تُمثل تصرفات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الركيزة الأساسية التي تكمن وراءها سلسلة النجاحات السياسية والأمنية التي حققها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، خلال الشهر الماضي، وما شهده من تطورات بدأت بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، وإعاقة (على الأقل في الوقت الراهن) الخطط الإيرانية الرامية إلى الرد على الهجمات الإسرائيلية في سوريا، وصولاً إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس، واستعداد حركة “حماس” مناقشة وقف إطلاق النار لفترة طويلة في قطاع غزة بعد فشل “مسيرة العودة” في اختراق الحدود مع إسرائيل.
يتمتع “ترامب” بسمات شخصية لا تُطاق، وسلوك متقلب لا يمكن التنبؤ به عادةً، لدرجة أنه يمكن وصف فترته الرئاسية الأولى بأنها حقل ألغام سواء على نطاق مجال الأعمال أو المجال السياسي، غير أنه لم يعد هناك أدنى شك بأن تصريحاته وأفعاله التي يبدو أنها تتسق مع نتانياهو بشكل كامل، تعزز مكانة إسرائيل الإقليمية وتُجبر منافسيها على اتخاذ موقف أكثر حذراً.
يضع الرئيس الأميركي قواعد جديدة عدوانية تُحطم جميع الاتفاقيات التي بموجبها تُنفذ القرارات (أو بالأحرى، وفي الغالب لم تنفذ بعد) في الساحة الدولية طوال الـ8 سنوات التي قضاها سلفه الرئيس باراك أوباما، فمع هذا المناخ العاصف، لم يعد مثيراً للدهشة شعور رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه لا يقهر، على رغم من احتمالية تحول هذا الإحساس، في وقت لاحق، بمجرد صدامه مع حدود الواقع.
تعاني الإدارة الأمريكية الحالية من مشاكلات كثيرة في التخطيط والتنفيذ، فضلاً عن إلقاء ترامب مسؤولية فشله، في كثير من الحالات، على عاتق أصدقائه المقربين. وفي الوقت ذاته، تؤثر القوة التي يبرزها أيضاً في تصور الآخرين لقوة إسرائيل.
استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نتانياهو في مقر الرئاسة الروسية، الكرملين في التاسع من شهر 9 مايو/ أيار الجاري، وبعد ساعات قليلة من عودة رئيس الوزراء إلى وطنه، شنت إسرائيل هجوماً جوياً على أهداف وقواعد إيرانية، تابعة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، رداً على إطلاق الصواريخ الإيرانية على مرتفعات الجولان. ولعل اختيار بوتين ضبط النفس إزاء الرد على هذه الضربة التي استهدفت الممتلكات التي تنتمي إلى التحالف الداعم الأسد، يتناقض تماماً مع إدانة موسكو إسرائيل علناً، في أعقاب هجمات فبراير/ شباط ضد سوريا، وقد يعزو ذلك إلى إدراك الرئيس الروسي مدى قرب نتانياهو من ترامب وتأثيره الكبير عليه.
قال مصدر استخباراتي رفيع المستوى في إسرائيل، لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، هذا الأسبوع، إن القدس تأمل بترجمة دعم واشنطن إلى إنجازات عملية أخرى ضد إيران. ووفقاً لما يراه المصدر، يكمن الاحتمال الأساسي لذلك في سوريا وفي الجهود المبذولة لوقف الاندماج العسكري الذي يقوده هناك قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني.
وأضاف المصدر: “لم يعد هناك أدنى شك في أن مغامرة سليماني تثير اهتمام الجميع، بمن فيهم بعض الأشخاص في طهران. ولا شك في أن الأسد يستيقظ كل صباح ممتناً للإيرانيين لإنقاذهم حياته ونظامه السياسي، لكنه يشعر بالقلق أيضاً لأنه سيكون عالقاً معهم طوال الوقت؛ فإذا هاجمت إسرائيل أهدافاً إيرانية داخل سوريا، سيلتزم نظام الأسد بإطلاق صواريخ مضادة للطائرات، ما يضع نصف بطاريات دفاعه الجوي خارج نطاق العمل. وفي الوقت ذاته، لا يشعر بوتين بالحماسة إزاء التحركات الإيرانية في سوريا، ما يدفعنا (إسرائيل) إلى اتخاذ إجراءات وتعريض استقرار نظام دمشق للخطر، إضافة إلى مواجهة القيادة الإيرانية مشكلات أكثر إلحاحاً، لا سيما تلك المتعلقة بتردي الوضع الاقتصادي والاحتجاجات المحلية والانسحاب الأميركي من الاتفاقية النووية”.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” يوم الأربعاء، أن خبراء الأسلحة الأميركيين يرون أن إيران تُطور من جديد تكنولوجيا الصواريخ سراً في موقع صحراوي في شرق البلاد، وقال الخبراء إن هذا جزء من خطة لتصنيع الصواريخ العابرة للقارات، بينما يرى المصدر الاستخباراتي رفيع المستوى، أن الفرصة سانحة الآن لتجديد الضغط من أجل وقف برنامج الصواريخ الإيراني، وبدرجة أقل، حتى يتسنى ابتزاز طهران لتقديم تنازلات جديدة في المجال النووي.
طرح خطاب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، هذا الأسبوع، 12 مطلباً صعباً للغاية على إيران، وقبولها بها كلها يعني ظهورها بصورة مختلفة تماماً عن تلك التي عرفناها على مدى العقود الأربعة الماضية. ومع تدني احتمالية انصياع القيادة في طهران لهذه المطالب، فإن الاحتمال الأكبر يتمثل في استهداف الولايات المتحدة إحداث تغيير في النظام في إيران، من طريق فرض عقوبات اقتصادية جديدة وصفها بومبيو بأنها الأكثر صرامة على نحو غير مسبوق، فيما زعم مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد جون بولتون أن تنفيذ مثل هذه الإجراءات يحتاج إلى سنوات، باعتباره هدفاً طموحاً للغاية، ومن غير المحتمل امتلاك الإدارة الأميركية في الوقت الحالي لخطة منظمة لتطبيقها.
التخبط التنظيمي
ما مدى استعداد الجبهة المدنية الإسرائيلية الداخلية للحرب؟ قدم المسؤولون البارزون في قيادة الجبهة الداخلية خطابين لم يحملا أي أنباء مطمئنة أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالبرلمان الإسرائيلي (الكنيست) في غضون أقل من أسبوع. إذ أدركت إسرائيل حجم التهديد منذ 12 عاماً التي مرت مذ ضرب تنظيم “حزب الله” اللبناني البلاد بـ4 آلاف صاروخ في حرب لبنان الثانية، وأنفقت إسرائيل حينها مبالغ طائلة لتحسين حماية المدنيين وتطوير أنظمة اعتراض الصواريخ والقذائف، ومع ذلك، لا تزال هناك تفاوتات كبيرة في تنسيق الدفاع المدني في الشمال.
ستظل سياسة الجبهة الداخلية الإسرائيلية واحدة من السياسات الرامية إلى إدارة المخاطر، كما أن الغطاء الأمني ضئيل للغاية لتلبية المتطلبات كافة، كما أن التصدي للخطر الناجم عن تهديد الصواريخ من قطاع غزة أسهل. إذ إن احتمالية احتدام الوضع هناك أكبر من الشمال، كما حدث في 3 عمليات واسعة النطاق في غزة العقد الماضي وعشرات من الجولات القتالية القصيرة، إلا أن حجم الخطر الذي تشكله غزة ضئيل، وفي المقال تعتبر تكاليف حماية المدنيين أقل. وكنتيجة لذلك، حظيت مسألة غلق الفجوات في الحدود الجنوبية بالاهتمام الأكبر.
وقال رئيس قيادة الجبهة الداخلية، اللواء تمير يداعي، أمام لجنة الكنيست، إن حوالى 28 في المئة من سكان إسرائيل، الذي يُقدر عددهم بحوالى 2.5 مليون شخص، يفتقرون إلى القدر الكافي من الحماية من التفجيرات في منازلهم.
وفي اجتماع للجنة فرعية، التي يرأسها عضو الكنيست عمير بيرتس من (الاتحاد الصهيوني) ذكر ممثلو قيادة الجبهة الداخلية، أن 150 منزلاً على بعد 100 كيلومتر من الحدود الشمالية تفتقر إلى الحماية المناسبة، وأضاف المسؤولون في القيادة أن المجتمعات القريبة من السياج الحدودي اللبناني تحتاج إلى نظام يوفر تحذيراً لمدة 15 ثانية عند إطلاق الصواريخ مثل النظام الموجود في المجتمعات المجاورة لغزة، غير أن ذلك سيتطلب نفقات تبلغ 100 مليون شيكل (28 مليون دولار)، لم يتم تخصيصها بعد.
وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي، هذا الأسبوع، بوضع وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان خطة طموحة لحماية واسعة النطاق للمجتمعات المحلية في الشمال على بعد 45 كيلومتراً من الحدود، بلغت تكلفتها التقديرية 5 مليارات شيكل (1.4 مليار دولار) على مدى 5 سنوات، إلا أن مشكلة التمويل تمثل عائقاً أساسياً لتنفيذ الخطة، ولا يزال ليبرمان في حالة شد وجذب مع وزارة المالية لمطالبته بإضافة مليارات إلى ميزانية الدفاع، بما يتجاوز حاجات الجبهة الداخلية.
ومع ذلك، اتخذ ليبرمان خطوة ذات مغزى، هذا الأسبوع، بموافقته على توصيات لجنة برئاسة اللواء آفي مزراحي، لترشيد صلاحيات الهيئات المختلفة التي تتعامل مع حماية الجبهة الداخلية. وأوصت اللجنة بإلغاء مجموعة متنوعة من السلطات التي تُعقد بالتوازي مع كل من قيادة الجبهة الداخلية والهيئة الوطنية للطوارئ، وقررت أن تصبح الوكالة الأخيرة هيئة موظفين على المستوى الوطني بدلاً من مجرد كونها كياناً تنفيذياً.
ووجدت اللجنة أن تنامي التخبط التنظيمي بشكل كبير يرجع إلى التمويل الواسع النطاق لبعض المؤسسات. ففي السنوات القليلة الماضية، طورت هيئة NEA (وكالة الطاقة النووية الإسرائيلية)، والتي تمتلكها قيادة الجبهة الداخلية أيضاً، من قدراتها أكثر وأكثر، بما في ذلك نظام تدريب وغرف العمليات العسكرية، وكلاهما سيوضع الآن تحت مسؤولية قيادة الجبهة الداخلية. ويأتي هذا القرار في الوقت المناسب. فقبل بضعة أشهر، أصيبت الصناعات العسكرية بالذهول عندما حاول جهاز الأمن القومي استقطاب الآراء حول ما إذا كانوا في حاجة إلى ميزانية خاصة لتطوير صواريخ جديدة. ما علاقة وكالة الطاقة النووية بصنع الصواريخ؟
ومن المأمول أنه بحلول شهر يوليو/ حزيران المقبل، عندما يُعلن ليبرمان تعيين رئيس جديد لوكالة الطاقة النووية، أن تصبح حدود نشاطها أكثر وضوحاً.
*كتب آموس هاريل
هذا المقال مترجم عن موقع Haaretz ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي