتها على موقع “فيسبوك” (عمر نزار مثلما عمل في الموصل من انتهاكات وقتل واغتصاب سيعمل نفس الشيء ولن  يحاسبه أحد)، فاتصلوا بها وأجبروها على حذف المنشور، وإن لم تفعل سيقومون بقتل إخوتها في بغداد، لم أتوقف أو أيأس وواصلت واجبي الإنساني والصحافي تجاه القضية”.

يعبر أركادي عن إيمانه بدور التوثيق والصحافة في كشف الحقيقة قائلاً، “كل شخص لديه جهاز ذكي هو بمثابة صحافي، أنت العين التي توثق الحقيقة، لا تنشرها مباشرةً لأن حياتك هي الأهم وبعدها الأدلة، نحن العراقيين بفطرتنا عاطفيون، أستقصي كل شيء وأبحث عن المعلومة، ولا أصدق قبل التأكد منها”.

خروج من البلد ومخاطر كبيرة وضغوط نفسية تعرض لها علي أركادي وعائلته، لم تكن كفيلة بثنيه عن إيصال رسالته التي وصفها بالواجب الإنساني والأخلاقي، لم يصبه اليأس من محاسبة المجرمين والمفسدين، وواصل العمل على كشف الانتهاكات رغم مرور سنوات عدة على الأحداث. ففي عام 2022، تواصل مع منظمة “إنهاء الإفلات من العقاب” في العراق وزوّدها بالوثائق كافة، ولم تتردد الأخيرة في كشفها من جديد، بالإضافة الى الوثائق التي تمتلكها. ويقول علي الخفاجي، وهو أحد مؤسسي المنظمة، في حواره مع “درج”، “هذا التعاون بين المؤسسة الصحافية والحقوقية أثمر إنجازاً لم يتحقق منذ بداية الحكم الجديد في العراق بعد 2003” .

يكشف الخفاجي عن العراقيل والضغوط والتهديدات الخطيرة خلال فترة احتجاز عمر نزار ، قائلاً : “أثناء احتجاز عمر نزار، تواصل معنا بعض الجرحى و ذوي ضحايا مجزرة جسر الزيتون الذين رفعوا شكاويهم ضد عمر نزار، بعضهم طلبوا المساعدة لتخليصهم من جماعات تابعة لعمر نزار تلاحقهم وتهددهم بالتصفية الجسدية في حال لم يتنازلوا عن قضاياهم، والبعض الآخر أخبرونا بأنه عرضت عليهم مبالغ مالية مقابل التنازل عن الشكاوى، لكن كلمة الحسم كانت صارمة من قبل ذوي الضحايا بالثبات على المطالبة بدماء أبنائهم. كما تعرضت المنظمة وأعضاؤها لحملات تسقيط ممنهجة من قبل جهات وشخصيات تابعة لميليشيات مسلحة، واتُّهِمنا بالارتباط بحزب البعث وقوى أجنبية، الأمر الذي دفعنا الى عدم كشف هوية أعضاء المنظمة ليستمروا بعملهم الاستقصائي والحفاظ على سلامتهم أولاً”.

يقول أحد الشباب من محافظة ذي قار :”أنا أحد الضحايا الذين أطلق عمر نزار النار عليهم وتسبب بتعطّل يدي بالكامل وهي الآن بحاجة لعملية جراحية كبرى في ألمانيا وإلا يجب بترها، لكن الآن أنا معرضّ لفقدان حياتي بسبب ملاحقتي من قبل أفراد تابعين لعمر نزار يحاولون قتلي أو اختطافي ويلاحقون أخي أيضاً لإجبارنا على التنازل عن الشكوى التي قدمتها ضد عمر نزار والتراجع عن الشهادة التي أدليت بها أمام القضاء، أنا الآن في إقليم كردستان خوفاً من ترهيبهم، ولا أمتلك المال ولا القدرة على البقاء هنا ولا أعلم ماذا أفعل”.

ويطرح الخفاجي تساۄلات عدة وينوه الى نقاط مهمة، إذ يقول: “وفقاً للمصادر التي تحدثت لمنظمتنا، فقد علمنا أنه قد تم تبرئة عمر نزار من الجرائم التي ارتكبها أيام معارك تحرير الموصل لعدم وجود أدلة، وهذا ما يثير استغرابنا، نظراً الى وجود أدلة بالصوت والصورة توثق انتهاكاته! كما نعتقد أن التأجيل المتكرر للمحاكمة كان يتم بضغط من جماعات داعمة لعمر نزار  في القضاء، لكسب الوقت لتسوية الأمور وترهيب ذوي الضحايا لإجبارهم على التنازل، وهذا ما ينذر بمؤشرات خطيرة تخصّ سياسات السلطة!”.

الحكم الصادر بحق عمر نزار حقق جزءاً من العدالة المنقوصة في العراق وفتح الباب على أمثاله من المجرمين كي يحين إنهاء إفلاتهم من العقاب، فالحكم سابقة لم تحدث من قبل، إذ لم تتم سابقاً محاسبة ضابط بهذا المستوى، بخاصة في القضايا المتعلقة بقمع تظاهرات تشرين، فهل سيكون ذلك بداية لإنهاء الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم والانتهاكات؟.

|
آخر القصص
لبنان في متاهة السلاح
طارق اسماعيل - كاتب لبناني | 19.04.2025
النظام الرعائي المؤسّساتي: الإصلاح يبدأ أولاً من هناك
زينة علوش - خبيرة دولية في حماية الأطفال | 19.04.2025
تونس: سقوط جدار المزونة يفضح السلطة العاجزة
حنان زبيس - صحافية تونسية | 19.04.2025

اشترك بنشرتنا البريدية