fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

بين القمع والمراوغة: الصحافة اليمنيّة مرآة لصراع معقّد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما لم تتغير البنية الذهنية للنخب الحاكمة والميليشيات المتحكمة في مفاصل الدولة في الجمهورية اليمنية، ستظل هذه الحرية مجرد مساحة ضيقة تُمنح حيناً وتُصادَر حيناً آخر، وفق حسابات سياسية أضيق لا علاقة لها بمفهوم الدولة المدنية الحديثة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لطالما شكّلت حرية الصحافة هاجساً مقلقاً لكل الميليشيات المسلحة، إذ لا تخشى هذه الجماعات من شيء كما تخشى من الكلمة الحرة. وتبرز الحوثية كأوضح مثال على هذا الخوف المقنّع بالقمع الباطش؛ فقد جسّدت – خلال السنوات الفائتة – نموذجاً صارخاً للبطش الممنهج بكل صوت صحافي مخالف، في انسجام تام مع بنيتها الفكرية والسلوكية الرافضة أي تنوع أو اختلاف.

في الواقع لم تكتفِ هذه الميليشيا بإغلاق الصحف ومصادرة المؤسسات الإعلامية، بل أيضاً ملأت سجونها بالصحافيين، في انتهاك فاضح لكل القوانين والمواثيق الدولية، بينما حوّلت ما تبقى من وسائل إعلام إلى أدوات خاضعة بالكامل لإرادتها التي لا تعرف سوى منطق السلاح والقوة.

‏التجاذب والصراع السياسي في اليمن الممتدان إلى عقود فائتة، أثّرا على واقع الإعلام وأدائه بالضرورة، وبان هذا التأثير في حالة الحراك الجنوبي السلمي الذي انطلق في 7 تموز/ يوليو 2007، ومساندته إعلامياً سواء عبر إنشاء قناة تلفزيونية تبث من الضاحية الجنوبية في لبنان أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. في حين كان أداء الإعلام الحكومي عنيفاً ضد الحراك الجنوبي وصل حد تجريمه وإحالة كثيرين ممن ينتمون إليه أو من المناصرين له، إلى المحاكمة كما حصل معي أواخر عام 2009، وهو ما يصوّر حالة التجاذب والصراع السياسي القائم آنذاك.

ومع كل التحولات الكبرى التي شهدها اليمن، بدءاً من أحداث شباط/ فبراير 2011، وصولاً إلى تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في 7 نيسان/ أبريل 2022، ظل الإعلام يتحرك كمرآة تعكس تعقيدات المشهد السياسي وتقلباته.

دعوني أقول على نحو واضح لا يحتمل اللبس: لم يعد الإعلام في اليمن مجرّد ناقل للأحداث؛ بل بات أداة في أيدي أطراف الصراع المختلفة، كلٌ يستغله وفق ما يسعى إليه، ويُعيد تشكيل خطابه بما يخدم أهدافه المتضاربة، حتى ولو تلاقت هذه الأطراف لاحقاً في كيان سلطة واحدة: مجلس القيادة الرئاسي مثالاً. في الواقع هذه الأداة، المذكورة أعلاه، تُعد دالة أكيدة تشير إلى أن الإعلام بات في السنوات الأخيرة مرآة لحالة هذا الصراع السياسي المعقّد، وفي الوقت ذاته سلاحاً مهماً لكل طرف من أطراف هذا الصراع يستغله لتحقيق أهدافه.

حرية الصحافة ليست ترفاً أو شعاراً فضفاضاً يُرفع عند الحاجة؛ بل هي جزء أصيل من أي منظومة قانونية تحترم الدولة نفسها من خلالها. هذه الحرية، عندما تُمارَس [ضمن إطار قانوني ضابط ومتسق مع بقية القوانين] التي تنظّم عمل الدولة ومؤسساتها، تصبح علامة فارقة على نضج المجتمع السياسي ووعيه بدور الإعلام. لكن في واقع هشّ كواقع اليمن، تظل حرية الصحافة دائماً تحت التهديد، إذ يجد أعداؤها – وهم كُثر – الذرائع لتقييدها، بل وسحقها تماماً، تحت يافطات مختلفة تتراوح بين الأمن القومي والدفاع عن الوحدة أو الانفصال، وصولاً إلى الهوية، بينما جوهرها الحقيقي لا يتجاوز الرغبة في الهيمنة على المجال العام وإخراس أي صوت ناقد أو مختلف.

المعركة من أجل حرية الصحافة ليست معركة تخص الصحافيين وحدهم؛ إنها معركة كل مواطن يتوق إلى دولة مدنية تحترم حقوق الإنسان وتضمن للجميع حق التعبير والنقد والمساءلة. وما لم تتغير البنية الذهنية للنخب الحاكمة والميليشيات المتحكمة في مفاصل الدولة في الجمهورية اليمنية، ستظل هذه الحرية مجرد مساحة ضيقة تُمنح حيناً وتُصادَر حيناً آخر، وفق حسابات سياسية أضيق لا علاقة لها بمفهوم الدولة المدنية الحديثة.

رنا الصبّاغ- كاتبة وصحافية أردنية | 23.05.2025

الرقص على أوجاع الغزّيين !…عندما تعطّل واشنطن وتل أبيب ديناميات الأمم المتّحدة 

أثناء كتابة هذا المقال، بدأت كوادر في الشركات الجديدة ومتعهّدون أمنيون ومرتزقة، بالوصول مع معدّاتهم إلى إسرائيل، استعداداً لدخول غزّة، وتطبيق الخطّة الإشكالية البديلة عن المسار الأممي.
05.05.2025
زمن القراءة: 3 minutes

ما لم تتغير البنية الذهنية للنخب الحاكمة والميليشيات المتحكمة في مفاصل الدولة في الجمهورية اليمنية، ستظل هذه الحرية مجرد مساحة ضيقة تُمنح حيناً وتُصادَر حيناً آخر، وفق حسابات سياسية أضيق لا علاقة لها بمفهوم الدولة المدنية الحديثة.

لطالما شكّلت حرية الصحافة هاجساً مقلقاً لكل الميليشيات المسلحة، إذ لا تخشى هذه الجماعات من شيء كما تخشى من الكلمة الحرة. وتبرز الحوثية كأوضح مثال على هذا الخوف المقنّع بالقمع الباطش؛ فقد جسّدت – خلال السنوات الفائتة – نموذجاً صارخاً للبطش الممنهج بكل صوت صحافي مخالف، في انسجام تام مع بنيتها الفكرية والسلوكية الرافضة أي تنوع أو اختلاف.

في الواقع لم تكتفِ هذه الميليشيا بإغلاق الصحف ومصادرة المؤسسات الإعلامية، بل أيضاً ملأت سجونها بالصحافيين، في انتهاك فاضح لكل القوانين والمواثيق الدولية، بينما حوّلت ما تبقى من وسائل إعلام إلى أدوات خاضعة بالكامل لإرادتها التي لا تعرف سوى منطق السلاح والقوة.

‏التجاذب والصراع السياسي في اليمن الممتدان إلى عقود فائتة، أثّرا على واقع الإعلام وأدائه بالضرورة، وبان هذا التأثير في حالة الحراك الجنوبي السلمي الذي انطلق في 7 تموز/ يوليو 2007، ومساندته إعلامياً سواء عبر إنشاء قناة تلفزيونية تبث من الضاحية الجنوبية في لبنان أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. في حين كان أداء الإعلام الحكومي عنيفاً ضد الحراك الجنوبي وصل حد تجريمه وإحالة كثيرين ممن ينتمون إليه أو من المناصرين له، إلى المحاكمة كما حصل معي أواخر عام 2009، وهو ما يصوّر حالة التجاذب والصراع السياسي القائم آنذاك.

ومع كل التحولات الكبرى التي شهدها اليمن، بدءاً من أحداث شباط/ فبراير 2011، وصولاً إلى تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في 7 نيسان/ أبريل 2022، ظل الإعلام يتحرك كمرآة تعكس تعقيدات المشهد السياسي وتقلباته.

دعوني أقول على نحو واضح لا يحتمل اللبس: لم يعد الإعلام في اليمن مجرّد ناقل للأحداث؛ بل بات أداة في أيدي أطراف الصراع المختلفة، كلٌ يستغله وفق ما يسعى إليه، ويُعيد تشكيل خطابه بما يخدم أهدافه المتضاربة، حتى ولو تلاقت هذه الأطراف لاحقاً في كيان سلطة واحدة: مجلس القيادة الرئاسي مثالاً. في الواقع هذه الأداة، المذكورة أعلاه، تُعد دالة أكيدة تشير إلى أن الإعلام بات في السنوات الأخيرة مرآة لحالة هذا الصراع السياسي المعقّد، وفي الوقت ذاته سلاحاً مهماً لكل طرف من أطراف هذا الصراع يستغله لتحقيق أهدافه.

حرية الصحافة ليست ترفاً أو شعاراً فضفاضاً يُرفع عند الحاجة؛ بل هي جزء أصيل من أي منظومة قانونية تحترم الدولة نفسها من خلالها. هذه الحرية، عندما تُمارَس [ضمن إطار قانوني ضابط ومتسق مع بقية القوانين] التي تنظّم عمل الدولة ومؤسساتها، تصبح علامة فارقة على نضج المجتمع السياسي ووعيه بدور الإعلام. لكن في واقع هشّ كواقع اليمن، تظل حرية الصحافة دائماً تحت التهديد، إذ يجد أعداؤها – وهم كُثر – الذرائع لتقييدها، بل وسحقها تماماً، تحت يافطات مختلفة تتراوح بين الأمن القومي والدفاع عن الوحدة أو الانفصال، وصولاً إلى الهوية، بينما جوهرها الحقيقي لا يتجاوز الرغبة في الهيمنة على المجال العام وإخراس أي صوت ناقد أو مختلف.

المعركة من أجل حرية الصحافة ليست معركة تخص الصحافيين وحدهم؛ إنها معركة كل مواطن يتوق إلى دولة مدنية تحترم حقوق الإنسان وتضمن للجميع حق التعبير والنقد والمساءلة. وما لم تتغير البنية الذهنية للنخب الحاكمة والميليشيات المتحكمة في مفاصل الدولة في الجمهورية اليمنية، ستظل هذه الحرية مجرد مساحة ضيقة تُمنح حيناً وتُصادَر حيناً آخر، وفق حسابات سياسية أضيق لا علاقة لها بمفهوم الدولة المدنية الحديثة.

05.05.2025
زمن القراءة: 3 minutes
|
آخر القصص
وثائق إيلي كوهين تعود إلى تل أبيب: حفظ الحقيقة أم تكريس للسلطة الاستعمارية؟
جيفري كرم - أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية | 23.05.2025
شهر على جيرة البحيرة
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 23.05.2025

اشترك بنشرتنا البريدية