على مدار أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، تعمل عشرات المصافي النفطية غير الرسمية بحرية مطلقة خلف أستار مسؤولين وقيادات حزبية وسياسية بارزة في كردستان العراق، وهي تفتقرُ إلى أبرز شروط السلامة والحفاظ على البيئة، وتتسبّب بتلوث البيئة بالسموم التي تطرحها…
إلا أن تحقيقاً استقصائياً نُشر في “درج” بعنوان “مصافي نفط بدائيّة لمتنفّذين في كردستان العراق تضاعف الإصابات السرطانيّة”، استطاع أن يُعرض تلك المصافي للمساءلة والإقفال بعد كشفه الفضائح المتعلقة بعملها ورفع الغطاء عن مخالفاتها للقوانين والأضرار التي تسببها للإنسان خصوصاً والبيئة عموماً.
التحقيق عرّض الجهات الحكومية إلى انتقادات من ناشطين ومنظمات معنية بالبيئة ووسائل إعلام، ودفعها إلى كسر الصمت والخروج بقرارات إقفال لعشرات من هذه المصافي.
ويكشف التحقيق أنه ظهرت في إقليم كردستان مئات المصافي النفطية المتوسطة والصغيرة، خلال السنوات الماضية، الى جانب المصافي الكبيرة المملوكة لمتنفّذين في الأحزاب الحاكمة، والتي يقدر برلمانيون سابقون عددها حالياً بأكثر من 200 مصفاة.
نُشر التحقيق بنسخته الإنكليزية أيضاً على “درج”، ونُشر باللغة الكردية على منصة “دره و” الكردية، وكشف أن معظم تلك المصافي تعمل من دون رخص قانونية رسمية، لكنها تشتري النفط من حكومة كردستان وتكرّره بطرق بدائية لا تلتزم بمواصفات الإنتاج العالمية حتى في حدّها الأدنى، ولا تطبق شروط الصحة والسلامة العامة، لا من حيث الموقع الجغرافي ولا من حيث طريقة العمل.
وعلى الرغم من توالي القرارات الحكومية بإزالة تلك المصافي غير القانونية وإغلاقها لما تشكّله منتوجاتها من تهديد لحياة الإنسان وأضرار بيئية تصعب معالجتها، إلا أن الجهات التي تدير تلك المصافي نجحت في تعطيل كل القرارات الحكومية، وأثبتت أنها أقوى من قرارات الوزارات والمؤسسات المعنية.
وبعد الضجة التي أحدثها التحقيق، خرج كثيرون من المسؤولين الحكوميين والمحليين في كردستان وكشفوا عن اتخاذ قرارات وإجراءات عاجلة لإيقاف تلك المصافي عن العمل، أبرزها محافظ أربيل أوميد خوشنار الذي قال في مؤتمر صحافي في 4 آب/ أغسطس الماضي، إنه “سيتم إغلاق 138 مصفاة غير رسمية تعمل في أربيل”. فيما كشف مسؤولون آخرون عن إصدار رئيس حكومة كردستان قراراً بغلق نحو 160 مصفاة غير رسمية في مناطق محافظتي أربيل ودهوك.
التحقيق أثار اهتمام مؤسسات إعلامية كردية وعراقية عدة، فدفعها الى التواصل مع معدّ التحقيق الصحافي الاستقصائي صلاح حسن بابان للحديث عن التحقيق الذي استغرق العمل عليه أكثر من عام، فضلاً عن تلقّيه دعوةً رسمية لإلقاء محاضرتين في جامعتين عراقيتين في العاصمة بغداد حول التحقيق، لا سيما عن حصوله على الوثائق التي تدين السلطات الكردية وتكشف تجاهل قرارات حكومية نصّت على ضرورة إغلاق تلك المصافي من دون أن تُنفذ أياً من تلك القرارات بسبب عائدية المصافي غير الرسمية لمسؤولين وقيادات سياسية وحزبية في كردستان ومن هرم السلطة فيها تحديداً.
والجدير بالذكر أن التحقيق أُنجز تحت إشراف شبكة “نيريج” للصحافة الاستقصائية ضمن مشروع قريب المدعوم من CFI.