fbpx

“تسقط بس”… شعار يختصر ثورة السودانيين!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ربما وجد كثيرون خارج السودان استعصاء في فهم جملة “تسقط بس”متصدِرة بذلك على مضمون أي رأي. فالشعار مثَّل مجازاً مكثفاً لهوية حصرية اختار بها الشعب التعريف الحالي عن نظام الإنقاذ؛ تعريفاً لا ينفك عنه إلا حال سقوطه فحسب!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
الرئيس السوداني عمر البشير

“تسقط بس”؛ شعار بسيط، إلا أنه اختزن في دلالته تأويلات ثورية وسياسية وشعبية كثيرة.

انتشاره في “فيسبوك” و”توتير” (حيث أصبح الهاشتاغ الأكثر تداولاً)، تتمة لازمة لنهاية أي كلام، في منشورات السودانيين في تلك الوسائط الرقمية، التي تعبر عن حزمة واسعة من الإحالات الشخصية والاجتماعية والسياسية والنفسية وحتى الكوميدية؛ بدا لكثيرين بمثابة قناعة لا تتزحزح ليقين عام في أوساط الشعب السوداني، بوجوب إسقاط نظام البشير في السودان، مرةً وإلى الأبد، من دون أي جدال، وبلا أدنى شك في صحة الشعار.

وإذا وجد كثيرون، خارج السودان، استعصاء على فهم جملة “تسقط بس”، في تعبيرها عن وثوقية معلنة للشعار، ومتصدِرة بذلك على مضمون أي رأي (ولو من باب الاختلاف جدلاً)، فالشعار، مثَّل مجازاً مكثفاً لهوية حصرية اختار بها الشعب التعريف الحالي عن نظام الإنقاذ؛ تعريفاً لا ينفك عنه إلا حال سقوطه فحسب!  

إن كثافة الشعار هي الطاقة الأكثر تعبيراً عن مخزون صافٍ للغضب والحزن والمرارة؛ تشكل عبر طبقات وأزمنة مديدة في نفوس السودانيين حتى أصبح ثأراً شخصياً لكرامة كل مواطن سوداني؛ وهو ثأر لا تتم تصفيته إلا بسقوط هذا النظام.

الشعار هنا لا يحتاج التعبير فيه إلى تفسير، ولا إلى تفصيل، بل ولا حتى إلى استدراك؛ لأنه بات في حكم المعروف الذي لا يُعرَّف، ما يعني أن الإزاحة الواجبة لهذا النظام هي دالته التعريفية الحصرية الآن وهنا.

قد لا يجيد المواطنون السودانيون التعبير عن تفاصيل ممارسات نظام كرَّس باستمرار يوميات حياة كئيبة استمرت 30 سنة؛ لكنهم يدركون تماماً الآثار الفادحة لذلك المخزون القاسي، وما أسفر عنه من تسميم (كلمة تسميم هنا أصدق وصف لتلك الحياة) لحياتهم اليومية البسيطة بأكلاف باهظة، تعين عليهم دفع أثمانها فقط من أجل رعونة هذا النظام وإجرامه وخياله الأيديولوجي الرث!

ما حدث للسودانيين على يد هذا النظام، لا تمكن مقارنته بأي تعبير لممارسات وسياسات حكومية في المنطقة التي شملها الربيع العربي منذ بداية عام 2011. فالنظام الذي جاء به الإسلام السياسي (بتدبير من حسن الترابي) عبر انقلاب عسكري على نظام ديموقراطي منتخب (حكومة الصادق المهدي) عام 1989؛ كان بمثابة بلاء عسير لا طاقة للسودانيين (ولا لغيرهم) لتحمله في دينهم ودنياهم.

فمن ناحية؛ خُدع الشعب بالشعارات الإسلاموية وآثر الصبر عليها لأكثر من ربع قرن، لأنه شعب متدين بفطرته. ومن ناحية ثانية؛ كان ما سمي، آنذاك، “المشروع الحضاري”، كان في الواقع يستهدف إدخال السودانيين في (الإسلام السياسي) عبر وصفة سمَّمت حياتهم، فأصبحت طريقاً ملكياً لخراب؛ نجمت عنه: حرب دينية ضد المواطنين السودانيين في الجنوب أدت إلى تقسيم الوطن. وتلتها حروب أهلية في الشرق، ودارفور، والنيل الأزرق، وجبال النوبة. إلى جانب انتشار الفساد، وما نتج عنه من تطبيقات مضللة لمفهوم “التمكين” الذي كان تخصيصاً للدولة والمجال العام على مقاس حزبهم من ناحية، وإحلالاً لأهل الثقة والولاء محل أهل الكفاءة والخبرة من ناحية أخرى، ما أدى إلى هجرة كفاءات سودانية خارج البلاد.  

وهكذا أصبح “المشروع الحضاري” الذي أطلقه حسن الترابي واستهدف منه: إعادة صياغة جديدة لحياة السودانيين؛ من حياة “جاهلية” إلى حياة “إسلامية”، مسخاً شمل تعبيرات كثيرة في المجال العام جرّاء ممارسات سلطة الإسلام السياسي، تعليماً، واقتصاداً وسياسةً على مدى 30 عاماً.

ولأن زعم “المشروع الحضاري” زعم إيديولوجي هدفه السلطة العارية؛ كانت نتائجه: خراب عمودي وأفقي أعطب حياةً عامةً انعكست عليها الأثمان الباهظة لممارسات النظام ونجمت عنها؛ مقاطعة أميركية ودولية دامت ربع قرن، وأدت إلى خراب مشاريع وطنية عملاقة؛ مثل: مشروع الجزيرة – السكك الحديدية – الخطوط الجوية وغيرها، إضافة إلى إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب.

لقد كانت مضاعفات الخراب الممارس في تطبيقات النظام مضطردة باستمرار، ومنعكسة على حياة الشعب السوداني.

وهكذا كان الخراب يتجذر مع؛ استضافة الإرهابيين (من أمثال بن لادن، وكارلوس)، والقيام بجرائم إرهابية خطيرة كمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك عام 1995، من دون أدنى تقدير لعواقبها وكلفتها على حياة الشعب الذي تعين عليه، وحده، دفع الثمن؛ حتى وصلت تناقضات الطبيعة الانشقاقية لبنية الإسلام السياسي إلى حالة الافتراق الذي حدث عام 1999 بين الترابي والبشير؛ ما أدى في النهاية ، مع أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، إلى تحول النظام سلطةً عارية فاسدة تستهدف الكسب واللعب على ألعاب الوقت والتناقضات وبيع الذمم، مع رفع شعارات إسلاموية كاذبة أصبحت لازمة ممجوجة!

وبإصدار مذكرة اعتقال لرأس النظام من المحكمة الجنائية الدولية على خلفية جرائم الإبادة الجماعية للحرب الأهلية في دارفور ابتداءً عام 2003، ثم انفصال الجنوب وذهاب البترول معه عام 2011؛ أصبحت كلفة تحمل هذا النظام عاليةً ومضاعفة الأثمان على حياة الشعب السوداني التي من مظاهر الحد الأدنى للعيش الإنساني السويّ.

وبعدما أصبح السودان مسرح الجريمة الكاملة للإسلام السياسي على مدى 30 عاماً؛ ينتفض الشعب السوداني اليوم ويثور على نظام الدكتاتور عمر البشير تحت شعار ” تسقط بس”.

وعلى خلفية تلك المرارات التي استمرت 30 عاماً؛ لا يتحدث السودانيون اليوم عن حكومة البشر إلا بهذا الشعار/ اللازمة: (تسقط بس) كتكثيف مجازي لما لا يمكن قوله في ما حدث على مدى 30 عاماً من خراب.

وحين يبلغ الشعب مبلغاً ساخراً يطرد الخوف تماماً لدرجة تجعله يطلق نكاتاً وسخريات صغيرة من النظام، عبر تحويل ما هو موضوعي إلى ذاتي؛ فهذا يعني أن نظام البشير سقط في نظر السودانيين وقلوبهم ولم يتبقَّ له إلا السقوط المادي. وفي ما يلي نماذج لمقولات ساخرة، بالعامية السودانية، تعبر عن ذلك الشعار وتوظفه ليكون مقولة يومية تأتي في خاتمة الكلام ذاتياً كان أو موضوعياً:  

“حكومة تخَّلي العسكري يخربشني وزي البت الشلّبوها: (أي التي خُطف زوجها من امرأة أخرى) تسقط بس”.

“حكومة تسرق شباشب (الأحذية المنزلية) الشعب: تسقط بس”.

“حكومة تخليك تصرف على جكسويتك ” حبيبتك ” وتحبها وتحصّنها وتعمل ليها رقية شرعيّة بالتلفون وبعد دا يجي “مغترب” كعريس جاهز يشيلها منك بسبب فارق الوضع الاقتصادي: تسقط بس”.

“حكومة تخلي حبوبه (الجدة) تقول لي في نهاية كل مكالمة: تفتكر حنشوف بعض تاني؟ تسقط بس”.

“حكومة خلت الاندومي (أكلة إندونيسية شعبية رخيصة) من ٣ جنيه لي ١٥ جنيه تسقط بس”.

 

11.02.2019
زمن القراءة: 5 minutes

ربما وجد كثيرون خارج السودان استعصاء في فهم جملة “تسقط بس”متصدِرة بذلك على مضمون أي رأي. فالشعار مثَّل مجازاً مكثفاً لهوية حصرية اختار بها الشعب التعريف الحالي عن نظام الإنقاذ؛ تعريفاً لا ينفك عنه إلا حال سقوطه فحسب!

الرئيس السوداني عمر البشير

“تسقط بس”؛ شعار بسيط، إلا أنه اختزن في دلالته تأويلات ثورية وسياسية وشعبية كثيرة.

انتشاره في “فيسبوك” و”توتير” (حيث أصبح الهاشتاغ الأكثر تداولاً)، تتمة لازمة لنهاية أي كلام، في منشورات السودانيين في تلك الوسائط الرقمية، التي تعبر عن حزمة واسعة من الإحالات الشخصية والاجتماعية والسياسية والنفسية وحتى الكوميدية؛ بدا لكثيرين بمثابة قناعة لا تتزحزح ليقين عام في أوساط الشعب السوداني، بوجوب إسقاط نظام البشير في السودان، مرةً وإلى الأبد، من دون أي جدال، وبلا أدنى شك في صحة الشعار.

وإذا وجد كثيرون، خارج السودان، استعصاء على فهم جملة “تسقط بس”، في تعبيرها عن وثوقية معلنة للشعار، ومتصدِرة بذلك على مضمون أي رأي (ولو من باب الاختلاف جدلاً)، فالشعار، مثَّل مجازاً مكثفاً لهوية حصرية اختار بها الشعب التعريف الحالي عن نظام الإنقاذ؛ تعريفاً لا ينفك عنه إلا حال سقوطه فحسب!  

إن كثافة الشعار هي الطاقة الأكثر تعبيراً عن مخزون صافٍ للغضب والحزن والمرارة؛ تشكل عبر طبقات وأزمنة مديدة في نفوس السودانيين حتى أصبح ثأراً شخصياً لكرامة كل مواطن سوداني؛ وهو ثأر لا تتم تصفيته إلا بسقوط هذا النظام.

الشعار هنا لا يحتاج التعبير فيه إلى تفسير، ولا إلى تفصيل، بل ولا حتى إلى استدراك؛ لأنه بات في حكم المعروف الذي لا يُعرَّف، ما يعني أن الإزاحة الواجبة لهذا النظام هي دالته التعريفية الحصرية الآن وهنا.

قد لا يجيد المواطنون السودانيون التعبير عن تفاصيل ممارسات نظام كرَّس باستمرار يوميات حياة كئيبة استمرت 30 سنة؛ لكنهم يدركون تماماً الآثار الفادحة لذلك المخزون القاسي، وما أسفر عنه من تسميم (كلمة تسميم هنا أصدق وصف لتلك الحياة) لحياتهم اليومية البسيطة بأكلاف باهظة، تعين عليهم دفع أثمانها فقط من أجل رعونة هذا النظام وإجرامه وخياله الأيديولوجي الرث!

ما حدث للسودانيين على يد هذا النظام، لا تمكن مقارنته بأي تعبير لممارسات وسياسات حكومية في المنطقة التي شملها الربيع العربي منذ بداية عام 2011. فالنظام الذي جاء به الإسلام السياسي (بتدبير من حسن الترابي) عبر انقلاب عسكري على نظام ديموقراطي منتخب (حكومة الصادق المهدي) عام 1989؛ كان بمثابة بلاء عسير لا طاقة للسودانيين (ولا لغيرهم) لتحمله في دينهم ودنياهم.

فمن ناحية؛ خُدع الشعب بالشعارات الإسلاموية وآثر الصبر عليها لأكثر من ربع قرن، لأنه شعب متدين بفطرته. ومن ناحية ثانية؛ كان ما سمي، آنذاك، “المشروع الحضاري”، كان في الواقع يستهدف إدخال السودانيين في (الإسلام السياسي) عبر وصفة سمَّمت حياتهم، فأصبحت طريقاً ملكياً لخراب؛ نجمت عنه: حرب دينية ضد المواطنين السودانيين في الجنوب أدت إلى تقسيم الوطن. وتلتها حروب أهلية في الشرق، ودارفور، والنيل الأزرق، وجبال النوبة. إلى جانب انتشار الفساد، وما نتج عنه من تطبيقات مضللة لمفهوم “التمكين” الذي كان تخصيصاً للدولة والمجال العام على مقاس حزبهم من ناحية، وإحلالاً لأهل الثقة والولاء محل أهل الكفاءة والخبرة من ناحية أخرى، ما أدى إلى هجرة كفاءات سودانية خارج البلاد.  

وهكذا أصبح “المشروع الحضاري” الذي أطلقه حسن الترابي واستهدف منه: إعادة صياغة جديدة لحياة السودانيين؛ من حياة “جاهلية” إلى حياة “إسلامية”، مسخاً شمل تعبيرات كثيرة في المجال العام جرّاء ممارسات سلطة الإسلام السياسي، تعليماً، واقتصاداً وسياسةً على مدى 30 عاماً.

ولأن زعم “المشروع الحضاري” زعم إيديولوجي هدفه السلطة العارية؛ كانت نتائجه: خراب عمودي وأفقي أعطب حياةً عامةً انعكست عليها الأثمان الباهظة لممارسات النظام ونجمت عنها؛ مقاطعة أميركية ودولية دامت ربع قرن، وأدت إلى خراب مشاريع وطنية عملاقة؛ مثل: مشروع الجزيرة – السكك الحديدية – الخطوط الجوية وغيرها، إضافة إلى إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب.

لقد كانت مضاعفات الخراب الممارس في تطبيقات النظام مضطردة باستمرار، ومنعكسة على حياة الشعب السوداني.

وهكذا كان الخراب يتجذر مع؛ استضافة الإرهابيين (من أمثال بن لادن، وكارلوس)، والقيام بجرائم إرهابية خطيرة كمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك عام 1995، من دون أدنى تقدير لعواقبها وكلفتها على حياة الشعب الذي تعين عليه، وحده، دفع الثمن؛ حتى وصلت تناقضات الطبيعة الانشقاقية لبنية الإسلام السياسي إلى حالة الافتراق الذي حدث عام 1999 بين الترابي والبشير؛ ما أدى في النهاية ، مع أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، إلى تحول النظام سلطةً عارية فاسدة تستهدف الكسب واللعب على ألعاب الوقت والتناقضات وبيع الذمم، مع رفع شعارات إسلاموية كاذبة أصبحت لازمة ممجوجة!

وبإصدار مذكرة اعتقال لرأس النظام من المحكمة الجنائية الدولية على خلفية جرائم الإبادة الجماعية للحرب الأهلية في دارفور ابتداءً عام 2003، ثم انفصال الجنوب وذهاب البترول معه عام 2011؛ أصبحت كلفة تحمل هذا النظام عاليةً ومضاعفة الأثمان على حياة الشعب السوداني التي من مظاهر الحد الأدنى للعيش الإنساني السويّ.

وبعدما أصبح السودان مسرح الجريمة الكاملة للإسلام السياسي على مدى 30 عاماً؛ ينتفض الشعب السوداني اليوم ويثور على نظام الدكتاتور عمر البشير تحت شعار ” تسقط بس”.

وعلى خلفية تلك المرارات التي استمرت 30 عاماً؛ لا يتحدث السودانيون اليوم عن حكومة البشر إلا بهذا الشعار/ اللازمة: (تسقط بس) كتكثيف مجازي لما لا يمكن قوله في ما حدث على مدى 30 عاماً من خراب.

وحين يبلغ الشعب مبلغاً ساخراً يطرد الخوف تماماً لدرجة تجعله يطلق نكاتاً وسخريات صغيرة من النظام، عبر تحويل ما هو موضوعي إلى ذاتي؛ فهذا يعني أن نظام البشير سقط في نظر السودانيين وقلوبهم ولم يتبقَّ له إلا السقوط المادي. وفي ما يلي نماذج لمقولات ساخرة، بالعامية السودانية، تعبر عن ذلك الشعار وتوظفه ليكون مقولة يومية تأتي في خاتمة الكلام ذاتياً كان أو موضوعياً:  

“حكومة تخَّلي العسكري يخربشني وزي البت الشلّبوها: (أي التي خُطف زوجها من امرأة أخرى) تسقط بس”.

“حكومة تسرق شباشب (الأحذية المنزلية) الشعب: تسقط بس”.

“حكومة تخليك تصرف على جكسويتك ” حبيبتك ” وتحبها وتحصّنها وتعمل ليها رقية شرعيّة بالتلفون وبعد دا يجي “مغترب” كعريس جاهز يشيلها منك بسبب فارق الوضع الاقتصادي: تسقط بس”.

“حكومة تخلي حبوبه (الجدة) تقول لي في نهاية كل مكالمة: تفتكر حنشوف بعض تاني؟ تسقط بس”.

“حكومة خلت الاندومي (أكلة إندونيسية شعبية رخيصة) من ٣ جنيه لي ١٥ جنيه تسقط بس”.