fbpx

‎تحرّك الجامعات في ظلّ إسقاطات “الممانعة” ونقيضها: من يحدّد عنوان المعركة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

اعتُقل 88 طالباً من جامعة السوربون بعد احتلالهم قاعة من قاعات جامعتهم مساندةً لغزة، ورفضاً للإبادة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي. المشهد ليس استثناءً، إذ تشهد الجامعات الأميركية اعتصامات وتحركات طلابية واسعة أدّت إلى توقيف أكثر من 1000 طالب وطالبة. وأكثر من أي وقت مضى، يتضح أننا أمام قرار سياسي بقمع كل الأصوات الرافضة للحرب، والمطالبة بإنهاء الاحتلال في غزة وفلسطين. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على الرغم من إيجابية الانتفاضة الطلابية الحاصلة، والتي تعبّر عن بداية حركة طلابية عالمية تضع القضية الفلسطينية ضمن أولوياتها، ظهرت إشكاليات واسعة لا بد من تناولها.

هذه الإشكاليات أساسها إسقاطات “غربية”، نتيجة تاريخ أوروبا المتورّطة بالهولوكوست، وأهمية المسألة اليهودية في تاريخ أوروبا المعاصر، كما تبيّن في الأسئلة المطروحة أمام الفلسطينيين المقيمين في أوروبا وأميركا الشمالية.

 من جهة أخرى، نرى إسقاطات عربية،  نتيجة احتكار أنظمة رجعية مستبدة القضية الفلسطينيّة والمتاجرة بها، وردّ سياسي وفكري على هذا الاحتكار من خلفيات مختلفة.

 من المهم إذاً، تفكيك هذه الإسقاطات وتناول الخيارات السياسية المطروحة بعيداً منها، وطرح قراءة نقدية للتحركات تؤدي إلى حسم عنوان المعركة.

القمع الخطابي والعنفي هو بحدّ ذاته ينتج عناوين كثيرة للمرحلة، لكن مهمتنا تفكيك تلك العناوين كي نحمي التحركات من صبغة سياسية تعيد إنتاج صراع “حضاري” لا يخدم الفلسطينيين، بل القوى التي تدعي حماية “حضاراتها”. 

“الأنتي-إمبريالية الجيوسياسية” كعنوان يكرّس بنى الأمر الواقع

حصل نقاش في بعض الدوائر اللبنانية والعربية بعد نشر صورة لشاب  متظاهر يحمل علم “حزب الله” في قلب جامعة برنستون. قد يصف البعض فعل كهذا “بالغباء” أو “الجهل”، نظراً الى تعقيدات “حزب الله” الكثيرة في السنوات الأخيرة.

 والبعض الآخر قد يعتبره فعلاً “شجاعاً”، نظراً الى القمع المفروض من إدارات الجامعات والشرطة المحلية، ونظراً الى إدراج “حزب الله” على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة.

‎في الواقع، تلك التوصيفات والتحاليل تدلّ على عدم فهم الواقع السياسي والثقافي الأميركي، فأدبيات داعمي “حزب الله” في جامعات “عالم الشمال” ليست بعيدة كلياً من أدبيات داعميه في لبنان.  ونحن لسنا أمام أدبيات قائمة على شجاعة أو جهل، بل على سُلّم أولويات سياسية ونهج تحليلي يحصر الصراعات العالمية بثنائيات مغلقة. 

لكن في سياق المؤسسات والأقسام الأكاديمية الأميركية، وتحديداً في الإنسانيات والعلوم الاجتماعية، ترافق هذا نهج مع تقاليد “ما بعد الاستعمار”، التي حاولت فهم العلاقات بين الدول والجماعات والحضارات، وذلك عبر نقد التجربة البحثية الاستشراقية، كما فسّرها إدوارد سعيد بكونها “نمطاً من الإسقاط الغربي على الشرق وإرادة السيطرة عليه”. 

‎على رغم الإنتاج المعرفي الغني لدراسة الإرث الثقافي الاستعماري، والموقف السياسي “الضروري” المواجه للترجمات الراهنة لهذا الإرث اليوم (كالاحتلال الإسرائيلي)، تم اعتبار الصراع بين المستعمِر والمستعمَر هو “الصراع المركزي” كجزء أساسي من فرضيات القراءة السياسية، على حساب إلغاء الصراعات الاجتماعية والثقافية الداخلية.

إلغاء التناقضات الداخلية في هذه الحالة يعني “وحدة الغرب” و”وحدة الشرق”، أي “وحدة الأطراف” و”وحدة المركز”. وفي منطقتنا، تستوجب “وحدتنا” “الحماية”، والحامي هو من يحمل السلاح ويسيطر على البنى الاجتماعية القائمة، ويوزّع الموارد والقوة أيضاً على هذا الأساس.

‎ هذه المنطلقات والفرضيات، والتي تشكل تلقائياً غطاءً أخلاقياً للتعاطف مع “حزب الله” وحلفائه، ليست “محرّمة” في تلك الأوساط، وبل قد تكون مشجّعة في بعض الأقسام والدوائر.

 وعلى رُغم القمع الذي يواجه الطلبة اليوم، نقاط الاشتباك بين الطلاب والسلطات المحلية وإدارات الجامعات هي المقاطعة وسحب الاستثمارات واحتلال مساحات جامعية، وليست الموقف من “حزب الله”. 

من الجدير بالذكر أنّ لدى داعمي النظام الإيراني في واشنطن جماعات ضغط (أو “لوبيات”) تفاوض وتناقش المسؤولين الأميركيين بشكل دوري. ولذلك، التعاطف مع “حزب الله” من موقع هذه التحركات ليس موقفاً غبياً أو شجاعاً أو حتى غريباً، بل هو قائم على نزعة فكرية لا تمانع هيمنة التيارات الرجعية والأصولية على مجتمعاتنا، بل تعيد إنتاج هذه الهيمنة بإسم الصراع المركزي الأوحد: “نزع الاستعمار”.

عنوان واقعي للتحركات: ‎ديمقراطيات “غربيّة” مأزومة

الديمقراطيات الغربية “الليبرالية” في أزمة ليست بجديدة. ففي السنوات الأخيرة، أدى صعود اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية إلى تطبيع ثقافة جديدة، وهي استخدام القانون، لا سيما الأدوات الديمقراطية التقليدية لقمع الحريات الأساسية بحجة حكم “الأكثرية”، وحق القادة المنتخبة بفعل ما تشاء وفقاً لإرادة قاعدتها الشعبية.

 بالتوازي، وتحت راية حماية الأقليات المهمّشة في مواجهة التيارات اليمينية، نرى صعوداً ليسار “هوياتي” ترتكز سياسته على استبدال نقاش قائم على السياسات العامة والنقابات والتنمية والتناقضات الاقتصادية بنقاش قائم على الهويات الثقافية والجندرية. 

ومن هنا، يرى هذا اليسار أنّ حماية تلك الفئات من “عنف” التعبير الديمقراطي الشعبي يستوجب تدخّلاً مباشراً للمؤسسات الرسمية والتعليمية لمحاسبة خطاب الكراهية، على رغم الالتباس والنقاش الحاد حول معنى “الكراهية”. 

وهذا ما يحدث اليوم في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا: طلاب معتصمون بشكل سلمي يقابَلون بممارسات بوليسية اعتباطية، توقيفات ممنهجة واتهامات بـ”معاداة السامية” والإرهاب. 

هذه الأزمة نتاج ازدواجية واضحة في “الغرب”، فمن جهة، هي صاحبة تاريخ حافل من “التدخلات” باسم الديمقراطية في بلاد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على رُغم دعمها التاريخي والحالي للأنظمة الاستبدادية والعسكرية. 

ومن جهة أخرى، “الغرب” نفسه، يتجاوز كل القوانين والمبادئ الأساسية من حق التظاهر والتجمع السلمي، لفرض سيطرته على المساحة العامة، لا سيما الجامعات.

 من هنا، نرى مشاركة مباشرة من تيارات وأحزاب يمينية وليبرالية على حدٍّ سواء، كما تبيّن في تصويت الكونغرس الأميركي على توسيع تعريف مصطلح “معاداة السامية” باتجاه محاسبة وعزل من ينتقد إسرائيل أثناء الإبادة. 

إسرائيل ليست المستفيدة الوحيدة، بل أيضاً الرجعيون بين “الغرب” و”الشرق”، وبالتحديد الأنظمة الرجعية التي تستشهد بما يحصل لتبرر ما فعلته في البلاد التي حكمتها. هذا ما فعله الخامنئي في الأسابيع الأخيرة، وهو محاولاً تبني تلك الاعتصامات والاحتجاجات القائمة. 

‎مسؤولية “نقيض الممانعة” وسط تحوّل جيلي جديد

‎في ظلّ الحرب الإسرائيلية في جنوب لبنان، وإصرار “حزب الله” ومثقّفيه على احتكار تصنيفات “الوطنية” و”الخيانة” و”العمالة”، والذي ترافق مع مسرحٍ جديدٍ من الاغتيالات والعنف المجتمعي، أولوية “نقيض الممانعة” هي مواجهة الاحتكار. وكلّ ما “يشبه حزب الله”، من منظور هذا النقيض، قد يكون “خطراً” على تلك المواجهة.

‎لكننا نطرح حقيقة اجتماعية بسيطة وسط العاصفة: ذلك الشاب “المتحمّس” الذي وُلد في عام 2006، ويدخل الجامعة اليوم، قد لا يعرف “سياسة” غير سياسة “ما بعد 7 تشرين الأول أكتوبر”، أي سياسة محورها تلك الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة،  فلحظة “17 تشرين” تبدو بعيدة، ولحظة “14 آذار” أصبحت غائبة.

‎من مسؤولية “نقيض الممانعة” الانضمام إلى حملات التضامن والضغط العالمية لمواجهة الإبادة التي تشنّها إسرائيل. ومن مسؤولية “نقيض الممانعة” الاستراتيجية طرح خارطة طريق من أولوياتها إعادة تفسير مواجهتنا مع الاستعمار المعاصر، وإعادة طرح العنوان المناسب لتلك التحركات: (1) مواجهة لا تلغي التناقضات الاجتماعية الداخلية، لا سيما في وجه من يعسكر حياتنا اليومية في لبنان وسوريا والعراق وإيران، (2) مواجهة تبني وتبحث عن بديلٍ عن الإسلام السياسي والقومية الشوفينية والاستبدادية. ومن يعتقد أنّ تجاهل القضية هو حلّ جدّي يلغي نفسه من المعادلة.

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 11.10.2024

ضغط عسكري على الشمال ومجازر في جنوبه… عدوان “إسرائيل” في غزة لا يتوقّف

يمارس الجيش الإسرائيلي ضغطاً عسكرياً على سكان المخيم بهدف دفعهم إلى النزوح لجنوب القطاع، تنفيذاً لما يُعرف بخطة "الجنرالات" التي وضعها اللواء الإسرائيلي المتقاعد غيورا إيلاند، والهادفة إلى إجلاء المدنيين بعد حصار محكم.
10.05.2024
زمن القراءة: 5 minutes

اعتُقل 88 طالباً من جامعة السوربون بعد احتلالهم قاعة من قاعات جامعتهم مساندةً لغزة، ورفضاً للإبادة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي. المشهد ليس استثناءً، إذ تشهد الجامعات الأميركية اعتصامات وتحركات طلابية واسعة أدّت إلى توقيف أكثر من 1000 طالب وطالبة. وأكثر من أي وقت مضى، يتضح أننا أمام قرار سياسي بقمع كل الأصوات الرافضة للحرب، والمطالبة بإنهاء الاحتلال في غزة وفلسطين. 

على الرغم من إيجابية الانتفاضة الطلابية الحاصلة، والتي تعبّر عن بداية حركة طلابية عالمية تضع القضية الفلسطينية ضمن أولوياتها، ظهرت إشكاليات واسعة لا بد من تناولها.

هذه الإشكاليات أساسها إسقاطات “غربية”، نتيجة تاريخ أوروبا المتورّطة بالهولوكوست، وأهمية المسألة اليهودية في تاريخ أوروبا المعاصر، كما تبيّن في الأسئلة المطروحة أمام الفلسطينيين المقيمين في أوروبا وأميركا الشمالية.

 من جهة أخرى، نرى إسقاطات عربية،  نتيجة احتكار أنظمة رجعية مستبدة القضية الفلسطينيّة والمتاجرة بها، وردّ سياسي وفكري على هذا الاحتكار من خلفيات مختلفة.

 من المهم إذاً، تفكيك هذه الإسقاطات وتناول الخيارات السياسية المطروحة بعيداً منها، وطرح قراءة نقدية للتحركات تؤدي إلى حسم عنوان المعركة.

القمع الخطابي والعنفي هو بحدّ ذاته ينتج عناوين كثيرة للمرحلة، لكن مهمتنا تفكيك تلك العناوين كي نحمي التحركات من صبغة سياسية تعيد إنتاج صراع “حضاري” لا يخدم الفلسطينيين، بل القوى التي تدعي حماية “حضاراتها”. 

“الأنتي-إمبريالية الجيوسياسية” كعنوان يكرّس بنى الأمر الواقع

حصل نقاش في بعض الدوائر اللبنانية والعربية بعد نشر صورة لشاب  متظاهر يحمل علم “حزب الله” في قلب جامعة برنستون. قد يصف البعض فعل كهذا “بالغباء” أو “الجهل”، نظراً الى تعقيدات “حزب الله” الكثيرة في السنوات الأخيرة.

 والبعض الآخر قد يعتبره فعلاً “شجاعاً”، نظراً الى القمع المفروض من إدارات الجامعات والشرطة المحلية، ونظراً الى إدراج “حزب الله” على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة.

‎في الواقع، تلك التوصيفات والتحاليل تدلّ على عدم فهم الواقع السياسي والثقافي الأميركي، فأدبيات داعمي “حزب الله” في جامعات “عالم الشمال” ليست بعيدة كلياً من أدبيات داعميه في لبنان.  ونحن لسنا أمام أدبيات قائمة على شجاعة أو جهل، بل على سُلّم أولويات سياسية ونهج تحليلي يحصر الصراعات العالمية بثنائيات مغلقة. 

لكن في سياق المؤسسات والأقسام الأكاديمية الأميركية، وتحديداً في الإنسانيات والعلوم الاجتماعية، ترافق هذا نهج مع تقاليد “ما بعد الاستعمار”، التي حاولت فهم العلاقات بين الدول والجماعات والحضارات، وذلك عبر نقد التجربة البحثية الاستشراقية، كما فسّرها إدوارد سعيد بكونها “نمطاً من الإسقاط الغربي على الشرق وإرادة السيطرة عليه”. 

‎على رغم الإنتاج المعرفي الغني لدراسة الإرث الثقافي الاستعماري، والموقف السياسي “الضروري” المواجه للترجمات الراهنة لهذا الإرث اليوم (كالاحتلال الإسرائيلي)، تم اعتبار الصراع بين المستعمِر والمستعمَر هو “الصراع المركزي” كجزء أساسي من فرضيات القراءة السياسية، على حساب إلغاء الصراعات الاجتماعية والثقافية الداخلية.

إلغاء التناقضات الداخلية في هذه الحالة يعني “وحدة الغرب” و”وحدة الشرق”، أي “وحدة الأطراف” و”وحدة المركز”. وفي منطقتنا، تستوجب “وحدتنا” “الحماية”، والحامي هو من يحمل السلاح ويسيطر على البنى الاجتماعية القائمة، ويوزّع الموارد والقوة أيضاً على هذا الأساس.

‎ هذه المنطلقات والفرضيات، والتي تشكل تلقائياً غطاءً أخلاقياً للتعاطف مع “حزب الله” وحلفائه، ليست “محرّمة” في تلك الأوساط، وبل قد تكون مشجّعة في بعض الأقسام والدوائر.

 وعلى رُغم القمع الذي يواجه الطلبة اليوم، نقاط الاشتباك بين الطلاب والسلطات المحلية وإدارات الجامعات هي المقاطعة وسحب الاستثمارات واحتلال مساحات جامعية، وليست الموقف من “حزب الله”. 

من الجدير بالذكر أنّ لدى داعمي النظام الإيراني في واشنطن جماعات ضغط (أو “لوبيات”) تفاوض وتناقش المسؤولين الأميركيين بشكل دوري. ولذلك، التعاطف مع “حزب الله” من موقع هذه التحركات ليس موقفاً غبياً أو شجاعاً أو حتى غريباً، بل هو قائم على نزعة فكرية لا تمانع هيمنة التيارات الرجعية والأصولية على مجتمعاتنا، بل تعيد إنتاج هذه الهيمنة بإسم الصراع المركزي الأوحد: “نزع الاستعمار”.

عنوان واقعي للتحركات: ‎ديمقراطيات “غربيّة” مأزومة

الديمقراطيات الغربية “الليبرالية” في أزمة ليست بجديدة. ففي السنوات الأخيرة، أدى صعود اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية إلى تطبيع ثقافة جديدة، وهي استخدام القانون، لا سيما الأدوات الديمقراطية التقليدية لقمع الحريات الأساسية بحجة حكم “الأكثرية”، وحق القادة المنتخبة بفعل ما تشاء وفقاً لإرادة قاعدتها الشعبية.

 بالتوازي، وتحت راية حماية الأقليات المهمّشة في مواجهة التيارات اليمينية، نرى صعوداً ليسار “هوياتي” ترتكز سياسته على استبدال نقاش قائم على السياسات العامة والنقابات والتنمية والتناقضات الاقتصادية بنقاش قائم على الهويات الثقافية والجندرية. 

ومن هنا، يرى هذا اليسار أنّ حماية تلك الفئات من “عنف” التعبير الديمقراطي الشعبي يستوجب تدخّلاً مباشراً للمؤسسات الرسمية والتعليمية لمحاسبة خطاب الكراهية، على رغم الالتباس والنقاش الحاد حول معنى “الكراهية”. 

وهذا ما يحدث اليوم في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا: طلاب معتصمون بشكل سلمي يقابَلون بممارسات بوليسية اعتباطية، توقيفات ممنهجة واتهامات بـ”معاداة السامية” والإرهاب. 

هذه الأزمة نتاج ازدواجية واضحة في “الغرب”، فمن جهة، هي صاحبة تاريخ حافل من “التدخلات” باسم الديمقراطية في بلاد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على رُغم دعمها التاريخي والحالي للأنظمة الاستبدادية والعسكرية. 

ومن جهة أخرى، “الغرب” نفسه، يتجاوز كل القوانين والمبادئ الأساسية من حق التظاهر والتجمع السلمي، لفرض سيطرته على المساحة العامة، لا سيما الجامعات.

 من هنا، نرى مشاركة مباشرة من تيارات وأحزاب يمينية وليبرالية على حدٍّ سواء، كما تبيّن في تصويت الكونغرس الأميركي على توسيع تعريف مصطلح “معاداة السامية” باتجاه محاسبة وعزل من ينتقد إسرائيل أثناء الإبادة. 

إسرائيل ليست المستفيدة الوحيدة، بل أيضاً الرجعيون بين “الغرب” و”الشرق”، وبالتحديد الأنظمة الرجعية التي تستشهد بما يحصل لتبرر ما فعلته في البلاد التي حكمتها. هذا ما فعله الخامنئي في الأسابيع الأخيرة، وهو محاولاً تبني تلك الاعتصامات والاحتجاجات القائمة. 

‎مسؤولية “نقيض الممانعة” وسط تحوّل جيلي جديد

‎في ظلّ الحرب الإسرائيلية في جنوب لبنان، وإصرار “حزب الله” ومثقّفيه على احتكار تصنيفات “الوطنية” و”الخيانة” و”العمالة”، والذي ترافق مع مسرحٍ جديدٍ من الاغتيالات والعنف المجتمعي، أولوية “نقيض الممانعة” هي مواجهة الاحتكار. وكلّ ما “يشبه حزب الله”، من منظور هذا النقيض، قد يكون “خطراً” على تلك المواجهة.

‎لكننا نطرح حقيقة اجتماعية بسيطة وسط العاصفة: ذلك الشاب “المتحمّس” الذي وُلد في عام 2006، ويدخل الجامعة اليوم، قد لا يعرف “سياسة” غير سياسة “ما بعد 7 تشرين الأول أكتوبر”، أي سياسة محورها تلك الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة،  فلحظة “17 تشرين” تبدو بعيدة، ولحظة “14 آذار” أصبحت غائبة.

‎من مسؤولية “نقيض الممانعة” الانضمام إلى حملات التضامن والضغط العالمية لمواجهة الإبادة التي تشنّها إسرائيل. ومن مسؤولية “نقيض الممانعة” الاستراتيجية طرح خارطة طريق من أولوياتها إعادة تفسير مواجهتنا مع الاستعمار المعاصر، وإعادة طرح العنوان المناسب لتلك التحركات: (1) مواجهة لا تلغي التناقضات الاجتماعية الداخلية، لا سيما في وجه من يعسكر حياتنا اليومية في لبنان وسوريا والعراق وإيران، (2) مواجهة تبني وتبحث عن بديلٍ عن الإسلام السياسي والقومية الشوفينية والاستبدادية. ومن يعتقد أنّ تجاهل القضية هو حلّ جدّي يلغي نفسه من المعادلة.