تتشابه صور سقوط بشار الأسد في بعض جوانبها، مع صور سقوط صدام حسين الأيقونية قبل أكثر من عشرين عاماً. فإسقاط تماثيل الأسد ووالده وشقيقه باسل في العام 2024، تشابه إسقاط تماثيل صدام في العام 2003. كما يتشابه إحراق صور الأسد مع إحراق صور صدام. ومع أن السياقات مختلفة تماماً، وإسقاط الأسد لم يتم على متن دبابات أميركية، كما هي حال صدام، لكن نهاية البعث تتشابه، لشدة ما يتشابه البعثان في البلدين.
والبعثان؛ السوري والعراقي، أصلهما واحد، يعود إلى ما قبل 77 عاماً، إلى العام 1947 تحديداً، حينما أسس ميشال عفلق وصلاح الدين بيطار الحزب، الذي سيحكم العراق وسوريا لفترات طويلة، ويمد نفوذه إلى بلدان مجاورة، أبرزها لبنان الذي وقع في فترات مختلفة تحت تأثير البعثين، في الحرب الأهلية اللبنانية، كترجمة لصراعهما الذي وقع عملياً في العام 1966، مع انقلاب بعثيين يساريين في سوريا على عفلق وبيطار، وأطاحوا بهما من منصبيهما في الحزب، كما أطاحوا في الآن عينه بأحمد حسن البكر وقريبه صدام حسين من فرع البعث في العراق. على إثر ذلك، أعلن البكر وصدام قيادة قطرية جديدة للبعث في بغداد، حظيت بدعم المؤسس ميشال عفلق، وتلك كانت النقطة المفصلية التي قسمت الحزب إلى بعثين: عراقي وسوري.
والانشطار هذا، كما يقول حازم صاغية في كتابه “البعث السوري- تاريخ موجز”، كان “بمكانة الاستكمال والتتويج لعملية الفرز بين نظامين في بلدين مستقلين. ذاك أن وصول فئات اجتماعية معينة، في سوريا والعراق، إلى السلطة، ألغى الحاجة إلى القاطرة الوحدوية وإلى الزعم الأيديولوجي اللذين تولّيا إيصالها”.
حكم البعثان سوريا والعراق لفترات طويلة بالدم والبطش والنار، وتبين أن أفكار البعث لا تُنتج إلا الديكتاتورية والقمع، وتبين أيضاً أن حكام البعث في البلدين لم يسلّموا لتداول السلطة أبداً، بل كانا يُقيمان، كنوع من المسرحية “الديمقراطية” مهرجانات المبايعة على شكل انتخابات، فيها صناديق وأوراق اقتراع، فيربح حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار بنسب تتخطى 97% في كثير من الأحيان، وتذهب وقاحة صدام حسين إلى إعلان نتائج فوزه بالانتخابات بنسبة مئة في المئة!
حكم البعث العراق منذ العام 1968 لمدة 35 عاماً، كان لصدام حصة 24 في العام 2003. أما بعث سوريا فحكم منذ العام 1963 بعد انقلاب وقع في آذار/ مارس، لم يصمد طويلاً حتى وقع انقلاب على الانقلاب في شباط/ فبراير 1966، وصولاً إلى انقلاب حافظ الأسد على رفاقه في حركته “التصحيحية” في العام 1970، ليحكم سوريا منذ ذلك الحين، لثلاثين عاماً، ثم يورّث حكمها لابنه بشار بعد وفاته في العام 2000، ولتكون “حصة الأسد” من السلطة 54 عاماً، وقعت بثقلها على كاهل الشعب السوري.
ولم يتخلّص شعبا العراق وسوريا من حكم البعث إلا بمخاض عسكري عنيف، ولم يتحقق هذا الأمر في العراق إلا بواسطة غزو أميركي كبير أطاح بالطاغية، بعد حصار اقتصادي قاسٍ مورس على العراق منذ إخراج جيش صدام من الكويت في حرب الخليج الأولى. أما في سوريا فكان المخاض أطول منذ 15 آذار/ مارس 2011 وحتى فجر الثامن من أول/ ديسمبر 2024.
وهذا التاريخ الأخير هو النهاية الفعلية للبعثين في البلدين العراق وسوريا بشكل كامل، بعد سقوط بشار الأسد وفراره من سوريا، وهو لا شكّ سيكون مقدمة لنهاية الوجود الكاريكاتوري لفرع حزب البعث السوري في لبنان، الذي يرأسه اليوم علي حجازي بنفوذ مستمد من “حزب الله”، بعدما كان “البعث السوري” في نسخته اللبنانية يتمتع بنفوذ كبير في فترة الوصاية السورية، مستمد من القيادة القطرية في سوريا مباشرة.
وإذا كان العراق قد وقع في خطأ “اجتثاث البعث” الذي كان من أفظع ارتكابات الحاكم المدني الأميركي بول بريمير، فإن التعويل في سوريا اليوم على حكمة منشودة للثوار السوريين الذين أطاحوا بالأسد، للحفاظ على مؤسسات الدولة، واحتواء البعثيين بعد محاسبة المرتكبين الكبار منهم، والانتقال بسوريا من جحيم البعث إلى مستقبل أكثر استقراراً وأماناً للشعب السوري العطِش للحرية، والمستحق لها بجدارة.
إقرأوا أيضاً: