fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

بعد عام من انقلاب العسكر على الثورة… ماذا ينتظر السودان؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا شي يدل على أن الأيام المقبلة ستحمل أي جديد حول توافق بين المكونات السياسية لتشكيل حكومة، فيما يخوض السودان صراعاً داخلياً مجهول المآلات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مر عام تقريباً على إعلان القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 حلّ حكومة عبد الله حمدوك، ولا تزال الأزمة السياسية تراوح مكانها. 

البرهان وبيادقه اتهموا القوى السياسية بإشاحة وجهها عن أهداف ثورة ديسمبر والتفريط في مكتسباتها، فأخذ البرهان على عاتقه دون تكليف من مكونات مدنية أو سياسية، مهمة تصحيح مسار الثورة، وأتى بحكومة تصريف أعمال لم تنجز أي مهمات سوى خلق المزيد من الأزمات سياسة كانت أو اقتصادية، فازدادت معاناة المواطن واتسعت الهوة بين الفرقاء وأصبح صراع المناصب في أوجه والمصالح الشخصية تغلبت على مصالح الوطن. 

عاد رئيس مجلس السيادة، وهو جنرال المؤسسة العسكرية الذي لا يعرف سوى لغة الحرب، في مناورة جديدة ليبدو وكأنه رافع الراية البيضاء ليعلن في نيسان/ أبريل الماضي تخليه عن منصبه، بشرط حدوث توافق بين جميع القوى السياسية، من يدري ربما أدرك وقتها أن الانخراط في العمل السياسي وحماية البلاد في آن واحد فعلان لا يمكن الجمع بينهما. لكنه خرج من ثوب الحكمة سريعاً، ليهدد في حديث لـ”رويترز” بأن الانتخابات لم تُحدد بعد و”الجيش لن ينتظر إلى الأبد”. هذه التلميحات المستمرة التي يلقيها البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو عن قيام انتخابات مبكرة، لم تغير من نمط الأحزاب في التعاطي بعدم جدية مع الوضع الراهن، هم يتبعون ذات الأسلوب منذ قيام الفترة الانتقالية الأولى وهو إغلاق جميع الأبواب التي تفضي إلى ديموقراطية حقيقة. أما القوى السياسية فلم يفلحوا لحين كتابة هذه السطور في تقديم مرشح لمنصب رئيس الوزراء خلفاً لعبد الله حمدوك، في بداية الحراك الشعبي، كانوا الخلاص من حكم استبدادي استمر لقرابة الثلاثين عاماً، أصبحوا الآن مثيرين للشك، بعدما أهدروا أهم السنوات التي تلت سقوط نظام البشير في تفكيك وإضاعة استحقاقات ثورية كانت كفيلة بتشكيل مشهد سياسي يُرسخ لديموقراطية دائمة في السودان بدلاً من أن يُحكم برأسين! 

مر عام تقريباً على إعلان القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 حلّ حكومة عبد الله حمدوك، ولا تزال الأزمة السياسية تراوح مكانها. 

فرِّق تسُدْ 

هو “التكتيك” الذي اتبعه البرهان منذ قرارات تشرين الأول 2021، لم تقتصر محاولاته على تعميق الخلاف بين الأحزاب السياسية فقط، بل تعدتها إلى لجان المقاومة، وهي مجموعة من الشباب يقود الحراك الثوري في الشارع، أرقام لا يشق لها غبار في ساحة المعارضة لكن وللأسف أصابهم بعض من اليأس بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات منذ سقوط النظام السابق دون تحقيق أهداف الثورة. غياب الثقة بين الثوار والقوى السياسية ساعد على اختراق بعض أعضاء اللجان الذين عاد لهم الخوف من بطش قوات الأمن بعد أن تصدروا المشهد من جديد. 

 منذ انقلاب الجيش السوداني الأخير، لم ينقطع شباب التغيير عن الاحتجاج الشعبي وخوض نضال في جبهتين، جبهة ضد جنرالات الجيش الذين لم يلتزموا على الإطلاق بدورهم في حماية البلاد والابتعاد عن السياسة، وأخرى ضد القوى السياسية التي أغمضت عينيها عن ما يواجه الثوار من قتل وتعذيب وإخفاء قسري، واكتفت ببيانات تضامن بعد كل انتهاك يحدث في حقهم. وأشير هنا إلى أن بعض القوى انسحبت من الحراك الثوري ولجأت إلى الجيش لدعمها في صراعها السياسي. وبرغم من هذا الخذلان واللامبالاة، فإن مسيرة لجان المقاومة في الدفاع عن ثورة ديسمبر لم تشهد تراجعاً، لكن ربما نزعا من قلوبهم إيمانهم في أي تغيير ديموقراطي تقوده النخب السياسية الحالية. 

عودة الانتهاكات 

في عام الانقلاب، انقضّت الأجهزة الأمنية على الحريات التي عرفها المواطن إبان حكومة حمدوك على قصر فترتها الزمنية، تعالت أصوات مؤيدي النظام المعزول، للمطالبة بعودة قانون النظام العام وهو المعروف بتقييد الحريات وكان يستخدم تحديداً ضد النساء. تمادى هؤلاء لأبعد من ذلك ليحملوا هواتفهم النقالة لمطاردة الفتيات في شوارع الخرطوم بالتصوير ووصفهن بالعاهرات، بحجة أن الزي الذي يرتدينه فاضح ومواعيد خروجهن غير مناسبة بحسب تقديرهم!

حالة اللا دولة هذه التي صُنعت بإتقان، فتحت الباب على مصراعيه لعودة الانتهاكات وقمع الحريات على أعلى المستويات، فاكتظت السجون بالمعتقلين السياسيين في أوضاع غير إنسانية وظروف صحية سيئة منذ اندلاع التظاهرات المناهضة لقرارات 25 تشرين الأول. منظمات دولية تحدثت عن احتجاز مئات المتظاهرين بشكل غير قانوني وإخفاء العشرات قسراً في محاولة لإسكات الأصوات المعارضة للانقلاب. حقوقيون سجلوا زيارات لهذه السجون وتحدثوا عن التعذيب، سوء المعاملة وتدهور الوضع الصحي والنفسي للمعتقلين بالإضافة لعدم أتباع الإجراءات القانونية المتمثلة في فتح بلاغات في مواجهتهم أو تقديمهم لمحاكمات، ما يعتبر انتهاكاً للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي وقع عليها السودان.  

أما  المواطن البسيط الذي لا هم له سوى قوت يومه، صار مستسلماً لما يجري، متعايشاً مع الأزمات التي صارت أمراً واقعاً لا مفر منه، أزمات على شاكلة سيولة أمنية وانهيار للاقتصاد وانقطاع يومي بالساعات للإمداد الكهربائي. الكثير من المواطنين فقدوا الاهتمام بمعرفة من سيتولى الحكومة المقبلة، لعلمهم بأن لا جديد سينعكس ايجاباً عليهم. تردي الأوضاع المعيشية أخرجهم لإسقاط حكومة المؤتمر الوطني وبعد نجاح الثورة أصبح أكثر من نصفهم تحت خط الفقر ويعاني في الحصول على الخدمات الأساسية. بالمقابل، المستفيد الوحيد من هذا الوضع  الكارثي، هم رجال النظام السابق بعدما تحرروا من الطوق الذي أحكمته حكومة حمدوك على أعناقهم عبر قرارات لجنة إزالة التمكين، جاء الانقلاب ليوقف عمل اللجنة ويُلغي بالتدريج جميع هذه القرارات فعادوا إلى مناصبهم وكأن ثورة لم تحدث.  

إدانة وحصار  

ما فعله جنرالات الجيش قوبل بإدانة واسعة من المجتمع الدولي الذي سارع بتعليق مساعدته التي تقدر بمليارات الدولار، كذلك لم يعد السودان يحظى بالترحيب والاهتمام كما حدث مع الحكومة الانتقالية الأولى، العالم  اليوم منشغل بملفات أهم مما يحصل في السودان كحرب روسيا على أوكرانيا والأزمة الإيرانية، هذه الملفات وغيرها وضعت الخرطوم في رف القضايا المؤجلة. وانحصر مجهود المجتمع الدولي في إرسال مبعوث أو سفير في محاولات عقيمة لتقريب وجهات النظر بين الجنرال البرهان وقوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي”، وبين الأخيرة ومجموعة “الوفاق الوطني” المنشقة منها. وتعرف هذه الأطراف أن هذه الاجتماعات لن تؤدي إلى نتيجة ولن تخلق أرضية مشتركة، بل تضع المزيد من العراقيل في طريق التوصل لاتفاق يرضي الجميع. 

في حقيقة الأمر، البرهان ليس على عجلة من أمره،  فعلى رغم فشل الانقلاب وانهيار الدولة، إلا أنه نجح في خطته المبنية على شراء الوقت، تركهم منشغلين في خلافاتهم واتجه نحو المجتمع الدولي ليقدم نفسه رئيساً شرعياً للبلاد دون انتخابات!  في خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد التزامه بتكوين حكومة مدنية مكونة من كفاءات مستقلة تلبي تطلعات الشعب السوداني، دفع بعدد من الوعود لطمأنة الدول المانحة على أمل أن تراجع قرارها بتجميد المساعدات، الخطاب يحمل بين السطور رسالة بأن لا داعي للقلق، سنجري انتخابات ولكن أحتاج قبلها إلى أموالكم! 

في ظل هذه المعطيات، نستطيع القول إن لا شي يدل على أن الأيام المقبلة ستحمل أي جديد حول توافق بين المكونات السياسية لتشكيل حكومة، فيما يخوض السودان صراعاً داخلياً مجهول المآلات يحتمل ثلاثة خيارات، أولها إيجاد منطقة وسطية تجمع الأحزاب السياسية في طاولة مستديرة لا تسمح بانفراد طرف برأي أو قرار  للوصول إلى حل أساسه بناء مؤسسات الدولة وحماية الحريات ووضع الترتيبات التي تفضي لانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية، لا بد من الاتفاق على خارطة طريق واضحة تخرج البلاد من أزمتها السياسية وبالتالي تقطع الطريق أمام أي دكتاتور حالي أو قادم. الخيار الثاني بالطبع لا علاقة له بالحوار ويترك المجال للجيش والقوات الأمنية لإحكام قبضتها لتعود البلاد إلى ما قبل كانون الأول/ ديسمبر 2018 أي إلى حكم عسكري خالص. أما آخر الخيارات، فهو ظهور لاعب جديد يحتل مكانة في الساحة السياسية، يلتزم بهموم شعبه، يحظى بقبول كبير يجبر الجيش على العودة إلى موقف الحياد وتسليم السلطة بالكامل للمدنيين. 

يمنى فواز- صحافية لبنانية | 18.01.2025

ماكرون يحاول تعويض خساراته الفرنسية في شوارع بيروت !

يسير إيمانويل ماكرون في شوارع بيروت يتلفت يميناً ويساراً، يأمل أن تلتقط الكاميرات مجدداً امرأة تهرع إليه كمنقذ وكأنه رئيس لبنان، أو طفل فرح يركض إليه من أي اتجاه، لكنه وجد نفسه محاطاً بجمع من الصحافيين، ومتفرجين من المارّة، في الشارع ذاته الذي استقبله بحفاوة وكأنه رئيس البلاد في 6 آب 2020.
03.10.2022
زمن القراءة: 6 minutes

لا شي يدل على أن الأيام المقبلة ستحمل أي جديد حول توافق بين المكونات السياسية لتشكيل حكومة، فيما يخوض السودان صراعاً داخلياً مجهول المآلات.

مر عام تقريباً على إعلان القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 حلّ حكومة عبد الله حمدوك، ولا تزال الأزمة السياسية تراوح مكانها. 

البرهان وبيادقه اتهموا القوى السياسية بإشاحة وجهها عن أهداف ثورة ديسمبر والتفريط في مكتسباتها، فأخذ البرهان على عاتقه دون تكليف من مكونات مدنية أو سياسية، مهمة تصحيح مسار الثورة، وأتى بحكومة تصريف أعمال لم تنجز أي مهمات سوى خلق المزيد من الأزمات سياسة كانت أو اقتصادية، فازدادت معاناة المواطن واتسعت الهوة بين الفرقاء وأصبح صراع المناصب في أوجه والمصالح الشخصية تغلبت على مصالح الوطن. 

عاد رئيس مجلس السيادة، وهو جنرال المؤسسة العسكرية الذي لا يعرف سوى لغة الحرب، في مناورة جديدة ليبدو وكأنه رافع الراية البيضاء ليعلن في نيسان/ أبريل الماضي تخليه عن منصبه، بشرط حدوث توافق بين جميع القوى السياسية، من يدري ربما أدرك وقتها أن الانخراط في العمل السياسي وحماية البلاد في آن واحد فعلان لا يمكن الجمع بينهما. لكنه خرج من ثوب الحكمة سريعاً، ليهدد في حديث لـ”رويترز” بأن الانتخابات لم تُحدد بعد و”الجيش لن ينتظر إلى الأبد”. هذه التلميحات المستمرة التي يلقيها البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو عن قيام انتخابات مبكرة، لم تغير من نمط الأحزاب في التعاطي بعدم جدية مع الوضع الراهن، هم يتبعون ذات الأسلوب منذ قيام الفترة الانتقالية الأولى وهو إغلاق جميع الأبواب التي تفضي إلى ديموقراطية حقيقة. أما القوى السياسية فلم يفلحوا لحين كتابة هذه السطور في تقديم مرشح لمنصب رئيس الوزراء خلفاً لعبد الله حمدوك، في بداية الحراك الشعبي، كانوا الخلاص من حكم استبدادي استمر لقرابة الثلاثين عاماً، أصبحوا الآن مثيرين للشك، بعدما أهدروا أهم السنوات التي تلت سقوط نظام البشير في تفكيك وإضاعة استحقاقات ثورية كانت كفيلة بتشكيل مشهد سياسي يُرسخ لديموقراطية دائمة في السودان بدلاً من أن يُحكم برأسين! 

مر عام تقريباً على إعلان القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 حلّ حكومة عبد الله حمدوك، ولا تزال الأزمة السياسية تراوح مكانها. 

فرِّق تسُدْ 

هو “التكتيك” الذي اتبعه البرهان منذ قرارات تشرين الأول 2021، لم تقتصر محاولاته على تعميق الخلاف بين الأحزاب السياسية فقط، بل تعدتها إلى لجان المقاومة، وهي مجموعة من الشباب يقود الحراك الثوري في الشارع، أرقام لا يشق لها غبار في ساحة المعارضة لكن وللأسف أصابهم بعض من اليأس بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات منذ سقوط النظام السابق دون تحقيق أهداف الثورة. غياب الثقة بين الثوار والقوى السياسية ساعد على اختراق بعض أعضاء اللجان الذين عاد لهم الخوف من بطش قوات الأمن بعد أن تصدروا المشهد من جديد. 

 منذ انقلاب الجيش السوداني الأخير، لم ينقطع شباب التغيير عن الاحتجاج الشعبي وخوض نضال في جبهتين، جبهة ضد جنرالات الجيش الذين لم يلتزموا على الإطلاق بدورهم في حماية البلاد والابتعاد عن السياسة، وأخرى ضد القوى السياسية التي أغمضت عينيها عن ما يواجه الثوار من قتل وتعذيب وإخفاء قسري، واكتفت ببيانات تضامن بعد كل انتهاك يحدث في حقهم. وأشير هنا إلى أن بعض القوى انسحبت من الحراك الثوري ولجأت إلى الجيش لدعمها في صراعها السياسي. وبرغم من هذا الخذلان واللامبالاة، فإن مسيرة لجان المقاومة في الدفاع عن ثورة ديسمبر لم تشهد تراجعاً، لكن ربما نزعا من قلوبهم إيمانهم في أي تغيير ديموقراطي تقوده النخب السياسية الحالية. 

عودة الانتهاكات 

في عام الانقلاب، انقضّت الأجهزة الأمنية على الحريات التي عرفها المواطن إبان حكومة حمدوك على قصر فترتها الزمنية، تعالت أصوات مؤيدي النظام المعزول، للمطالبة بعودة قانون النظام العام وهو المعروف بتقييد الحريات وكان يستخدم تحديداً ضد النساء. تمادى هؤلاء لأبعد من ذلك ليحملوا هواتفهم النقالة لمطاردة الفتيات في شوارع الخرطوم بالتصوير ووصفهن بالعاهرات، بحجة أن الزي الذي يرتدينه فاضح ومواعيد خروجهن غير مناسبة بحسب تقديرهم!

حالة اللا دولة هذه التي صُنعت بإتقان، فتحت الباب على مصراعيه لعودة الانتهاكات وقمع الحريات على أعلى المستويات، فاكتظت السجون بالمعتقلين السياسيين في أوضاع غير إنسانية وظروف صحية سيئة منذ اندلاع التظاهرات المناهضة لقرارات 25 تشرين الأول. منظمات دولية تحدثت عن احتجاز مئات المتظاهرين بشكل غير قانوني وإخفاء العشرات قسراً في محاولة لإسكات الأصوات المعارضة للانقلاب. حقوقيون سجلوا زيارات لهذه السجون وتحدثوا عن التعذيب، سوء المعاملة وتدهور الوضع الصحي والنفسي للمعتقلين بالإضافة لعدم أتباع الإجراءات القانونية المتمثلة في فتح بلاغات في مواجهتهم أو تقديمهم لمحاكمات، ما يعتبر انتهاكاً للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي وقع عليها السودان.  

أما  المواطن البسيط الذي لا هم له سوى قوت يومه، صار مستسلماً لما يجري، متعايشاً مع الأزمات التي صارت أمراً واقعاً لا مفر منه، أزمات على شاكلة سيولة أمنية وانهيار للاقتصاد وانقطاع يومي بالساعات للإمداد الكهربائي. الكثير من المواطنين فقدوا الاهتمام بمعرفة من سيتولى الحكومة المقبلة، لعلمهم بأن لا جديد سينعكس ايجاباً عليهم. تردي الأوضاع المعيشية أخرجهم لإسقاط حكومة المؤتمر الوطني وبعد نجاح الثورة أصبح أكثر من نصفهم تحت خط الفقر ويعاني في الحصول على الخدمات الأساسية. بالمقابل، المستفيد الوحيد من هذا الوضع  الكارثي، هم رجال النظام السابق بعدما تحرروا من الطوق الذي أحكمته حكومة حمدوك على أعناقهم عبر قرارات لجنة إزالة التمكين، جاء الانقلاب ليوقف عمل اللجنة ويُلغي بالتدريج جميع هذه القرارات فعادوا إلى مناصبهم وكأن ثورة لم تحدث.  

إدانة وحصار  

ما فعله جنرالات الجيش قوبل بإدانة واسعة من المجتمع الدولي الذي سارع بتعليق مساعدته التي تقدر بمليارات الدولار، كذلك لم يعد السودان يحظى بالترحيب والاهتمام كما حدث مع الحكومة الانتقالية الأولى، العالم  اليوم منشغل بملفات أهم مما يحصل في السودان كحرب روسيا على أوكرانيا والأزمة الإيرانية، هذه الملفات وغيرها وضعت الخرطوم في رف القضايا المؤجلة. وانحصر مجهود المجتمع الدولي في إرسال مبعوث أو سفير في محاولات عقيمة لتقريب وجهات النظر بين الجنرال البرهان وقوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي”، وبين الأخيرة ومجموعة “الوفاق الوطني” المنشقة منها. وتعرف هذه الأطراف أن هذه الاجتماعات لن تؤدي إلى نتيجة ولن تخلق أرضية مشتركة، بل تضع المزيد من العراقيل في طريق التوصل لاتفاق يرضي الجميع. 

في حقيقة الأمر، البرهان ليس على عجلة من أمره،  فعلى رغم فشل الانقلاب وانهيار الدولة، إلا أنه نجح في خطته المبنية على شراء الوقت، تركهم منشغلين في خلافاتهم واتجه نحو المجتمع الدولي ليقدم نفسه رئيساً شرعياً للبلاد دون انتخابات!  في خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد التزامه بتكوين حكومة مدنية مكونة من كفاءات مستقلة تلبي تطلعات الشعب السوداني، دفع بعدد من الوعود لطمأنة الدول المانحة على أمل أن تراجع قرارها بتجميد المساعدات، الخطاب يحمل بين السطور رسالة بأن لا داعي للقلق، سنجري انتخابات ولكن أحتاج قبلها إلى أموالكم! 

في ظل هذه المعطيات، نستطيع القول إن لا شي يدل على أن الأيام المقبلة ستحمل أي جديد حول توافق بين المكونات السياسية لتشكيل حكومة، فيما يخوض السودان صراعاً داخلياً مجهول المآلات يحتمل ثلاثة خيارات، أولها إيجاد منطقة وسطية تجمع الأحزاب السياسية في طاولة مستديرة لا تسمح بانفراد طرف برأي أو قرار  للوصول إلى حل أساسه بناء مؤسسات الدولة وحماية الحريات ووضع الترتيبات التي تفضي لانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية، لا بد من الاتفاق على خارطة طريق واضحة تخرج البلاد من أزمتها السياسية وبالتالي تقطع الطريق أمام أي دكتاتور حالي أو قادم. الخيار الثاني بالطبع لا علاقة له بالحوار ويترك المجال للجيش والقوات الأمنية لإحكام قبضتها لتعود البلاد إلى ما قبل كانون الأول/ ديسمبر 2018 أي إلى حكم عسكري خالص. أما آخر الخيارات، فهو ظهور لاعب جديد يحتل مكانة في الساحة السياسية، يلتزم بهموم شعبه، يحظى بقبول كبير يجبر الجيش على العودة إلى موقف الحياد وتسليم السلطة بالكامل للمدنيين. 

03.10.2022
زمن القراءة: 6 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية