ليس إمساك الضابط الروسي في قاعدة حميميم يد الرئيس السوري بشار الأسد، لمنعه من اللحاق بـ”ضيفه” الروسي، وحده ما كان لافتاً في مجموعة الفيديوهات، التي وزعتها وزارة الدفاع الروسية لزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاعدة العسكرية الروسية، إنما أيضاً ظهور بوتين بصفته متكلماً وحيداً في اللقاءات التي شهدتها الزيارة، في حين لم يظهر الأسد متكلماً مرة واحدة في كل الأشرطة التي وُزعت. “المسألة ليست أكثر من رغبة في القول: الأمر لي”، قال خبير روسي لـ”درج” حين سأله عن رأيه في الفيديوهات. يجب عدم الذهاب في التفسير أكثر من ذلك. الأسد باقٍ حتى العام ٢٠٢١، ولكن بوتين أراد أن يقول “الأمر لي خلال هذه السنوات”، أضاف الخبير الروسي. أما ما قيل عن أن واقعة الفيديو ليست سوى خطأً بروتوكولياً، فهذا ما كان يمكن تجنبه عبر عدم توزيع الشريط، الذي ظهرت فيه لقطة لضابط يحدّ من اندفاعة رئيس للجمهورية. ومن المؤكد أن وزارة الدفاع الروسية هي من صور اللقاءات في قاعدة حميميم، وهي من وزع الأشرطة على وسائل الإعلام. لا شك أن ثمة إهانة متعمدة، وإن ظهرت على شكل خطأ بروتوكولي، لكن مهمتها القول أن “هذا الرجل عندي، وأنا من سيصون التوازن الذي يفترضه استمراره في السلطة إلى العام ٢٠٢١”. تعمد تصوير الأسد صامتاً خلال الإجتماعات، ثم تصويره لاحقاً ببوتين على نحو ما يفعل المساعدين لا النظراء، يُعزز ما بدأ يرشح عن أن بوتين نجح في تسويق فكرة بقاء الأسد إلى العام ٢٠٢١. ومشهد الرئيس “مهاناً” هو أحد الأثمان.
ومباشرة موسكو خطوات انسحابية من سوريا، لا يعني أنها ستنهي وجودها هناك، فاليوم حان وقت الاستثمار السياسي بالتدخل في سوريا، داخلياً على المستوى الروسي مع اقتراب موعد الانتخابات في شهر آذار من العام ٢٠١٨، وخارجياً على مستوى إحلال مقررات سوتشي بدل جنيف. وبوتين ذاهب داخلياً إلى نصر في انتخابات اختار إعلان ترشحه إليها، تماماً قبل زيارته سورية وإعلان “النصر” منها، وخارجياً ذاهب إلى تثبيت المعادلة الروسية في سورية، معززاً بتفاهم مع أنقرة وطهران، صاحبتا الأيدي “القذرة” في الحرب السورية، على ما وصف صحافي روسي مقرب من بوتين دور الدولتين في سورية.وهنا يجب لفت النظر، إلى أن التدخل الروسي في سورية تحول إلى همّ داخلي روسي، إذ أظهرت نتائج استطلاع للرأي، أجري في موسكو مؤخراً، أن ٥٥ في المئة من الروس راغبون في انسحاب جيش بلدهم من سورية، وأن تجربة “الغرق في الوحل الأفغاني” حاضرة في الذاكرة الروسية. وبوتين من جهته نجح في توظيف هذه الذاكرة لمصلحته، ذاك أنه تعمد أن يقول إنه ذهب إلى سورية لينهي الحرب، ويعلن النصر تمهيداً لـ”عودة الجنود” غانمين، خلافاً لعودتهم من أفغانستان.”إنه اللاعب الوحيد في الشرق الأوسط” على ما وصفته هآرتس, وهو تمكن من إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ببقاء الأسد إلى العام ٢٠٢١على ما قالت “نيويوركر”. فَرَض أشكال متفاوتة من الهُدن على الجبهات السورية المختلفة. في إدلب كان الإتفاق مع الأتراك، وفي جنوب سورية أقام علاقات ثقة مع الأردنيين، وفي الشمال رسم مع الأميركيين خطوط قتال تنظيم “داعش”. وفي الوقت الذي كانت طائراته تغطي هجمات الجماعات الإيرانية في سورية، أتاح لتل أبيب أن تستهدف بطائراتها حلفاؤه في البرّ السوري بأكثر من مئة غارة في عام واحد. وبوتين لا يلجم انتشاء جسمه في خطوه ومشيه، والرئيس الضعيف بشار الأسد ضحية سهلة لمشهد القيصر متقدماً نحو ضباطه. الأمر يجب أن لا يتعدى هذا الحساب. في السياسة سيبقى بشار إلى العام ٢٠٢١، لكنه سيكون محاصراً بالضباط الروس من جهة، ومن قاسم سليماني من جهة أخرى. وربما قضت التسوية أن يحضر الوليمة ضابط تركي أيضاً.[video_player link=””][/video_player]