fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

تجارة الموت في غزة… الجثامين رهائن حتى دفع ثمن الانتشال

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما يحدث اليوم في غزة يتجاوز حدود المعاناة الإنسانية؛ إنه استنزاف كامل للكرامة، إذ بات على الأحياء دفع المال لدفن موتاهم، وسط مجتمع دولي يكتفي بالبيانات والشجب، ولا يتحرك لوقف المقتلة في غزة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في غزة التي تعيش حرباً دموية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تتكاثر الحكايات المفجعة التي يصعب على من يعيش خارجها تصوّرها، وسط حالة من الضغط النفسي والعصبي الشديد الذي يعصف بالسكان.

 الناس هنا يقاتلون للبقاء على قيد الحياة، يبحثون عن لقمة خبز، رشفة ماء، ويحاولون بأبسط الإمكانات دفن موتاهم بكرامة وسط الدمار والمجاعة، وانتشالهم من الشوارع، لوقف نهشهم من القطط والكلاب.

الحرب المستمرة جاءت على كل شيء، إذ يتعرض القطاع لوابل مستمر من القصف اليومي والقتل، ووصلت المجاعة إلى المرحلة الخامسة، وهي الأشد وفق تقييمات المنظمات الدولية، في واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية المعاصرة.

تجارة مع الموت

ضمن القضايا الإنسانية البارزة خلال هذه الحرب، برزت ظاهرة مأساوية في غزة تمثلت بعجز الأهالي عن انتشال جثامين أبنائهم الذين قضوا بفعل القصف الإسرائيلي، نتيجة لاستهداف طواقم الإنقاذ واستمرار القتال العنيف.

في ظل هذه الكارثة، ظهرت مهنة جديدة فرضتها الظروف القاسية، إذ بات بعض الشبان يعرضون خدمات انتشال الجثث مقابل مبالغ مالية كبيرة، مستغلين عجز المؤسسات الطبية والدفاع المدني واللجنة الدولية للصليب الأحمر عن الوصول إلى المناطق الخطيرة.

هؤلاء الشبان الذين ينتشرون على أطراف المدن الحدودية والمناطق المدمرة، يطلبون ما بين 5000 شيكل (نحو 1380 دولاراً أميركياً) و7000 شيكل (نحو 1920 دولاراً أميركياً) لقاء المخاطرة بحياتهم في سبيل استعادة الجثامين من مناطق الاستهداف المباشر.

عائلة المصري كانت إحدى العائلات التي وجدت نفسها مضطرة لدفع مبلغ مالي لأحد هؤلاء الشبان لانتشال جثمان ابنهم الشهيد محمد المصري، الذي قضى في قصف إسرائيلي عنيف استهدف شمال رفح أثناء حصار المدينة.

بقي جثمان محمد ملقى على الأرض لأسبوع كامل، تنهشه الكلاب والقطط الضالة، من دون أن تتمكن طواقم الإنقاذ أو الهلال الأحمر أو حتى الصليب الأحمر من الوصول إليه بسبب خطورة المنطقة، إذ يطلق جيش الاحتلال النار مباشرة على أي شخص يحاول الاقتراب.

بعد جمع المبلغ المطلوب، تمكن الشاب المغامر من الوصول إلى الجثمان وانتشاله، ولكن الصدمة كانت كبيرة للعائلة عندما تبين أن جثة ابنهم كانت مشوهة بفعل الحيوانات الضالة، قبل أن يتم دفنه وفقاً للشريعة الإسلامية.

عائلة أبو عودة

قصة أخرى أكثر إيلاماً تتعلق بعائلة أبو عودة، التي فقدت ابنها أحمد في قصف عنيف قرب مفترق موراج شمال رفح. 

العائلة كانت تذهب يومياً إلى طريق صلاح الدين، على مقربة من مستشفى غزة الأوروبي، تتوسل للمرور نحو المنطقة الخطرة لانتشال جثمان ابنها، لكنهم كانوا في كل مرة يجبرون على العودة خوفاً من الموت بنيران الاحتلال.

في نهاية المطاف، توصلت العائلة إلى اتفاق مع أحد الشبان المنتشرين هناك، يقضي بدفع 5000 شيكل له مقابل انتشال الجثة، على أن يُدفع المبلغ فقط في حال نجاح المهمة.

ركب الشاب ومعه آخر على عربة تجرها دابة واتجها نحو موراج، لكنهما تعرضا لإطلاق نار كثيف اضطرهما للفرار من دون إتمام المهمة، ولم يحصل الشاب على أي مبلغ كما تم الاتفاق. وعلى رغم الفشل، وعد العائلة بمحاولة جديدة لإنقاذ جثة أحمد.

عائلة شحادة

في حالة ثالثة أكثر قسوة، اضطرت عائلة شحادة في مدينة خان يونس إلى دفع مبلغ 6000 شيكل لأحد الشبان مقابل استرجاع جثمان ابنهم، الذي قتل في غارة إسرائيلية شرسة خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي مدينة حمد السكنية شمال مدينة خان يونس في آذار/ مارس 2024.

تحكي العائلة أن الجثمان بقي ملقى لأكثر من 12 يوماً وسط الركام وتحت أنظار الكلاب الضالة، حتى تحلل جزء كبير منه، ولم يكن أمامهم خيار سوى التفاوض مع الشاب الذي تعهد بالقيام بالمهمة مقابل المال.

بعد محاولتين فاشلتين بسبب استهداف المنطقة، نجح الشاب أخيراً بانتشال بقايا الجثمان المتحلل تحت خطر الموت، ليُدفن في مقبرة قريبة، وسط دموع العائلة وانكسار كرامة الموتى والأحياء على حد سواء.

استهداف متعمّد للمسعفين

لا تقتصر معاناة الغزيين على فقدان أبنائهم، بل تطاول أيضاً من يحاول إنقاذهم، فالجيش الإسرائيلي لا يتورع عن استهداف طواقم الإسعاف والدفاع المدني، بدعوى أن المناطق خطرة وممنوعة.

في 30 آذار/ مارس 2024، أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني عن انتشال 14 جثماناً لطواقم إنقاذ قتلوا أثناء محاولتهم إسعاف المصابين، إذ استهدفت القوات الإسرائيلية سيارات الإسعاف على رغم وضوح علاماتها وشاراتها.

مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل أظهر سيارات الإسعاف والإطفاء وقد أُطلقت عليها النار على رغم أن أضواء الطوارئ كانت مشتعلة. 

واعترف جيش الاحتلال لاحقاً بمسؤوليته عن قتل الطواقم الإنسانية، زاعماً أنه كان “خطأً”، في جريمة أثارت استنكاراً دولياً واسعاً.

ما يحدث اليوم في غزة يتجاوز حدود المعاناة الإنسانية؛ إنه استنزاف كامل للكرامة، إذ بات على الأحياء دفع المال لدفن موتاهم، وسط مجتمع دولي يكتفي بالبيانات والشجب، ولا يتحرك لوقف المقتلة في غزة.

رنا الصبّاغ- كاتبة وصحافية أردنية | 23.05.2025

الرقص على أوجاع الغزّيين !…عندما تعطّل واشنطن وتل أبيب ديناميات الأمم المتّحدة 

أثناء كتابة هذا المقال، بدأت كوادر في الشركات الجديدة ومتعهّدون أمنيون ومرتزقة، بالوصول مع معدّاتهم إلى إسرائيل، استعداداً لدخول غزّة، وتطبيق الخطّة الإشكالية البديلة عن المسار الأممي.
28.04.2025
زمن القراءة: 4 minutes

ما يحدث اليوم في غزة يتجاوز حدود المعاناة الإنسانية؛ إنه استنزاف كامل للكرامة، إذ بات على الأحياء دفع المال لدفن موتاهم، وسط مجتمع دولي يكتفي بالبيانات والشجب، ولا يتحرك لوقف المقتلة في غزة.

في غزة التي تعيش حرباً دموية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تتكاثر الحكايات المفجعة التي يصعب على من يعيش خارجها تصوّرها، وسط حالة من الضغط النفسي والعصبي الشديد الذي يعصف بالسكان.

 الناس هنا يقاتلون للبقاء على قيد الحياة، يبحثون عن لقمة خبز، رشفة ماء، ويحاولون بأبسط الإمكانات دفن موتاهم بكرامة وسط الدمار والمجاعة، وانتشالهم من الشوارع، لوقف نهشهم من القطط والكلاب.

الحرب المستمرة جاءت على كل شيء، إذ يتعرض القطاع لوابل مستمر من القصف اليومي والقتل، ووصلت المجاعة إلى المرحلة الخامسة، وهي الأشد وفق تقييمات المنظمات الدولية، في واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية المعاصرة.

تجارة مع الموت

ضمن القضايا الإنسانية البارزة خلال هذه الحرب، برزت ظاهرة مأساوية في غزة تمثلت بعجز الأهالي عن انتشال جثامين أبنائهم الذين قضوا بفعل القصف الإسرائيلي، نتيجة لاستهداف طواقم الإنقاذ واستمرار القتال العنيف.

في ظل هذه الكارثة، ظهرت مهنة جديدة فرضتها الظروف القاسية، إذ بات بعض الشبان يعرضون خدمات انتشال الجثث مقابل مبالغ مالية كبيرة، مستغلين عجز المؤسسات الطبية والدفاع المدني واللجنة الدولية للصليب الأحمر عن الوصول إلى المناطق الخطيرة.

هؤلاء الشبان الذين ينتشرون على أطراف المدن الحدودية والمناطق المدمرة، يطلبون ما بين 5000 شيكل (نحو 1380 دولاراً أميركياً) و7000 شيكل (نحو 1920 دولاراً أميركياً) لقاء المخاطرة بحياتهم في سبيل استعادة الجثامين من مناطق الاستهداف المباشر.

عائلة المصري كانت إحدى العائلات التي وجدت نفسها مضطرة لدفع مبلغ مالي لأحد هؤلاء الشبان لانتشال جثمان ابنهم الشهيد محمد المصري، الذي قضى في قصف إسرائيلي عنيف استهدف شمال رفح أثناء حصار المدينة.

بقي جثمان محمد ملقى على الأرض لأسبوع كامل، تنهشه الكلاب والقطط الضالة، من دون أن تتمكن طواقم الإنقاذ أو الهلال الأحمر أو حتى الصليب الأحمر من الوصول إليه بسبب خطورة المنطقة، إذ يطلق جيش الاحتلال النار مباشرة على أي شخص يحاول الاقتراب.

بعد جمع المبلغ المطلوب، تمكن الشاب المغامر من الوصول إلى الجثمان وانتشاله، ولكن الصدمة كانت كبيرة للعائلة عندما تبين أن جثة ابنهم كانت مشوهة بفعل الحيوانات الضالة، قبل أن يتم دفنه وفقاً للشريعة الإسلامية.

عائلة أبو عودة

قصة أخرى أكثر إيلاماً تتعلق بعائلة أبو عودة، التي فقدت ابنها أحمد في قصف عنيف قرب مفترق موراج شمال رفح. 

العائلة كانت تذهب يومياً إلى طريق صلاح الدين، على مقربة من مستشفى غزة الأوروبي، تتوسل للمرور نحو المنطقة الخطرة لانتشال جثمان ابنها، لكنهم كانوا في كل مرة يجبرون على العودة خوفاً من الموت بنيران الاحتلال.

في نهاية المطاف، توصلت العائلة إلى اتفاق مع أحد الشبان المنتشرين هناك، يقضي بدفع 5000 شيكل له مقابل انتشال الجثة، على أن يُدفع المبلغ فقط في حال نجاح المهمة.

ركب الشاب ومعه آخر على عربة تجرها دابة واتجها نحو موراج، لكنهما تعرضا لإطلاق نار كثيف اضطرهما للفرار من دون إتمام المهمة، ولم يحصل الشاب على أي مبلغ كما تم الاتفاق. وعلى رغم الفشل، وعد العائلة بمحاولة جديدة لإنقاذ جثة أحمد.

عائلة شحادة

في حالة ثالثة أكثر قسوة، اضطرت عائلة شحادة في مدينة خان يونس إلى دفع مبلغ 6000 شيكل لأحد الشبان مقابل استرجاع جثمان ابنهم، الذي قتل في غارة إسرائيلية شرسة خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي مدينة حمد السكنية شمال مدينة خان يونس في آذار/ مارس 2024.

تحكي العائلة أن الجثمان بقي ملقى لأكثر من 12 يوماً وسط الركام وتحت أنظار الكلاب الضالة، حتى تحلل جزء كبير منه، ولم يكن أمامهم خيار سوى التفاوض مع الشاب الذي تعهد بالقيام بالمهمة مقابل المال.

بعد محاولتين فاشلتين بسبب استهداف المنطقة، نجح الشاب أخيراً بانتشال بقايا الجثمان المتحلل تحت خطر الموت، ليُدفن في مقبرة قريبة، وسط دموع العائلة وانكسار كرامة الموتى والأحياء على حد سواء.

استهداف متعمّد للمسعفين

لا تقتصر معاناة الغزيين على فقدان أبنائهم، بل تطاول أيضاً من يحاول إنقاذهم، فالجيش الإسرائيلي لا يتورع عن استهداف طواقم الإسعاف والدفاع المدني، بدعوى أن المناطق خطرة وممنوعة.

في 30 آذار/ مارس 2024، أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني عن انتشال 14 جثماناً لطواقم إنقاذ قتلوا أثناء محاولتهم إسعاف المصابين، إذ استهدفت القوات الإسرائيلية سيارات الإسعاف على رغم وضوح علاماتها وشاراتها.

مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل أظهر سيارات الإسعاف والإطفاء وقد أُطلقت عليها النار على رغم أن أضواء الطوارئ كانت مشتعلة. 

واعترف جيش الاحتلال لاحقاً بمسؤوليته عن قتل الطواقم الإنسانية، زاعماً أنه كان “خطأً”، في جريمة أثارت استنكاراً دولياً واسعاً.

ما يحدث اليوم في غزة يتجاوز حدود المعاناة الإنسانية؛ إنه استنزاف كامل للكرامة، إذ بات على الأحياء دفع المال لدفن موتاهم، وسط مجتمع دولي يكتفي بالبيانات والشجب، ولا يتحرك لوقف المقتلة في غزة.

28.04.2025
زمن القراءة: 4 minutes
|
آخر القصص
وثائق إيلي كوهين تعود إلى تل أبيب: حفظ الحقيقة أم تكريس للسلطة الاستعمارية؟
جيفري كرم - أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية | 23.05.2025
شهر على جيرة البحيرة
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 23.05.2025

اشترك بنشرتنا البريدية