اندهش كثيرون من اللقاء الأول الذي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال سبتمبر/ أيلول 2016، مع المرشح الجمهوري دونالد ترامب، في أشد مراحل الحملة الانتخابية الرئاسية شراسة بينه وبين المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، التي لم تكن راضية خلال وجودها في إدارة باراك أوباما عن الانقلاب العسكري في مصر.
لم يكن عبثاً أن يسمّي دونالد ترامب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بديكتاتوره المفضل، فالأنظمة الديكتاتورية العربية هي نموذج إدارة يعجبه، هو الذي أدار أميركا كشركة عقارات كبرى، وكان يرى نفسه “الرئيس” الذي لا ينبغي أن يعارضه أحد.
لذا كان فوز ترامب في انتخابات 2016، خبراً سعيداً للعديد من العواصم العربية، وفرصة لحكامها لإعادة تقديم أنفسهم كحلفاء وضامنين للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، بحسب تحليل محمد المنشاوي في كتابه “ترامب أولاً”.
وكانت العديد من العواصم العربية قد هاجمت قبل ذلك سياسات إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ومواقفه، واتهمته بالتخلي عنها وإعادة تعريف الدور الأميركي في المنطقة من خلال توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وما بدا كأنه دعم لثورات الربيع العربي.
وكان خطاب ترامب المعادي للاتفاق النووي مع إيران وتعهده بانسحاب بلاده منه حال وصوله إلى البيت الأبيض، وطرحه المبكر لوعد بحل صراع الشرق الأوسط بصفقة جديدة، إضافة إلى عدائه الواضح لثورات الربيع العربي من الأسباب الأساسية للترحيب به.
بعد وصول ترامب إلى الحكم عبّر عن دعمه للأنظمة العربية الحاكمة المستقرة بصورة واضحة، وتجاهل ما اعتادت واشنطن عليه من توجيه اللوم والتوبيخ إليها أحياناً بسبب سجل ملفات حقوق الإنسان السيئ، أو اضطهاد الأقليات، أو غياب الحريات السياسية.
ومثّلت حالة دعم ترامب اللامحدود لولي العهد محمد بن سلمان على خلفية علاقته بعملية قتل الكاتب الصحافي جمال خاشقجي، دليلاً على عدم اكتراث ترامب بحالة حقوق الإنسان في الدول العربية.
كما أبدى ترامب خطاباً عدائياً واضحاً للإسلام السياسي خلال حملته الانتخابية، ومنها مبادرات لا تتوقف يقوم بها مشرعون أميركيون قريبون من ترامب لتمرير مشروع قرار في الكونجرس يصنف “الإخوان المسلمين” كجماعة إرهابية، وكانت شهادة وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون أمام مجلس الشيوخ، التي ساوى فيها بين الجماعة وتنظيمي “داعش” و”القاعدة”، هي أخطر ما خرج عن إدارة ترامب بخصوص “الإخوان المسلمين”، فضلاً عن تبنّي السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس تيد كروز مشروع قرار رقم 68 لعام 2017، يطالب فيه وزارة الخارجية بضم جماعة “الإخوان المسلمين” إلى قائمة الجماعات الإرهابية.
ويعدّ البعض موقف ترامب بحد ذاته نجاحاً لجهود النظام المصري، مسلحاً بشركات العلاقات العامة واللوبيات التي تعمل لصالحه، إضافة إلى جهود لا تتوقف تبذلها سفارات دول إقليمية لها أهدافها الخاصة، على رأسها الإمارات والسعودية وإسرائيل، رغم عدم إشارة القانون إلى جماعة “الإخوان المسلمين” المصرية على وجه التحديد، بل بصفتها العامة.
وكان لذلك القرار تبعات غير متوقعة، إذ تقوم دول مثل الكويت والأردن والمغرب وتركيا بضغوط وجهود موازية داخل واشنطن، للوقوف ضد تصنيف الجماعة بالإرهاب، وهي دول حليفة ومهمة لواشنطن، فتلك الدول يشغل فيها بعض ممثلي الجماعة مناصب حكومية رفيعة، ومنهم وزراء في حكومات هذه الدول التي تشكلت بناء على انتخابات برلمانية حرة، وأن الجماعة في تلك الدول لا تستخدم العنف ولا تشجع عليه في العملية السياسية، وأن هذه النظم تحتوي الجماعة من خلال إدخالها في معترك السياسة بشكل رسمي.
كما أن القرار مرتبط بأبعاد داخلية أميركية تتخطى مصر، إذ يترك مشروع القرار حال تمريره، عشرات وربما مئات الجمعيات والمؤسسات الخاصة بالمسلمين الأميركيين (لا يقل عددهم عن 7 مليون) في ورطة كبيرة، لقرب الكثير منها من الجماعة وأفرعها المختلفة.
اكتفت الإدارة الأميركية في عهد ترامب، بسبب تلك الضغوط، بتصنيف حركتي “حسم” و” لواء الثورة” المسلحتين في مصر ضمن قائمة الإرهاب الأميركية.
وفي خطاب ترامب الختامي أمام مؤتمر الحزب الجمهوري في يوليو/ تموز 2016، قال ترامب: “إن مصر جرى تسليمها إلى الراديكاليين من الإخوان المسلمين وهو ما أجبر الجيش على إعادة تولي السلطة”.
وقبل ذلك اتهم ترامب هيلاري كلينتون وباراك أوباما بنشر الدمار في الشرق الأوسط، معتبراً أنهما لعبا دوراً في الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وفي تمهيد الطريق ل”لإخوان المسلمين” للوصول إلى الحكم، على الرغم من أن نظام مبارك كان نظاماً صديقاً يحترم اتفاقية السلام مع إسرائيل. وهو الأمر الذي تدحضه مذكرات باراك أوباما، هو الذي كان وحيداً في مواجهة إدارته التي قررت دعم نظام حسني مبارك؛ وهو الخيار الذي اتخذه، حتى لحظة موقعة الجمل الشهيرة.
على هذا الأساس ينظر ترامب إلى السيسي بصورة شديدة الإيجابية، ويؤمن بأن جماعة “الإخوان المسلمين” هي جماعة إرهابية، ويجب أن تضعها واشنطن تحت هذا التوصيف، ومن هنا لم يكن من المستغرب صمت واشنطن الكامل على وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي، كذلك لم تكترث إدارة ترامب لموت مصطفى قاسم الأميركي من أصول مصرية في منتصف يناير/ كانون الثاني 2020، والمحكوم عليه في قضية فض اعتصام رابعة، وقد توفي خلال فترة سجنه جراء إضرابه عن الطعام، بعدما فشل في الضغط على ترامب لترحيله إلى الولايات المتحدة.
لقاءات السيسي مع ترامب وهيلاري كلينتون
التقت كلينتون الرئيس السيسي لساعة وربع الساعة، وكشفت المصادر المحيطة بكلينتون لائحة المواضيع التي تم بحثها خلال الاجتماع، من مكافحة الإرهاب إلى الاقتصاد وحقوق الإنسان وتنظيم الدولة الإسلامية، وكذلك توقيف الأميركية آية حجازي، التي تعمل في منظمة غير حكومية في مصر.
وعقب اللقاء خرج بيان عن حملة كلينتون ينتقد السجل المصري في مجال حقوق الإنسان.
بعد ذلك استقبل السيسي ترامب الذي وصل مباشرة من مطار نيويورك بعد مهرجان انتخابي في فلوريدا. لكن اللقاء استغرق أقل من ساعة، وكان المرشح الجمهوري؛ بحسب تقارير، يهز رأسه وهو يصغي إلى محاوره في حديثه عن المعاناة التي سببها الفكر المتطرف للعالم، بينما تمكّن الصحافيون من الدخول لالتقاط بعض الصور.
وأوضح بيان بعد ذلك أن “ترامب عبّر للرئيس السيسي عن تقديره الكبير للمسلمين المسالمين، وإداركه أن أصحاب الإرادة الطيبة يضحون يومياً لمكافحة التهديد المتزايد للإرهاب الإسلامي المتطرف”.
وعلى عكس كلينتون، وصف ترامب السيسي بـ” الرجل الرائع”، بينما وصفه الرئيسي السيسي بأنه “ذو شخصية مميزة جعلته يحقق المستحيل”.
ولعب مركز بحثي غير معروف، يدعى “مركز لندن لأبحاث السياسات” دوراً كبيراً في الدفع إلى ترتيب هذا اللقاء، وهو مركز يقع في مانهاتن في نيويورك تأسس عام 2013، على يد هلبرت لندن السياسي النيويوركي المحلي الذي لا تعرفه دوائر الشرق الأوسط التقليدية، المرتبطة بالحزبين الجمهوري والديمقراطي.
خاض لندن غمار السياسة وحاول أن يصبح عمدة لمدينة نيويورك، وهُزم، وحاول أن يصبح حاكماً لولاية نيويورك وهُزم أيضاً، ورحل في عام 2018، تاركاً خلفه مركزاً بحثياً لا يشبه غيره من المراكز البحثية التي تعج بها العاصمة واشنطن والمدن الأميركية، فهو مركز بحثي يقع على يمين المراكز البحثية اليمينية المحافظة التقليدية القريبة من الحزب الجمهوري.
ومع ظهور ترامب على الساحة السياسية، اختارت تلك المراكز البحثية الابتعاد عنه، في حين اختار “مركز لندن” التقرب من ترامب وتوفير ما يحتاج من مستشارين ودراسات في مجال السياسة الخارجية.
وقف المرشح ترامب حينها متبنياً موقف الرئيس السيسي نفسه في ما يتعلق بالعداء لقوى الإسلام السياسي، وخاصة جماعة “الإخوان المسلمين”، وسعى إلى تخفيف الضغوط على مصر خلال فترة حكمه.
هل مول السيسي ترامب؟
ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” في تحقيق لها، أنها حصلت على آلاف الصفحات من التحقيقات، وتحدثت مع أكثر من 20 شخصاً، حول تمويل الحكومة المصرية حملة ترامب الانتخابية بعشرة ملايين دولار.
استندت هذه التحقيقات إلى مراجعة سجلات حكومية وملفات محكمة، مشيرةً إلى أن التحقيقات استمرت ثلاث سنوات، من 2017 حتى 2020، وكانت سرية ولم تُكشف للرأي العام الأميركي.
خلال التحقيقات، ظهر اسم مصر أحياناً حين الحديث عن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، لكن التركيز الرئيسي ظلّ على روسيا.
التقرير يوضح أن الجدل كان حول مبلغ 10 ملايين دولار سُحبت من بنك مصري وطلبت الحكومة الأميركية من ترامب تقديم سجلات حساباته البنكية، لكن السجلات التي قُدمت لم تغطِّ الفترة الزمنية التي يُعتقد أن المبلغ المصري وصل خلالها.
يُذكر أن المبلغ سُحب من مصر في كانون الثاني/ يناير 2017، بالتزامن مع تحقيقات الحكومة الأميركية حول تلقّي حملة ترامب مساعدات من دول خارجية.
النقطة المحورية التي أثارت الشكوك هي أن الأموال خرجت من حساب في البنك الأهلي المصري، ولم يتمكن المحققون الأميركيون من تتبّع السجلات البنكية المتعلقة بهذه التحويلات بشكل كامل.
تشير التقارير إلى أن مخبراً سرياً زوّد السلطات الأميركية بمعلومات حول تحويل الأموال، زاعماً أن مصر مولت حملة ترامب بمبلغ 10 ملايين دولار، ويبدو أن وكالة الاستخبارات الأميركية جمعت معلومات تؤكد هذه الرواية.
من جهة أخرى، أفاد التقرير بأن المحققين الأميركيين لم يتمكنوا من البت في الأمر بشكل نهائي بسبب تعقيدات سياسية داخلية، أما روبرت مولر المحقق الرئيسي في قضية التدخل الروسي، فشكّل فريقاً خاصاً للتحقيق في دور مصر المحتمل في تمويل حملة ترامب.
“لقاء إيجابي للغاية”
أحد أهم الأحداث التي تناولها التقرير هو اللقاء الأول بين ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أيلول/ سبتمبر 2016، الذي وُصف بالإيجابي للغاية.
في تلك الفترة، كانت حملة ترامب تعاني من نقص في التمويل، وفي تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه، أعلن ترامب أنه قدّم 10 ملايين دولار لدعم حملته، مما أثار تساؤلات حول مصدر هذه الأموال.
في عام 2017، بدأ المحققون في البحث عن معلومات حول هذه الأموال، واستدعوا فريقاً من البنك الأهلي المصري، إلا أن البنك رفض التعاون، مشيراً إلى أن تقديم المعلومات سيكون بمثابة تدخل في الشؤون الداخلية المصرية.
على رغم ذلك، فرضت المحكمة العليا الأميركية غرامات مالية على البنك الأهلي بدءاً من كانون الثاني/ يناير 2019. وفي شباط/ فبراير من العام نفسه، اضطر البنك إلى تقديم بعض المعلومات بعد فرض غرامات يومية بقيمة 550,000 دولار.
التقارير تشير إلى أن الأموال خرجت من حساب في البنك الأهلي المصري في 15 كانون الثاني/ يناير 2017، بعد أيام قليلة من تولي ترامب الرئاسة، وحُوِّل المبلغ إلى حساب تابع لمركز أبحاث يُشتبه في ارتباطه بالمخابرات المصرية.
ومع ذلك، فشلت السلطات الأميركية في تتبّع الأموال بشكل كامل، إذ أُغلق الحساب المصرفي بعد فترة وجيزة من التحويل، مما زاد من غموض القضية.
على رغم استمرار التحقيقات حتى عام 2020، لم يتمكن المحققون من الوصول إلى أدلة قاطعة تؤكد استخدام الأموال المصرية في حملة ترامب، وانتهت المهلة القانونية للتحقيق في التمويلات غير القانونية بعد مرور خمس سنوات، ولم يتم إحراز تقدم في القضية. بعد وصول إدارة بايدن إلى الحكم في 2021، تراجع الاهتمام بالقضية مع انشغال الإدارة بقضايا أخرى مثل الهجوم على الكونغرس.
في النهاية، أُغلقت التحقيقات من دون التوصل إلى نتائج نهائية، إذ لم يتم إثبات أن الأموال المصرية استُخدمت في حملة ترامب، وعلى الرغم من المزاعم، فإن الحسابات البنكية الخاصة بترامب لم تظهر أي أدلة قاطعة على تلقي أموال من مصر. لم تعلق الحكومة المصرية على التحقيقات، واعتبرت أن القضية شأن داخلي أميركي. من جانبها، وصفت حملة ترامب هذه الادعاءات بأنها “أخبار كاذبة”، مشيرة إلى أن الصحافة الأميركية تسعى إلى اختلاق مثل هذه القصص.
عودة المعونة الأميركية إلى مصر
على رغم ميل الرئيس السيسي إلى إدارة ترامب التي تعادي “الإخوان المسلمين” حد محاولة تصنيفها كجماعة إرهابية، بما يهدّد حلفاء آخرين لأميركا كالكويت، إلا أن المعونة الأميركية عادت بالكامل إلى مصر في نهاية فترة الرئيس جو بايدن الديمقراطي، بسبب الدور الذي لعبته مصر في غزة، مقابل التغاضي عن ملف حقوق الإنسان، وملفات أخرى، وحجة أميركا في هذا الشأن أن عودة المعونة بشكل كامل أمر يصبّ في “مصلحة الأمن القومي الأميركي”.
يضع الكونغرس قيوداً على ربع المعونة الأميركية لمصر، إلا إذا أكدت وزارة الخارجية أن مصر تحقق تقدماً في مجال حقوق الإنسان.
منذ تولي إدارة بايدن الحكم، حُسمت أموال من المعونة في إطار اشتراط تقدّم مصر في مجال حقوق الإنسان. كانت هذه القضية تُطرح كل عام، ويتم تقليص جزء من المعونة أو تحويلها إلى دول أخرى مثل تايوان. في نهاية المطاف، تحولت المعونة إلى وسيلة لاستعراض التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان ومدى تقدّم مصر في هذا المجال.
في السنوات الأخيرة، تفاقم الوضع مع فضيحة السيناتور روبرت مينيندز، المتهم بتلقي رشى من مصر عبر رجل أعمال. كانت القيود على المعونة الأميركية لمصر متزايدة، لكن الحرب في غزة التي بدأت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر غيرت مجرى الأمور. جاءت مساعدات مالية ضخمة لمصر من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وأعلنت الإدارة الأميركية الإفراج عن المعونة العسكرية لمصر بالكامل من دون قيود أو شروط.
تاريخ المعونة الأميركية لمصر
خلال حقبة عبد الناصر، كان هناك عداء بين مصر والولايات المتحدة، ولكن مع تولّي السادات الحكم، اتجهت مصر نحو الولايات المتحدة، وبدأت المعونات تتدفق. أصبحت المعونة الأميركية جزءاً مهماً من الاقتصاد المصري منذ أواخر السبعينيات. كانت الولايات المتحدة تقدم 1.3 مليارات دولار للجيش و1.3 مليارات دولار للاقتصاد، أي ما مجموعه 2.6 مليارات دولار سنوياً.
مع مرور الزمن، بدأت الولايات المتحدة تقلل من المعونات، إلا أن الجزء الأكبر منها استمر في التدفق على الجيش المصري. أصبحت هذه المعونات وسيلة للحفاظ على الاستقرار العسكري والاقتصادي في مصر، إذ يعتمد الجيش المصري بشكل كبير على الأسلحة وقطع الغيار الأميركية. ومع ذلك، بدأت واشنطن تفرض شروطاً على المعونة منذ عهد أوباما، بخاصة في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان.
مع تراجع دور مصر الاستراتيجي في المنطقة، تزايدت التساؤلات حول أهمية استمرار المعونة. في السنوات الأخيرة، ومع ظهور فضيحة مينيندز، بدأت الولايات المتحدة تفكر في تقليص المعونة العسكرية بسبب تراجع أهمية مصر في الصراع العربي – الإسرائيلي، بخاصة بعد بروز دول مثل الإمارات والسعودية.
وعلى رغم تراجع المعونة الاقتصادية خلال العقود الماضية، إلا أن المعونة العسكرية استمرت. في نهاية عهد كلينتون، انخفضت المعونة الاقتصادية إلى ما بين 100 و200 مليون دولار، مما أثر على الاقتصاد المصري. ومع ذلك، بقيت المعونة العسكرية تشكّل ثلث الميزانية العسكرية المصرية، حيث تُستخدم لشراء الأسلحة والطائرات.
خلال إدارة بايدن، حجبت الولايات المتحدة جزءاً من المعونة بسبب المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان، إذ حُجب 85 مليون دولار في عام 2021 و130 مليون دولار في عام 2022. ومع ذلك، عقب حرب غزة الأخيرة، استعاد الأميركيون اهتمامهم بمصر وأعلنوا دعماً اقتصادياً إضافياً لها من خلال صندوق النقد الدولي.
الآن، مع الإفراج عن المعونة العسكرية بالكامل، يبقى السؤال مفتوحاً حول مستقبل المعونات الأميركية لمصر، وما إذا كانت ستستمر في ظل التغيرات الجيوسياسية. وفيما تستمر الولايات المتحدة بفرض قيود على جزء من المعونة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، تظل العلاقة الاستراتيجية بين البلدين قائمة، بخاصة في ظل دور مصر الرئيسي في الوساطة بين غزة وإسرائيل.
في النهاية، تظل المعونة الأميركية لمصر جزءاً معقداً من العلاقات الثنائية، محاطة بشروط سياسية واقتصادية، وتخضع لتطورات الوضع الدولي والإقليمي.
بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن النظام الحالي منع أهم المنافسين من المشاركة في الانتخابات، مما أثار انتقادات من منظمات مثل “فريدوم هاوس”. وزارة الخارجية الأميركية في خطابها للكونغرس أكدت دور مصر في جهود وقف إطلاق النار في غزة وإعادة الرهائن الإسرائيليين.
وبينما يظل سجل مصر في حقوق الإنسان مثار جدل، يبدو أن هناك رغبة لدى الولايات المتحدة في الحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع مصر. بعض النواب الديمقراطيين أعربوا عن إحباطهم، مشددين على ضرورة ربط المعونة بتحسّن سجل حقوق الإنسان.
التناقضات بين مصالح الولايات المتحدة والديمقراطية في الدول العربية تظل قائمة، إذ تُدعم أنظمة استبدادية في مقابل الاستقرار. التحديات التي تواجه السياسة الأميركية قد تؤدي إلى تغييرات مستقبلية، بخاصة مع ظهور حكومات جديدة قد تحمل رؤى مختلفة.
هناك تساؤلات حول العلاقات المصرية – الأميركية؛ هل قيمتها الحقيقية تقتصر على 1.3 مليارات دولار سنوياً؟ وهل تلك العلاقة تقدم لمصر الدعم الكافي في قضايا استراتيجية مثل سد النهضة أو الأزمات في السودان وليبيا؟ يرى البعض أن قيمة المعونة ليست فقط في المال، بل في الحفاظ على المصالح الاستراتيجية.
هذا الوضع يعكس إلى حد كبير ازدواجية المعايير الأميركية. الولايات المتحدة تدعم حلفاءها حينما يكون ذلك في مصلحتها، ولكن في حالات أخرى قد تتخلى عنهم. يتضح هذا في التعامل مع الحروب في المنطقة، حيث يبدو أن العالم الغربي غير مكترث بالمآسي التي تحدث في الدول العربية والإسلامية. بينما يظهر أن وسائل الإعلام الأميركية، تساهم جزئياً في تشكيل هذا الرأي العام من خلال دعم أفكار الحرية والديمقراطية، فإن هناك جزءاً كبيراً منها يشارك في عملية غسيل الدماغ تلك.
اليوم نرى صعود قوى اليمين المتطرف واليسار الراديكالي في الغرب، وكأن الغرب في أزمة. ومع استمرار الانتخابات الأميركية والبريطانية، فإن هناك تحولات في المشهد السياسي؛ في بريطانيا، مثلاً، برغم صعود اليمين المتطرف، فقد تمكن اليسار من تحقيق بعض الانتصارات. أما في الولايات المتحدة، فيبدو أن الحزب الديمقراطي يعاني من صراعات داخلية، بينما تشهد البلاد مظاهرات طلابية وتغيرات في الأجيال التي قد تؤدي إلى تحولات مستقبلية.
إقرأوا أيضاً: