fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

تشييع حسن نصر الله…خاتمة زمن “السيد”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يُشيِّع حسن نصرالله من مدينة كميل شمعون الرياضية التي أعاد بناءها الرئيس رفيق الحريري، مكان ذو رمزية تقاطعت فيه مذهبيات سياسية ثلاثة، مارونية وسنية وشيعية…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان الحسد على الأرجح، هو السمة التي يتقاطع عليها أغلب حلفاء السيّد حسن نصرالله وخصومه من سياسيي لبنان، فالرجل  كان في العقود الثلاثة الماضية، الشخص الأكثر حضوراً وتأثيراً في السياسة، وفي حياة اللبنانيين، ووحدها لحظة اغتياله كانت خالية من حسد الحاسدين.

   مهيباً سيكون تشييع الرجل، وقد ترقى مشهديته في تصنيفها، إلى أكبر احتشاد جماهيري جنائزي عرفه تاريخ لبنان، ومن مدينة كميل شمعون الرياضية التي أعاد بناءها الرئيس رفيق الحريري، سيُشيِّع نصرالله. نحن إذاً، حيال رمزية مكان تقاطعت فيه وعليه مذهبيات سياسية ثلاثة، تداولت الهيمنة على تاريخ لبنان الحديث، وفي هذا الصرح الرياضي سينعقد هذا التقاطع المذهبي الآني والضدي في وعي اللبنانيين، بين مارونية سياسية كان كميل شمعون “ثعلبها”، وبين سنية سياسية قامت على أنقاضها، ومثّل رفيق الحريري ذروة زعامتها، ثم شيعية سياسية كان الأمين العام لـ “حزب الله” منتهى سدرتها .

      و”حزب الله” إذ يشيّع أمينه العام الأشهر من المدينة الرياضية في بيروت، لم يدَّعِ وصلاً بالمكان ورمزيته، إلا من واقع أن الأخير هو المتاح والمباح، وقد أتت الحرب الأخيرة على حواضرالتشييع التي ارتبطت بالحزب وبوجدان بيئته. والحال أنه وحدهم ضحايا اليوتوبيا اللبنانية الكاذبة والمتوهمة، مصرّون على الاستغراق في أوهام الوحدة الوطنية، كإدراج نصرالله من دعاتها حيناً (الشيخ صادق النابلسي) أو في ظنهم أن موتاً نوعياً لشخصيته الاعتبارية، قادر على بعث هذه اليوتوبيا واحتمالاتها المستحيلة (بيان الحزب التقدمي الاشتراكي).

  كان نصرالله أكثر السياسيين اللبنانيين، وربما الوحيد بينهم، ممن تبوّأوا ناصية السياسة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن الرجل صنع سياسة بمعايير حزبه، وبمناخات طغى فيها الإقليمي على المحلي، والمذهبي على الوطني، وهو بهذا المعيار الضيّق كان قسيم السياسة، وقسيم اللبنانيين بين المقاومين والعملاء! قسمة تعسفية كهذه، هي في أحسن الأحوال مفضية إلى وأد اليوتوبيا المرضية في مخيّلات أصحابها.

  كانت سُبابة نصرالله المهدِّدة، أكثر ما تداوله وعي خصومه عنه، فيما حفظ له جمهوره سيلاً من الوعود القطعية والخطب الحماسية، والرجل بالمناسبة صنع في وعي جمهوره أيضاً يوتوبيا متوّرمة، مناقضة لتلك التي لا تني تراود أوهام الكثيرين عن لبنان الحلم والرسالة.

.  كان نصرالله خطيباً مفوهاً ومتمكناً، ويعرف كل مرة أن جذب وعي جمهوره إليه هو منازلة رابحة، وخارج النقد. هو بهذا المعنى سكن ذلك الوعي بخلفية الولي الذي يملك الحقيقة. ووعود الانتصارات، واستطراداً أفول زمن الهزائم، هما معيار راجح عن ولاية الرجل في حزبه وبيئته، وأغلب الظن أن ولاية كهذه، تبدّت في وعي الأخيرَين أكثر جاذبية من الولاية المطلقة، التي مثّلها الولي الفقيه في إيران، والتي اندرج فيها نصرالله نفسه كجندي من جنودها.

  لكن “جندية” الرجل فرضها على الأرجح، تواضع قسري محكوم بحدود الولاية الفقهية وشرعيتها، وبسلطة وليّها. كان نصرالله أكثر من مجرد جندي ولائي، واستثنائيته اللبنانية انسحبت كاستثنائية أخرى، حسده عليها أيضاً كل زعامات الأذرع الإيرانية، وتحديداً العراقية منها. كان نصرالله شريكاً في القرار الإيراني، ومثّل اغتياله في الحرب الأخيرة، وانحسار المشروع التوسّعي لإيران في الإقليم، مؤشراً إلى الدور النوعي والمعنوي له، قبل اغتياله في السابع والعشرين من أيلول/ سبتمبر من العام ٢٠٢٤.

    عموماً، سيتبدّى الكثير من الكلام المُساق على ضفاف الجنازة، وقبلها، وبعدها على الأرجح، استغراقاً في تهافت سياسي لبناني معتاد، وهو استغراق لن يبرأ منه أحد من محبّي “السيّد”، كما من خصومه.

  كان اغتيال نصرالله مؤسساً لفكرة معتلّة، عن تبدد شعبية حزب كان الراحل “أيقونته”، وكانت الفكرة مشاعاً سياسياً تداول الخوض فيها مؤخراً سياسيون وإعلاميون، تبدّت فكرتهم من أساسها بناء مُشاداً من أمنيات ضدية ومُكابِرة، وليس من وقائع غيّبت الكثافة المعنوية والمادية للرجل، وبالتالي لحزبه في وعي جمهور شيعي واسع، وأغلب الظن  أن الحضور الكثيف في مراسم التشييع، سسيُشيع أيضاً  هذه الأمنيات.

   “أولية” نصرالله كمكثّف شعبي ل”حزب الله”، يندرج تحتها وربطاً بها، تراث ديني عميق، كان الأمين العام الراحل يستدعيه بكثافة، ويُسقطه على الوقائع التي صنع منها وبها “أسطورته”، في وعي جمهور شيعي لا يني يُقيم في ذلك الماضي الغابر.

     كرسَّت حروب “حزب الله” بانتصاراتها الحقيقية والمتوهّمة، شخصية نصرالله الاستثنائية، وبتلك المواءمة  بين ماضي الشيعة البعيد وبين حاضرهم، كان نصرالله سيد من أخرج سردية “المظلومية” الشيعية، من الاستغراق الصامت في وقائعها، إلى إحيائها كمشروع جهادي استلب الوعي الشيعي في العقود الأخيرة .

 في العام ١٩٩٦، قدّم نصرالله نجله البكر في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. تلك اللحظة أسست لاستثنائية الرجل عند جمهور لبناني وعربي واسع، ثم جاء تحرير الجنوب في العام ٢٠٠٠، ليكثّف تلك الاستثنائية، ويُضفي عليها بعداً أسطورياً، باشر تراجعه بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم انحسر كثيراً بعد مشاركة الحزب في  الحرب السورية، لكن نصرالله استعاض عن تلك الاستثنائية المتلاشية،  بتكثيفها أكثر في وعي بيئته، وبذرائع مذهبية صرفة، متماهياً أخيراً مع صلب المشروع الذي اندرج فيه باكراً.

   كان تحرير العام ٢٠٠٠ شاطراً بين مقامين، وكان نصرالله سيّدهما. إنها مشقة الأخير مع ولاية فقهية أخرجته أحلامها التوسّعية من فضاء عربي وإسلامي كان “سيّده”، إلى أفق مذهبي ذهب فيه السيّد إلى خاتمته المأساوية. وللمرء أن يستدرج إلى مخيّلته شكل مشهدية يوم الأحد، فيما لو ظلَّ نصرالله مقيماً في الفضاء الأول.

ليلاس حتاحت- صحافيّةسوريّة | 09.05.2025

سوريات في السجن اللبناني (2): الزنزانة التي أيقظت تروما الاغتصاب الأول

هذه الحلقة الثانية من ثلاث حلقات، تروي فيها الصحافية السورية ليلاس حتاحت، شهادة عن تجربة مؤلمة عاشتها في سجن لبناني، أمضت فيه سبعة أيّام بلياليها، بعد اكتشافها تلفيق تهمة لها حين كانت في أوروبا، باستخدام اسمها وجواز سفرها السوري.
22.02.2025
زمن القراءة: 4 minutes

يُشيِّع حسن نصرالله من مدينة كميل شمعون الرياضية التي أعاد بناءها الرئيس رفيق الحريري، مكان ذو رمزية تقاطعت فيه مذهبيات سياسية ثلاثة، مارونية وسنية وشيعية…

كان الحسد على الأرجح، هو السمة التي يتقاطع عليها أغلب حلفاء السيّد حسن نصرالله وخصومه من سياسيي لبنان، فالرجل  كان في العقود الثلاثة الماضية، الشخص الأكثر حضوراً وتأثيراً في السياسة، وفي حياة اللبنانيين، ووحدها لحظة اغتياله كانت خالية من حسد الحاسدين.

   مهيباً سيكون تشييع الرجل، وقد ترقى مشهديته في تصنيفها، إلى أكبر احتشاد جماهيري جنائزي عرفه تاريخ لبنان، ومن مدينة كميل شمعون الرياضية التي أعاد بناءها الرئيس رفيق الحريري، سيُشيِّع نصرالله. نحن إذاً، حيال رمزية مكان تقاطعت فيه وعليه مذهبيات سياسية ثلاثة، تداولت الهيمنة على تاريخ لبنان الحديث، وفي هذا الصرح الرياضي سينعقد هذا التقاطع المذهبي الآني والضدي في وعي اللبنانيين، بين مارونية سياسية كان كميل شمعون “ثعلبها”، وبين سنية سياسية قامت على أنقاضها، ومثّل رفيق الحريري ذروة زعامتها، ثم شيعية سياسية كان الأمين العام لـ “حزب الله” منتهى سدرتها .

      و”حزب الله” إذ يشيّع أمينه العام الأشهر من المدينة الرياضية في بيروت، لم يدَّعِ وصلاً بالمكان ورمزيته، إلا من واقع أن الأخير هو المتاح والمباح، وقد أتت الحرب الأخيرة على حواضرالتشييع التي ارتبطت بالحزب وبوجدان بيئته. والحال أنه وحدهم ضحايا اليوتوبيا اللبنانية الكاذبة والمتوهمة، مصرّون على الاستغراق في أوهام الوحدة الوطنية، كإدراج نصرالله من دعاتها حيناً (الشيخ صادق النابلسي) أو في ظنهم أن موتاً نوعياً لشخصيته الاعتبارية، قادر على بعث هذه اليوتوبيا واحتمالاتها المستحيلة (بيان الحزب التقدمي الاشتراكي).

  كان نصرالله أكثر السياسيين اللبنانيين، وربما الوحيد بينهم، ممن تبوّأوا ناصية السياسة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن الرجل صنع سياسة بمعايير حزبه، وبمناخات طغى فيها الإقليمي على المحلي، والمذهبي على الوطني، وهو بهذا المعيار الضيّق كان قسيم السياسة، وقسيم اللبنانيين بين المقاومين والعملاء! قسمة تعسفية كهذه، هي في أحسن الأحوال مفضية إلى وأد اليوتوبيا المرضية في مخيّلات أصحابها.

  كانت سُبابة نصرالله المهدِّدة، أكثر ما تداوله وعي خصومه عنه، فيما حفظ له جمهوره سيلاً من الوعود القطعية والخطب الحماسية، والرجل بالمناسبة صنع في وعي جمهوره أيضاً يوتوبيا متوّرمة، مناقضة لتلك التي لا تني تراود أوهام الكثيرين عن لبنان الحلم والرسالة.

.  كان نصرالله خطيباً مفوهاً ومتمكناً، ويعرف كل مرة أن جذب وعي جمهوره إليه هو منازلة رابحة، وخارج النقد. هو بهذا المعنى سكن ذلك الوعي بخلفية الولي الذي يملك الحقيقة. ووعود الانتصارات، واستطراداً أفول زمن الهزائم، هما معيار راجح عن ولاية الرجل في حزبه وبيئته، وأغلب الظن أن ولاية كهذه، تبدّت في وعي الأخيرَين أكثر جاذبية من الولاية المطلقة، التي مثّلها الولي الفقيه في إيران، والتي اندرج فيها نصرالله نفسه كجندي من جنودها.

  لكن “جندية” الرجل فرضها على الأرجح، تواضع قسري محكوم بحدود الولاية الفقهية وشرعيتها، وبسلطة وليّها. كان نصرالله أكثر من مجرد جندي ولائي، واستثنائيته اللبنانية انسحبت كاستثنائية أخرى، حسده عليها أيضاً كل زعامات الأذرع الإيرانية، وتحديداً العراقية منها. كان نصرالله شريكاً في القرار الإيراني، ومثّل اغتياله في الحرب الأخيرة، وانحسار المشروع التوسّعي لإيران في الإقليم، مؤشراً إلى الدور النوعي والمعنوي له، قبل اغتياله في السابع والعشرين من أيلول/ سبتمبر من العام ٢٠٢٤.

    عموماً، سيتبدّى الكثير من الكلام المُساق على ضفاف الجنازة، وقبلها، وبعدها على الأرجح، استغراقاً في تهافت سياسي لبناني معتاد، وهو استغراق لن يبرأ منه أحد من محبّي “السيّد”، كما من خصومه.

  كان اغتيال نصرالله مؤسساً لفكرة معتلّة، عن تبدد شعبية حزب كان الراحل “أيقونته”، وكانت الفكرة مشاعاً سياسياً تداول الخوض فيها مؤخراً سياسيون وإعلاميون، تبدّت فكرتهم من أساسها بناء مُشاداً من أمنيات ضدية ومُكابِرة، وليس من وقائع غيّبت الكثافة المعنوية والمادية للرجل، وبالتالي لحزبه في وعي جمهور شيعي واسع، وأغلب الظن  أن الحضور الكثيف في مراسم التشييع، سسيُشيع أيضاً  هذه الأمنيات.

   “أولية” نصرالله كمكثّف شعبي ل”حزب الله”، يندرج تحتها وربطاً بها، تراث ديني عميق، كان الأمين العام الراحل يستدعيه بكثافة، ويُسقطه على الوقائع التي صنع منها وبها “أسطورته”، في وعي جمهور شيعي لا يني يُقيم في ذلك الماضي الغابر.

     كرسَّت حروب “حزب الله” بانتصاراتها الحقيقية والمتوهّمة، شخصية نصرالله الاستثنائية، وبتلك المواءمة  بين ماضي الشيعة البعيد وبين حاضرهم، كان نصرالله سيد من أخرج سردية “المظلومية” الشيعية، من الاستغراق الصامت في وقائعها، إلى إحيائها كمشروع جهادي استلب الوعي الشيعي في العقود الأخيرة .

 في العام ١٩٩٦، قدّم نصرالله نجله البكر في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. تلك اللحظة أسست لاستثنائية الرجل عند جمهور لبناني وعربي واسع، ثم جاء تحرير الجنوب في العام ٢٠٠٠، ليكثّف تلك الاستثنائية، ويُضفي عليها بعداً أسطورياً، باشر تراجعه بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم انحسر كثيراً بعد مشاركة الحزب في  الحرب السورية، لكن نصرالله استعاض عن تلك الاستثنائية المتلاشية،  بتكثيفها أكثر في وعي بيئته، وبذرائع مذهبية صرفة، متماهياً أخيراً مع صلب المشروع الذي اندرج فيه باكراً.

   كان تحرير العام ٢٠٠٠ شاطراً بين مقامين، وكان نصرالله سيّدهما. إنها مشقة الأخير مع ولاية فقهية أخرجته أحلامها التوسّعية من فضاء عربي وإسلامي كان “سيّده”، إلى أفق مذهبي ذهب فيه السيّد إلى خاتمته المأساوية. وللمرء أن يستدرج إلى مخيّلته شكل مشهدية يوم الأحد، فيما لو ظلَّ نصرالله مقيماً في الفضاء الأول.

22.02.2025
زمن القراءة: 4 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية