fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

بيوتنا وقبور أهلنا تدمّرها إسرائيل مجدداً…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

آلاف البيوت نفتقدها نحن أبناء قرى “الحافة الأمامية”، وهي بيوت لا يقتصر فقداننا لها على ما تنام عليه من ذكريات وأحلام، إنما هي قصصنا مع قرانا، وهي أيضاً ما تبقى لنا ممن غادروا في الوقت المستقطع بين حربين وبين زمنين وبين جيلين أو أكثر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 نشر لبنان بعلبكي، قائد الأوركسترا اللبنانية، على صفحته على “فايسبوك” صورة لمنزل عائلته في بلدة عديسة الحدودية، وإلى جانب الصورة نشر شريط الفيديو الذي وزعه الجيش الإسرائيلي، والذي يظهر فيه الانفجار الهائل الذي دمر كل منازل عديسة، ومن بينها طبعاً منزل آل بعلبكي. وكتب لبنان معلقاً: “هنا كان بيت ترعرعنا فيه، بناه والدانا بأحلامهما وبحب كبير… وهنا دفنا والدينا… لا، ليس بيتاً فدى لأحد سوى هذا الوطن الحلم… نعم نعرف الفاعل ونعرف إجرامه”.  

وقبل لبنان، كانت الصديقة ندى محمد نشرت كيف أن الانفجار نفسه قد دمر قبر جدتها الذي لطالما كانت أول ما تزوره حين تقصد عديسة قادمة من بريطانيا. هذا طبعاً بالإضافة الى منزل أهلها الذي من المرجح أن الـ400 طن من المتفجرات التي كشف جيش الاحتلال أنه زرعها في عديسة، لم تبقه في مكانه.

والمرء إذ يستعرض البيوت التي من المحتمل أن تلاقي المصير نفسه من التدمير، يكتشف أن أجيالاً متعاقبة من المنازل قد تنتهي إلى أكوام من الركام. ليست المنازل التي خلفها أهلنا لنا وحدها ما تستعرضها ذاكراتنا. ففي السنوات العشرين الأخيرة، أقدم آلاف من الجنوبيين على بناء البيوت. تم ذلك في فورتي ما بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 وما بعد حرب تموز في العام 2006. هذان التاريخان، وقبلهما تواريخ حروب أخرى، كانت فواصل بين حروب ونهضات عمرانية. لكن يبدو أن حرب العام 2024 لن تكون أحد هذه الفواصل، فحجم المأساة هذه المرة يحتاج إلى مخيلة أخرى لكي نستعين بها على ما ينتظرنا بعد الحرب.

آلاف البيوت نفتقدها نحن أبناء قرى “الحافة الأمامية”، وهي بيوت لا يقتصر فقداننا لها على ما تنام عليه من ذكريات وأحلام، إنما هي قصصنا مع قرانا، وهي أيضاً ما تبقى لنا ممن غادروا في الوقت المستقطع بين حربين وبين زمنين وبين جيلين أو أكثر. منزل المربي الراحل جعفر الأمين في شقرا ليس منزل وريثه أكرم، إنما هو منزل يضم حكايات “السيد جعفر” مع أجيالٍ من تلامذة العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي، أيام كان الرجل على رأس المهمة التربوية من النبطية وصولاً إلى شقرا. قبل أيام نشر أكرم على صفحته على فايسبوك صورة المنزل مدمّراً.

المهمة إذاً ليست “اجتثاث حزب الله”، فالحزب يمكن أن يبتعد إلى شمال الليطاني، ثم يعاود لاحقاً تمدّده إلى جنوبه. ما يتم اجتثاثه اليوم هو روح المكان، والزمن الذي تشكلت خلاله هذه القرى، وأقام أهلها فيه منازلهم ومساجدهم ومدارسهم وحياتهم. 

المنازل الناجية ليست ناجية بالكامل، والحرب لم تنته بعد، ولك يا منازل في القلوب منازلَ.   

الخمسة كيلومترات التي يقول الاحتلال أنه بصدد تحويلها إلى منطقة غير قابلة للسكن وللحياة، ليست مجرد منازل تُهدم. هي أكثر من ذلك بكثير. وهي ليست منطقة مشحونة بعواطف يمكن أن تتحول إلى مجرد ذكريات. القرار الإبادي بمسح هذه القرى وتحويلها إلى منطقة عازلة غير مأهولة، إذا ما أتيح للاحتلال تنفيذه، ينطوي على قدر من الجنون، وعلى نوايا لم يسبق أن اختُبرت في الواقع. القول بأن قرى الجليل المجاورة أُفرغت في مرحلة الـ”ترانسفير” الأول في العام 1948، لا يجعل خطوة مسح الحافة الأمامية في لبنان واقعية. في الجليل، تم إحلال المستوطنين مكان المقتلعين، أما قرى “الحافة الأمامية” في لبنان، فمشروع نتانياهو يقضي بتحويلها إلى منطقة عازلة وخالية من الحياة!

تملك إسرائيل قوة تدميرية هائلة لكنها غير واقعية. لا مهمة للدمار سوى الدمار نفسه. الإبادة هنا لا تتعدى وظيفتها الانتقامية. عملية توليد متواصل للضغائن.  

وما أن تتحقق المهمة حتى تنكشف لا واقعيتها. 

ليس هذا تفاؤلاً بحتمية فشل المهمة، فالدمار الذي تسببت به والموت الذي أحدثته، سيشكلان أفقاً قاتماً، على رغم أنه مأهول بقصصنا عن بيوتنا التي دمرها الاحتلال. إسرائيل اختُبرت في هذه القرى على مدى عقود. بلدة حانين الحدودية مُسحت عن الخارطة العمرانية في العام 1978 ثم عاد أهلها إليها في العام 2000، وها هي اليوم في طريقها إلى الإبادة الثانية. أما حولا، جارة عديسة وقرينتها في الدمار، فقصتها بدأت مع مجزرة العام 1948 المستأنفة اليوم عبر عشرات الضحايا ومئات المنازل المدمرة. في شقرا بلدتي، عشرات المنازل التي دمرتها وحدات الكوماندوس الإسرائيلي في ثمانينات القرن الفائت، أعيد بناؤها، وهي اليوم أمام مصير مجهول، لا بل إن عدداً منها جرى التأكد من تدميره مجدداً.

في هذا الوقت، نواصل تقصّي مصير المنازل غير المؤكد بعد استهدافها، سبيلنا في ذلك “غوغل ماب” الذي يعطي فكرة غير دقيقة عن المنازل غير المدمرة بالكامل، فالصور ملتقطة من الفضاء ولا تكشف الأضرار في الجدران. المنازل الناجية ليست ناجية بالكامل، والحرب لم تنته بعد، ولك يا منازل في القلوب منازلَ.   

نجيب جورج عوض - باحث سوري | 21.03.2025

هيئة تحرير الشام، الطائفية، و”ميتريكس” سوريا الموازية

في سوريا الحالية الواقعية، لا يوجد خيار ولا كبسولتان ولا حتى مورفيوس: إما أن تنصاع لحقيقة هيمنة ميتريكس سوريا الافتراضية الموازية الذي أحضرته الهيئة معها من تجربة إدلب، أو عليك أن تتحول إلى ضحية وهدف مشروعين أمام خالقي الميتريكس وحراسه في سبيل ترسيخ وتحقيق هيمنة الميتريكس المذكور على الواقع.

آلاف البيوت نفتقدها نحن أبناء قرى “الحافة الأمامية”، وهي بيوت لا يقتصر فقداننا لها على ما تنام عليه من ذكريات وأحلام، إنما هي قصصنا مع قرانا، وهي أيضاً ما تبقى لنا ممن غادروا في الوقت المستقطع بين حربين وبين زمنين وبين جيلين أو أكثر.

 نشر لبنان بعلبكي، قائد الأوركسترا اللبنانية، على صفحته على “فايسبوك” صورة لمنزل عائلته في بلدة عديسة الحدودية، وإلى جانب الصورة نشر شريط الفيديو الذي وزعه الجيش الإسرائيلي، والذي يظهر فيه الانفجار الهائل الذي دمر كل منازل عديسة، ومن بينها طبعاً منزل آل بعلبكي. وكتب لبنان معلقاً: “هنا كان بيت ترعرعنا فيه، بناه والدانا بأحلامهما وبحب كبير… وهنا دفنا والدينا… لا، ليس بيتاً فدى لأحد سوى هذا الوطن الحلم… نعم نعرف الفاعل ونعرف إجرامه”.  

وقبل لبنان، كانت الصديقة ندى محمد نشرت كيف أن الانفجار نفسه قد دمر قبر جدتها الذي لطالما كانت أول ما تزوره حين تقصد عديسة قادمة من بريطانيا. هذا طبعاً بالإضافة الى منزل أهلها الذي من المرجح أن الـ400 طن من المتفجرات التي كشف جيش الاحتلال أنه زرعها في عديسة، لم تبقه في مكانه.

والمرء إذ يستعرض البيوت التي من المحتمل أن تلاقي المصير نفسه من التدمير، يكتشف أن أجيالاً متعاقبة من المنازل قد تنتهي إلى أكوام من الركام. ليست المنازل التي خلفها أهلنا لنا وحدها ما تستعرضها ذاكراتنا. ففي السنوات العشرين الأخيرة، أقدم آلاف من الجنوبيين على بناء البيوت. تم ذلك في فورتي ما بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 وما بعد حرب تموز في العام 2006. هذان التاريخان، وقبلهما تواريخ حروب أخرى، كانت فواصل بين حروب ونهضات عمرانية. لكن يبدو أن حرب العام 2024 لن تكون أحد هذه الفواصل، فحجم المأساة هذه المرة يحتاج إلى مخيلة أخرى لكي نستعين بها على ما ينتظرنا بعد الحرب.

آلاف البيوت نفتقدها نحن أبناء قرى “الحافة الأمامية”، وهي بيوت لا يقتصر فقداننا لها على ما تنام عليه من ذكريات وأحلام، إنما هي قصصنا مع قرانا، وهي أيضاً ما تبقى لنا ممن غادروا في الوقت المستقطع بين حربين وبين زمنين وبين جيلين أو أكثر. منزل المربي الراحل جعفر الأمين في شقرا ليس منزل وريثه أكرم، إنما هو منزل يضم حكايات “السيد جعفر” مع أجيالٍ من تلامذة العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي، أيام كان الرجل على رأس المهمة التربوية من النبطية وصولاً إلى شقرا. قبل أيام نشر أكرم على صفحته على فايسبوك صورة المنزل مدمّراً.

المهمة إذاً ليست “اجتثاث حزب الله”، فالحزب يمكن أن يبتعد إلى شمال الليطاني، ثم يعاود لاحقاً تمدّده إلى جنوبه. ما يتم اجتثاثه اليوم هو روح المكان، والزمن الذي تشكلت خلاله هذه القرى، وأقام أهلها فيه منازلهم ومساجدهم ومدارسهم وحياتهم. 

المنازل الناجية ليست ناجية بالكامل، والحرب لم تنته بعد، ولك يا منازل في القلوب منازلَ.   

الخمسة كيلومترات التي يقول الاحتلال أنه بصدد تحويلها إلى منطقة غير قابلة للسكن وللحياة، ليست مجرد منازل تُهدم. هي أكثر من ذلك بكثير. وهي ليست منطقة مشحونة بعواطف يمكن أن تتحول إلى مجرد ذكريات. القرار الإبادي بمسح هذه القرى وتحويلها إلى منطقة عازلة غير مأهولة، إذا ما أتيح للاحتلال تنفيذه، ينطوي على قدر من الجنون، وعلى نوايا لم يسبق أن اختُبرت في الواقع. القول بأن قرى الجليل المجاورة أُفرغت في مرحلة الـ”ترانسفير” الأول في العام 1948، لا يجعل خطوة مسح الحافة الأمامية في لبنان واقعية. في الجليل، تم إحلال المستوطنين مكان المقتلعين، أما قرى “الحافة الأمامية” في لبنان، فمشروع نتانياهو يقضي بتحويلها إلى منطقة عازلة وخالية من الحياة!

تملك إسرائيل قوة تدميرية هائلة لكنها غير واقعية. لا مهمة للدمار سوى الدمار نفسه. الإبادة هنا لا تتعدى وظيفتها الانتقامية. عملية توليد متواصل للضغائن.  

وما أن تتحقق المهمة حتى تنكشف لا واقعيتها. 

ليس هذا تفاؤلاً بحتمية فشل المهمة، فالدمار الذي تسببت به والموت الذي أحدثته، سيشكلان أفقاً قاتماً، على رغم أنه مأهول بقصصنا عن بيوتنا التي دمرها الاحتلال. إسرائيل اختُبرت في هذه القرى على مدى عقود. بلدة حانين الحدودية مُسحت عن الخارطة العمرانية في العام 1978 ثم عاد أهلها إليها في العام 2000، وها هي اليوم في طريقها إلى الإبادة الثانية. أما حولا، جارة عديسة وقرينتها في الدمار، فقصتها بدأت مع مجزرة العام 1948 المستأنفة اليوم عبر عشرات الضحايا ومئات المنازل المدمرة. في شقرا بلدتي، عشرات المنازل التي دمرتها وحدات الكوماندوس الإسرائيلي في ثمانينات القرن الفائت، أعيد بناؤها، وهي اليوم أمام مصير مجهول، لا بل إن عدداً منها جرى التأكد من تدميره مجدداً.

في هذا الوقت، نواصل تقصّي مصير المنازل غير المؤكد بعد استهدافها، سبيلنا في ذلك “غوغل ماب” الذي يعطي فكرة غير دقيقة عن المنازل غير المدمرة بالكامل، فالصور ملتقطة من الفضاء ولا تكشف الأضرار في الجدران. المنازل الناجية ليست ناجية بالكامل، والحرب لم تنته بعد، ولك يا منازل في القلوب منازلَ.   

|

اشترك بنشرتنا البريدية