fbpx

بعد “داعش” : الإيزيديون يخشون اجتياحاً تركياً لسنجار!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“ميزان القوة اختل بعد 2003 والحكومة ضعيفة عسكرياً، وليس أمامها سوى طريق الديبلوماسية للوصول إلى حلول”… ضعف الحكومة العراقية في مواجهة الفصائل النافذة كما التدخلات الإقليمية في سنجار، يجعلها تكتفي بالتحرك الديبلوماسي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

طوال 7 سنوات انتظر خالد انتهاء الصراعات المحلية والإقليمية المشتعلة في أرضه سنجار المطلة على الحدود السورية، منذ طرد مقاتلي تنظيم “داعش” منها، للعودة إليها وبدء حياة جديدة، لكنه قضى مع أحلامه وثلاثة من أطفاله حين التهمت النيران خيمتهم وحولت كل شيء فيها إلى رماد.

يصف سعيد أحد الشهود على الحريق الذي أتى على خمس خيم في مخيم بيرسفي شرق زاخو: “كل شيء حدث خلال لحظات، التهمت النيران الخيم، لم نستطع فعل شيء، لكن خالد أصر على محاولة إنقاذ أطفاله فمات معهم”.

حوالى 60 في المئة من سكان سنجار التي تعد آخر مناطق انتشار المكون الايزيدي في العراق، لم يعودوا إليها، على رغم مضي أكثر من أربع سنوات على استعادتها من تنظيم “داعش” الذي احتلها في صيف 2014 وارتكب فيها عمليات إبادة جماعية.

يؤكد سعيد (45 سنة) أن “العودة مستحيلة في ظل غياب الاستقرار الأمني والسياسي وعدم وجود إدارة موحدة، وتحول المنطقة إلى حلبة صراع محلية وإقليمية” حيث تتقاسم الأرض سلسلة تشكيلات قتالية مختلفة الولاءات.

جبهة قتال تتقاسمها القوى

في شمال القضاء تنتشر قوات البيشمركة الكردية، وفي المدينة التي دمرت الحرب أجزاء واسعة منها كما في محيطها تتمركز قوات الجيش والشرطة العراقية وألوية الحشد الشعبي، وفي جنوبها وغربها الممتدين على البادية والحدود السورية تنتشر فصائل مختلفة من مقاتلي الحشد، الذين يتقاسمون مناطق شكلت طوال 15 عاماً، حواضن للجماعات السنية المتطرفة، وعلى الجبل تتمركز وحدات إيزيدية مسلحة تنتمي عقائدياً إلى حزب العمال الكردستاني لكن مقاتليها عراقيون وهم رسمياً جزء من فصائل الحشد.

على بعد نحو 100 كلم شمالاً، تراقب تركيا بحذر واهتمام كبيرين، وتتخذ من وجود المجموعات المسلحة القريبة من حزب العمال والتي تعتبرها “خطراً على أمنها القومي”، حجة لدخول المنطقة وإقامة مراكز أمنية فيها قد تشكل بوابة لما يطلق عليه القوميون الأتراك “ولاية الموصل” المقتطعة من تركيا، فيما تبدي إيران اهتماماً كبيراً بالقضاء الذي يضم إلى جانب الايزيديين والكرد المسلمين وبينهم شيعة، نسبة صغيرة من العرب السنة، وتأمل جعله قاعدة نفوذ وبوابة نحو سوريا وهو ما دفعها إلى نشر مجموعات مسلحة موالية لها هناك. 

حرب تصريحات وتهديدات

حوَل تقاطع المصالح الإقليمية سنجار إلى نقطة خلاف تركية- إيرانية وساحة صراع ساخنة تتسابق فيها الدولتان إلى رسم الخطط وتحريك البيادق. فالأولى لا تتردد في إعلان نيتها اقتحام المنطقة، والثانية تواصل الانتشار فيها فعلياً عبر مواليها من وحدات الحشد، وتهدد بأنها “لن تسكت عن أي محاولة احتلال تركية”.

نهاية شباط/ فبراير 2021، تبادل السفيران الإيراني والتركي في العراق الهجمات الإعلامية على خلفية التدخل في سنجار، وكاد الأمر يتطور إلى أزمة ديبلوماسية.

بدأ الأمر حين رد السفير الإيراني إيرج مسجدي على سؤال بشأن التهديدات التركية بالتدخل في سنجار، قائلاً إن “إيران لا تقبل بوجود قوات أجنبية في العراق، وترفض التدخل العسكري. يجب أن لا تكون القوات التركية بأي شكل من الأشكال مصدر تهديد للأراضي العراقية ولا أن تقوم باحتلالها… على الأتراك الانسحاب إلى خطوط حدودهم الدولية، وأن تتولى القوات العراقية توفير الأمن بنفسها”.

بعد ساعات رد السفير التركي لدى العراق فاتح يلدز: “أعتقد أن السفير الإيراني آخر شخص يمكن أن يعطي تركيا درساً في احترام حدود العراق”.

وسط ذلك التراشق الإقليمي، دعا رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، السفيرين إلى عدم التدخل في ما لا يعنيهما، وكتب: “ممثلو البعثات الديبلوماسية في العراق واجبهم تمثيل بلدانهم وتعزيز التعاون بين البلدين، فعلى ممثلي تلك البعثات أن يعوا جيداً واجباتهم، ولا يتدخلوا في ما لا يعنيهم، ويحترموا سيادة العراق لكي يُعامل بالمثل”.

بعدها بأيام أطلق زعيم عصائب “أهل الحق” قيس الخزعلي، وهو فصيل معروف بقربه من إيران وله كتلة برلمانية قوية وذراع عسكرية نافذة، تهديداً صريحاً لتركيا إذا دخلت سنجار، قائلاً “هناك معلومات عن نية أردوغان الهجوم على سنجار الصيف المقبل، إذا حصل ذلك فأنا مستعد شخصياً لحمل السلاح ضد القوات التركية”.

وحذر الخزعلي من أن “الوجود التركي سيكون أكثر تعقيداً في المستقبل من الوجود الأميركي الحالي”، مبيناً أن “تركيا تسعى لاحتلال سنجار وتلعفر وسهل نينوى وجزء كبير من كركوك”، وأن أردوغان “يعمل على تثبيت وجوده في كل منطقة احتلها العثمانيون سابقاً”.

وطالب زعيم “عصائب أهل الحق”، رئيسَ الوزراء العراقي بـ”تسليح المنظومة العسكرية الجوية لمواجهة الاحتلال التركي وشراء منظومة جوية من أي دولة حتى لو كانت أميركا للحفاظ على السيادة”.

ليست العصائب، وحدها التي هددت بالرد على أي تدخل تركي، فـ”حركة النجباء” المدعومة من ايران أيضاً توعدت “بمهاجمة القوات العسكرية التركية في شمال العراق”.

تحركات على الأرض 

حرب التصريحات تلك لم تكن الأولى، فقبلها بأسبوعين أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف رفض بلاده أي وجود تركي في العراق، واصفاً سياسة أنقرة بـ”الخاطئة”. وذلك بعدما هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 22 كانون الثاني/ يناير، بشن عملية عسكرية في سنجار “لتطهيرها” من مقاتلي “حزب العمال”.

وقال اردوغان: “بخصوص إخراج الإرهابيين من سنجار: لدي وعد دائم، يمكننا أن نأتي فجأة ذات ليلة”. وأضاف: “نحن مستعدون دائماً للقيام بعمليات مشتركة، لكن هذه العمليات لن يتم الكشف عنها”، مؤكداً، “يمكن أن نأتي ذات ليلة على حين غرة”.

وفي منتصف شباط، قال الرئيس التركي: “لا (جبال) قنديل ولا سنجار ولا سوريا. من الآن، لم يعد هناك مكان آمن لهؤلاء الإرهابيين”.

تصريحات أردوغان تزامنت مع زيارة أجراها وزير الدفاع التركي خلوصي آكار في 18 كانون الثاني برفقة رئيس الأركان يشار غولر إلى بغداد وأربيل ناقشت ملف سنجار. وأعلن آكار في ختامها التوصل إلى “تفاهمات” مع العراق ضد “حزب العمال” من دون الكشف عن طبيعتها.

حين كان الإيرانيون والأتراك يتبادلون التصريحات، كان الحشد الشعبي يعزز وجوده بثلاثة ألوية جديدة أرسلت إلى المنطقة على نحو عاجل ونشرت في مواقع عدة بما فيها داخل جبل سنجار.

وبحسب مصادر إيزيدية، جاءت تلك التعزيزات لمواجهة أي تدخل تركي، ووزعت في مناطق متفرقة حول المدينة وفي تلعفر وما بين سنجار وربيعة غرباً على الحدود السورية.

في الأثناء، لم تنقطع زيارات كبار المسؤولين الأمنيين العراقيين إلى المنطقة. قائد أركان الجيش الفريق الركن عبد الأمير يار الله زار المدينة في 15 شباط، سبقه بيوم واحد رئيس “هيئة الحشد الشعبي” ابو فدك للوقوف على انتشار الأولية الجديدة للحشد هناك.

إقرأوا أيضاً:

الاتفاقية المعطلة

عملية نشر مزيد من مقاتلي “الحشد الشعبي” في سنجار، أحرجت الحكومة العراقية وأثارت قلق حكومة إقليم كردستان، اللتين كانتا قد توصلتا إلى اتفاقية في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 لتثبيت الاستقرار في سنجار، تنص أهم بنودها على إبعاد الحشد الشعبي والوحدات الموالية لحزب العمال من المنطقة، وتولي قوات الشرطة الاتحادية والجيش بالتنسيق مع قوات إقليم كردستان مهمة حفظ الأمن، إلى جانب تطويع 2500 شاب من أبناء سنجار للمساهمة في تعزيز الأمن.

اتفاقية سنجار التي حظيت بدعم دولي هدفت إلى تثبيت الاستقرار الأمني لإعادة النازحين، وهي اتفاقية أمنية مشتركة مع حكومة إقليم كردستان بشأن البلدة الإيزيديّة الواقعة غرب محافظة نينوى، التي سقطت في قبضة “داعش” عام 2014، وشهدت حينذاك إبادة جماعية ضد الإيزيديين: “الاتفاقية بقيت حبراً على ورق كما توقع كثيرون. كلمة الحشد في سنجار هي العليا، وإيران وتركيا القويتان لهما دوافعهما لبسط نفوذها هناك… وسط هذه الصراعات كيف تمكننا العودة والاستقرار؟”، يقول النازح اسماعيل أحمد (45 سنة) وهو من سكان مجمعات جنوب سنجار ذات الغالبية العربية السنية، ويضيف وهو يبتسم بسخرية، “ليس هذا فقط فداعش أيضاً يحاول استعادة نشاطه… يبدو أننا سنظل هنا إلى الأبد وستتحول هذه المخيمات إلى مدن دائمة”.

عضو “الحزب الديمقراطي الكردستاني” والنائب عن نينوى شيروان الدوبرداني يرجع السبب وراء عدم تنفيذ الاتفاقية إلى وجود “قوات غير شرعية وغير نظامية إضافة إلى مقاتلي حزب العمال تهيمن على القضاء بشكل كامل”.

جمر البقاء ونيران العودة 

في المخيمات الموقتة التي بنيت سريعاً عام 2014 لاستقبال نازحي سنجار، يعيش حوالى 200 ألف شخص في بيوت صغيرة مؤجرة أو هياكل غير مكتملة البناء، بعدما فقدوا ممتلكاتهم ومدخراتهم في الأيام الأولى من اجتياح التنظيم لمناطقهم.

هناك تسجل أسبوعياً حالات انتحار لشبان وشابات، وتتكرر بلا حل ومن دون أسباب واضحة حرائق الخيم، ويتواصل نزيف الهجرة إلى خارج البلاد، في ظل الفقر وانتشار البطالة وآثار فايروس “كورونا”.

يذكر مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين في إحصاء له صدر مطلع عام 2021 أن 150 ألف نازح إيزيدي عادوا إلى منازلهم من أصل حوالى 360 ألفاً، فيما بلغ عدد الذين هاجروا خارج العراق أكثر من 110 آلاف إيزيدي.

تحصي دائرة أوقاف الايزيديين أكثر من 70 مقبرة جماعية تنتظر رفع جثث ضحاياها لتحديد هوياتهم. قد يتطلب الأمر سنوات طويلة.

لا تقتصر مآسي سنجار على الإيزيديين، فعشرات آلاف المسلمين الكرد أيضاً ما زالوا نازحين ويخشون العودة إلى المدينة التي يحتدم الصراع فيها وتغيب عنها الخدمات الأساسية.

يقول الإعلامي ماهر شنكالي الذي يستبعد فكرة العودة: “أحياء المدينة وبناها التحتية مدمرة بنسبة 80 في المئة، والكثير من المجمعات السكنية لم يتم تنظيفها إلى الآن من المخلفات الحربية، ولا توجد حكومة محلية حقيقية تدير القضاء”.

ويشير شنكالي إلى أن الصراع السياسي والعسكري في المنطقة من الأسباب الرئيسية التي تحول دون عودة الأهالي: “هناك سبع مجموعات عسكرية تتقاسم السيطرة على القضاء وتدعي تمثيل القضية الإيزيدية أو دعمها”.

ويردف: “النازحون في إقليم كردستان يفضلون الخيمة المهترئة على العودة المخيفة بسبب احتمال نشوب صراع أو انضمام أطفالهم إلى صفوف حزب العمال أو أي فصيل عسكري آخر”.

ويؤكد شنكالي أن معظم النازحين لن يعودوا “إلا إذا فرضت الدولة سلطتها من خلال الشرطة والجيش والبيشمركة، مع دمج الفصائل الأخرى بالقوى الرسمية للدولة وإبعادهم من الأحزاب”، منبهاً إلى خطر جديد يهدد العودة يتمثل بالتهديدات التركية باجتياح سنجار.

ويورد فلاح حسن رئيس المجلس الايزيدي في سنجار الذي تشكل راهناً، لائحة طويلة من الأسباب التي تؤزّم “الوضع الأمني في ظل التهديدات التركية وتؤخر عودة اللاجئين إلى سنجار، منها قلة فرص العمل، والبيوت المهدمة التي لم يعد بناؤها، وغياب الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وخدمات صحية وتعليمية، إلى جانب الصراعات السياسية بين إربيل وبغداد”.

خلافات واتهامات

يرى القيادي في الحشد الشعبي عارف شنكالي أن الأيادي السياسية لعبت بملف عودة النازحين لتستغله لمصلحتها، “العودة الطوعية كانت جيدة مطلع العام الماضي، وعاد كثيرون خلال وقت قصير، قبل أن تتوقف بشكل شبه كامل مع إعلان اتفاقية سنجار”.

شنكالي ينتقد وزارة الهجرة والمهجرين ومكتب الأمم المتحدة، ويقول إنهما لعبا دوراً سلبياً في ملف العودة. كما يتهم “الحزب الديموقراطي”، “بتحويل النازحين إلى ورقة سياسية تستخدم ضد الحكومة الاتحادية تارة، وضد خصومه السياسيين طوراً، وهو يفعل كل شيء لإبقاء النازحين رهائن إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة”.

يتناغم موقف قيادات الحشد، مع موقف فارس حربو، عضو لجنة العلاقات في الإدارة الذاتية المعلنة من قبل القوى الايزيدية الموالية لحزب العمال في سنجار، الذي اتهم بدوره الحزب الديموقراطي بالوقوف وراء تأخير عودة النازحين، وذهب أبعد من ذلك بالقول: “الديموقراطي يهاجم إدارة سنجار باستمرار ويصف الفصائل بأنها غير شرعية، ويعمل مع جهات إقليمية على زعزعة الاستقرار في المنطقة”.

ويكشف الدكتور علي آغوان، وهو باحث سياسي من نينوى، عن مهلة لتنفيذ الجزء المتعلق بمغادرة “حزب العمال الكردستاني” سنجار في الاتفاقية: “يفترض أن تنتهي المهلة نهاية آذار/ مارس 2021 وما يعزز ذلك التوجه هو وصول 3 ألوية من الحشد الشعبي إلى المنطقة من أجل مسك الأرض، وهناك تواصل بين العمال والحشد لتأكيد ان هذه المنطقة تابعة لبغداد”. 

ويعتقد آغوان أن هناك توجها لدى بغداد واربيل والتحالف الدولي، بالاشتراك، استخباراتياً، مع الجانب التركي، لفرض سلطة بغداد على معظم المناطق داخل القضاء، على أن تكون لأربيل السيطرة على الجزء الآخر (شمالاً) من القضاء المتنازع عليه دستورياً بين الحكومتين.

إقرأوا أيضاً:

ويرجح آغوان أن يكون هناك تحرك خاطف باتجاه جبل سنجار ومحيطه ، قائلاً إن السياسة التي ستتبعها بغداد واربيل لمعالجة الملف ستحدد مستقبل المنطقة: إذا وافق “العمال الكردستاني” عليها فلن تحصل مواجهة، أما إذا رفضها فسيكون قادراً على تحريك الحلفاء المحليين وشن حرب عصابات تُبقي المنطقة في حالة من عدم الاستقرار.

ويلفت إلى أن الأمر مرتبط بخطوات الحكومة الاتحادية “هل ستقطع المنافذ والمعابر غير الرسمية التي توصل سنجار بسوريا والتي تخضع لسيطرة حزب العمال؟ وهل ستدمر الأنفاق التي تمتد في جبل سنجار والتي يستخدمها العمال”.

ويعرب عن قناعته بأن الجانب العراقي بشقيه المركزي والكردي “لا يملك القدرة على الدخول إلى عمق الجبل بتضاريسه الوعرة التي تناسب بيئة عمل حزب العمال ونظام نشر مقاتليه بمجموعات صغيرة ومتفرقة تتنقل بشكل دائم كالأشباح بين مواقع متناثرة. إذا حصلت المواجهة فستكون هناك خسائر وحرب مكلفة”.

آغوان يتحدث عن “تكتيكات” قد تمنع المواجهة المحتملة التي تريدها أنقرة وأربيل، خصوصاً أن الجانب الإيراني والفصائل الموالية له داخل الحشد الشعبي “لا يريدون تلك المواجهة”.

تطلعات توسعية وتهديد جدي 

قادة الحشد ومسؤولو بعض الفصائل الإيزيدية مثل “فارس حربو”، يحذرون من أن تركيا وبعدما توغلت إلى مسافة 40 كلم في إقليم كردستان تريد “احتلال المنطقة عبر إقامة قواعد جديدة داخل الأراضي العراقية، ما يشكل انتهاكاً للسيادة والدستور”، مشيرين إلى أن تركيا لا تخفي “أطماعها التوسعية العثمانية باحتلال الموصل وكركوك” وفرض نفوذها على منطقة سنجار الاستراتيجية والتي يعبر منها خط نفط (البصرة- الموصل- سوريا).

بينما يشير مسؤولو “الحزب الديموقراطي” وبينهم النائب شيروان الدوبرداني إلى أن وجود “حزب العمال الكردستاني” في سنجار هو السبب وراء تهديدات تركيا باجتياح المنطقة، فهي تعتبره تهديداً لأمنها القومي، لذا تشن غارات مستمرة على المنطقة، والحل يكمن في إخراج الحكومة الاتحادية لتلك القوات.

ويرى الخبير الأمني سرمد البياتي أن الظاهر من خطط تركيا هو مواجهة حزب العمال وإبعاده من حدودها، لكن سنجار بعيدة فعلياً، وهذا يرجح وجود أسباب أخرى من ضمنها الصراع التركي- الأوروبي ومحاولة فرض الهيمنة على هذه المناطق.

ومع ذلك يستبعد البياتي، حصول مواجهة بين الحشد وتركيا، لأن الأخيرة تعلم أن الحشد يمثل إيران و”لا تريد أن تدخل في حرب إقليمية”.

الضحية: أهالي سنجار 

وسط صراع فرض الإرادات المحلية والاقليمية، تدفع مكونات سنجار المختلفة الثمن. يقول الناشط الإيزيدي ميرزا دنايي، الحائز جائزة “أورورا للنهضة الإنسانية”، “من المؤلم أن تتحول سنجار التي نالها إرهاب داعش وعانى أبناؤها من الإبادة الجماعية ساحة صراع إقليمي على النفوذ والسلطة”. 

ويضيف، أن تركيا “تتحجج بوجود مناصرين لفكر حزب العمال الكردستاني في سنجار لبسط نفوذها على لواء الموصل التاريخي من دون أن تراعي مأساة هذا الشعب الذي ما زال مشرداً في الخيم، على رغم أن سنجار وشعبها لم يشكلوا يوماً خطراً على تركيا، مهما كانت أفكارهم وتوجهاتهم السياسية”.

الصراع هو إيراني- تركي بامتياز، كما يراه دنايي، وهناك صراع مشابه في الوقت نفسه على الساحة السورية بين الدولتين عبر وكلائهما، وصراع ثالث روسي- أميركي بشكل غير مباشر، ينعكس على الوضع في سنجار التي تعتبر منفذاً وحيداً لإيران على سوريا، فالمناطق الحدودية الأخرى سنية عربية لا يمكن اختراقها. 

القوى الشيعية ومن خلفها إيران، قررت التمركز بقوة في سنجار وفي نقاط حساسة، فالمنطقة هي الوحيدة التي يمكن ألا يتحسس شعبها من الوجود الشيعي فلا حساسية عند أبناء سنجار الأصليين من الشيعة، ووقوف الشيعة إلى جانب الإيزيديين خلال محنتهم في مواجهة داعش خلق تعاطفاً بين الجانبين.

قاعدة للتحالف وقوات لحفظ السلام

لمواجهة الصراع المحتمل يقترح دنايي، الذي التقى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مطلع شباط الماضي، أن الحل الأفضل لاستعادة الاستقرار في المنطقة ومنع اشتعال صراع فيها هو بناء قاعدة عسكرية للتحالف الدولي أو لقوات حفظ السلام الدولية ولو بشكل رمزي “هذا يمكن أن يحمي سنجار، في ظل ضعف الحكومة العراقية التي تحتاج إلى دعم صريح من الولايات المتحدة والتحالف الدولي”.

لكن عضو “الحزب الديموقراطي” شيروان الدوبرداني، يرى أن الأمر يتجه إلى التدخل العسكري، لأن حزب العمال لن يترك سنجار “نتمنى ألا يكون الاحتكام إلى السلاح هو الحل، وأن يسلموا القضاء إلى أهله كما هو متفق بين إربيل وبغداد”.

ضعف الحكومة العراقية في مواجهة الفصائل النافذة كما التدخلات الإقليمية في سنجار، يجعلها تكتفي بالتحرك الديبلوماسي. يقول الخبير الأمني سرمد البياتي، “ميزان القوة اختل بعد 2003 والحكومة ضعيفة عسكرياً، وليس أمامها سوى طريق الديبلوماسية للوصول إلى حلول”.

أُنجز هذا التقرير بدعم من مؤسسة “نيريج” للصحافة الاستقصائية

إقرأوا أيضاً:

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 11.10.2024

ضغط عسكري على الشمال ومجازر في جنوبه… عدوان “إسرائيل” في غزة لا يتوقّف

يمارس الجيش الإسرائيلي ضغطاً عسكرياً على سكان المخيم بهدف دفعهم إلى النزوح لجنوب القطاع، تنفيذاً لما يُعرف بخطة "الجنرالات" التي وضعها اللواء الإسرائيلي المتقاعد غيورا إيلاند، والهادفة إلى إجلاء المدنيين بعد حصار محكم.
19.03.2021
زمن القراءة: 11 minutes

“ميزان القوة اختل بعد 2003 والحكومة ضعيفة عسكرياً، وليس أمامها سوى طريق الديبلوماسية للوصول إلى حلول”… ضعف الحكومة العراقية في مواجهة الفصائل النافذة كما التدخلات الإقليمية في سنجار، يجعلها تكتفي بالتحرك الديبلوماسي.

طوال 7 سنوات انتظر خالد انتهاء الصراعات المحلية والإقليمية المشتعلة في أرضه سنجار المطلة على الحدود السورية، منذ طرد مقاتلي تنظيم “داعش” منها، للعودة إليها وبدء حياة جديدة، لكنه قضى مع أحلامه وثلاثة من أطفاله حين التهمت النيران خيمتهم وحولت كل شيء فيها إلى رماد.

يصف سعيد أحد الشهود على الحريق الذي أتى على خمس خيم في مخيم بيرسفي شرق زاخو: “كل شيء حدث خلال لحظات، التهمت النيران الخيم، لم نستطع فعل شيء، لكن خالد أصر على محاولة إنقاذ أطفاله فمات معهم”.

حوالى 60 في المئة من سكان سنجار التي تعد آخر مناطق انتشار المكون الايزيدي في العراق، لم يعودوا إليها، على رغم مضي أكثر من أربع سنوات على استعادتها من تنظيم “داعش” الذي احتلها في صيف 2014 وارتكب فيها عمليات إبادة جماعية.

يؤكد سعيد (45 سنة) أن “العودة مستحيلة في ظل غياب الاستقرار الأمني والسياسي وعدم وجود إدارة موحدة، وتحول المنطقة إلى حلبة صراع محلية وإقليمية” حيث تتقاسم الأرض سلسلة تشكيلات قتالية مختلفة الولاءات.

جبهة قتال تتقاسمها القوى

في شمال القضاء تنتشر قوات البيشمركة الكردية، وفي المدينة التي دمرت الحرب أجزاء واسعة منها كما في محيطها تتمركز قوات الجيش والشرطة العراقية وألوية الحشد الشعبي، وفي جنوبها وغربها الممتدين على البادية والحدود السورية تنتشر فصائل مختلفة من مقاتلي الحشد، الذين يتقاسمون مناطق شكلت طوال 15 عاماً، حواضن للجماعات السنية المتطرفة، وعلى الجبل تتمركز وحدات إيزيدية مسلحة تنتمي عقائدياً إلى حزب العمال الكردستاني لكن مقاتليها عراقيون وهم رسمياً جزء من فصائل الحشد.

على بعد نحو 100 كلم شمالاً، تراقب تركيا بحذر واهتمام كبيرين، وتتخذ من وجود المجموعات المسلحة القريبة من حزب العمال والتي تعتبرها “خطراً على أمنها القومي”، حجة لدخول المنطقة وإقامة مراكز أمنية فيها قد تشكل بوابة لما يطلق عليه القوميون الأتراك “ولاية الموصل” المقتطعة من تركيا، فيما تبدي إيران اهتماماً كبيراً بالقضاء الذي يضم إلى جانب الايزيديين والكرد المسلمين وبينهم شيعة، نسبة صغيرة من العرب السنة، وتأمل جعله قاعدة نفوذ وبوابة نحو سوريا وهو ما دفعها إلى نشر مجموعات مسلحة موالية لها هناك. 

حرب تصريحات وتهديدات

حوَل تقاطع المصالح الإقليمية سنجار إلى نقطة خلاف تركية- إيرانية وساحة صراع ساخنة تتسابق فيها الدولتان إلى رسم الخطط وتحريك البيادق. فالأولى لا تتردد في إعلان نيتها اقتحام المنطقة، والثانية تواصل الانتشار فيها فعلياً عبر مواليها من وحدات الحشد، وتهدد بأنها “لن تسكت عن أي محاولة احتلال تركية”.

نهاية شباط/ فبراير 2021، تبادل السفيران الإيراني والتركي في العراق الهجمات الإعلامية على خلفية التدخل في سنجار، وكاد الأمر يتطور إلى أزمة ديبلوماسية.

بدأ الأمر حين رد السفير الإيراني إيرج مسجدي على سؤال بشأن التهديدات التركية بالتدخل في سنجار، قائلاً إن “إيران لا تقبل بوجود قوات أجنبية في العراق، وترفض التدخل العسكري. يجب أن لا تكون القوات التركية بأي شكل من الأشكال مصدر تهديد للأراضي العراقية ولا أن تقوم باحتلالها… على الأتراك الانسحاب إلى خطوط حدودهم الدولية، وأن تتولى القوات العراقية توفير الأمن بنفسها”.

بعد ساعات رد السفير التركي لدى العراق فاتح يلدز: “أعتقد أن السفير الإيراني آخر شخص يمكن أن يعطي تركيا درساً في احترام حدود العراق”.

وسط ذلك التراشق الإقليمي، دعا رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، السفيرين إلى عدم التدخل في ما لا يعنيهما، وكتب: “ممثلو البعثات الديبلوماسية في العراق واجبهم تمثيل بلدانهم وتعزيز التعاون بين البلدين، فعلى ممثلي تلك البعثات أن يعوا جيداً واجباتهم، ولا يتدخلوا في ما لا يعنيهم، ويحترموا سيادة العراق لكي يُعامل بالمثل”.

بعدها بأيام أطلق زعيم عصائب “أهل الحق” قيس الخزعلي، وهو فصيل معروف بقربه من إيران وله كتلة برلمانية قوية وذراع عسكرية نافذة، تهديداً صريحاً لتركيا إذا دخلت سنجار، قائلاً “هناك معلومات عن نية أردوغان الهجوم على سنجار الصيف المقبل، إذا حصل ذلك فأنا مستعد شخصياً لحمل السلاح ضد القوات التركية”.

وحذر الخزعلي من أن “الوجود التركي سيكون أكثر تعقيداً في المستقبل من الوجود الأميركي الحالي”، مبيناً أن “تركيا تسعى لاحتلال سنجار وتلعفر وسهل نينوى وجزء كبير من كركوك”، وأن أردوغان “يعمل على تثبيت وجوده في كل منطقة احتلها العثمانيون سابقاً”.

وطالب زعيم “عصائب أهل الحق”، رئيسَ الوزراء العراقي بـ”تسليح المنظومة العسكرية الجوية لمواجهة الاحتلال التركي وشراء منظومة جوية من أي دولة حتى لو كانت أميركا للحفاظ على السيادة”.

ليست العصائب، وحدها التي هددت بالرد على أي تدخل تركي، فـ”حركة النجباء” المدعومة من ايران أيضاً توعدت “بمهاجمة القوات العسكرية التركية في شمال العراق”.

تحركات على الأرض 

حرب التصريحات تلك لم تكن الأولى، فقبلها بأسبوعين أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف رفض بلاده أي وجود تركي في العراق، واصفاً سياسة أنقرة بـ”الخاطئة”. وذلك بعدما هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 22 كانون الثاني/ يناير، بشن عملية عسكرية في سنجار “لتطهيرها” من مقاتلي “حزب العمال”.

وقال اردوغان: “بخصوص إخراج الإرهابيين من سنجار: لدي وعد دائم، يمكننا أن نأتي فجأة ذات ليلة”. وأضاف: “نحن مستعدون دائماً للقيام بعمليات مشتركة، لكن هذه العمليات لن يتم الكشف عنها”، مؤكداً، “يمكن أن نأتي ذات ليلة على حين غرة”.

وفي منتصف شباط، قال الرئيس التركي: “لا (جبال) قنديل ولا سنجار ولا سوريا. من الآن، لم يعد هناك مكان آمن لهؤلاء الإرهابيين”.

تصريحات أردوغان تزامنت مع زيارة أجراها وزير الدفاع التركي خلوصي آكار في 18 كانون الثاني برفقة رئيس الأركان يشار غولر إلى بغداد وأربيل ناقشت ملف سنجار. وأعلن آكار في ختامها التوصل إلى “تفاهمات” مع العراق ضد “حزب العمال” من دون الكشف عن طبيعتها.

حين كان الإيرانيون والأتراك يتبادلون التصريحات، كان الحشد الشعبي يعزز وجوده بثلاثة ألوية جديدة أرسلت إلى المنطقة على نحو عاجل ونشرت في مواقع عدة بما فيها داخل جبل سنجار.

وبحسب مصادر إيزيدية، جاءت تلك التعزيزات لمواجهة أي تدخل تركي، ووزعت في مناطق متفرقة حول المدينة وفي تلعفر وما بين سنجار وربيعة غرباً على الحدود السورية.

في الأثناء، لم تنقطع زيارات كبار المسؤولين الأمنيين العراقيين إلى المنطقة. قائد أركان الجيش الفريق الركن عبد الأمير يار الله زار المدينة في 15 شباط، سبقه بيوم واحد رئيس “هيئة الحشد الشعبي” ابو فدك للوقوف على انتشار الأولية الجديدة للحشد هناك.

إقرأوا أيضاً:

الاتفاقية المعطلة

عملية نشر مزيد من مقاتلي “الحشد الشعبي” في سنجار، أحرجت الحكومة العراقية وأثارت قلق حكومة إقليم كردستان، اللتين كانتا قد توصلتا إلى اتفاقية في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 لتثبيت الاستقرار في سنجار، تنص أهم بنودها على إبعاد الحشد الشعبي والوحدات الموالية لحزب العمال من المنطقة، وتولي قوات الشرطة الاتحادية والجيش بالتنسيق مع قوات إقليم كردستان مهمة حفظ الأمن، إلى جانب تطويع 2500 شاب من أبناء سنجار للمساهمة في تعزيز الأمن.

اتفاقية سنجار التي حظيت بدعم دولي هدفت إلى تثبيت الاستقرار الأمني لإعادة النازحين، وهي اتفاقية أمنية مشتركة مع حكومة إقليم كردستان بشأن البلدة الإيزيديّة الواقعة غرب محافظة نينوى، التي سقطت في قبضة “داعش” عام 2014، وشهدت حينذاك إبادة جماعية ضد الإيزيديين: “الاتفاقية بقيت حبراً على ورق كما توقع كثيرون. كلمة الحشد في سنجار هي العليا، وإيران وتركيا القويتان لهما دوافعهما لبسط نفوذها هناك… وسط هذه الصراعات كيف تمكننا العودة والاستقرار؟”، يقول النازح اسماعيل أحمد (45 سنة) وهو من سكان مجمعات جنوب سنجار ذات الغالبية العربية السنية، ويضيف وهو يبتسم بسخرية، “ليس هذا فقط فداعش أيضاً يحاول استعادة نشاطه… يبدو أننا سنظل هنا إلى الأبد وستتحول هذه المخيمات إلى مدن دائمة”.

عضو “الحزب الديمقراطي الكردستاني” والنائب عن نينوى شيروان الدوبرداني يرجع السبب وراء عدم تنفيذ الاتفاقية إلى وجود “قوات غير شرعية وغير نظامية إضافة إلى مقاتلي حزب العمال تهيمن على القضاء بشكل كامل”.

جمر البقاء ونيران العودة 

في المخيمات الموقتة التي بنيت سريعاً عام 2014 لاستقبال نازحي سنجار، يعيش حوالى 200 ألف شخص في بيوت صغيرة مؤجرة أو هياكل غير مكتملة البناء، بعدما فقدوا ممتلكاتهم ومدخراتهم في الأيام الأولى من اجتياح التنظيم لمناطقهم.

هناك تسجل أسبوعياً حالات انتحار لشبان وشابات، وتتكرر بلا حل ومن دون أسباب واضحة حرائق الخيم، ويتواصل نزيف الهجرة إلى خارج البلاد، في ظل الفقر وانتشار البطالة وآثار فايروس “كورونا”.

يذكر مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين في إحصاء له صدر مطلع عام 2021 أن 150 ألف نازح إيزيدي عادوا إلى منازلهم من أصل حوالى 360 ألفاً، فيما بلغ عدد الذين هاجروا خارج العراق أكثر من 110 آلاف إيزيدي.

تحصي دائرة أوقاف الايزيديين أكثر من 70 مقبرة جماعية تنتظر رفع جثث ضحاياها لتحديد هوياتهم. قد يتطلب الأمر سنوات طويلة.

لا تقتصر مآسي سنجار على الإيزيديين، فعشرات آلاف المسلمين الكرد أيضاً ما زالوا نازحين ويخشون العودة إلى المدينة التي يحتدم الصراع فيها وتغيب عنها الخدمات الأساسية.

يقول الإعلامي ماهر شنكالي الذي يستبعد فكرة العودة: “أحياء المدينة وبناها التحتية مدمرة بنسبة 80 في المئة، والكثير من المجمعات السكنية لم يتم تنظيفها إلى الآن من المخلفات الحربية، ولا توجد حكومة محلية حقيقية تدير القضاء”.

ويشير شنكالي إلى أن الصراع السياسي والعسكري في المنطقة من الأسباب الرئيسية التي تحول دون عودة الأهالي: “هناك سبع مجموعات عسكرية تتقاسم السيطرة على القضاء وتدعي تمثيل القضية الإيزيدية أو دعمها”.

ويردف: “النازحون في إقليم كردستان يفضلون الخيمة المهترئة على العودة المخيفة بسبب احتمال نشوب صراع أو انضمام أطفالهم إلى صفوف حزب العمال أو أي فصيل عسكري آخر”.

ويؤكد شنكالي أن معظم النازحين لن يعودوا “إلا إذا فرضت الدولة سلطتها من خلال الشرطة والجيش والبيشمركة، مع دمج الفصائل الأخرى بالقوى الرسمية للدولة وإبعادهم من الأحزاب”، منبهاً إلى خطر جديد يهدد العودة يتمثل بالتهديدات التركية باجتياح سنجار.

ويورد فلاح حسن رئيس المجلس الايزيدي في سنجار الذي تشكل راهناً، لائحة طويلة من الأسباب التي تؤزّم “الوضع الأمني في ظل التهديدات التركية وتؤخر عودة اللاجئين إلى سنجار، منها قلة فرص العمل، والبيوت المهدمة التي لم يعد بناؤها، وغياب الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وخدمات صحية وتعليمية، إلى جانب الصراعات السياسية بين إربيل وبغداد”.

خلافات واتهامات

يرى القيادي في الحشد الشعبي عارف شنكالي أن الأيادي السياسية لعبت بملف عودة النازحين لتستغله لمصلحتها، “العودة الطوعية كانت جيدة مطلع العام الماضي، وعاد كثيرون خلال وقت قصير، قبل أن تتوقف بشكل شبه كامل مع إعلان اتفاقية سنجار”.

شنكالي ينتقد وزارة الهجرة والمهجرين ومكتب الأمم المتحدة، ويقول إنهما لعبا دوراً سلبياً في ملف العودة. كما يتهم “الحزب الديموقراطي”، “بتحويل النازحين إلى ورقة سياسية تستخدم ضد الحكومة الاتحادية تارة، وضد خصومه السياسيين طوراً، وهو يفعل كل شيء لإبقاء النازحين رهائن إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة”.

يتناغم موقف قيادات الحشد، مع موقف فارس حربو، عضو لجنة العلاقات في الإدارة الذاتية المعلنة من قبل القوى الايزيدية الموالية لحزب العمال في سنجار، الذي اتهم بدوره الحزب الديموقراطي بالوقوف وراء تأخير عودة النازحين، وذهب أبعد من ذلك بالقول: “الديموقراطي يهاجم إدارة سنجار باستمرار ويصف الفصائل بأنها غير شرعية، ويعمل مع جهات إقليمية على زعزعة الاستقرار في المنطقة”.

ويكشف الدكتور علي آغوان، وهو باحث سياسي من نينوى، عن مهلة لتنفيذ الجزء المتعلق بمغادرة “حزب العمال الكردستاني” سنجار في الاتفاقية: “يفترض أن تنتهي المهلة نهاية آذار/ مارس 2021 وما يعزز ذلك التوجه هو وصول 3 ألوية من الحشد الشعبي إلى المنطقة من أجل مسك الأرض، وهناك تواصل بين العمال والحشد لتأكيد ان هذه المنطقة تابعة لبغداد”. 

ويعتقد آغوان أن هناك توجها لدى بغداد واربيل والتحالف الدولي، بالاشتراك، استخباراتياً، مع الجانب التركي، لفرض سلطة بغداد على معظم المناطق داخل القضاء، على أن تكون لأربيل السيطرة على الجزء الآخر (شمالاً) من القضاء المتنازع عليه دستورياً بين الحكومتين.

إقرأوا أيضاً:

ويرجح آغوان أن يكون هناك تحرك خاطف باتجاه جبل سنجار ومحيطه ، قائلاً إن السياسة التي ستتبعها بغداد واربيل لمعالجة الملف ستحدد مستقبل المنطقة: إذا وافق “العمال الكردستاني” عليها فلن تحصل مواجهة، أما إذا رفضها فسيكون قادراً على تحريك الحلفاء المحليين وشن حرب عصابات تُبقي المنطقة في حالة من عدم الاستقرار.

ويلفت إلى أن الأمر مرتبط بخطوات الحكومة الاتحادية “هل ستقطع المنافذ والمعابر غير الرسمية التي توصل سنجار بسوريا والتي تخضع لسيطرة حزب العمال؟ وهل ستدمر الأنفاق التي تمتد في جبل سنجار والتي يستخدمها العمال”.

ويعرب عن قناعته بأن الجانب العراقي بشقيه المركزي والكردي “لا يملك القدرة على الدخول إلى عمق الجبل بتضاريسه الوعرة التي تناسب بيئة عمل حزب العمال ونظام نشر مقاتليه بمجموعات صغيرة ومتفرقة تتنقل بشكل دائم كالأشباح بين مواقع متناثرة. إذا حصلت المواجهة فستكون هناك خسائر وحرب مكلفة”.

آغوان يتحدث عن “تكتيكات” قد تمنع المواجهة المحتملة التي تريدها أنقرة وأربيل، خصوصاً أن الجانب الإيراني والفصائل الموالية له داخل الحشد الشعبي “لا يريدون تلك المواجهة”.

تطلعات توسعية وتهديد جدي 

قادة الحشد ومسؤولو بعض الفصائل الإيزيدية مثل “فارس حربو”، يحذرون من أن تركيا وبعدما توغلت إلى مسافة 40 كلم في إقليم كردستان تريد “احتلال المنطقة عبر إقامة قواعد جديدة داخل الأراضي العراقية، ما يشكل انتهاكاً للسيادة والدستور”، مشيرين إلى أن تركيا لا تخفي “أطماعها التوسعية العثمانية باحتلال الموصل وكركوك” وفرض نفوذها على منطقة سنجار الاستراتيجية والتي يعبر منها خط نفط (البصرة- الموصل- سوريا).

بينما يشير مسؤولو “الحزب الديموقراطي” وبينهم النائب شيروان الدوبرداني إلى أن وجود “حزب العمال الكردستاني” في سنجار هو السبب وراء تهديدات تركيا باجتياح المنطقة، فهي تعتبره تهديداً لأمنها القومي، لذا تشن غارات مستمرة على المنطقة، والحل يكمن في إخراج الحكومة الاتحادية لتلك القوات.

ويرى الخبير الأمني سرمد البياتي أن الظاهر من خطط تركيا هو مواجهة حزب العمال وإبعاده من حدودها، لكن سنجار بعيدة فعلياً، وهذا يرجح وجود أسباب أخرى من ضمنها الصراع التركي- الأوروبي ومحاولة فرض الهيمنة على هذه المناطق.

ومع ذلك يستبعد البياتي، حصول مواجهة بين الحشد وتركيا، لأن الأخيرة تعلم أن الحشد يمثل إيران و”لا تريد أن تدخل في حرب إقليمية”.

الضحية: أهالي سنجار 

وسط صراع فرض الإرادات المحلية والاقليمية، تدفع مكونات سنجار المختلفة الثمن. يقول الناشط الإيزيدي ميرزا دنايي، الحائز جائزة “أورورا للنهضة الإنسانية”، “من المؤلم أن تتحول سنجار التي نالها إرهاب داعش وعانى أبناؤها من الإبادة الجماعية ساحة صراع إقليمي على النفوذ والسلطة”. 

ويضيف، أن تركيا “تتحجج بوجود مناصرين لفكر حزب العمال الكردستاني في سنجار لبسط نفوذها على لواء الموصل التاريخي من دون أن تراعي مأساة هذا الشعب الذي ما زال مشرداً في الخيم، على رغم أن سنجار وشعبها لم يشكلوا يوماً خطراً على تركيا، مهما كانت أفكارهم وتوجهاتهم السياسية”.

الصراع هو إيراني- تركي بامتياز، كما يراه دنايي، وهناك صراع مشابه في الوقت نفسه على الساحة السورية بين الدولتين عبر وكلائهما، وصراع ثالث روسي- أميركي بشكل غير مباشر، ينعكس على الوضع في سنجار التي تعتبر منفذاً وحيداً لإيران على سوريا، فالمناطق الحدودية الأخرى سنية عربية لا يمكن اختراقها. 

القوى الشيعية ومن خلفها إيران، قررت التمركز بقوة في سنجار وفي نقاط حساسة، فالمنطقة هي الوحيدة التي يمكن ألا يتحسس شعبها من الوجود الشيعي فلا حساسية عند أبناء سنجار الأصليين من الشيعة، ووقوف الشيعة إلى جانب الإيزيديين خلال محنتهم في مواجهة داعش خلق تعاطفاً بين الجانبين.

قاعدة للتحالف وقوات لحفظ السلام

لمواجهة الصراع المحتمل يقترح دنايي، الذي التقى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مطلع شباط الماضي، أن الحل الأفضل لاستعادة الاستقرار في المنطقة ومنع اشتعال صراع فيها هو بناء قاعدة عسكرية للتحالف الدولي أو لقوات حفظ السلام الدولية ولو بشكل رمزي “هذا يمكن أن يحمي سنجار، في ظل ضعف الحكومة العراقية التي تحتاج إلى دعم صريح من الولايات المتحدة والتحالف الدولي”.

لكن عضو “الحزب الديموقراطي” شيروان الدوبرداني، يرى أن الأمر يتجه إلى التدخل العسكري، لأن حزب العمال لن يترك سنجار “نتمنى ألا يكون الاحتكام إلى السلاح هو الحل، وأن يسلموا القضاء إلى أهله كما هو متفق بين إربيل وبغداد”.

ضعف الحكومة العراقية في مواجهة الفصائل النافذة كما التدخلات الإقليمية في سنجار، يجعلها تكتفي بالتحرك الديبلوماسي. يقول الخبير الأمني سرمد البياتي، “ميزان القوة اختل بعد 2003 والحكومة ضعيفة عسكرياً، وليس أمامها سوى طريق الديبلوماسية للوصول إلى حلول”.

أُنجز هذا التقرير بدعم من مؤسسة “نيريج” للصحافة الاستقصائية

إقرأوا أيضاً: