fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

بعد منحة إماراتيّة -إسرائيليّة: هل بيانات الأردنيين الصحية في خطر؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
عدي مجيد

مخاوف الأردنيين لم تأتِ من فراغ، ولا من تجارب دول مجاورة، ففي مطلع العام الحالي كشف تحقيق أعدته منظمة Access Now عن اختراق هواتف حوالى 35 ناشطاً أردنياً من خلال برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس”، من بينهم صحافيون وسياسيون وفاعلون في المجتمع المدني ومحامون في مجال حقوق الإنسان، ولم يُعرف حتى اليوم إن كانت الدولة هي من اشترت البرمجيات للتجسس علي الناشطين أم أنه اختراق إسرائيلي بالأساس في ظل عدم شفافية أجهزة الدولة في التعامل مع هذه التحقيقات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في نيسان/ أبريل 2021، أعلنت شركة “مجموعة 42” (G42) للتكنولوجيا برئاسة مستشار الأمن الوطني الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، عن تشكيل مشروع مشترك مع شركة “رافائيل” الإسرائيلية المملوكة للدولة، بهدف تسويق تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، تحت اسم “Presight.AI”، ليضم المشروع موقعاً بحثياً في إسرائيل، بهدف تطوير منتجات تكنولوجية لقطاعات البنوك، والرعاية الصحية، والسلامة العامة، ليتم بيعها في إسرائيل والإمارات العربية المتحدة وعلى مستوى دولي.

الشريك الإسرائيلي في هذا المشروع هو “رافائيل”، شركة حكومية مستقلة تأسست عام 1948 برئاسة شلومو غير، وهي “شركة تكنولوجيا الدفاع الإسرائيلية” وتشكل الأحرف الأولى للاسم بالعبرية كلمة “رافائيل”، وبرز اسمها أخيراً في حرب غزة تحديداً لدورها الرئيسي في تطوير وإنتاج الأسلحة والتقنيات العسكرية والدفاعية للجيش الإسرائيلي.

من أشهر منتجات الشركة العسكرية حسب موقعها على الإنترنت “القبة الحديدية” و”قبة الطائرات المسيرة” وصواريخ “سبايدر” و”مقلاع داود” وغيرها من أنظمة الصواريخ والمشاريع العسكرية المشتركة مع روّاد التصنيع العسكري أمثال “لوكهيدمارتن” الأميركية، وهي أحد أكبر مزودي إسرائيل بالأسلحة المستخدمة في حربها على غزة، وكانت مُجمّعات الصناعات العسكرية لشركة رفائيل في منطقة زوفولون شمال مدينة حيفا عرضة لهجومين صاروخيين من حزب الله خلال الحرب الدائرة، آخرها كان في أيلول/ سبتمبر الماضي.

المشروع مستمر على رغم الاستنكار الرسمي وحملات “المقاطعة”!

حديثاً، وجه النائب عبد الرؤوف الربيحات مذكرة إلى وزيرة التخطيط والتعاون الدولي زينة طوقان، مستفسراً عن التعاقد مع شركة “بريسايت” لرقمنة القطاع العام وتحديثه، مستنكراً إتاحة “الحكومة قواعد بيانات القطاع الصحي الحكومي، وهو من أهم وأكبر القطاعات حيوية، لشركة مرتبطة بالاحتلال الذي ينتهك حقوق الإنسان ويواصل ارتكاب الجرائم”. 

وأضاف أنه حاول التواصل مع الوزيرة طوقان للحصول على مزيد من التوضيحات، لكنها لم تجب عن استفساراته.

بعد انتشار المذكرة التي وجهها الربيحات إلى الوزيرة، ظهرت تصريحات عبر وكالة الأنباء الأردنيّة من “مصدر” مجهول في وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، تؤكد التعاقد مع شركة “بريسايت”، مبرراً بأنها جزء من منحة إماراتية “كريمة” وأنها “كالكثير من الشركات الإماراتية تتميّز على المستوى العالمي والإقليمي”، وأن لـ”بريسايت” دوراً محدّداً في إنشاء مشروعات معينة على أن ينتهي عملها، بعد إنجاز هذه المشروعات لتُشغّل أردنياً”.

المصدر لم يحدد دور شركة “بريسايت” وما هي طبيعة المشروعات التي ستنفذها، مكتفياً بالتأكيد أن الاتفاقية تتماشى مع الأطر القانونية الأردنية، ومنها تلك المعنية بالأمن السيبراني، ما يضمن حماية البيانات الشخصية للمواطنين الأردنيين وحقوقهم. ولم يجب في رده بشكل واضح عن السؤال حول وجود ضمانات لعدم استغلال إسرائيل هذه البيانات.

توقيت الإعلان عن الاتفاقية وعدم وجود استجابة رسمية واضحة لمخاوف الأردنيين على أمنهم السيبراني، جاءا بالتزامن مع حالة غضب شعبي وحملات مقاطعة تستهدف كل ما يتعلق بإسرائيل وأي شركاء لها، لتظهر الحكومة أمام مواطنيها وكأنها في عالم موازٍ لا علاقة له بما يحدث من حولها، وأن مخاوف الملك عبدالله الثاني من خطط إسرائيل المعلنة لتوطين الفلسطينيين وتأكيده رفض الأردن أية محاولات لتهجير الأشقاء الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وأهمية العمل على إيجاد أفق سياسي لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، وتلويح وزير الخارجية أيمن الصفدي بأن مثل هذه إجراءات سيكون بمثابة إعلان حرب، كل ذلك يحدث في حكومة أخرى غير التي قررت التعاقد مع “بريسايت”، خصوصاً بعدما حصل في لبنان أواخر أيلول/ سبتمبر من انفجار آلاف أجهزة البايجرز وأجهزة اللاسلكي وإصابة الآلاف ومقتل العشرات، في عملية اختراق يقف خلفها الموساد الإسرائيلي.

القطاع الطبيّ يردّ

حالة الغضب الشعبي وصلت الى القطاع الصحي، إذ كتب رئيس قسم كهرباء القلب في مستشفى العبدلي الدكتور محمد الحجيري على صفحته في “فيسبوك”: “وزارة الصحة العزيزة، أرفض رفضاً تاماً وقاطعاً مشاركة أي من بيانات مرضاي أو التعامل، سواء من قريب أو من بعيد، مع المشروع الجديد الذي ستشرف عليه شركة إسرائيلية للبيانات، بحسب ما ورد في مصادر إعلام وبحسب ما وردني من نقابة الأطباء… وأطلب من جميع زملائي الأطباء الرفض القاطع والتام والكامل للتعامل مع هذا المشروع، وهذه الشركة التي هي ظاهرياً لمصلحة المريض الأردني وباطنياً لسرقة كل بياناتنا والتحكم بقطاعنا الصحي. الأردن عنده الكفاءة الكاملة لحوسبة البيانات بأيادٍ أردنية”.

مع ذلك، لم تحرك الحكومة ساكناً لتقديم مجرد وعود بمراجعة الاتفاقية أو إعادة دراستها، وتجاهلت الانتقادات الحادة التي احتلت صدارة نقاشات مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تلتفت الى مخاوف المواطنين من تداعيات هذه الاتفاقية على الأمن الوطني في ظل التحذيرات من إمكانية استغلال البيانات الشخصية للمواطنين الأردنيين في ظل وجود شركة “رافائيل” في الصورة، وهي المتخصصة بحماية مصالح إسرائيل والدفاع عنها وتحقيق أهدافها العسكرية والسياسية، المتناقضة كلياً مع أمن الأردن وسيادته، مكتفية بتبرير إصرارها على الاتفاقية بأن دور “بريسايت” سيكون محدداً في إنشاء “مشروعات معينة” لم تفصح عنها، وأن أي عقد يوقع مع شركات أجنبية يخضع لما ينسجم مع منظومة القوانين والأنظمة والتعليمات الأردنية المعنية بالأمن السيبراني، وكأن إسرائيل كانت في يوم مُلزمة باتفاقياتها مع الأردن أو بحاجة الى معايير رادعة كي لا تستخدم بيانات الأردنيين في ما يخدم مصالحها.

السؤال الذي كشف الحكاية

ما يثير الاستغراب ليس فقط تجاهل الحكومة مخاوف المواطنين والغضب الشعبي، بل أيضاً التوجه الى عقد مثل اتفاقية كهذه من الأساس، والتي لم يكن الأردنيون ليعرفوا عنها لولا تساؤل النائب الفريحات، خصوصاً وأن آخر استطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية  في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أشار إلى أن 86 في المئة من الأردنيين غير راضين عن مواقف الحكومات العربية تجاه الحرب، بل إن 66 في المئة منهم يؤيدون هجوم حماس في “طوفان الأقصى”، الأمر الذي انعكس على نتائج الانتخابات الأخيرة بشكل واضح، إذ انتخبت الغالبية جبهة العمل الإسلامي قبل أن يصار لتجاهل النتائج وإقصائها من التشكيل الوزاري.

مخاوف الأردنيين لم تأتِ من فراغ، ولا من تجارب دول مجاورة، ففي مطلع العام الحالي كشف تحقيق أعدته منظمة Access Now عن اختراق هواتف حوالى 35 ناشطاً أردنياً من خلال برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس”، من بينهم صحافيون وسياسيون وفاعلون في المجتمع المدني ومحامون في مجال حقوق الإنسان، ولم يُعرف حتى اليوم إن كانت الدولة هي من اشترت البرمجيات للتجسس علي الناشطين أم أنه اختراق إسرائيلي بالأساس في ظل عدم شفافية أجهزة الدولة في التعامل مع هذه التحقيقات.

ولهذه المخاوف ما يبررها بالنظر الى تاريخ الشركات الدفاعية الإسرائيلية في التجسس ضمن الدول التي تدخل سوقها. ففي عام 2017، استثمرت شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI) الحكومية ملايين الدولارات في شركتين أجنبيتين للتنافس مع شركة NSO المتخصصة في التجسس السيبراني. 

ركزت الأولى Inpedio على أنظمة حماية الأجهزة المحمولة من الهجمات السيبرانية، بينما طورت الثانية Cytrox برامج تجسس هجومية، أبرزها برنامج Predator الذي يستغل الثغرات لاختراق الهواتف المحمولة.

 ورغم تقديم الشركتين ككيانين منفصلين، كشفت وثائق أن مؤسسيهما الإسرائيليين كانوا متورطين في تطوير البرنامجين معاً، إذ كانت الشركتان تعملان من المكاتب نفسها وتشارك الموظفون في تطوير تقنيات هجومية ودفاعية معاً، ليصبح Predator محور فضيحة سياسية كبرى في دول مثل اليونان والسودان وبنغلادش، حيث استُخدم لاختراق هواتف صحافيين وسياسيين.

تجسّس سيبراني؟

تكشف هذه النماذج النقاب عن كيفية تفادي الشركات الإسرائيلية “القيود والمعايير الحكومية” التي يتحصّن بها مسؤولون أردنيون في دفاعهم عن الاتفاقية مع “بريسايت”، لكن ما الذي يضمن أن هذه الاستثمارات ما هي إلا غطاء يخدم السياسات الإسرائيلية في مجال التجسس السيبراني؟

معظم هذه الشركات إما مملوكة للحكومة الإسرائيلية أو تعمل من خلال ضباط سابقين في أجهزة الموساد ووحدة يمام؛ وقد تورطت شركة “رافائيل” المساهمة في “بريسايت” في فضائح عدة أدت أكبرها الى إقالة مديرها التنفيذي  يديديا ياعاري عام 2015 بعد سلسلة من الممارسات  التي أضرت بسمعة الشركة، كبيع “رفائيل” أسلحة غير مصرح بها إلى دولة في آسيا الوسطى، وحدوث خرق أمني بتحميل أحد الموظفين وثائق عسكرية حساسة على حاسوبه الشخصي من دون وجود إبلاغ عن الحادث.

 وفي عام 2006، سجلت هيئة التحقيقات المركزية الهندية قضية فساد ضد الشركتين تتعلق بصفقة بقيمة 181.5 مليون دولار لتوريد تسعة أنظمة دفاع مضادة للصواريخ من طراز “باراك-1″ للبحرية من شركة IAI، و200 صاروخ بقيمة 54.6 مليون دولار من شركة رفائيل، ما أدى الى حظر التعامل مع شركتي الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI) و”رفائيل” لأنظمة الدفاع المتقدمة لسنوات قبل رفعه بحجة عدم ثبوت الأدلّة. 

30.10.2024
زمن القراءة: 6 minutes

مخاوف الأردنيين لم تأتِ من فراغ، ولا من تجارب دول مجاورة، ففي مطلع العام الحالي كشف تحقيق أعدته منظمة Access Now عن اختراق هواتف حوالى 35 ناشطاً أردنياً من خلال برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس”، من بينهم صحافيون وسياسيون وفاعلون في المجتمع المدني ومحامون في مجال حقوق الإنسان، ولم يُعرف حتى اليوم إن كانت الدولة هي من اشترت البرمجيات للتجسس علي الناشطين أم أنه اختراق إسرائيلي بالأساس في ظل عدم شفافية أجهزة الدولة في التعامل مع هذه التحقيقات.

في نيسان/ أبريل 2021، أعلنت شركة “مجموعة 42” (G42) للتكنولوجيا برئاسة مستشار الأمن الوطني الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، عن تشكيل مشروع مشترك مع شركة “رافائيل” الإسرائيلية المملوكة للدولة، بهدف تسويق تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، تحت اسم “Presight.AI”، ليضم المشروع موقعاً بحثياً في إسرائيل، بهدف تطوير منتجات تكنولوجية لقطاعات البنوك، والرعاية الصحية، والسلامة العامة، ليتم بيعها في إسرائيل والإمارات العربية المتحدة وعلى مستوى دولي.

الشريك الإسرائيلي في هذا المشروع هو “رافائيل”، شركة حكومية مستقلة تأسست عام 1948 برئاسة شلومو غير، وهي “شركة تكنولوجيا الدفاع الإسرائيلية” وتشكل الأحرف الأولى للاسم بالعبرية كلمة “رافائيل”، وبرز اسمها أخيراً في حرب غزة تحديداً لدورها الرئيسي في تطوير وإنتاج الأسلحة والتقنيات العسكرية والدفاعية للجيش الإسرائيلي.

من أشهر منتجات الشركة العسكرية حسب موقعها على الإنترنت “القبة الحديدية” و”قبة الطائرات المسيرة” وصواريخ “سبايدر” و”مقلاع داود” وغيرها من أنظمة الصواريخ والمشاريع العسكرية المشتركة مع روّاد التصنيع العسكري أمثال “لوكهيدمارتن” الأميركية، وهي أحد أكبر مزودي إسرائيل بالأسلحة المستخدمة في حربها على غزة، وكانت مُجمّعات الصناعات العسكرية لشركة رفائيل في منطقة زوفولون شمال مدينة حيفا عرضة لهجومين صاروخيين من حزب الله خلال الحرب الدائرة، آخرها كان في أيلول/ سبتمبر الماضي.

المشروع مستمر على رغم الاستنكار الرسمي وحملات “المقاطعة”!

حديثاً، وجه النائب عبد الرؤوف الربيحات مذكرة إلى وزيرة التخطيط والتعاون الدولي زينة طوقان، مستفسراً عن التعاقد مع شركة “بريسايت” لرقمنة القطاع العام وتحديثه، مستنكراً إتاحة “الحكومة قواعد بيانات القطاع الصحي الحكومي، وهو من أهم وأكبر القطاعات حيوية، لشركة مرتبطة بالاحتلال الذي ينتهك حقوق الإنسان ويواصل ارتكاب الجرائم”. 

وأضاف أنه حاول التواصل مع الوزيرة طوقان للحصول على مزيد من التوضيحات، لكنها لم تجب عن استفساراته.

بعد انتشار المذكرة التي وجهها الربيحات إلى الوزيرة، ظهرت تصريحات عبر وكالة الأنباء الأردنيّة من “مصدر” مجهول في وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، تؤكد التعاقد مع شركة “بريسايت”، مبرراً بأنها جزء من منحة إماراتية “كريمة” وأنها “كالكثير من الشركات الإماراتية تتميّز على المستوى العالمي والإقليمي”، وأن لـ”بريسايت” دوراً محدّداً في إنشاء مشروعات معينة على أن ينتهي عملها، بعد إنجاز هذه المشروعات لتُشغّل أردنياً”.

المصدر لم يحدد دور شركة “بريسايت” وما هي طبيعة المشروعات التي ستنفذها، مكتفياً بالتأكيد أن الاتفاقية تتماشى مع الأطر القانونية الأردنية، ومنها تلك المعنية بالأمن السيبراني، ما يضمن حماية البيانات الشخصية للمواطنين الأردنيين وحقوقهم. ولم يجب في رده بشكل واضح عن السؤال حول وجود ضمانات لعدم استغلال إسرائيل هذه البيانات.

توقيت الإعلان عن الاتفاقية وعدم وجود استجابة رسمية واضحة لمخاوف الأردنيين على أمنهم السيبراني، جاءا بالتزامن مع حالة غضب شعبي وحملات مقاطعة تستهدف كل ما يتعلق بإسرائيل وأي شركاء لها، لتظهر الحكومة أمام مواطنيها وكأنها في عالم موازٍ لا علاقة له بما يحدث من حولها، وأن مخاوف الملك عبدالله الثاني من خطط إسرائيل المعلنة لتوطين الفلسطينيين وتأكيده رفض الأردن أية محاولات لتهجير الأشقاء الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وأهمية العمل على إيجاد أفق سياسي لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، وتلويح وزير الخارجية أيمن الصفدي بأن مثل هذه إجراءات سيكون بمثابة إعلان حرب، كل ذلك يحدث في حكومة أخرى غير التي قررت التعاقد مع “بريسايت”، خصوصاً بعدما حصل في لبنان أواخر أيلول/ سبتمبر من انفجار آلاف أجهزة البايجرز وأجهزة اللاسلكي وإصابة الآلاف ومقتل العشرات، في عملية اختراق يقف خلفها الموساد الإسرائيلي.

القطاع الطبيّ يردّ

حالة الغضب الشعبي وصلت الى القطاع الصحي، إذ كتب رئيس قسم كهرباء القلب في مستشفى العبدلي الدكتور محمد الحجيري على صفحته في “فيسبوك”: “وزارة الصحة العزيزة، أرفض رفضاً تاماً وقاطعاً مشاركة أي من بيانات مرضاي أو التعامل، سواء من قريب أو من بعيد، مع المشروع الجديد الذي ستشرف عليه شركة إسرائيلية للبيانات، بحسب ما ورد في مصادر إعلام وبحسب ما وردني من نقابة الأطباء… وأطلب من جميع زملائي الأطباء الرفض القاطع والتام والكامل للتعامل مع هذا المشروع، وهذه الشركة التي هي ظاهرياً لمصلحة المريض الأردني وباطنياً لسرقة كل بياناتنا والتحكم بقطاعنا الصحي. الأردن عنده الكفاءة الكاملة لحوسبة البيانات بأيادٍ أردنية”.

مع ذلك، لم تحرك الحكومة ساكناً لتقديم مجرد وعود بمراجعة الاتفاقية أو إعادة دراستها، وتجاهلت الانتقادات الحادة التي احتلت صدارة نقاشات مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تلتفت الى مخاوف المواطنين من تداعيات هذه الاتفاقية على الأمن الوطني في ظل التحذيرات من إمكانية استغلال البيانات الشخصية للمواطنين الأردنيين في ظل وجود شركة “رافائيل” في الصورة، وهي المتخصصة بحماية مصالح إسرائيل والدفاع عنها وتحقيق أهدافها العسكرية والسياسية، المتناقضة كلياً مع أمن الأردن وسيادته، مكتفية بتبرير إصرارها على الاتفاقية بأن دور “بريسايت” سيكون محدداً في إنشاء “مشروعات معينة” لم تفصح عنها، وأن أي عقد يوقع مع شركات أجنبية يخضع لما ينسجم مع منظومة القوانين والأنظمة والتعليمات الأردنية المعنية بالأمن السيبراني، وكأن إسرائيل كانت في يوم مُلزمة باتفاقياتها مع الأردن أو بحاجة الى معايير رادعة كي لا تستخدم بيانات الأردنيين في ما يخدم مصالحها.

السؤال الذي كشف الحكاية

ما يثير الاستغراب ليس فقط تجاهل الحكومة مخاوف المواطنين والغضب الشعبي، بل أيضاً التوجه الى عقد مثل اتفاقية كهذه من الأساس، والتي لم يكن الأردنيون ليعرفوا عنها لولا تساؤل النائب الفريحات، خصوصاً وأن آخر استطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية  في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أشار إلى أن 86 في المئة من الأردنيين غير راضين عن مواقف الحكومات العربية تجاه الحرب، بل إن 66 في المئة منهم يؤيدون هجوم حماس في “طوفان الأقصى”، الأمر الذي انعكس على نتائج الانتخابات الأخيرة بشكل واضح، إذ انتخبت الغالبية جبهة العمل الإسلامي قبل أن يصار لتجاهل النتائج وإقصائها من التشكيل الوزاري.

مخاوف الأردنيين لم تأتِ من فراغ، ولا من تجارب دول مجاورة، ففي مطلع العام الحالي كشف تحقيق أعدته منظمة Access Now عن اختراق هواتف حوالى 35 ناشطاً أردنياً من خلال برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس”، من بينهم صحافيون وسياسيون وفاعلون في المجتمع المدني ومحامون في مجال حقوق الإنسان، ولم يُعرف حتى اليوم إن كانت الدولة هي من اشترت البرمجيات للتجسس علي الناشطين أم أنه اختراق إسرائيلي بالأساس في ظل عدم شفافية أجهزة الدولة في التعامل مع هذه التحقيقات.

ولهذه المخاوف ما يبررها بالنظر الى تاريخ الشركات الدفاعية الإسرائيلية في التجسس ضمن الدول التي تدخل سوقها. ففي عام 2017، استثمرت شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI) الحكومية ملايين الدولارات في شركتين أجنبيتين للتنافس مع شركة NSO المتخصصة في التجسس السيبراني. 

ركزت الأولى Inpedio على أنظمة حماية الأجهزة المحمولة من الهجمات السيبرانية، بينما طورت الثانية Cytrox برامج تجسس هجومية، أبرزها برنامج Predator الذي يستغل الثغرات لاختراق الهواتف المحمولة.

 ورغم تقديم الشركتين ككيانين منفصلين، كشفت وثائق أن مؤسسيهما الإسرائيليين كانوا متورطين في تطوير البرنامجين معاً، إذ كانت الشركتان تعملان من المكاتب نفسها وتشارك الموظفون في تطوير تقنيات هجومية ودفاعية معاً، ليصبح Predator محور فضيحة سياسية كبرى في دول مثل اليونان والسودان وبنغلادش، حيث استُخدم لاختراق هواتف صحافيين وسياسيين.

تجسّس سيبراني؟

تكشف هذه النماذج النقاب عن كيفية تفادي الشركات الإسرائيلية “القيود والمعايير الحكومية” التي يتحصّن بها مسؤولون أردنيون في دفاعهم عن الاتفاقية مع “بريسايت”، لكن ما الذي يضمن أن هذه الاستثمارات ما هي إلا غطاء يخدم السياسات الإسرائيلية في مجال التجسس السيبراني؟

معظم هذه الشركات إما مملوكة للحكومة الإسرائيلية أو تعمل من خلال ضباط سابقين في أجهزة الموساد ووحدة يمام؛ وقد تورطت شركة “رافائيل” المساهمة في “بريسايت” في فضائح عدة أدت أكبرها الى إقالة مديرها التنفيذي  يديديا ياعاري عام 2015 بعد سلسلة من الممارسات  التي أضرت بسمعة الشركة، كبيع “رفائيل” أسلحة غير مصرح بها إلى دولة في آسيا الوسطى، وحدوث خرق أمني بتحميل أحد الموظفين وثائق عسكرية حساسة على حاسوبه الشخصي من دون وجود إبلاغ عن الحادث.

 وفي عام 2006، سجلت هيئة التحقيقات المركزية الهندية قضية فساد ضد الشركتين تتعلق بصفقة بقيمة 181.5 مليون دولار لتوريد تسعة أنظمة دفاع مضادة للصواريخ من طراز “باراك-1″ للبحرية من شركة IAI، و200 صاروخ بقيمة 54.6 مليون دولار من شركة رفائيل، ما أدى الى حظر التعامل مع شركتي الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI) و”رفائيل” لأنظمة الدفاع المتقدمة لسنوات قبل رفعه بحجة عدم ثبوت الأدلّة.