fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

بريجيت ماكرون: سيدة الظل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تكن بريجيت ماكرون لتلقى هذا الهجوم لو لم تكن امرأة تكبر زوجها “الرئيس” إيمانويل ماكرون، بعدد ليس بقليل من السنوات، هذا المنطق الذكوري المتحامل يشكل امتداداً لنظرية المؤامرة، غايته التصويب على الساسة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لو كتبنا اسم بريجيت ماكرون بأحرف عربية في أحد محركات البحث، أول ما سيظهر لنا سيل من مواد مكتوبة، تتناول فارق السن بينها وبين زوجها الرئيس الفرنسي، وعلاقة “المعلمة والتلميذ” التي جمعتهما، ومواد أخرى تتطرق إلى الشائعات التي تناولت هويتها الجندرية وخضوعها لعملية عبور جنسي.  

تناقل هذه الأخبار في الإعلام والمواقع الإلكترونية العربية لم يأت من فراغ، إذ جرت معالجتها في أوقات سابقة في وسائل الإعلام الفرنسية. 

فالمسار السياسي لإيمانويل ماكرون لم يكن تقليدياً، لم يكن الرأي العام يتداول اسمه قبل شهر آب/ أغسطس 2014، عند توليه وزارة الاقتصاد، ليصعد سلم المناصب بسرعة “أكثر من صاروخية”، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية عام 2017. 

هذا المسار السياسي غير التقليدي، دفع بالإعلام إلى إبداء اهتمام مضاعف بخصوصياته، في محاولة استشراف لمنهجية تفكيره، وعليه جرت مقاربة زواجه من مدرّسته السابقة، التي تكبره بـ 25 عاماً، تارة بشكل سخيف، وتارة أخرى من زاوية أن هذا الشخص غير التقليدي في خياراته الشخصية، قد يحمل معه نهجاً سياسياً غير معهود. 

بعد توليه الحكم، انتشرت حالة من الإحباط لدى شرائح من الشارع الفرنسي، خاصة أولئك الذين انتظروا تحولاً جذرياً، وعليه جرى استغلال هذا المزاج الشعبي لنشر إشاعة “بريجيت المتحولة جنسياً”.

المنطق الذكوري

لم تكن بريجيت ماكرون لتلقى هذا الهجوم لو لم تكن امرأة تكبر زوجها “الرئيس” بعدد ليس بقليل من السنوات، هذا المنطق الذكوري المتحامل يشكل امتداداً لنظرية المؤامرة، غايته التصويب على الساسة؛ خصوصاً في حالة بريجيت فهي امرأة، وكأنهم في حالة كذب دائمة على شعوبهم: مثلما تتضمن حياتهم الشخصية جوانب خفية، لا نستبعد احتواء سياساتهم على غموض مشابه. 

الفارق أن الوسائل الإعلامية والمنصات العربية غير منغمسة في تفاصيل السياسة الفرنسية وكواليسها، لذا لن نجد بالمقابل، مواد كافية تتطرق إلى دور السيدة الفرنسية الأولى في صناعة القرار، ولا الموقع المتقدم الذي تحتله ضمن الدائرة المقربة من زوجها، ولا البصمة الخاصة التي تركتها وتميزت بها عن اللواتي سبقنها. 

مع حل الجمعية الوطنية الفرنسية وفشل إيمانويل ماكرون في الحصول على الغالبية البرلمانية، ينقل مقربون عن بريجيت ماكرون دخولها في مزاج “بداية النهاية”.

 شعور بالمرارة يعود إلى الدور المحوري الذي لعبته إلى جانب زوجها، وليس من المبالغة القول إنها قد تكون صاحبة الفضل الأول في ما وصل إليه. 

يقول الصحافي الاستقصائي مارك أندويلد إنه حين بدأ العمل على كتابه “السيد ماكرون الغامض” سرعان ما لمس استحالة “بلوغ أعماق إيمانويل” من دون استيعاب دور بريجيت. 

الفترة التي تناولها أندويلد كانت العام 2015 إبان تولي ماكرون وزارة الاقتصاد في عهد فرنسوا هولاند، في حينها ظهرت أولى المؤشرات الدالة على نيته الابتعاد تدريجياً عن رئيس الجمهورية، لصالح إرساء هوية سياسية وحزبية خاصة به. 

في تلك الفترة اتخذت بريجيت ماكرون قرار الاستقالة من وظيفتها كمدرّسة، متفرغةً للنشاط السياسي إلى جانب زوجها. 

مصادر عديدة، أشارت إلى دورها الحاسم، في دفع زوجها إلى الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2017، من دون الانتظار للدورة التي ستليها، في دليل على امتلاكها رؤية سياسية تسمح لها بقراءة موازين القوى بدقة. 

مساهمتها في تلك المعركة كانت ملموسة، ولم تقتصر على المشاركة في بلورة الاستراتيجية الانتخابية: ففي العام 2007 عملت في مدرّسة Saint-Louis-de-Gonzague المرموقة، التي يرتادها أبناء النخبة السياسية والمالية الفرنسية، احتكاكها بأولياء الأمور أتاح لها توسيع دائرة معارفها، لتشمل على سبيل المثال عائلة برنارد آرنو، صاحب أكبر ثروة في العالم، بحسب تصنيف مجلة فوربس لعام 2024، شبكة العلاقات تلك، وضعتها في خدمة زوجها لجمع التمويل اللازم للحملة الانتخابية. 

بريجيت في الإليزيه

دور بريجيت ماكرون تضاعف مع دخول زوجها إلى قصر الإليزيه، وبصفتها مدرّسة سابقة، دفعت إلى تسمية جان ميشال بلانكير وزيراً للتربية الوطنية لتكون عبارتها الشهيرة: “هو الوزير الذي كنت أتمناه أثناء عملي في التدريس”، العلاقة الوثيقة بين بريجيت ماكرون وبلانكير ساهمت في احتفاظ الأخير بمنصبه طوال الولاية الأولى لماكرون. 

كما فرضت السيدة الأولى نفسها في المجال الاجتماعي، خاصة في ما يخص “حماية الطفل”: يوم قررت الحكومة خفض ميزانية هذا القطاع، تواصلت  جمعيات عدة مع عقيلة الرئيس، التي نقلت هذه المطالب إلى زوجها، ليعيد الميزانية إلى ما كانت عليه، أكثر من ذلك، كانت صاحبة الفضل في استحداث منصب “وزير دولة لحماية الطفل”.

هذا النفوذ لم يُمنح لبريجيت ماكرون، بل انتزعته بعد دخولها في كباش مع عدد من المقربين من زوجها، كمستشاره السابق إسماعيل إيميليان، ومستشاره الإعلامي السابق سيلفان فور، بعد استبعادهما من فريق عمل زوجها في العام 2019، توسع نفوذها ليشمل الشق الإعلامي، مما أتاح لها الانغماس في بعض الملفات السياسية.

مؤشرات عديدة تشير إلى دورها الذي تخطى الملفات التربوية والاجتماعية: في كل مرة تتشكل فيها حكومة فرنسية جديدة أو تعرف البلاد تعديلاً وزارياً، يسارع الإعلام إلى التساؤل والغمز و”التلطيش”، عن علاقة بعض الوزراء/الوزيرات بالسيدة الأولى، وكأن قربهم منها ساهم في تزكيتهم. 

صحيح أننا لا نعرف على وجه الدقة، الملفات التي تنغمس فيها بريجيت ماكرون، لكن دورها السياسي لم يعد سراً، يقول جيرار كولومب أول وزير للداخلية في عهد ماكرون: “عندما يعدل ماكرون موقفه، ندرك أن بريجيت مرت من هنا”، حتى الصحافيون والكتاب تطرقوا إلى نفوذها، فنجد تحقيقاً في صحيفة Le Monde  بعنوان “بريجيت ماكرون، مدربة الإليزيه”، وآخر في صحيفة Le Point يصفها بـ  “مستشارة الرئيس”، فيما رأت محطة BFMTV أنها تحولت من “مستشارة غير رسمية إلى سيدة أولى مؤثرة”، مجلة Valeurs Actuelles  اعتبرتها “نائبة للرئيس”، منصب غير موجود في النظام السياسي الفرنسي، فيما اختارت الكاتبتين آفا جمشيدي وناتالي شوك إسناد منصب ملموس لبريجيت ماكرون ليصدر كتابهما بعنوان “السيدة الرئيسة”. 

اهتمام إعلامي مرده أيضاً، إلى بصمتها الخاصة في أداء دورها كزوجة لرئيس الجمهورية. 

بعد تولي إيمانويل ماكرون رئاسة البلاد في العام 2017، نشر الموقع الإلكتروني لقصر الإليزيه “ميثاق الشفافية المتعلق بوضع عقيلة رئيس الدولة”، لم يكن استحداثاً لأي موقع، مجرد التذكير بماهية دورها وطبيعة أنشطتها، مما اعتبر خطوة رمزية تدل على شفافية ماكرون، خاصة لجهة “تأكيد المؤكد” في ما يخص عدم تلقي زوجته أية مخصصات مالية. 

في المضمون، ما نص عليه الميثاق، هو الدور الذي تؤديه نظرياً كل زوجات الرؤساء: المشاركة في تمثيل فرنسا إلى جانب زوجها في المحافل الدولية، التواصل مع الفرنسيين الراغبين بلقائها، الإشراف على تنظيم المناسبات الرسمية وحفلات الاستقبال في قصر الإليزيه، رعاية أنشطة خيرية وثقافية واجتماعية. 

إعلامياً، لا يبدو أن بريجيت ماكرون تختلف عن اللواتي سبقنها لجهة تفرغها للمسائل التربوية والاجتماعية، الفارق هو سعيها، في الكواليس، إلى ترجمة هذا النشاط على صعيد القرار الحكومي، بمعنى آخر، تعتبر أن بلوغ الأهداف لا ينحصر في رعاية الأنشطة، بل عبر المشاركة في عملية اتخاذ القرار، مما يحفز جمعيات المجتمع المدني الفرنسي، على التواصل المباشر معها لعرض احتياجاتهم، عوضاً عن الدخول في متاهات الإدارة الفرنسية.

بريجيت البعيدة عن الشارع !

تختلف بريجيت ماكرون عن عقيلات الرؤساء السابقين، اللواتي اخترن البقاء في الظل، أو حتى اللواتي كانت لهن مساحتهن الخاصة، على سبيل المثال خلال عهد فرنسوا ميتران، اتخذت زوجته دانييل في أكثر من مناسبة مواقف سياسية مباشرة: انتقاد عمل الحكومة، إبداء الرأي في ملفات شائكة كالعلمانية والعلاقة مع المسلمين، أو حتى على الصعيد الدولي لم تتردد في انتقاد “تبعية الدبلوماسية الفرنسية للولايات المتحدة”. 

رغم ذلك لم يعرف عنها مشاركتها في صياغة القرارات الحكومية، مجرد تسجيل مواقف، بعضها بمباركة زوجها، الذي لم يكن بوسعه تسجيل عدد من المواقف، نظراً للقيود التي يفرضها عليه منصبه. 

بطبيعة الحال، من ينغمس في الحياة السياسية ستطاله سهام الشارع، خلال مظاهرات السترات الصفراء شُبهت بريجيت ماكرون بالملكة ماري أنطوانيت، تشبيه كانت له خلفياته: قبل عام على انفجار تلك المظاهرات، أرادت إنشاء حمام سباحة في أحد المقرات الصيفية التابعة للرئاسة، مما أثار جدلاً شعبياً لم تنفع معه مبررات الإليزيه، والمقارنة بين تكلفة حمام السباحة من جهة، وتكلفة الإجراءات الأمنية لحماية الرئيس على شاطئ البحر من جهة أخرى، كذلك يوم بلغت المظاهرات أوجها في 16 آذار/ مارس 2019، صودف وجود إيمانويل ماكرون وبريجيت في أحد منتجعات التزلج في إجازة خططت لها هي. 

موقفان دلا على افتقادها للنظرة السياسية الثاقبة، التي تسمح لها باستيعاب “نبض الشارع”، مما جعل الفرنسيين يرون أن بريجيت ماكرون منفصلة عن يومياتهم المعيشية، الأمر الذي دفعهم إلى تلك المقاربة. 

17.07.2024
زمن القراءة: 6 minutes

لم تكن بريجيت ماكرون لتلقى هذا الهجوم لو لم تكن امرأة تكبر زوجها “الرئيس” إيمانويل ماكرون، بعدد ليس بقليل من السنوات، هذا المنطق الذكوري المتحامل يشكل امتداداً لنظرية المؤامرة، غايته التصويب على الساسة.

لو كتبنا اسم بريجيت ماكرون بأحرف عربية في أحد محركات البحث، أول ما سيظهر لنا سيل من مواد مكتوبة، تتناول فارق السن بينها وبين زوجها الرئيس الفرنسي، وعلاقة “المعلمة والتلميذ” التي جمعتهما، ومواد أخرى تتطرق إلى الشائعات التي تناولت هويتها الجندرية وخضوعها لعملية عبور جنسي.  

تناقل هذه الأخبار في الإعلام والمواقع الإلكترونية العربية لم يأت من فراغ، إذ جرت معالجتها في أوقات سابقة في وسائل الإعلام الفرنسية. 

فالمسار السياسي لإيمانويل ماكرون لم يكن تقليدياً، لم يكن الرأي العام يتداول اسمه قبل شهر آب/ أغسطس 2014، عند توليه وزارة الاقتصاد، ليصعد سلم المناصب بسرعة “أكثر من صاروخية”، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية عام 2017. 

هذا المسار السياسي غير التقليدي، دفع بالإعلام إلى إبداء اهتمام مضاعف بخصوصياته، في محاولة استشراف لمنهجية تفكيره، وعليه جرت مقاربة زواجه من مدرّسته السابقة، التي تكبره بـ 25 عاماً، تارة بشكل سخيف، وتارة أخرى من زاوية أن هذا الشخص غير التقليدي في خياراته الشخصية، قد يحمل معه نهجاً سياسياً غير معهود. 

بعد توليه الحكم، انتشرت حالة من الإحباط لدى شرائح من الشارع الفرنسي، خاصة أولئك الذين انتظروا تحولاً جذرياً، وعليه جرى استغلال هذا المزاج الشعبي لنشر إشاعة “بريجيت المتحولة جنسياً”.

المنطق الذكوري

لم تكن بريجيت ماكرون لتلقى هذا الهجوم لو لم تكن امرأة تكبر زوجها “الرئيس” بعدد ليس بقليل من السنوات، هذا المنطق الذكوري المتحامل يشكل امتداداً لنظرية المؤامرة، غايته التصويب على الساسة؛ خصوصاً في حالة بريجيت فهي امرأة، وكأنهم في حالة كذب دائمة على شعوبهم: مثلما تتضمن حياتهم الشخصية جوانب خفية، لا نستبعد احتواء سياساتهم على غموض مشابه. 

الفارق أن الوسائل الإعلامية والمنصات العربية غير منغمسة في تفاصيل السياسة الفرنسية وكواليسها، لذا لن نجد بالمقابل، مواد كافية تتطرق إلى دور السيدة الفرنسية الأولى في صناعة القرار، ولا الموقع المتقدم الذي تحتله ضمن الدائرة المقربة من زوجها، ولا البصمة الخاصة التي تركتها وتميزت بها عن اللواتي سبقنها. 

مع حل الجمعية الوطنية الفرنسية وفشل إيمانويل ماكرون في الحصول على الغالبية البرلمانية، ينقل مقربون عن بريجيت ماكرون دخولها في مزاج “بداية النهاية”.

 شعور بالمرارة يعود إلى الدور المحوري الذي لعبته إلى جانب زوجها، وليس من المبالغة القول إنها قد تكون صاحبة الفضل الأول في ما وصل إليه. 

يقول الصحافي الاستقصائي مارك أندويلد إنه حين بدأ العمل على كتابه “السيد ماكرون الغامض” سرعان ما لمس استحالة “بلوغ أعماق إيمانويل” من دون استيعاب دور بريجيت. 

الفترة التي تناولها أندويلد كانت العام 2015 إبان تولي ماكرون وزارة الاقتصاد في عهد فرنسوا هولاند، في حينها ظهرت أولى المؤشرات الدالة على نيته الابتعاد تدريجياً عن رئيس الجمهورية، لصالح إرساء هوية سياسية وحزبية خاصة به. 

في تلك الفترة اتخذت بريجيت ماكرون قرار الاستقالة من وظيفتها كمدرّسة، متفرغةً للنشاط السياسي إلى جانب زوجها. 

مصادر عديدة، أشارت إلى دورها الحاسم، في دفع زوجها إلى الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2017، من دون الانتظار للدورة التي ستليها، في دليل على امتلاكها رؤية سياسية تسمح لها بقراءة موازين القوى بدقة. 

مساهمتها في تلك المعركة كانت ملموسة، ولم تقتصر على المشاركة في بلورة الاستراتيجية الانتخابية: ففي العام 2007 عملت في مدرّسة Saint-Louis-de-Gonzague المرموقة، التي يرتادها أبناء النخبة السياسية والمالية الفرنسية، احتكاكها بأولياء الأمور أتاح لها توسيع دائرة معارفها، لتشمل على سبيل المثال عائلة برنارد آرنو، صاحب أكبر ثروة في العالم، بحسب تصنيف مجلة فوربس لعام 2024، شبكة العلاقات تلك، وضعتها في خدمة زوجها لجمع التمويل اللازم للحملة الانتخابية. 

بريجيت في الإليزيه

دور بريجيت ماكرون تضاعف مع دخول زوجها إلى قصر الإليزيه، وبصفتها مدرّسة سابقة، دفعت إلى تسمية جان ميشال بلانكير وزيراً للتربية الوطنية لتكون عبارتها الشهيرة: “هو الوزير الذي كنت أتمناه أثناء عملي في التدريس”، العلاقة الوثيقة بين بريجيت ماكرون وبلانكير ساهمت في احتفاظ الأخير بمنصبه طوال الولاية الأولى لماكرون. 

كما فرضت السيدة الأولى نفسها في المجال الاجتماعي، خاصة في ما يخص “حماية الطفل”: يوم قررت الحكومة خفض ميزانية هذا القطاع، تواصلت  جمعيات عدة مع عقيلة الرئيس، التي نقلت هذه المطالب إلى زوجها، ليعيد الميزانية إلى ما كانت عليه، أكثر من ذلك، كانت صاحبة الفضل في استحداث منصب “وزير دولة لحماية الطفل”.

هذا النفوذ لم يُمنح لبريجيت ماكرون، بل انتزعته بعد دخولها في كباش مع عدد من المقربين من زوجها، كمستشاره السابق إسماعيل إيميليان، ومستشاره الإعلامي السابق سيلفان فور، بعد استبعادهما من فريق عمل زوجها في العام 2019، توسع نفوذها ليشمل الشق الإعلامي، مما أتاح لها الانغماس في بعض الملفات السياسية.

مؤشرات عديدة تشير إلى دورها الذي تخطى الملفات التربوية والاجتماعية: في كل مرة تتشكل فيها حكومة فرنسية جديدة أو تعرف البلاد تعديلاً وزارياً، يسارع الإعلام إلى التساؤل والغمز و”التلطيش”، عن علاقة بعض الوزراء/الوزيرات بالسيدة الأولى، وكأن قربهم منها ساهم في تزكيتهم. 

صحيح أننا لا نعرف على وجه الدقة، الملفات التي تنغمس فيها بريجيت ماكرون، لكن دورها السياسي لم يعد سراً، يقول جيرار كولومب أول وزير للداخلية في عهد ماكرون: “عندما يعدل ماكرون موقفه، ندرك أن بريجيت مرت من هنا”، حتى الصحافيون والكتاب تطرقوا إلى نفوذها، فنجد تحقيقاً في صحيفة Le Monde  بعنوان “بريجيت ماكرون، مدربة الإليزيه”، وآخر في صحيفة Le Point يصفها بـ  “مستشارة الرئيس”، فيما رأت محطة BFMTV أنها تحولت من “مستشارة غير رسمية إلى سيدة أولى مؤثرة”، مجلة Valeurs Actuelles  اعتبرتها “نائبة للرئيس”، منصب غير موجود في النظام السياسي الفرنسي، فيما اختارت الكاتبتين آفا جمشيدي وناتالي شوك إسناد منصب ملموس لبريجيت ماكرون ليصدر كتابهما بعنوان “السيدة الرئيسة”. 

اهتمام إعلامي مرده أيضاً، إلى بصمتها الخاصة في أداء دورها كزوجة لرئيس الجمهورية. 

بعد تولي إيمانويل ماكرون رئاسة البلاد في العام 2017، نشر الموقع الإلكتروني لقصر الإليزيه “ميثاق الشفافية المتعلق بوضع عقيلة رئيس الدولة”، لم يكن استحداثاً لأي موقع، مجرد التذكير بماهية دورها وطبيعة أنشطتها، مما اعتبر خطوة رمزية تدل على شفافية ماكرون، خاصة لجهة “تأكيد المؤكد” في ما يخص عدم تلقي زوجته أية مخصصات مالية. 

في المضمون، ما نص عليه الميثاق، هو الدور الذي تؤديه نظرياً كل زوجات الرؤساء: المشاركة في تمثيل فرنسا إلى جانب زوجها في المحافل الدولية، التواصل مع الفرنسيين الراغبين بلقائها، الإشراف على تنظيم المناسبات الرسمية وحفلات الاستقبال في قصر الإليزيه، رعاية أنشطة خيرية وثقافية واجتماعية. 

إعلامياً، لا يبدو أن بريجيت ماكرون تختلف عن اللواتي سبقنها لجهة تفرغها للمسائل التربوية والاجتماعية، الفارق هو سعيها، في الكواليس، إلى ترجمة هذا النشاط على صعيد القرار الحكومي، بمعنى آخر، تعتبر أن بلوغ الأهداف لا ينحصر في رعاية الأنشطة، بل عبر المشاركة في عملية اتخاذ القرار، مما يحفز جمعيات المجتمع المدني الفرنسي، على التواصل المباشر معها لعرض احتياجاتهم، عوضاً عن الدخول في متاهات الإدارة الفرنسية.

بريجيت البعيدة عن الشارع !

تختلف بريجيت ماكرون عن عقيلات الرؤساء السابقين، اللواتي اخترن البقاء في الظل، أو حتى اللواتي كانت لهن مساحتهن الخاصة، على سبيل المثال خلال عهد فرنسوا ميتران، اتخذت زوجته دانييل في أكثر من مناسبة مواقف سياسية مباشرة: انتقاد عمل الحكومة، إبداء الرأي في ملفات شائكة كالعلمانية والعلاقة مع المسلمين، أو حتى على الصعيد الدولي لم تتردد في انتقاد “تبعية الدبلوماسية الفرنسية للولايات المتحدة”. 

رغم ذلك لم يعرف عنها مشاركتها في صياغة القرارات الحكومية، مجرد تسجيل مواقف، بعضها بمباركة زوجها، الذي لم يكن بوسعه تسجيل عدد من المواقف، نظراً للقيود التي يفرضها عليه منصبه. 

بطبيعة الحال، من ينغمس في الحياة السياسية ستطاله سهام الشارع، خلال مظاهرات السترات الصفراء شُبهت بريجيت ماكرون بالملكة ماري أنطوانيت، تشبيه كانت له خلفياته: قبل عام على انفجار تلك المظاهرات، أرادت إنشاء حمام سباحة في أحد المقرات الصيفية التابعة للرئاسة، مما أثار جدلاً شعبياً لم تنفع معه مبررات الإليزيه، والمقارنة بين تكلفة حمام السباحة من جهة، وتكلفة الإجراءات الأمنية لحماية الرئيس على شاطئ البحر من جهة أخرى، كذلك يوم بلغت المظاهرات أوجها في 16 آذار/ مارس 2019، صودف وجود إيمانويل ماكرون وبريجيت في أحد منتجعات التزلج في إجازة خططت لها هي. 

موقفان دلا على افتقادها للنظرة السياسية الثاقبة، التي تسمح لها باستيعاب “نبض الشارع”، مما جعل الفرنسيين يرون أن بريجيت ماكرون منفصلة عن يومياتهم المعيشية، الأمر الذي دفعهم إلى تلك المقاربة.