أتت الحملات على مواقع التواصل الإجتماعي في الأيام القليلة الماضية تحت شعار “من قتلني؟”، ثمارها عبر مشاركة آلاف المواطنين العراقيين في التظاهرات في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد، التي وصلها المتظاهرون من المحافظات العراقية كافة للمطالبة بالكشف عن قتلة الناشطين والمتظاهرين والصحافيين وملاحقتهم وترهيبهم. الناس حضروا بكامل حماستهم “مدجّجين” بشعاراتهم المناهضة للميليشيات المدججة بالسلاح. وحاولوا ان يرسموا معادلة جديدة: حرية التعبير وحرية الانتخاب في وجه آلة القتل والسلاح الذي يرهب العراقيين. وأكدوا عبر شعاراتهم: لا انتخابات في ظل سطوة السلاح.
“تشرين رجعت من جديد”، هذا الشعار تردد كثيراً في هذا اليوم الذي يعيد ذكريات مجيدة إلى العراقيين الذين علقوا آمالاً على حراك تشرين أول/اكتوبر 2019، الذي طالب بتغيير الطبقة السياسية ومحاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة، وليس تصريح رئيس الجمهورية برهم صالح الأخير عن سرقة 150 مليار دولار من أموال النفط، سوى اعتراف رسمي بالفساد المالي للسلطات العراقية المتعاقبة.
وتأتي هذه التظاهرة الجديدة بعد اسابيع على عودة الاغتيالات مع تصفية الناشط ايهاب الوزني، منسق الاحتجاجات المناهضة للسلطة في كربلاء، ومحاولة اغتيال مراسل قناة الفرات الفضائية أحمد حسن ونجاته باعجوبة بعد اصابته برصاصتين في الرأس، ما دفع بمجموعات كثيرة في ثورة تشرين إلى اعلان مقاطعتها الانتخابات النيابية المزمع اجراؤها في تشرين أول المقبل.
مئات الباصات حملت المتظاهرين المتحمّسين من المحافظات كافة إلى التظاهرة التي انقسمت بين ساحات النسور والفردوس والتحرير في بغداد، وكان القرار في اعتماد تعدد الساحات، “تكتيكاً جديداً لتفادي تضييق قوات الأمن”، التي عملت على تفتيش الباصات ومحاولة عرقلة بعضها، لمنع وصولها إلى الساحة. كما قامت القوى الأمنية بمنع بعض وسائل الاعلام من تغطية التظاهرات بحسب جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، وطالبتهم بمغادرة الساحة على الفور.
ويقول المتظاهر حيدر الزبيدي لـ”درج”: “هذا التكتيك الجديد ضروري كي لا تمارس السلطة قمعها وتُضايق المحتجين وتمنع وصولهم إلى ساحات التظاهر الشعبي”، مشيراً إلى أن ساحة التحرير وسط بغداد ستكون هي “الجامع الأهم لجميع الشابات و الشبان المطالبين بحياةٍ أفضل وكشف قتلة المتظاهرين واعدامهم ومكافحة الفساد المالي والإداري في البلاد”. وكانت مجموعات المتظاهرين قد عقدت اجتماعا قبل يومين وجرى الاتفاق على تنويع أماكن التظاهر بين ساحات التحرير والفردوس والنسور وذلك بهدف تشتيت القوى الأمنية والميليشيات، في حال محاولتها قمع احدى التظاهرات، لكي تستطيع الأخرى مواصلة التظاهر.
ويطالب المتظاهرون بـ”الخلاص من نظام المحاصصة الحزبية والمذهبية”، منتقدين الالتفاف والخديعة التي يقوم بهما مجلس النواب والحكومة التنفيذية على انجازات الثورة، فيما يقول المتظاهر نور نجم لـ”ردج” إن “فساد احزاب السلطة الحاكمة مستمر باختطاف حياة الناس”، مضيفا أن “ما يحدث اليوم تأكيد على ان حراك تشرين لم ينطفئ ويمثل اصراراً على تجدد الاحتجاجات السلمية”. وتركزت المطالب في الساحة على سحب سلاح الميليشيات ومحاسبة قتلة المتظاهرين والكشف عن مصير عشرات المخفيين قسراً من متظاهري تشرين الذين ظهرت صورهم في الساحة مرفوعة من ذويهم الذين يطالبون الدولة بالكشف عن مصيرهم.
يقول الإعلامي العراقي مصطفى صكر لـ”درج” إن المتظاهرين تجاوزوا مرحلة المطالبة بمحاسبة القتلة، بل باتوا يحمّلون رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي مسؤولية التستر عليهم وبأن حكومته لا تريد الكشف عن اسماء القتلة ومحاكمتهم”.
ومن المطالب الأساسية التي ركز عليها المتظاهرون بحسب صكر إجراء الانتخابات التشريعية بموعدها المقرر في تشرين الأول/أكتوبر 2021, وعدم تإجليها إلى العام المقبل، “بشرط تأمين الحكومة لجو انتخابي لا يخضع لترهيب السلاح، ورفض الدعوات من بعض الكتل السياسية للمقاطعة الجماهيرية بالإضافة إلى أشراف أممي على سير الانتخابات وتوفير الحماية الأمنية الكافية للناخبين والمرشحين لإنجاح العملية الإنتخابية”.
القوى الأمنية اعتقلت اربعة شبان وصفتهم بـ”المندسين” يحملون أدوات حادة قرب ساحة التحرير، وبحسب بيان خلية الإعلام الأمني الذي أطلعت عليه “درج” فإن “المندسين كانوا يحاولون اختراق الخطوط الأمامية وإحداث الفوضى أثناء التظاهرات”, مؤكدة أن قواتها الأمنية وفرت التأمين الكامل لساحة التظاهرات بمهنية عالية ومنع المظاهر المسلحة والتأكيد على الالتزام بسلمية التظاهرات والتعبير عن حقهم وآرائهم وفق ما يكفله الدستور العراقي”.
وكعادتها ظهرت مجموعات شبابية ملثمة، رفعت صوراً ولافتات اعتبرها المتظاهرون مشبوهة واستفزازية ولا تخدم إلا الميليشيات والسلطة وتحمل محاولات لإجهاض الحراك. وتظهر هذه الصور ضحايا الاغتيالات وخلفهم صور للنائب العراقي فائق الشيخ علي والمستشار الإعلامي في رئاسة الحكومة مشرق عباس بالإضافة إلى السفير الأميركي لدى بغداد ماثيو تولر وهم يحملون مسدسات كاتمة للصوت، في إشارة إلى أنهم المسؤولين عن قتل الناشطين والمتظاهرين والصحافيين، وفي محاولة لتجهيل القتلة الفعليين، معروفي الانتماء والولاء للقاصي والداني.
إقرأوا أيضاً: