قرار وزارة الداخلية اللبنانية، ترحيل معارضين بحرينيين بعد عقدهم مؤتمراً صحافياً في بيروت حول قضايا حقوق الإنسان في بلدهم، أثار جدلاً وانقساماً، فالبعض وجد في القرار، انقلاباً على دور بيروت كعاصمة غالباً ما احتضنت المعارضين السياسيين العرب ومنحتهم منابر للتعبير عن رأيهم، مؤكداً مبدأ رفض ترحيل أي معارض. والبعض الآخر، الذي أيد القرار، اعتبر أن جمعية “الوفاق”، يستخدمها “حزب الله” كأداة، ضد خصومه الخليجيين، والمسألة لا علاقة لها بحرية التعبير، فيما اتجه آخرون إلى منحى تركيب موقف ثالث، يرفض الترحيل والاستثمار السياسي بالمعارضين، في الآن ذاته.
غير أن هذا النقاش، بدا، وكأنه بلا أرضية، فبيروت التي يدافع البعض عن دورها في احتضان المعارضين، في إحالة إلى الستينات والسبعينات، ما لبثت بفعل انقسام الحرب الأهلية أن اختصرت بشقها الغربي في ما يتعلق، باحتضان مثقفين ونشطاء سياسيين، ليسوا فقط معترضين على أنظمة الحكم في بلادهم، بل هم مؤيدون بشدة للمقاومة الفلسطينية. بمعنى، أن بيروت الحاضنة للمعارضين، باتت، جزءاً من الانقسام الأهلي، الذي سيحكم لاحقاً، لا سيما بعد مقتل رئيس الحكومة رفيق الحريري، حركة استيعاب المعارضين. فآنذاك، حاولت قوى 14 آذار، استخدام معارضين سوريين ضد النظام في دمشق، ولاحقاً عند اندلاع الثورة، شكلت بيئات الأحزاب المعارضة للنظام، ملاذاً للنشطاء والمعارضين. إذ كان، من المستحيل، أن تجد معارضاً سورياً ينشط في الضاحية الجنوبية، معقل “حزب الله”.
من هنا، فإن استقبال بيروت للمعارضين العرب، لم يعد كما في السابق، انطلاقاً من دور مضاد للمحيط الاستبدادي والقمعي، بل بات، على قاعدة الانقسام الأهلي والسياسي، وكذلك الاستثمار بقوى معارضة لتحقيق أجندات.
غير أن “حزب الله”، في استضافته جمعية “الوفاق” لا يبدو، امتداداً لهذا التحول في دور بيروت، هو يضيف إليه، من هويته الحربية، فيخرجه عن السياسة، ويأخذه إلى العسكرة، بفعل دوره المهدد، كما يُتهم، لعدد من بلدان الخليج، لا سيما تدريب الحوثيين. أي أن “المقاومة” لا تستقبل معارضين سياسيين فقط، بل ترسل مقاتلين، وحركة الذهاب والإياب تلك، ليس استخدام معارضين للنيل من الخصوم، على طريقة 14 آذار، وإنما هي تنسيق أدوار داخل محور “المقاومة”. الحزب يتعامل مع استضافة مؤتمر لمعارضين يتحدثون عن انتهاكات حقوق الإنسان في بلدهم، تماماً كما يتعامل، مع إرسال مقاتلين لغزو القصير السورية، ما يجعل حرية التعبير موازية لنصرة نظام مجاور يقمع شعبه. فتفرّغ هذه القيمة من معناها، وتدرج في البرنامج العسكري للحزب.
ليست “حرية التعبير” وحدها ما يتم امتصاصه وإعادة إنتاجه عسكرياً، من قبل الحزب، القضاء الذي غالباً ما رفضت “المقاومة” التعامل معه ونبذته، تستخدمه الآن لترهيب نائب سابق اتهمها بتفجير مرفأ بيروت. البرلمان والتشريع والبيانات الوزارية، كلها أدوات، ينهي الحزب وظائفها، ويجيرها لمصلحة سلاحه، وتسهيل مهماته الإقليمية.
المعارضون البحرينيون، وجدوا، هامشاً في بيروت، في ظل الحصار العربي لهم ولقضيتهم، غير أن “حرية التعبير” التي استفادوا منها هي جزء من آلة “حزب الله” العسكرية، وليست، قيمة تؤمنها العاصمة اللبنانية لضيوفها انطلاقاً من دورها السابق، هذا التمييز ضروري جداً، ليكون أرضية لرفض ترحيل هؤلاء المعارضين، بحيث، يكون هذا الموقف، مقدمة لاستعادة قيمة “حرية التعبير” من ميليشيا مسلحة. بلغة أخرى، السماح لأي معارض بالتعبير عن رأيه في بيروت، انطلاقاً من قيمة حرية التعبير نفسها، وليس كنتيجة لابتلاعها من قبل الحزب. تأكيد حق المعارضين البحرينيين، بأن ينشطوا في بيروت، وعدم ترحيلهم، يوازي فصل “حرية التعبير” عن استخدامها المليشيوي.
والأرجح، أن الحزب، سيستفيد من استخدام أدبيات دور بيروت التاريخي في احتضان المعارضين، والذي ظهر في عدد من الكتابات رفضاً لخطوة الترحيل، لمواصلة نشاطه، وهو يفرغ “حرية التعبير” من معناها، في إخلاص تام لعالمه العقائدي، النابذ لكل ما يمت بصلة لمفردات الحداثة السياسية.
إقرأوا أيضاً: