اضطر موظف السلطة الفلسطينية، محمد عودة، المقيم في قطاع غزة، إلى دفع 23 في المئة من راتبه البالغ 2700 شيكل (750 دولاراً) لأحد الصرافين مقابل تسليمه هذا المبلغ بعد تحويله من حسابه البنكي إلى حساب الصراف.
عودة واحد من آلاف الغزيين الذين يتعرضون للابتزاز من صرافين وسماسرة وتجار في قطاع غزة، مقابل حصولهم على السيولة النقدية، بسبب الإغلاق شبه الكامل للمصارف والبنوك المحلية، التي تعرّض معظمها للدمار جراء القصف الإسرائيلي خلال الحرب.
انتشر تجار السيولة النقدية في قطاع غزة بعد توقف المصارف المحلية عن تقديم الخدمات المالية وتسليم السكان رواتبهم ومدخراتهم بسبب تعرّضها للتدمير الإسرائيلي، ما جعل هؤلاء التجار البديل الوحيد للحصول على الأموال.
توصّل “درج” من خلال هذا التحقيق، إلى أن الصرافين والسماسرة والتجار يحصلون على السيولة النقدية من البائعين عبر شرائها منهم، ودفع عمولة قدرها 2 في المئة على كل 100 شيكل (30 دولاراً)، أي شيكلين فقط.
يعرض تجار العمولة في قطاع غزة إعلانات عبر حسابات وهمية في مواقع التواصل الاجتماعي، توفر سيولة مالية مقابل تطبيق بنكي، مع تحديد نسبة العمولة التي وصلت في بعض الأوقات خلال الحرب إلى 30 في المئة من قيمة المبلغ المطلوب.
أكدت سلطة النقد الفلسطينية (البنك المركزي) تعرّض عدد من فروع المصارف ومقراتها للتدمير نتيجة القصف المستمر في أنحاء قطاع غزة، وتعذّر فتح ما تبقى من الفروع للقيام بعمليات السحب والإيداع في محافظات القطاع كافة.
ونتجت من إغلاق البنوك بسبب القصف في غزة، وفق بيان رسمي صادر عن سلطة النقد، أزمة غير مسبوقة في وفرة السيولة النقدية بين أيدي المواطنين وفي الأسواق، وتفاقمت مع خروج معظم أجهزة الصراف الآلي عن الخدمة.
كما أكدت سلطة النقد تعرّض مواطنين لعمليات ابتزاز ينفّذها تجار وأصحاب محلات صرافة غير مرخصة، باستخدام أجهزة الحسم المباشر في نقاط البيع أو التحويلات المالية عبر التطبيقات البنكية، إذ يستغلّ هؤلاء حاجة المواطنين إلى السيولة، ويتقاضون نسبة تصل إلى 15 في المئة على أي مبلغ يُسحب من حساب المواطن بواسطة البطاقات البلاستيكية أو الحوالة مقابل تسليمه الجزء المتبقي نقداً.
وشدّدت سلطة النقد على رفضها عمليات الابتزاز واستغلال المواطنين في ظروفهم القاسية، مؤكدة أنها تعمل على مراقبة هذه الحسابات، وستتخذ إجراءات رادعة بحق المخالفين حال التأكد من سوء استخدام حساباتهم الشخصية، لكنها تأسف لعدم قدرتها على اتخاذ إجراءات ضد من يمارس هذا السلوك خارج إشرافها المباشر.
وعلى رغم تأكيدات سلطة النقد في بيانها الصادر في آذار/ مارس الماضي، حول اتخاذ إجراءات رادعة ضد تجار السيولة، لم يرصد معدّ التحقيق أي إجراءات عقابية ضد هؤلاء، ولا تزال محلاتهم تعمل، وحساباتهم البنكية فعالة على رغم مرور عام كامل على البيان الرسمي.
يحظر القرار في القانون الفلسطيني رقم (40) لسنة 2022 بشأن ترخيص ورقابة مهنة الصرافة، على أي شخص ممارسة أعمال الصرافة من دون الحصول على ترخيص من سلطة النقد، ويُلزم كل من يرغب في ممارسة هذه الأعمال بتقديم طلب ترخيص بموجب التعليمات الصادرة بهذا الخصوص، ولا يُمنح الترخيص إلا لشركات مسجلة وفقاً لقانون الشركات النافذ.
إقرأوا أيضاً:
سرقة وابتزاز
يقول عودة: “خلال الحرب، تضاعفت أسعار السلع الأساسية كالطحين والزيت والسكر، وأصبحت العائلة المكونة من خمسة أفراد بحاجة إلى 2000 دولار شهرياً لتلبية احتياجاتها الغذائية في حال توافرها في الأسواق”.
بعد دخول الجيش الإسرائيلي محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة في كانون الأول/ ديسمبر 2025، توقف عودة عن استخدام الصراف الآلي لأحد البنوك التابعة لسلطة النقد، وأصبح يعتمد على تجار السيولة للحصول على راتبه.
يتعرّض عودة للابتزاز في كل مرة يحصل فيها على راتبه، إذ اضطر إلى دفع عمولة وصلت إلى 30 في المئة من قيمته.
يقول عودة: “أحوّل راتبي الشهري إلى الحساب البنكي لتاجر العمولة، وهو بدوره يسلمه لي نقداً بعد حسم العمولة”.
في غرب خان يونس، يضع أحد الصرافين يافطة لافتة للانتباه كُتب عليها بخط عريض: “لدينا سيولة مالية متوافرة بنسبة عمولة”.
يصطف العشرات أمام بسطة صغيرة وضعها أحد الصرافين في منتصف الطريق، حيث يقدم السيولة النقدية للراغبين بعد حسم نسبة من أموالهم.
يسعى من يقفون أمام هذه البسطة الى الحصول على رواتبهم ومدخراتهم على رغم اضطرارهم لدفع عمولات مرتفعة، في ظل عدم وجود بنوك عاملة تقدّم الخدمات المصرفية حتى بعد انتهاء الحرب.
في ذلك الطابور، تقف أرملة موظف في السلطة الفلسطينية منذ ساعات الصباح، منتظرة دورها للحصول على راتبها من أحد الصرافين.
تقول نها المصري (40 عاماً): “كل شهر أحضر إلى هذا المكان، وأنتظر من يومين إلى ثلاثة أيام حتى يصل دوري، لأستلم راتبي بعد تحويله إلى حساب الصراف الذي يحسم عمولة تصل إلى 30 في المئة”.
توضح المصري لـ”درج” أنها لا تزال تحصل على راتب زوجها الشهري عبر الصرافين على رغم انتهاء الحرب، لكن نسبة العمولة تراجعت إلى 18 في المئة، وهي لا تزال مرتفعة ومرهقة.
تصف المصري تحصيل الصرافين هذه العمولات المرتفعة بالسرقة والابتزاز، متسائلة عن دور الجهات الحكومية في غزة، وسبب عدم اتخاذها أي إجراءات عقابية ضد هؤلاء الصرافين.
من جانبه، يرى حسن علي، وهو أحد الصرافين العاملين في العمولة، أنه يقدم “خدمة كبيرة” للناس في ظل إغلاق البنوك وعدم توافر سيولة بنكية.
يقول علي لـ”درج”: “تمر عملية بيع السيولة النقدية بمراحل عدة، ولا يربح الصراف وحده العمولة المرتفعة، إذ تبدأ العملية بشراء السيولة من البائعين ودفع عمولة لهم حسب العرض والطلب، ثم نبيعها لمن يطلبها بعد التأكد من تحويله المبلغ إلى حسابي البنكي”.
يؤكد علي أنه لا يزال يعمل في منطقة معروفة في غزة بعد انتهاء الحرب، ولم يتلقّ أي إخطار من سلطة النقد أو أي جهة حكومية أو غير رسمية بإيقاف نشاطه.
إقرأوا أيضاً: