fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

بعد سقوط بشار الأسد… هل تتغيّر خارطة الهجرة العالميّة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لسنوات عدة، بقيت أزمة سوريا واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم، لكن مع سقوط نظام بشار الأسد، من المنتظر أن يعود مئات الآلاف من السوريين إلى بلادهم للعيش بين أهلهم وتعويض سنوات الشتات التي عاشوها، ومع ذلك فإن مسألة العودة ليست سهلة ولا ترتبط بسقوط الأسد فقط.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في آذار/ مارس 2011، انتفض الشعب السوري ضد حكم الطاغية بشار الأسد، الذي واجه المتظاهرين بالحديد والنار، إذ استخدم الأسلحة الكيماوية والبراميل. ومع تسلّح الثورة، استقدم الروس والإيرانيين ومرتزقة آخرين، لتوطيد أركان حكمه المتزعزع، وقتل أكبر عدد من السوريين.

 قُتل عدد كبير من السوريين؛ قدّرتهم الأمم المتحدة بما بين 580,000 و617,910 أشخاص، بينهم عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، فيما اضطر أكثر من نصف السكان إلى مغادرة مناطق عيشهم، أي نحو 13 مليون شخص، وفق بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

نصف هؤلاء اضطروا للنزوح داخل البلاد لأسباب عدة، فيما توجّه النصف الآخر وعددهم قرابة الـ6 ملايين شخص، إلى دول مجاورة مثل لبنان وتركيا والأردن ومصر، في حين اختار آخرون الهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا.

لكن مع سقوط الدكتاتور منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر  الماضي، برزت أسئلة عدة متعلقة بوضع اللاجئين والمهاجرين السوريين، بخاصة حول إمكانية عودتهم إلى بلادهم، وكيفية تعامل الدول المستقبِلة مع الوضع الجديد.

المهاجرون واللاجئون السوريون في أرقام

لجأ نحو 6 ملايين سوري إلى أي بلد يمكن الوصول إليه، الغالبية العظمى اختارت ويمكن أن نقول إنها اضطرت للعيش في دول مجاورة في المنطقة، مثل تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، وتستضيف تركيا وحدها أكبر عدد من اللاجئين السوريين، قُدّر بنحو 3,7 مليون سنة 2021، وبتاريخ الأول من آب/ أغسطس 2024 بلغ عددهم 3,1 مليون، وفق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

ويستضيف لبنان 814 ألف لاجئ سوري، أما الأردن فيوجد فيه 660 ألف لاجئ، و257 ألفاً في العراق، و145 ألفاً في مصر، وبضعة آلاف في تونس وليبيا والجزائر والمغرب، وفق إحصاءات صادرة سنة 2022، عن المنصة العالمية المتخصصة في البيانات والأعمال “ستاتيستا“.

وبلغ عدد السوريين الذين يعيشون في ألمانيا نهاية سنة 2023 نحو 973 ألفاً، من بينهم ما يقارب الـ 712 ألف شخص يبحث عن الحماية، وفق بيانات المكتب الاتحادي للإحصاء في ألمانيا، وهم بذلك يشكلون واحدة من أكبر الجاليات المهاجرة في هذا البلد.

كما يتوزّع عشرات الآلاف من السوريين على دول أوروبية أخرى، وقد لجأ السوريون أيضاً إلى الولايات المتحدة، وفيها تمّت إعادة توطين حوالى 21 ألفاً، وبقي نحو 8 آلاف يُقيمون على أساس برنامج الحماية المؤقتة، الذي يمنح مهاجرين يواجهون حروباً أو كوراث في بلادهم، حق الإقامة والعمل في الولايات المتحدة لمدة محددة، أي أن وجودهم مؤقت.

بدورها، أعادت حكومة كندا توطين أكثر من 44 ألف لاجئ سوري، بين خريف سنة 2015 و31 كانون الثاني/ ديسمبر 2016، كجزء من مبادرة إعادة توطين اللاجئين السوريين التي تهدف إلى حمايتهم من بطش نظام المخلوع بشار الأسد.

طرق الهجرة

بالنظر إلى هذه الأرقام، تُعتبر سوريا من أبرز البلدان المصدّرة للاجئين في العالم، تليها أفغانستان بـ 2,6 مليون لاجئ، ثم جنوب السودان وميانمار والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبورندي، وتجدر الملاحظة أن هذه الأرقام لا تتضمن النازحين داخلياً.

اعتمد السوريون طرقاً وأساليب عدة للهجرة، تتغير وتختلف حسب الشخص والمنطقة التي يتّجه إليها، لكن الجامع بينها، صعوبتها ومخاطرها الكثيرة، إذ يخاطر السوريون بحياتهم للنجاة من ظلم بشار وزبائنيته.

الوصول إلى تركيا ولبنان كان يسيراً بعض الشيء بالنسبة إلى السوريين، نظراً الى قرب المسافة الجغرافية، لكن الوصول إلى باقي الدول؛ ومنها العربية، كان أمراً عسيراً ويتطلب مجازفة كبرى، حتى إن الآلاف ماتوا في تلك المغامرات.

هدف غالبية اللاجئين كان الوصول إلى البر الأوروبي، هرباً من نظام بشار في المقام الأول، وثانياً حتى يتمتعوا بحياة أفضل، فالبقاء في تركيا أو لبنان وباقي الدول العربية يعني معاناة إضافية ومتاعب أكثر، توازي ما كانوا يعيشونه تحت ظل نظام البعث.

اختار السوريون طريقي البحر والبر للوصول إلى أوروبا، ويُعتبر طريق البحر المتوسط الأكثر شعبية للمهاجرين، بخاصة في جزئه الشرقي، إذ شهد المسار بين تركيا واليونان عبور مئات الآلاف من السوريين منذ سنة 2012، وهذا لا ينفي أن السوريين استخدموا المسار الغربي أيضاً، وذلك انطلاقاً من دول المغرب العربي.

فضلاً عن هذا المسار، اعتمد عدد مهم من السوريين طريق غرب البلقان، الذي يمتد عبر مقدونيا وصربيا، وصولاً إلى كرواتيا وسلوفينيا والمجر للوصول إلى أوروبا، ويستقر الواصلون في غالبيتهم، عبر هذا الطريق في ألمانيا والنمسا.

وفي ظل المضايقات الكثيرة التي مُورست ضد السوريين في هذا الطريق، اختار عدد منهم طريقاً موازياً من ألبانيا عبر الجبل الأسود أو صربيا إلى البوسنة والهرسك، وآخرون اختاروا سلْك الطريق المار عبر بلغاريا ورومانيا.

فضلاً عن هذه الطرق، اختار آلاف من اللاجئين السوريين الوصول إلى أوروبا من طريق بيلاروس، مروراً بليتوانيا وبولندا أو عبر روسيا إلى فنلندا، وتنامى استعمال هذا الطريق في ظل الأزمة الأوروبية البلاروسية.

إجراءات جديدة مع سقوط بشار

الوصول إلى إحدى الدول الأوروبية، يمكن اعتباره بمثابة “رحلة موت”، إلا أنها رحلة فُرض على السوريين القيام بها للنجاة بحياتهم من بطش نظام البعث الدكتاتوري. وبعد سقوط بشار مباشرة، أعلن عدد من الدول الأوروبية، منها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا وبريطانيا والسويد وبلجيكا واليونان والدنمارك والنرويج، تعليق النظر في طلبات اللجوء المقدمة من السوريين، فيما أعربت النمسا عن عزمها إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم قريباً.

نتيجة هذه الإجراءات، سيُحرم أكثر من 100 ألف سوري من اللجوء القانوني في دول الاتحاد الأوروبي، وهو عدد مطالب الحماية الدولية المقدّمة من السوريين، التي لا تزال قيد الدراسة في الدول الأعضاء. ويُذكر أن 128 ألفاً و500 سوري حصلوا على نوع من الحماية الدولية بين كانون الثاني/ يناير وتشرين الأول/ أكتوبر 2024.

حتى الدول العربية التي تحتضن اللاجئين السوريين، أو تلك التي تمثّل ممرات عبور نحو أوروبا على غرار تونس وليبيا، من المرتقب أن تشدد إجراءاتها بعد سقوط نظام بشار الأسد. ويُشكل اللاجئون السوريون نحو ربع عدد اللاجئين المسجلين في تونس، وفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

في الأثناء، بدأ آلاف اللاجئين السوريين بالعودة إلى بلادهم تدريجياً فور سقوط المخلوع، وأظهرت الصور والفيديوهات اكتظاظاً على المعابر بين سوريا ولبنان وبين سوريا وتركيا، مع توفير المزيد من الخطوات المبسطة، والإجراءات التي تتزايد تسهيلاً يوماً بعد آخر.

سوريا “بلد آمن”؟

استقبل الأوروبيون في سنوات الثورة السورية الأولى مئات الآلاف من السوريين، وكان هدف غالبية الحكومات الحصول على يد عاملة شابة ومتخصصة في ظل ارتفاع نسبة المسنين في هذه الدول، لكن في السنوات الأخيرة تغير الحال وتنامت موجات التضييق ضد المهاجرين، بخاصة مع صعود اليمين المتطرف.

فرض الأوروبيون قوانين وإجراءات صارمة لوقف الهجرة، ويرغبون حالياً في استغلال سقوط نظام بشار الأسد لمنع هجرة السوريين، وإعادة عدد من اللاجئين إلى وطنهم الأم، وقد عاينّا سرعة الإجراءات في هذا الصدد.

إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم ليست أمراً يسيراً بالنسبة إلى عدد من الحكومات الغربية، بخاصة وأن عدداً مهماً من السوريين اندمج في اقتصاد تلك الدول، كما أن إعادتهم تتطلب تصنيف سوريا “بلداً آمناً”.

وتعرّف وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي الدولة الآمنة، بأنها الدولة التي “يُطبّق فيها القانون ديمقراطياً، ولا تؤدي الظروف السياسية فيها عموماً وبشكل ثابت، إلى الاضطهاد أو التعذيب أو المعاملة أو العقوبة اللا نسانية أو المهينة، أو التهديد بسبب العنف العشوائي”.

وفقاً لهذا التعريف، من الصعب حالياً أن تصنّف سوريا كبلد آمن، نظراً الى الغموض الكبير الذي يحيط بالعملية السياسية في البلاد، وسير الأوضاع هناك. وإذا أصرت الحكومات على منح سوريا هذا التصنيف، فإنها ستواجه مشاكل قانونية كثيرة، فالوضع السوري ما زال ضبابياً وغير مستقر.

عودة طوعية؟

من المؤكّد أن مئات الآلاف من السوريين يتوقون إلى العودة إلى بلدهم والاستقرار هناك مجدداً، لكن من المبكر أن نشاهد عمليات عودة طوعية كبيرة، فالأوضاع كما قلنا في البداية غامضة ولا شيء واضح في المستقبل القريب.

صحيح أن اللاجئين في غالبيتهم فروا من هول ديكتاتورية بشار الأسد، لكن هروبهم يعود أيضاً الى سوء الوضع الإنساني والاقتصادي في البلاد، وهذا الأمر لن يتم حلّه بسهولة، بخاصة وأن البلاد منهكة بالعقوبات والصعوبات الهيكلية، ما يعني أن عودة المهاجرين في الوقت الحالي لن تكون سهلة.

حتى من قرر العودة إلى سوريا، فإنه ينتظر ويترقّب ما سيؤول إليه الوضع في الفترة المقبلة، وتتركز غالبية مخاوف السوريين على استقرار الوضع الأمني والسياسي، والوصول إلى الخدمات الأساسية (صحة وتعليم وغذاء).

خارطة جديدة للهجرة

تشديد الإجراءات تجاه اللاجئين السوريين سيدفع عدداً منهم للعودة إلى بلادههم، وسيسهل على الحكومات الأوروبية أيضاً إعادة السوريين إلى موطنهم الأم، ما يعني أننا سنكون أمام خارطة جديدة للهجرة، فلسنوات عدة كان عدد اللاجئين السوريين هو الأكبر على مستوى العالم.

سبق أن توقعت مديرة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ريما جاموس إمسيس، عودة نحو مليون لاجئ سوري إلى بلدهم في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي.

من المتوقع أن تتصدر فنزويلا في الأشهر القليلة المقبلة قائمة الدول المصدرة للاجئين في العالم، وحالياً يوجد 6,2 مليون لاجئ فنزويلي تحت ولاية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وغيرهم من الأشخاص المحتاجين إلى الحماية الدولية.

فيما صدّرت كل من أوكرانيا وأفغانستان 6,1 مليون لاجئ لكل منهما، ويرجّح أن يرتفع العدد في الأشهر المقبلة، مع تواصل الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وتواصل سيطرة “طالبان” على الحكم في أفغانستان.

كما يُتوقع أن يرتفع عدد اللاجئين الفارين من السودان نتيجة تواصل الحرب بين الجيش وميليشيات “الدعم السريع”، فضلاً عن ارتفاع أعداد اللاجئين القادمين من جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى والصومال، لتردّي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والإنسانية في هذه الدول الثلاث.

لسنوات عدة، بقيت أزمة سوريا واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم، لكن مع سقوط نظام بشار الأسد، من المنتظر أن يعود مئات الآلاف من السوريين إلى بلادهم للعيش بين أهلهم وتعويض سنوات الشتات التي عاشوها، ومع ذلك فإن مسألة العودة ليست سهلة ولا ترتبط بسقوط الأسد فقط.

نجيب جورج عوض - باحث سوري | 21.03.2025

هيئة تحرير الشام، الطائفية، و”ميتريكس” سوريا الموازية

في سوريا الحالية الواقعية، لا يوجد خيار ولا كبسولتان ولا حتى مورفيوس: إما أن تنصاع لحقيقة هيمنة ميتريكس سوريا الافتراضية الموازية الذي أحضرته الهيئة معها من تجربة إدلب، أو عليك أن تتحول إلى ضحية وهدف مشروعين أمام خالقي الميتريكس وحراسه في سبيل ترسيخ وتحقيق هيمنة الميتريكس المذكور على الواقع.
06.02.2025
زمن القراءة: 7 minutes

لسنوات عدة، بقيت أزمة سوريا واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم، لكن مع سقوط نظام بشار الأسد، من المنتظر أن يعود مئات الآلاف من السوريين إلى بلادهم للعيش بين أهلهم وتعويض سنوات الشتات التي عاشوها، ومع ذلك فإن مسألة العودة ليست سهلة ولا ترتبط بسقوط الأسد فقط.

في آذار/ مارس 2011، انتفض الشعب السوري ضد حكم الطاغية بشار الأسد، الذي واجه المتظاهرين بالحديد والنار، إذ استخدم الأسلحة الكيماوية والبراميل. ومع تسلّح الثورة، استقدم الروس والإيرانيين ومرتزقة آخرين، لتوطيد أركان حكمه المتزعزع، وقتل أكبر عدد من السوريين.

 قُتل عدد كبير من السوريين؛ قدّرتهم الأمم المتحدة بما بين 580,000 و617,910 أشخاص، بينهم عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، فيما اضطر أكثر من نصف السكان إلى مغادرة مناطق عيشهم، أي نحو 13 مليون شخص، وفق بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

نصف هؤلاء اضطروا للنزوح داخل البلاد لأسباب عدة، فيما توجّه النصف الآخر وعددهم قرابة الـ6 ملايين شخص، إلى دول مجاورة مثل لبنان وتركيا والأردن ومصر، في حين اختار آخرون الهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا.

لكن مع سقوط الدكتاتور منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر  الماضي، برزت أسئلة عدة متعلقة بوضع اللاجئين والمهاجرين السوريين، بخاصة حول إمكانية عودتهم إلى بلادهم، وكيفية تعامل الدول المستقبِلة مع الوضع الجديد.

المهاجرون واللاجئون السوريون في أرقام

لجأ نحو 6 ملايين سوري إلى أي بلد يمكن الوصول إليه، الغالبية العظمى اختارت ويمكن أن نقول إنها اضطرت للعيش في دول مجاورة في المنطقة، مثل تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، وتستضيف تركيا وحدها أكبر عدد من اللاجئين السوريين، قُدّر بنحو 3,7 مليون سنة 2021، وبتاريخ الأول من آب/ أغسطس 2024 بلغ عددهم 3,1 مليون، وفق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

ويستضيف لبنان 814 ألف لاجئ سوري، أما الأردن فيوجد فيه 660 ألف لاجئ، و257 ألفاً في العراق، و145 ألفاً في مصر، وبضعة آلاف في تونس وليبيا والجزائر والمغرب، وفق إحصاءات صادرة سنة 2022، عن المنصة العالمية المتخصصة في البيانات والأعمال “ستاتيستا“.

وبلغ عدد السوريين الذين يعيشون في ألمانيا نهاية سنة 2023 نحو 973 ألفاً، من بينهم ما يقارب الـ 712 ألف شخص يبحث عن الحماية، وفق بيانات المكتب الاتحادي للإحصاء في ألمانيا، وهم بذلك يشكلون واحدة من أكبر الجاليات المهاجرة في هذا البلد.

كما يتوزّع عشرات الآلاف من السوريين على دول أوروبية أخرى، وقد لجأ السوريون أيضاً إلى الولايات المتحدة، وفيها تمّت إعادة توطين حوالى 21 ألفاً، وبقي نحو 8 آلاف يُقيمون على أساس برنامج الحماية المؤقتة، الذي يمنح مهاجرين يواجهون حروباً أو كوراث في بلادهم، حق الإقامة والعمل في الولايات المتحدة لمدة محددة، أي أن وجودهم مؤقت.

بدورها، أعادت حكومة كندا توطين أكثر من 44 ألف لاجئ سوري، بين خريف سنة 2015 و31 كانون الثاني/ ديسمبر 2016، كجزء من مبادرة إعادة توطين اللاجئين السوريين التي تهدف إلى حمايتهم من بطش نظام المخلوع بشار الأسد.

طرق الهجرة

بالنظر إلى هذه الأرقام، تُعتبر سوريا من أبرز البلدان المصدّرة للاجئين في العالم، تليها أفغانستان بـ 2,6 مليون لاجئ، ثم جنوب السودان وميانمار والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبورندي، وتجدر الملاحظة أن هذه الأرقام لا تتضمن النازحين داخلياً.

اعتمد السوريون طرقاً وأساليب عدة للهجرة، تتغير وتختلف حسب الشخص والمنطقة التي يتّجه إليها، لكن الجامع بينها، صعوبتها ومخاطرها الكثيرة، إذ يخاطر السوريون بحياتهم للنجاة من ظلم بشار وزبائنيته.

الوصول إلى تركيا ولبنان كان يسيراً بعض الشيء بالنسبة إلى السوريين، نظراً الى قرب المسافة الجغرافية، لكن الوصول إلى باقي الدول؛ ومنها العربية، كان أمراً عسيراً ويتطلب مجازفة كبرى، حتى إن الآلاف ماتوا في تلك المغامرات.

هدف غالبية اللاجئين كان الوصول إلى البر الأوروبي، هرباً من نظام بشار في المقام الأول، وثانياً حتى يتمتعوا بحياة أفضل، فالبقاء في تركيا أو لبنان وباقي الدول العربية يعني معاناة إضافية ومتاعب أكثر، توازي ما كانوا يعيشونه تحت ظل نظام البعث.

اختار السوريون طريقي البحر والبر للوصول إلى أوروبا، ويُعتبر طريق البحر المتوسط الأكثر شعبية للمهاجرين، بخاصة في جزئه الشرقي، إذ شهد المسار بين تركيا واليونان عبور مئات الآلاف من السوريين منذ سنة 2012، وهذا لا ينفي أن السوريين استخدموا المسار الغربي أيضاً، وذلك انطلاقاً من دول المغرب العربي.

فضلاً عن هذا المسار، اعتمد عدد مهم من السوريين طريق غرب البلقان، الذي يمتد عبر مقدونيا وصربيا، وصولاً إلى كرواتيا وسلوفينيا والمجر للوصول إلى أوروبا، ويستقر الواصلون في غالبيتهم، عبر هذا الطريق في ألمانيا والنمسا.

وفي ظل المضايقات الكثيرة التي مُورست ضد السوريين في هذا الطريق، اختار عدد منهم طريقاً موازياً من ألبانيا عبر الجبل الأسود أو صربيا إلى البوسنة والهرسك، وآخرون اختاروا سلْك الطريق المار عبر بلغاريا ورومانيا.

فضلاً عن هذه الطرق، اختار آلاف من اللاجئين السوريين الوصول إلى أوروبا من طريق بيلاروس، مروراً بليتوانيا وبولندا أو عبر روسيا إلى فنلندا، وتنامى استعمال هذا الطريق في ظل الأزمة الأوروبية البلاروسية.

إجراءات جديدة مع سقوط بشار

الوصول إلى إحدى الدول الأوروبية، يمكن اعتباره بمثابة “رحلة موت”، إلا أنها رحلة فُرض على السوريين القيام بها للنجاة بحياتهم من بطش نظام البعث الدكتاتوري. وبعد سقوط بشار مباشرة، أعلن عدد من الدول الأوروبية، منها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا وبريطانيا والسويد وبلجيكا واليونان والدنمارك والنرويج، تعليق النظر في طلبات اللجوء المقدمة من السوريين، فيما أعربت النمسا عن عزمها إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم قريباً.

نتيجة هذه الإجراءات، سيُحرم أكثر من 100 ألف سوري من اللجوء القانوني في دول الاتحاد الأوروبي، وهو عدد مطالب الحماية الدولية المقدّمة من السوريين، التي لا تزال قيد الدراسة في الدول الأعضاء. ويُذكر أن 128 ألفاً و500 سوري حصلوا على نوع من الحماية الدولية بين كانون الثاني/ يناير وتشرين الأول/ أكتوبر 2024.

حتى الدول العربية التي تحتضن اللاجئين السوريين، أو تلك التي تمثّل ممرات عبور نحو أوروبا على غرار تونس وليبيا، من المرتقب أن تشدد إجراءاتها بعد سقوط نظام بشار الأسد. ويُشكل اللاجئون السوريون نحو ربع عدد اللاجئين المسجلين في تونس، وفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

في الأثناء، بدأ آلاف اللاجئين السوريين بالعودة إلى بلادهم تدريجياً فور سقوط المخلوع، وأظهرت الصور والفيديوهات اكتظاظاً على المعابر بين سوريا ولبنان وبين سوريا وتركيا، مع توفير المزيد من الخطوات المبسطة، والإجراءات التي تتزايد تسهيلاً يوماً بعد آخر.

سوريا “بلد آمن”؟

استقبل الأوروبيون في سنوات الثورة السورية الأولى مئات الآلاف من السوريين، وكان هدف غالبية الحكومات الحصول على يد عاملة شابة ومتخصصة في ظل ارتفاع نسبة المسنين في هذه الدول، لكن في السنوات الأخيرة تغير الحال وتنامت موجات التضييق ضد المهاجرين، بخاصة مع صعود اليمين المتطرف.

فرض الأوروبيون قوانين وإجراءات صارمة لوقف الهجرة، ويرغبون حالياً في استغلال سقوط نظام بشار الأسد لمنع هجرة السوريين، وإعادة عدد من اللاجئين إلى وطنهم الأم، وقد عاينّا سرعة الإجراءات في هذا الصدد.

إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم ليست أمراً يسيراً بالنسبة إلى عدد من الحكومات الغربية، بخاصة وأن عدداً مهماً من السوريين اندمج في اقتصاد تلك الدول، كما أن إعادتهم تتطلب تصنيف سوريا “بلداً آمناً”.

وتعرّف وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي الدولة الآمنة، بأنها الدولة التي “يُطبّق فيها القانون ديمقراطياً، ولا تؤدي الظروف السياسية فيها عموماً وبشكل ثابت، إلى الاضطهاد أو التعذيب أو المعاملة أو العقوبة اللا نسانية أو المهينة، أو التهديد بسبب العنف العشوائي”.

وفقاً لهذا التعريف، من الصعب حالياً أن تصنّف سوريا كبلد آمن، نظراً الى الغموض الكبير الذي يحيط بالعملية السياسية في البلاد، وسير الأوضاع هناك. وإذا أصرت الحكومات على منح سوريا هذا التصنيف، فإنها ستواجه مشاكل قانونية كثيرة، فالوضع السوري ما زال ضبابياً وغير مستقر.

عودة طوعية؟

من المؤكّد أن مئات الآلاف من السوريين يتوقون إلى العودة إلى بلدهم والاستقرار هناك مجدداً، لكن من المبكر أن نشاهد عمليات عودة طوعية كبيرة، فالأوضاع كما قلنا في البداية غامضة ولا شيء واضح في المستقبل القريب.

صحيح أن اللاجئين في غالبيتهم فروا من هول ديكتاتورية بشار الأسد، لكن هروبهم يعود أيضاً الى سوء الوضع الإنساني والاقتصادي في البلاد، وهذا الأمر لن يتم حلّه بسهولة، بخاصة وأن البلاد منهكة بالعقوبات والصعوبات الهيكلية، ما يعني أن عودة المهاجرين في الوقت الحالي لن تكون سهلة.

حتى من قرر العودة إلى سوريا، فإنه ينتظر ويترقّب ما سيؤول إليه الوضع في الفترة المقبلة، وتتركز غالبية مخاوف السوريين على استقرار الوضع الأمني والسياسي، والوصول إلى الخدمات الأساسية (صحة وتعليم وغذاء).

خارطة جديدة للهجرة

تشديد الإجراءات تجاه اللاجئين السوريين سيدفع عدداً منهم للعودة إلى بلادههم، وسيسهل على الحكومات الأوروبية أيضاً إعادة السوريين إلى موطنهم الأم، ما يعني أننا سنكون أمام خارطة جديدة للهجرة، فلسنوات عدة كان عدد اللاجئين السوريين هو الأكبر على مستوى العالم.

سبق أن توقعت مديرة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ريما جاموس إمسيس، عودة نحو مليون لاجئ سوري إلى بلدهم في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي.

من المتوقع أن تتصدر فنزويلا في الأشهر القليلة المقبلة قائمة الدول المصدرة للاجئين في العالم، وحالياً يوجد 6,2 مليون لاجئ فنزويلي تحت ولاية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وغيرهم من الأشخاص المحتاجين إلى الحماية الدولية.

فيما صدّرت كل من أوكرانيا وأفغانستان 6,1 مليون لاجئ لكل منهما، ويرجّح أن يرتفع العدد في الأشهر المقبلة، مع تواصل الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وتواصل سيطرة “طالبان” على الحكم في أفغانستان.

كما يُتوقع أن يرتفع عدد اللاجئين الفارين من السودان نتيجة تواصل الحرب بين الجيش وميليشيات “الدعم السريع”، فضلاً عن ارتفاع أعداد اللاجئين القادمين من جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى والصومال، لتردّي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والإنسانية في هذه الدول الثلاث.

لسنوات عدة، بقيت أزمة سوريا واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم، لكن مع سقوط نظام بشار الأسد، من المنتظر أن يعود مئات الآلاف من السوريين إلى بلادهم للعيش بين أهلهم وتعويض سنوات الشتات التي عاشوها، ومع ذلك فإن مسألة العودة ليست سهلة ولا ترتبط بسقوط الأسد فقط.