fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

بعد الحرب على غزة… لماذا أصبح أمن الطاقة في مصر مهدداً؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم إعلان مصر في عام 2018 الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي وعدم حاجتها إلى الاستيراد، بعد تشغيل حقل ظهر العملاق الذي يمتلك احتياطياً يُقدر بنحو 20 تريليون قدم مكعبة، إلا أنها واصلت خلال السنوات الماضية الاعتماد على واردات الغاز الإسرائيلي، وهو ما سنوضحه تفصيلاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

إثر الهجوم الذي شنّته حماس يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وما أعقبه من حرب انتقاميّة إسرائيلية على قطاع غزة، سارعت إسرائيل إلى وقف إمدادات الغاز القادمة من حقولها إلى مصر، إذ توقف إنتاج الغاز الطبيعي في حقل “تمار” بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة. 

 كان الخبر ليمرّ من دون تأثير يُذكر، لو أن ادعاءات الإدارة المصرية على مدى سنوات سابقة بأن مصر لديها اكتفاء ذاتي من الغاز صحيحة. ولكن، سرعان ما انعكس الخبر على المواطنين، الذين يختبرون زيادة عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي بوتيرة غير مسبوقة، على رغم تأكيدات الحكومة السابقة بأنها ستتوقف عن العمل باستراتيجية تخفيف الأحمال بحلول منتصف شهر أيلول/ سبتمبر.

تم تأكيد أن هناك علاقة بين تعطل إمدادات الغاز الإسرائيلية وزيادة عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي في مصر، بعدما أعلن المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء في نهاية شهر تشرين الأول عن مزيد من تخفيف الأحمال، وأكد أن انخفاض كميات الغاز الموردة إلى مصر من 800 مليون قدم مكعب غاز يومياً إلى صفر، أتى بالتزامن مع الزيادة في استهلاك الكهرباء. إثر ذلك، ازدادت فترة الانقطاع من ساعة إلى ساعتين، ووصلت إلى أربع ساعات في بعض المناطق، كما خُفِّضت كميات الغاز الموردة لمصانع الأسمدة والإسمنت بنسبة 30 في المئة، مع وجود أنباء عن استيراد مصر شحنات من الغاز الطبيعي المسال للمرة الأولى منذ شهر تموز/ يوليو الماضي.

استُئنفت واردات الغاز من إسرائيل أخيراً، بعدما توقفت نهائياً، وارتفعت تدريجياً من 150 مليون قدم مكعب أواخر تشرين الأول، إلى 350 مليون قدم مكعب في بداية تشرين الثاني الجاري، ووصلت إلى 450 مليون قدم مكعب يومياً في منتصف الشهر نفسه.

قبل الهدنة بين حماس وإسرائيل، انتشرت مخاوف من تعرض حقول الغاز الإسرائيلية للإغلاق القصير أو الطويل مع التطورات العسكرية. ما يُثير علامات استفهام حول مدى اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي وتأثير ذلك على أمن الطاقة لديها، وخطتها في مواجهة الأزمة الاقتصادية الضاغطة التي تعانيها من خلال تصدير الغاز إلى أوروبا. 

كيف تحوّل التصدير إلى استيراد؟

كانت مصر هي من تصدّر الغاز الى إسرائيل لا العكس، وذلك حين تعاقدت شركة “غاز شرق المتوسط” المصرية  مع شركة الكهرباء الإسرائيلية “إلكتريك كورب” في عام 2001، لتوريد 7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً إلى إسرائيل ولمدة 15 عاماً. وبعد خلافات حول التسعير بين الطرفين، تم تفعيل الاتفاقية في عام 2005، ووافق مجلس الوزراء المصري على تصدير الغاز لإسرائيل بسعر ثابت يتراوح بين 0.75 و1.25 دولار لكل مليون وحدة حرارية.

بدأ الطرفان بإنشاء خط الأنابيب الواصل بين عسقلان والعريش، الذي يمتد على طول 89 كيلومتراً وبسعة نقل تصل إلى 7 مليارات متر مكعب سنوياً، وهو الخط نفسه الذي تمر منه واردات الغاز الإسرائيلي إلى مصر حالياً، بالإضافة إلى خط أنابيب الغاز العربي البري الذي بدأ الاعتماد عليه هذا العام.

على رغم الاحتجاجات والرفض الشعبي الذي تطور إلى نزاعات في المحاكم القضائية، إلا أن الاتفاقية نُفذت وبدأ تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل في عام 2008. وفي العام الثاني، عملت الحكومة المصرية على تعديل الاتفاقية لتحسين السعر بسبب الانتقادات التي تتعرض لها.  ليصبح سعر الغاز 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية.

بعد ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، تعرض خط عسقلان – العريش لأكثر من 14 هجوماً، ما أدى إلى تفجيره وتعطيل إمداداته، كما قامت رئاسة الوزراء بإعادة مراجعة اتفاقية الغاز مع إسرائيل تحت ضغط شعبي كبير. وفي عام 2012، ألغت الحكومة المصرية الاتفاقية بشكل نهائي، ما أدى إلى نزاع تحكيم دولي بين تل أبيب والقاهرة بسبب طلب الأولى الحصول على تعويضات نتيجة تضرّرها.

 أصدرت محكمة مصرية حينها، حكماً بحبس وزير البترول المصري السابق سامح فهمي، ورجل الأعمال المصري الراحل حسين سالم، لمدة 15 عاماً، بسبب بيع الغاز المصري لإسرائيل بأسعار بخسة كبّدت مصر خسائر بقيمة 715 مليون دولار.

بدأت إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي عهداً جديداً في ملف تجارة الغاز مع إسرائيل، إذ توصّلت إلى تسوية مع تل أبيب تدفع القاهرة بموجبها نصف مليار دولار أقساط لمدة 8 أعوام ونصف العام تعويضاً عن قرارها بوقف إمدادات الغاز. وقبلها بعام، كان ملف تصدير الغاز إلى إسرائيل قد أغلق بشكل نهائي ليحدث العكس، وتبدأ مصر باستيراد الغاز. إذ وقعت شركة “دولفينوس” المصرية اتفاقاً لاستيراد الغاز مع “ديليك” الإسرائيلية المالكة آنذاك لحقوق التنقيب في حقلي “تمار” و”ليفياثان” في عام 2018. 

وبحسب رويترز، تنص الاتفاقية التي توصل إليها الطرفان على توريد 85 مليار متر مكعب سنوياً الى مصر، بقيمة تصل إلى 19.5 مليار دولار لمدة 15 عاماً.

استراتيجية الاعتماد على الغاز الإسرائيلي

على رغم إعلان مصر في عام 2018 الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي وعدم حاجتها إلى الاستيراد، بعد تشغيل حقل ظهر العملاق الذي يمتلك احتياطياً يُقدر بنحو 20 تريليون قدم مكعبة، إلا أنها واصلت خلال السنوات الماضية الاعتماد على واردات الغاز الإسرائيلي، وهو ما سنوضحه تفصيلاً.

منذ بداية ضخ إمدادات الغاز الإسرائيلي في عام 2020، والحكومة المصرية تعمل على إعادة تصديره إلى أوروبا، وذلك عن طريق توجيه واردات الغاز إلى مجمعين للإسالة في مدينة دمياط في مدينة إدكو، حيث تستغل قدراتها كونها الدولة الوحيدة التي تمتلك محطات الإسالة في المنطقة. وأتى ذلك ضمن اتجاه مصر للتحول إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز المسال.

ما ساعد مصر في تصدير الغاز إلى أوروبا، هو الإنتاجية العالية لحقل ظهر، حيث وصل إلى ذروة إنتاجه في عام 2022، بنحو 2.6 مليار قدم مكعبة يومياً، ما ساعد مصر على تلبية الطلب المحلي من الطاقة وتصدير كميات ضخمة من الغاز في العام نفسه، في استغلال لارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا ولتوفير عملة صعبة تساعد مصر على مواجهة الأزمة الاقتصادية الضاغطة وسد الفجوة التمويلية التي تُعانيها.

حققت صادرات مصر أرقاماً قياسية بقيمة تُقدر بنحو 8.4 مليار دولار، وقفزت بنسبة 171 في المئة عن العام السابق، وبلغ إجمالي صادرات مصر من الغاز المسال خلال 2022، 7.4 مليون طن، مقابل 6.6 مليون طن في عام 2021.

بسبب هذه الأرقام نفسها والإنتاجية العالية من حقل ظهر خلال السنوات الماضية، استنفد الحقل 23 في المئة من احتياطاته القابلة للاستخراج الاقتصادي وفقاً لمنصة الطاقة المتخصصة. وبدأ الحقل يُعاني من النضوب وانخفاض الإنتاجية خلال الأشهر الماضية، ما أدى إلى تراجع إنتاج الغاز في مصر بنسبة 11 في المئة على أساس سنوي في آب/ أغسطس الماضي.

أدى تراجع إنتاج حقل ظهر إلى توقف محطات توليد الكهرباء، مع عدم توافر الوقود اللازم لتشغيلها، إلى انقطاع التيار الكهربائي بشكل متواصل في أشهر الصيف، وتبع ذلك معاناة غالبية السكان في مصر وتكبد خسائر مادية لدى كثيرين على أثر تعطل الأنشطة الإنتاجية. وأعلنت الحكومة عن خطة لتخفيف الأحمال وقطع التيار الكهربائي لمدة ساعة يومياً خلال أشهر الصيف، للحد من استهلاك الكهرباء.

هل أصبح الاعتماد على الغاز الإسرائيلي هو الخيار الوحيد؟

تُظهر البيانات أن صادرات الغاز المصرية هبطت بنسبة 94.8 في المئة على أساس سنوي في شهر تموز، وذلك مع زيادة استهلاك الغاز في توليد الكهرباء خلال فصل الصيف. ما يعني أيضاً، أن واردات الغاز الإسرائيلية التي كانت تُصدَّر، وُجهت لتلبية الطلب المحلي بدلاً من تصديرها. ويُقدر حجم واردات الغاز الإسرائيلي بنحو 10 في المئة من استهلاك مصر وفقاً لمنصة الطاقة.

وبالتزامن مع انخفاض الإنتاج المحلي وتوقف التصدير، كثفت مصر وارداتها من الغاز الإسرائيلي خلال الأشهر الأخيرة، إذ ارتفعت قيمة واردات الغاز الإسرائيلي نحو 53 في المئة في تموز.

وقبل شهرين من هجوم حماس واندلاع الصراع، وافقت الحكومة الإسرائيلية على خطة لزيادة إنتاج حقل تمارا بنسبة 60 في المئة، وإنشاء خطوط أنابيب جديدة، ما يمكنها من زيادة صادراتها إلى مصر. وكانت كميات الغاز القادمة من إسرائيل مستمرة في ارتفاعها، وسجلت رقماً قياسياً جديداً بلغ 800 مليون قدم مكعب يومياً، وكان مخطط زيادة الكميات بنحو 30 في المئة بداية من شهر تشرين الأول، ومن ثم مواصلة الارتفاع، ولكن كل شيء تغير منذ ليلة السابع من الشهر نفسه، وأصبح أقصى ما تتمناه مصر هو عدم توقف إمدادات الغاز من الأراضي المحتلة مرة ثانية خلال الصراع العسكري.

مخاطر الغاز الإسرائيلي على الأمن القومي

كانت الحكومة المصرية تعتزم استئناف تصدير الغاز المسال خلال تشرين الأول، بعد التوقف منذ حزيران/ يونيو، وذلك بدافع من انخفاض الطلب على الغاز لأغراض التبريد بعد انتهاء أشهر الصيف، بالإضافة إلى الاعتماد على ارتفاع واردات الغاز الإسرائيلي كما أوضحنا. وتأتي مساعي التصدير رغبة في تحقيق إيرادات دولارية تُساهم في الحد من الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعيشها مصر، نتيجة لزيادة أعباء الدين الخارجي على المدى القصير، واتساع الفجوة التمويلية.

المخاطر التي تحيط بحقول الغاز الإسرائيلية مع استمرار الصراع أو في حالة اتساع نطاقه على مستوى الإقليم، لفتت انتباه خبراء الغاز إلى أن حقل “تمار” الذي تم إيقافه يُوفر أكثر من 70 في المئة من الطلب المحلي على الغاز في إسرائيل. وبعد إيقافه، اتجهت إسرائيل نحو تعويض الطلب المحلي عبر حقل “ليفياثان” الذي تحصل منه مصر على 95 في المئة من وارداتها من الغاز، وبالتالي أغلقت أنابيب تصدير الغاز إلى مصر حتى لا يتأثر الاستهلاك المحلي لديها. كما أن إسرائيل لا تمتلك في البحر المتوسط سوى ثلاثة حقول، ومن المتوقع أن تكون للحرب آثار سلبية واسعة النطاق على هذه الحقول وخطط إنتاجها وتطويرها بحسب خبراء الغاز.

ومع تراجع الإنتاج المحلي وتقويض قدرة مصر على إعادة تصدير الغاز، من المتوقع أن تلجأ مصر إلى استئناف التصدير على حساب إيقاف محطات الكهرباء، لتوفير كميات من الغاز يمكن تصديرها، وهو ما يفسر قرار الحكومة زيادة عدد ساعات انقطاع تيار الكهرباء من ساعة إلى ساعتين، وشكاوى بعض المواطنين من أن ساعات الانقطاع تصل إلى الأربع.

ما سبق  يثير علامات استفهام حول مدى ارتباط أمن الطاقة لدى مصر بإسرائيل، وذلك فيما تواجه مصر ضغوطاً سياسية متزايدة للقبول بملف التهجير القسري للفلسطينيين على أراضيها، إضافة إلى إدارتها معبر رفح الحدودي، والتي تجعلها تتحكم في وصول المساعدات الغذائية والطبية وإمدادات الطاقة إلى قطاع غزة، ما يزيد من المخاوف من استخدام الطاقة كأداة للضغط على مصر لدفعها نحو تبني سياسات أو ممارسات تخدمها.

24.11.2023
زمن القراءة: 7 minutes

على رغم إعلان مصر في عام 2018 الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي وعدم حاجتها إلى الاستيراد، بعد تشغيل حقل ظهر العملاق الذي يمتلك احتياطياً يُقدر بنحو 20 تريليون قدم مكعبة، إلا أنها واصلت خلال السنوات الماضية الاعتماد على واردات الغاز الإسرائيلي، وهو ما سنوضحه تفصيلاً.

إثر الهجوم الذي شنّته حماس يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وما أعقبه من حرب انتقاميّة إسرائيلية على قطاع غزة، سارعت إسرائيل إلى وقف إمدادات الغاز القادمة من حقولها إلى مصر، إذ توقف إنتاج الغاز الطبيعي في حقل “تمار” بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة. 

 كان الخبر ليمرّ من دون تأثير يُذكر، لو أن ادعاءات الإدارة المصرية على مدى سنوات سابقة بأن مصر لديها اكتفاء ذاتي من الغاز صحيحة. ولكن، سرعان ما انعكس الخبر على المواطنين، الذين يختبرون زيادة عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي بوتيرة غير مسبوقة، على رغم تأكيدات الحكومة السابقة بأنها ستتوقف عن العمل باستراتيجية تخفيف الأحمال بحلول منتصف شهر أيلول/ سبتمبر.

تم تأكيد أن هناك علاقة بين تعطل إمدادات الغاز الإسرائيلية وزيادة عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي في مصر، بعدما أعلن المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء في نهاية شهر تشرين الأول عن مزيد من تخفيف الأحمال، وأكد أن انخفاض كميات الغاز الموردة إلى مصر من 800 مليون قدم مكعب غاز يومياً إلى صفر، أتى بالتزامن مع الزيادة في استهلاك الكهرباء. إثر ذلك، ازدادت فترة الانقطاع من ساعة إلى ساعتين، ووصلت إلى أربع ساعات في بعض المناطق، كما خُفِّضت كميات الغاز الموردة لمصانع الأسمدة والإسمنت بنسبة 30 في المئة، مع وجود أنباء عن استيراد مصر شحنات من الغاز الطبيعي المسال للمرة الأولى منذ شهر تموز/ يوليو الماضي.

استُئنفت واردات الغاز من إسرائيل أخيراً، بعدما توقفت نهائياً، وارتفعت تدريجياً من 150 مليون قدم مكعب أواخر تشرين الأول، إلى 350 مليون قدم مكعب في بداية تشرين الثاني الجاري، ووصلت إلى 450 مليون قدم مكعب يومياً في منتصف الشهر نفسه.

قبل الهدنة بين حماس وإسرائيل، انتشرت مخاوف من تعرض حقول الغاز الإسرائيلية للإغلاق القصير أو الطويل مع التطورات العسكرية. ما يُثير علامات استفهام حول مدى اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي وتأثير ذلك على أمن الطاقة لديها، وخطتها في مواجهة الأزمة الاقتصادية الضاغطة التي تعانيها من خلال تصدير الغاز إلى أوروبا. 

كيف تحوّل التصدير إلى استيراد؟

كانت مصر هي من تصدّر الغاز الى إسرائيل لا العكس، وذلك حين تعاقدت شركة “غاز شرق المتوسط” المصرية  مع شركة الكهرباء الإسرائيلية “إلكتريك كورب” في عام 2001، لتوريد 7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً إلى إسرائيل ولمدة 15 عاماً. وبعد خلافات حول التسعير بين الطرفين، تم تفعيل الاتفاقية في عام 2005، ووافق مجلس الوزراء المصري على تصدير الغاز لإسرائيل بسعر ثابت يتراوح بين 0.75 و1.25 دولار لكل مليون وحدة حرارية.

بدأ الطرفان بإنشاء خط الأنابيب الواصل بين عسقلان والعريش، الذي يمتد على طول 89 كيلومتراً وبسعة نقل تصل إلى 7 مليارات متر مكعب سنوياً، وهو الخط نفسه الذي تمر منه واردات الغاز الإسرائيلي إلى مصر حالياً، بالإضافة إلى خط أنابيب الغاز العربي البري الذي بدأ الاعتماد عليه هذا العام.

على رغم الاحتجاجات والرفض الشعبي الذي تطور إلى نزاعات في المحاكم القضائية، إلا أن الاتفاقية نُفذت وبدأ تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل في عام 2008. وفي العام الثاني، عملت الحكومة المصرية على تعديل الاتفاقية لتحسين السعر بسبب الانتقادات التي تتعرض لها.  ليصبح سعر الغاز 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية.

بعد ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، تعرض خط عسقلان – العريش لأكثر من 14 هجوماً، ما أدى إلى تفجيره وتعطيل إمداداته، كما قامت رئاسة الوزراء بإعادة مراجعة اتفاقية الغاز مع إسرائيل تحت ضغط شعبي كبير. وفي عام 2012، ألغت الحكومة المصرية الاتفاقية بشكل نهائي، ما أدى إلى نزاع تحكيم دولي بين تل أبيب والقاهرة بسبب طلب الأولى الحصول على تعويضات نتيجة تضرّرها.

 أصدرت محكمة مصرية حينها، حكماً بحبس وزير البترول المصري السابق سامح فهمي، ورجل الأعمال المصري الراحل حسين سالم، لمدة 15 عاماً، بسبب بيع الغاز المصري لإسرائيل بأسعار بخسة كبّدت مصر خسائر بقيمة 715 مليون دولار.

بدأت إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي عهداً جديداً في ملف تجارة الغاز مع إسرائيل، إذ توصّلت إلى تسوية مع تل أبيب تدفع القاهرة بموجبها نصف مليار دولار أقساط لمدة 8 أعوام ونصف العام تعويضاً عن قرارها بوقف إمدادات الغاز. وقبلها بعام، كان ملف تصدير الغاز إلى إسرائيل قد أغلق بشكل نهائي ليحدث العكس، وتبدأ مصر باستيراد الغاز. إذ وقعت شركة “دولفينوس” المصرية اتفاقاً لاستيراد الغاز مع “ديليك” الإسرائيلية المالكة آنذاك لحقوق التنقيب في حقلي “تمار” و”ليفياثان” في عام 2018. 

وبحسب رويترز، تنص الاتفاقية التي توصل إليها الطرفان على توريد 85 مليار متر مكعب سنوياً الى مصر، بقيمة تصل إلى 19.5 مليار دولار لمدة 15 عاماً.

استراتيجية الاعتماد على الغاز الإسرائيلي

على رغم إعلان مصر في عام 2018 الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي وعدم حاجتها إلى الاستيراد، بعد تشغيل حقل ظهر العملاق الذي يمتلك احتياطياً يُقدر بنحو 20 تريليون قدم مكعبة، إلا أنها واصلت خلال السنوات الماضية الاعتماد على واردات الغاز الإسرائيلي، وهو ما سنوضحه تفصيلاً.

منذ بداية ضخ إمدادات الغاز الإسرائيلي في عام 2020، والحكومة المصرية تعمل على إعادة تصديره إلى أوروبا، وذلك عن طريق توجيه واردات الغاز إلى مجمعين للإسالة في مدينة دمياط في مدينة إدكو، حيث تستغل قدراتها كونها الدولة الوحيدة التي تمتلك محطات الإسالة في المنطقة. وأتى ذلك ضمن اتجاه مصر للتحول إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز المسال.

ما ساعد مصر في تصدير الغاز إلى أوروبا، هو الإنتاجية العالية لحقل ظهر، حيث وصل إلى ذروة إنتاجه في عام 2022، بنحو 2.6 مليار قدم مكعبة يومياً، ما ساعد مصر على تلبية الطلب المحلي من الطاقة وتصدير كميات ضخمة من الغاز في العام نفسه، في استغلال لارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا ولتوفير عملة صعبة تساعد مصر على مواجهة الأزمة الاقتصادية الضاغطة وسد الفجوة التمويلية التي تُعانيها.

حققت صادرات مصر أرقاماً قياسية بقيمة تُقدر بنحو 8.4 مليار دولار، وقفزت بنسبة 171 في المئة عن العام السابق، وبلغ إجمالي صادرات مصر من الغاز المسال خلال 2022، 7.4 مليون طن، مقابل 6.6 مليون طن في عام 2021.

بسبب هذه الأرقام نفسها والإنتاجية العالية من حقل ظهر خلال السنوات الماضية، استنفد الحقل 23 في المئة من احتياطاته القابلة للاستخراج الاقتصادي وفقاً لمنصة الطاقة المتخصصة. وبدأ الحقل يُعاني من النضوب وانخفاض الإنتاجية خلال الأشهر الماضية، ما أدى إلى تراجع إنتاج الغاز في مصر بنسبة 11 في المئة على أساس سنوي في آب/ أغسطس الماضي.

أدى تراجع إنتاج حقل ظهر إلى توقف محطات توليد الكهرباء، مع عدم توافر الوقود اللازم لتشغيلها، إلى انقطاع التيار الكهربائي بشكل متواصل في أشهر الصيف، وتبع ذلك معاناة غالبية السكان في مصر وتكبد خسائر مادية لدى كثيرين على أثر تعطل الأنشطة الإنتاجية. وأعلنت الحكومة عن خطة لتخفيف الأحمال وقطع التيار الكهربائي لمدة ساعة يومياً خلال أشهر الصيف، للحد من استهلاك الكهرباء.

هل أصبح الاعتماد على الغاز الإسرائيلي هو الخيار الوحيد؟

تُظهر البيانات أن صادرات الغاز المصرية هبطت بنسبة 94.8 في المئة على أساس سنوي في شهر تموز، وذلك مع زيادة استهلاك الغاز في توليد الكهرباء خلال فصل الصيف. ما يعني أيضاً، أن واردات الغاز الإسرائيلية التي كانت تُصدَّر، وُجهت لتلبية الطلب المحلي بدلاً من تصديرها. ويُقدر حجم واردات الغاز الإسرائيلي بنحو 10 في المئة من استهلاك مصر وفقاً لمنصة الطاقة.

وبالتزامن مع انخفاض الإنتاج المحلي وتوقف التصدير، كثفت مصر وارداتها من الغاز الإسرائيلي خلال الأشهر الأخيرة، إذ ارتفعت قيمة واردات الغاز الإسرائيلي نحو 53 في المئة في تموز.

وقبل شهرين من هجوم حماس واندلاع الصراع، وافقت الحكومة الإسرائيلية على خطة لزيادة إنتاج حقل تمارا بنسبة 60 في المئة، وإنشاء خطوط أنابيب جديدة، ما يمكنها من زيادة صادراتها إلى مصر. وكانت كميات الغاز القادمة من إسرائيل مستمرة في ارتفاعها، وسجلت رقماً قياسياً جديداً بلغ 800 مليون قدم مكعب يومياً، وكان مخطط زيادة الكميات بنحو 30 في المئة بداية من شهر تشرين الأول، ومن ثم مواصلة الارتفاع، ولكن كل شيء تغير منذ ليلة السابع من الشهر نفسه، وأصبح أقصى ما تتمناه مصر هو عدم توقف إمدادات الغاز من الأراضي المحتلة مرة ثانية خلال الصراع العسكري.

مخاطر الغاز الإسرائيلي على الأمن القومي

كانت الحكومة المصرية تعتزم استئناف تصدير الغاز المسال خلال تشرين الأول، بعد التوقف منذ حزيران/ يونيو، وذلك بدافع من انخفاض الطلب على الغاز لأغراض التبريد بعد انتهاء أشهر الصيف، بالإضافة إلى الاعتماد على ارتفاع واردات الغاز الإسرائيلي كما أوضحنا. وتأتي مساعي التصدير رغبة في تحقيق إيرادات دولارية تُساهم في الحد من الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعيشها مصر، نتيجة لزيادة أعباء الدين الخارجي على المدى القصير، واتساع الفجوة التمويلية.

المخاطر التي تحيط بحقول الغاز الإسرائيلية مع استمرار الصراع أو في حالة اتساع نطاقه على مستوى الإقليم، لفتت انتباه خبراء الغاز إلى أن حقل “تمار” الذي تم إيقافه يُوفر أكثر من 70 في المئة من الطلب المحلي على الغاز في إسرائيل. وبعد إيقافه، اتجهت إسرائيل نحو تعويض الطلب المحلي عبر حقل “ليفياثان” الذي تحصل منه مصر على 95 في المئة من وارداتها من الغاز، وبالتالي أغلقت أنابيب تصدير الغاز إلى مصر حتى لا يتأثر الاستهلاك المحلي لديها. كما أن إسرائيل لا تمتلك في البحر المتوسط سوى ثلاثة حقول، ومن المتوقع أن تكون للحرب آثار سلبية واسعة النطاق على هذه الحقول وخطط إنتاجها وتطويرها بحسب خبراء الغاز.

ومع تراجع الإنتاج المحلي وتقويض قدرة مصر على إعادة تصدير الغاز، من المتوقع أن تلجأ مصر إلى استئناف التصدير على حساب إيقاف محطات الكهرباء، لتوفير كميات من الغاز يمكن تصديرها، وهو ما يفسر قرار الحكومة زيادة عدد ساعات انقطاع تيار الكهرباء من ساعة إلى ساعتين، وشكاوى بعض المواطنين من أن ساعات الانقطاع تصل إلى الأربع.

ما سبق  يثير علامات استفهام حول مدى ارتباط أمن الطاقة لدى مصر بإسرائيل، وذلك فيما تواجه مصر ضغوطاً سياسية متزايدة للقبول بملف التهجير القسري للفلسطينيين على أراضيها، إضافة إلى إدارتها معبر رفح الحدودي، والتي تجعلها تتحكم في وصول المساعدات الغذائية والطبية وإمدادات الطاقة إلى قطاع غزة، ما يزيد من المخاوف من استخدام الطاقة كأداة للضغط على مصر لدفعها نحو تبني سياسات أو ممارسات تخدمها.

24.11.2023
زمن القراءة: 7 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية